توطئة
إمارة عربستان
العائلة المالكة في عربستان
مولانا معز السلطنة سردار أرفع
إمارة معز السلطنة سردار أرفع
الأنجال الأنجاب
جناب الحاج رئيس
نظرة في العراق
الخاتمة
توطئة
إمارة عربستان
العائلة المالكة في عربستان
مولانا معز السلطنة سردار أرفع
إمارة معز السلطنة سردار أرفع
الأنجال الأنجاب
جناب الحاج رئيس
نظرة في العراق
الخاتمة
الدرر الحسان في إمارة عربستان
الدرر الحسان في إمارة عربستان
وترجمة مولانا صاحب العظمة سردار أرفع معز السلطنة الشيخ «خزعل خان» أمير المحمرة وحاكمها ورئيس قبائلها
تأليف
عبد المسيح أنطاكي
ملك به العرب الكرام استرجعوا
مجد الرشيد وعهده المسعودا
ولعرشه أولوا الوجوه وقد رأوا
فيه العميد الأروع الصنديدا
بلغوا المنى في فضله وتمنعوا
باليمن إذ حكم البلاد رشيدا
ودعوا بأن يحيا لأمة يعرب
سردارها بالمفخرات خلودا
توطئة
الحمد لله الذي جعل العرب، مجلى جلال الأدب، وأرسل منهم وفيهم نبيه الهادي الأمين من آل عبد المطلب، وأنزل الذكر بلغتهم فحفظها مدى الحقب، من دواعي العطب، وجعل موطنها مصدر الدين الحنيف، تسعى إليه ركاب الطلب. والصلاة والسلام على المصطفى، وكل من اختار من أنبيائه ورسله واصطفى، صلاة عربي صدق لقومه الود ووفى. وبعد، فإن خدماتي للعرب مشهورة، ومساعي في سبيل تجديد مجدهم بالصحف مسطورة، وبين المنصفين مذكورة، فقد ناديت باسم العرب والناس نيام، وطالبت بحقهم الضائع برنين الخطب وصرير الأقلام، وجلت في بلادهم بلدا بلدا، واتصلت بأمرائهم سيدا فسيدا، وشهدت فوق ما علمت من مجد وسؤدد وجلال، ويسر ورحابة صدر وإقبال؛ فقرت عيناي بمن عرفت، وانثلج صدري ممن تقربت، وازددت طمعا بنيل بعيد الآمال، وإصلاح الحال، بحول الله ذي الجلال، فهنالك الأمراء والأشراف والسراة والأعيان، وكل منهم مظهر جلال العرب بالبر والإحسان، والفضل المتلالي للعيان، على أني ما كدت أبلغ العراق، بعد كثير المشاق، وعلى جناح الرغبة والاشتياق، حتى وجدت في ديار الأمين والمأمون، وعلى ضفاف الشط الذي تجتمع فيه مياه الدجلة والفرات وقارون، ديارا عامرة، وإمارة باهرة، ورياضا مزهرة زاهرة، وآثارا فاخرة، حتى خلتني في خلافة بني العباس، على ما عهد فيها من وسيع المجد ووافر الإيناس، وعلى رأسها ملك عظيم، قد استوى على عرشه الفخيم، بوجهه الوسيم، وثغره البسيم، وبره العميم، ورأيه القويم، حتى صح فيه القول: إن هذا إلا ملك كريم، وقد آلى على نفسه أن يجدد دولة الرشيد، ويحيي ما للعرب من كل أثر مجيد، وعمران مشيد، وتمدن فريد، وعيش رغيد، وسؤدد وتأييد، بسلطان واسع، وجاه ناصع، وبر شائع، وحمد ذائع، وفضل جامع، ومآثر يتغنى بها المنشد والساجع. ولا جرم؛ فإن معز السلطنة السردار أرفع؛ مولانا صاحب العظمة، الشيخ خزعل خان، أمير نويان، وسردار عربستان، هو صاحب هذه الصفات الحميدة، وجامع هاتيك الخلال الفريدة، وهو في العراق محط الرحال، ومطمح الأبصار؛ تنتهي عنده الآمال، وتقصده العفاة من بعيد الأمصار، فلا غرو إذا عقدت في داره الحبى، ونزلت في إمارته الموطن الأرحبا، وقابلتني مكارمه بأهلا وسهلا ومرحبا. وأمثالي كثيرون أناخوا ببابه، ومشوا بركابه، فأقال لهم العثار، وعمرت لهم في بره الديار، وبلغوا به منتهى الإعزاز والافتخار. ولقد حمدت الله على لياذي بجنابه، وحمدت الله سبحانه الذي سدد خطواتي إلى رحابه، فاعتصمت بحبل وده المتين، ولذت بمجده الثمين، وبايعته أن أعيش ما عشت لخدمته، وإذا مت فأنا فداه؛ وأن أجاهد تحت رايته، وغايتي من الدنيا رضاء الله ورضاه.
وما شغفي بعظمته لرفد طوق به عنق العاجز؛ فالرفد شيمته، أو نعمة عضضت عليها بالنواجز؛ فالإنعام عادته. وكثيرون مثلي عاشوا بخدمته، وعاشوا بنعمته، وإنما أشغفني به أنه عربي صحيح النسب، جم الأدب، بعيد الطلب، أوقف نفسه على تجديد مجد العرب، وكنت أبحث عن مثله أميرا أعتصم به في خدمة الأمة العربية، وأعتمد عليه في مرامي السياسية. وكنت قبله كذلك الفيلسوف ديوجينيس الذي كان والشمس في رابعة النهار يحمل مصباحا مفتشا عن رجل يملأ الأسماع والأبصار، وكنت أوفر حظا من ذلك الفيلسوف إذ وجدت الضالة التي كان لأجلها بمصباحه يطوف.
وجدت الذي ما أوجد الله مثله
حزوما عزوما مصلحا وافر البر
يجد لخير العرب جدا بلا ونى
ليسترجعوا الماضي من الجاه والفخر
ويبذل في هذا السبيل جلائل ال
مساعي ولا يخشى معاندة الدهر
أنخت بعيري في مواطن مجده
وقلت هنا مجلى الفخامة واليسر
لدى خزعل المفضال بي وقف الهوى
فها أنا ذا في بابه واقف عمري
وروحي لديه لا تفارق عرشه ال
فخيم ولو أثويت بالجسم في مصر
فهذا هو الأمير الذي أنادي باسمه الكريم بكرة وعشية، وأدعو إلى حبه من معشر العرب كل ذي أريحية، وشئمة علية، وعلى مثل حبه تذوب حبات القلوب، وفي سبيل مرضاته تبذل النفوس والنفائس ما دام هو المرتجى المحبوب، والمفرج الكروب. وها أنا ذا أزف إلى العالم العربي شيئا عن إمارته العلية، مع التنويه بآثاره الرضية، وإن كان القلم ليعجز عن استيعاب محامده، والتجوال في وسيع مقاصده، والله حسبي في منهج الصدق، وتوخي الحق، في تعداد مناقبه الزهراء، وصفاته الحسناء.
وأعلم عجزي عن بيان المحامد ال
حسان التي يزدان فيهن خزعل
على أنني في حلمه بت طامعا
بما أنا أروي عن علاه وأجمل
معز السلطنة سردار أرفع صاحب العظمة الشيخ خزعل خان، أمير نويان وسردار عربستان، وحاكم المجمرة ورئيس قبائلها.
بلغ الأعارب منتهى الآمال
بالشيخ خزعل صاحب الإجلال
وبه انثنوا باليمن والأفراح وال
إسعاد والإيسار والإقبال
ملك علا أوج الإمارة فازدهت
وتعززت بأميرها المفضال
وبها أعاد إلى العراق فخاره
وبهاءه المتسامق المتلالي
لله در أبيه في يوم الندى
أغنى العفاة بجوده الهطال
ولدى الوغى يلقى العدى متفردا
ويبيدهم في سيفه الصيال
وبشرع أحمد ينصف الأخصام إن
صافا له في الملك خير مآل
وإذا مشى بالناس يمشي فيهمو
بذكائه نحو الرقي العالي
رأت الأعارب في رحائب قصره
صدرا رحيبا مع أبر خلال
وذكا وآدابا وعلما زاهرا
وسداد رأي مع وفير نوال
هذا هو السردار أرفع مظهر ال
عليا الذي فيه يضي ويلالي
هذا المعز أمير نويان الذي
ندعو بأن يحيى مدى الأجيال
وأسعدني دهري به إذ عرفته
وأصبحت فيه وارف العيش محترم
وبشراي أني فائز برضائه
رضاء أباهي العرب فيه مع العجم
إمارة عربستان
إن العراق الذي فاخر به الرشيد فرعون مصر فقال: «لو علم فرعون بالعراق لما افتخر بقوله: أليس لي ملك مصر»، والعراق الذي قال عنه ويلكوكس إنه البقعة الوحيدة في الدنيا التي تحاكي بخصبها تربة مصر، والعراق الذي كان مجلى جلال الخلافة العباسية العربية، والعراق الذي لا يزال أهله على أخلاقهم البدوية فلم تؤثر عليها مخالطتهم للأعاجم؛ هذا العراق يقسم إلى قسمين: أحدهما العراق العربي ويبدأ من الفاو فالبصرة حتى بغداد إلى ما وراءها للموصل، وكان قبل الحرب العامة الأوروبية تابعا للدولة العثمانية، وقد فتحت بعضه الجيوش الإنكليزية في سنة 1915، ولا يزال ميدانا للقتال بين الإنكليز والأتراك.
والقسم الثاني يطلق عليه اسم «العراق العجمي»، وهو تحت السيادة الإيرانية، ويسميه الإيرانيون «عربستان» ويطلقون على بعضه اسم «خوزستان»، وكان على عهد دولة الأكاسرة قبل الإسلام يسمى باسم «شوشته»، وسماه العرب بعد الفتح الإسلامي باسم «الأهواز» نسبة لأكبر مدنه إذ ذاك. والأهواز هذه تجدد عمرانها على عهد ساكن الجنان، نصرة الملك الشيخ جابر خان، والد عظمة مولانا السردار أرفع، حفظه الله، ودعاها «ناصرية الأهواز» نسبة لساكن الجنان، ناصر الدين خان، شاه إيران الأسبق.
ويحد عربستان من الشمال شرق لارستان، ومن الجنوب الشرقي جبال فارس، ومن الجنوب خليج فارس، ومن الغرب العراق العربي أو ولايتا بغداد والبصرة، ومساحة هذه الإمارة تسعة وثلاثون ألف ميل مربع، وفيها نيف وأربعمائة ألف نسمة معظمهم من قبائل العرب عدا القبائل الرحل التي تنتابها للكلأ.
وأهالي عربستان كما قلنا معظمهم من العرب، وهم مسلمون، وأغلبهم على مذهب الشيعة، والسنيون فيهم قليلون، وفي المدن النصارى الكلدان ولهم كنيسة في الأهواز، واليهود، والصابئة.
أخذ الأوروبيون أحد مشاهد العراق وقالوا: هذه جنة عدن.
يا ساكني أرض العراق أفيقوا
ولكم بها للمفخرات طريق
هي جنة من تحتها الأنهار جا
رية وفيها للزهور عبيق
من كل فاكهة بها زوجان بل
هي روضة فيها الفؤاد مشوق
عجبي وكانت رحبة المغنى فبا
تت في القليل من العباد تضيق
هبوا فديتكمو إلى استثمارها
ولكم بمولانا المعز صديق
ولكم على الأيام عون الإنكلي
ز وكلهم خل لكم وشفيق
وأهم مدن هذه الإمارة «المحمرة»، وهي حاضرتها، فناصرية الأهواز، فششتر المتاخمة لمنازل البختيارية، فدزفول، فعبادان وغيرها. وأهم أنهارها قارون والكرخ وبهمشير، ويمر بحدودها نهر الدجلة، فشط العرب الذي هو مجتمع الدجلة والفرات. وأهم محصولاتها البلح «التمر» وهو يباع بأسواق الهند وأوروبا وأميريكا، والقمح والشعير والأذرة وغير ذلك.
أما المحمرة، وهي حاضرة الإمارة، فهي شبه جزيرة يحيط بها شط العراق من طرف ونهر قارون من الطرف الثاني ونهر بهمشير من الطرف الثالث، ومبنية دورها بين شجر النخيل المتمايسة كالعرائس، وفيها نيف وثلاثون ألف ساكن، وتحيط بها كور (جمع كورة)، وهي القرية يبلغ سكانها نحوا من سبعين ألفا، فيكون مجموع سكان الحاضرة بكورها نحوا من مائة ألف على مسافات شاسعة، والمنتظر - والله ممد بأجل عظمة مولانا السردار أرفع - أن تصبح بفضل عنايته، متصلة البنيان، وافرة العمران، وتبتدي هذه الكور من مدخل شط العراق قبالة الفاو، وتنتهي بقرب البصرة حيث تقابلها من الجهة الثانية الأملاك التي فتحتها بريطانيا العظمى سنة 1915.
هذه المحمرة التي فيها الجلا
ل مع الفخار مع اليسار مع الهنا
بانت وخزعل ملكها العالي الذرى
دار الأمان مع الميامن والمنى
أما نفس المحمرة «البلد» فقد كانت متعرجة الأسواق، ذات دور متهدمة على نحو المدن التي على ضفاف خليج فارس، وما زالت كذلك إلى أن علا عرش الإمارة باليمن والإقبال عظمة مولانا السردار أرفع، أعزه الله، فأسرع في ترميمها وتشييد أسواقها على أحدث طراز، فجاء بالمهندسين من البصرة والهند، وفتح خزائنه فعمرها تعميرا، فجاءت أسواقا واسعة الطرقات، مصفوفة، متشاكلة، متناسقة، وكذلك صدرت إرادته السنية بتوسيع شوارعها وفرش أراضيها بالحجر الصلد، وأرصد لها الخدمة لكنسها ورشها، وهكذا أصبحت المحمرة من أعمر مدن العراق بغير جدال. كل هذا فعله على نفقته الخاصة من غير أن يضرب، حفظه الله، ضريبة ما على رعاياه لكي لا يثقل كواهل رعيته بالضرائب.
وأهم شوارع هذا البلد الطيب «الشارع الخزعلي»، وهو شارع كبير مشرف على نهر بهمشير، وفيه الكمرك، ودور المعتمد الإيراني ، والقنصل الإنكليزي، وجناب الحاج محمد علي خان رئيس تجار عربستان ووزير الإمارة الأكبر المشهور بإخلاصه وتفانيه في خدمة مولانا ولي النعم، ودار البنك الإيراني الشاهاني، وكثير غيرها من الدور العامرة، وأشجار النخيل تتخللها جميعا وتختال ما بينها كالعرائس، وفي دار جناب الحاج رئيس حديقة غناء فيها من كل فاكهة زوجان، وهي بهجة للناظرين.
ولقد باتت المحمرة بعدل عظمة السردار أرفع وجليل عنايته من أهم الثغور التجارية على الخليج الفارسي، ترد عليها البضائع من الهند وأوروبا وتصدر للهند وأوروبا وأميريكا صادرات البلاد وأهمها التمر والقمح والسمن والصوف، فكثرت في ذلك أرباح التجار ونمت ثروة الأهلين الذين كانوا بحمى مليكهم المحبوب راتعين في بحابح العدل والأمان.
وأهالي المحمرة خليط من العرب والفرس ونصارى الكلدان والسريان واليهود والصابئة والبنيان وهم عبدة أوثان من أهل الهند، وقد ساوى بينهم عظمة مولانا الشيخ في الحقوق على ما يقضي القرآن الشريف؛ ولذلك تراهم جميعا متآخين متصافين، ليس فيهم غابن ومغبون وظالم ومظلوم وكبير وصغير، بل الكل في نظر الشريعة متساوون وفي الحقوق متشاكلون.
وأهم الكور المحيطة بالمحمرة «الفيلية»، وهي تبعد عن المحمرة نحوا من مسيرة 30 دقيقة في الزوارق «البلايم»، وهي واقعة على شط العراق، وقد جعلها ساكن الجنان المرحوم نصرة الملك مقرا لأسرته المباركة ومواليه، وفيها قصوره ودورهم ودار الحكم ويسمونها الديوانية، وهذه الدار قد جدد بناءها عظمة مولانا السردار أرفع على أحسن طراز، فجاءت كثيرة الاتساع، اتخذ صاعتها الكبرى مجلسا له يؤمه في بياض أيامه للنظر في شئون الإمارة، وبجوارها غرف الكتبة فأروقة كثيرة الغرف لنزول قاصدي الإمارة الذين يتوافدون يوميا زرافات ووحدانا بين عفاة وأصحاب حوائج وعابري سبيل، فينزلون بضيافة عظمته على الرحب والسعة ويقيمون ما شاء الله أن يقيموا، ومن أراد الانصراف منهم تصدر الإرادة السنية بالإنعام عليه بما هو أهله من البر ويصرف له أجر طريقه إلى حيث يريد السفر، وفي هذه الديوانية يتجلى كرم عظمة السردار أرفع العربي بأجمل وأعظم مجاليه، وعدله الأتم بأزهى معانيه، ويحيط بالديوانية دور الحرم الواسعة فدور آل البيت الجاسبي فدور الموالي، وهذه الدور أنيرت بالكهرباء سنة 1911.
الشارع الخزعلي على نهر بهمشير في المحمرة.
وفي الفيلية «الترسانة الخزعلية»، وهي المعمل الذي أنشأه ولي النعم عظمة مولانا السردار أرفع المعظم لتعمير وإصلاح يخوته وبلايمه البحرية، وفي هذا المعمل تعمر اليخت بهمشير، وهو من أجمل البواخر التي تمخر بالبخار في شط العراق وأكبرها، وقد أضيف إلى يخوت عظمة السردار أرفع ونزل البحر سنة 1909، وقام على تعميره مهندسان من كلدان بغداد، هما الأسطى داود والأسطى نعوم شعيا، وقد نشآ في خدمة مولانا، ولا زالا في حماه وتحت رعايته، حفظه الله.
القصر الخزعلي العالي
وعلى غلوة من الفيلية كورة «الكمالية» وفيها القصر الخزعلي العالي، بناه عظمة مولانا السردار أرفع سنة 1903 على شط العراق على أحدث طراز وأفخم شكل، وليس في قصور العراق قصر يضاهيه بسعته وفخامته وحسن موقعه، وهو ذو دورين عظيمين، وقد تخصص قسم من الدور الأول لاستقبال زائري صاحب العظمة الملوكية مولانا الشيخ، وفيه صاعة التشريفات وهي صاعة واسعة وافرة الزخرف، تليها غرفتان متسعتان، إحداهما للانتظار والأخرى لإقامة من يكون في حاشية أكابر الزوار. وتخصص القسم الثاني إلى غرفة المائدة، وهي غرفة واسعة مستكملة الزينة على نحو غرف موائد الملوك في أوروبا، وبجوارها غرف خدم المائدة والمطبخ، وفي هذه الغرفة تقام الولائم الخزعلية المشهورة. وتخصص القسم الداخلي من هذه الدور لإقامة عظمة الشيخ، حفظه الله، والحرم المصون في أثناء الصيف عندما يشتد الحر. وهذه الغرف ذات نوافذ عليها أغشية من عشب الصندل يتبدل في كل يوم أو يومين، ويرش بالماء فيدخل منها الهواء الحار باردا لطيفا، ولهذه الغرف نوافذ متصلة بالسطح، ولها قوائم تستقبل الهواء وترسله إلى أسفل وتسمى بلغة الفرس «باتنجان» جمع باتنج، وفي هذه الغرف التي يسميها المصريون «منادر» والعراقيون «سراديب» نصبت المراوح الحريرية، وهي عبارة عن ستارات واسعة معلقة في سقوف الغرف ومتصلة بحبال ممتدة إلى الخارج يجذبها ويدفعها الخدم فترسل هواء مرطبا، وهي مستعملة بكثرة في الهند وبلاد العرب؛ على أن عظمة الشيخ، حفظه الله ، استورد مراوح كهربائية بدلا عنها بعد أن أنار قصره العامر بالكهرباء، وفي هذه الدور أيضا غرف لكتمة الأسرار والكتبة وموظفي الخاصة.
أما الدور الأعلى فيقسم إلى قسمين، أحدهما للحرم وإقامة عظمته، حفظه الله، والثاني لندمائه وخاصة حاشيته، وفيه صاعة كبرى لجلوس عظمته في مجالس الخصوصية، تحيط بها غرف عديدة لنزول أولئك الأخصاء، وفي وسط الغرف سطح متسع جدا منار بالكهرباء بمصابيح ضخمة حتى لتحسب الليل نهارا بقوة نورها، وتضاء في ليالي الصيف حيث يسمر عظمته، حفظه الله، في تلك السطوح.
وفي هذا القسم صاعة واسعة جدا بناها عظمة السردار أرفع سنة 1912، وهي تسع مئات من النفوس، وفي صدرها مرسح، وقد بنيت هذه الصاعة للحفلات الخصوصية التي يقيمها عظمة مولانا في قصره العامر لأخصائه والمقربين من عظمته الملوكية على نحو ما في قصور الملوك في أوروبا.
القصر الخزعلي العالي في الكمالية على شط العراق، دار الإمارة العامرة في المحمرة المحمية.
عليك سلام الله يا قصر خزعل
سلام مشوق هائم متململ
سلام محب قد وفى بعهوده
لمولاك فخر العرب مجلى التصول
سلام على عهدي بمغناك إنني
نزلت به باليمن أرحب منزل
ولاقيت فيه فوق ما كنت راجيا
فوا حبذا لو دمت فيه ودام لي
أتذكرني يا قصر عبدا لخزعل
وتذكر بشري مع وفير تهللي
وتذكر أياما بلغت المنى بها
برحبك في أهنى مقام وأجمل
قصدتك بالآمال وهي كثيرة
فحققها السردار تحقيق مفضل
وعدت وما لي غير أن يحيى خزعل
مدى الدهر في إقباله من مؤمل
مليك علا فوق السماكين جاهه
وجاز الملوك الصيد في مجده العلي
ويا قصر أنت اليوم مجلى جلاله
إذا ما انجلى للجود في زهو محفل
ويا قصر أنت اليوم مقصد كل من
سعى للعلى من أروع ومبجل
هنيئا لك الإقبال يا كعبة الندى
ويا قبلة العليا وملجا المؤمل
فلا زلت معمورا تطاول أنجم ال
سماء وللإقبال أفضل مؤئل
ولا زال مولاك المعز مسودا
بجاه النبي المصطفى خير مرسل
أما رياش القصر فمما تعجز الأقلام عن وصفه، فهو من أثمن الرياش وأغلاها قيمة، وجميعها مستوردة من أوروبا من أحدث طراز وأجمل رواء على ما يليق بقصور الملوك.
ويضاء هذا القصر العامر بالكهرباء بآلة مخصوصة استحضرت من أوروبا سنة 1911، واستحضرت معها الثريات الفخمة والمصابيح الجميلة التي علقت في سقوف وجدران الغرف، وهي من أجمل طراز، وهنالك المصابيح الكهربائية الكبرى التي أشرنا إلى بعضها في فسحة الدور العالي، وأقيم عدد منها على أعلى القصر، فترسل أنوارها إلى مسافات بعيدة حتى لتكاد ترى من البصرة نفسها وهي على بعد أربع ساعات من القصر.
وتحيط بالقصر الخزعلي العالي روضة غناء فيها من كل فاكهة زوجان، وتجري من تحتها الأنهار، وفيها من أنواع الزهور ما يعبق نشر عبيره عند ازدهاره، وهي واسعة جدا تقدر بخمسة فدادين على مقاس الأفدنة في مصر، وفي وسطها شادروان تتدفق منه المياه بهجة للناظرين.
وأمام القصر الخزعلي من واجهة الشط ميدان واسع أقيمت فيه الخمائل على الطراز الأوروبي المعروف في الأزبكية بمصر، وبوسط هذه الخمائل الجميلة ساحة مفروشة بالحجر الصلد اعتاد عظمة مولانا أن يخرج إليها في صباح أيام الصيف لاستقبال رؤساء العشائر وخاصة المريدين قبل مسيره إلى ديوانيته في الفيلية.
ولهذا القصر العظيم مدخلان؛ أحدهما من الشط حيث يقصده القاصدون على الزوارق، وتسمى بلغة العراق «البلايم»، وعند هذا المدخل ترسو يخوت عظمته، حفظه الله، وهي أربعة، أصغرها يسمى «مظفري» على اسم ساكن الجنان مظفر الدين خان، شاه إيران الأسبق، والثاني وهو أكبر يسمى «ناصري»، سمي باسم ساكن الجنان ناصر الدين شاه، وكلاهما تعمرا على عهد ساكن الجنان الوالد الكثير المحامد الحاج جابر خان، والثالث وهو أوسع وأعظم ويسمى «إيران»، وهذا تعمر على عهد أخي عظمة مولانا الشيخ ساكن الجنان الشيخ مزعل خان، والرابع وهو أعظمها سعة وأكثرها فخامة ورياشا ويدعى «بهمشير» على اسم نهر بهمشير، وهذا عمره عظمة مولانا الشيخ في ترسانته. وهذه اليخوت مرصدة لخدمة عظمة مولانا الشيخ، يركبها في انتقاله إلى المحمرة أو البصرة أو في تجواله المستديم في داخلية إمارته العامرة في نهر قارون.
أما مدخل القصر الثاني فهو من طريق البر لدخول غلمانه ومواليه وخروجهم، وهم حرسه الخاص، ولهم بجوار قصره العامر دور يسكنونها بين أشجار النخيل.
أحد مناظر الخزعلية.
وبجوار هذا القصر دائرة المطبخ، حيث يطهو الطهاة الأطعمة لكل من سكن الكمالية أو نزل فيها، فتذبح الذبائح الكثيرة فيه يوميا وتطهى الأطعمة وتوزع على الناس بالكرم الخزعلي المشهور.
وفي الكمالية أيضا الإسطبل العامر، وفيه من الخيول العربية الصافنات ما يقل نظيره ويندر وجود مثله في قصور الملوك. ولعظمته عناية خاصة بهذه الأصائل التي لها المقام الأرفع عند العرب لحاجتهم إليها في حروبهم ومغازيهم.
كورة الخزعلية
وفي سنة 1326 للهجرة (1908) اختط ولي النعم عظمة مولانا الشيخ المعظم، حفظه الله، كورة جميلة في نقطة متوسطة بين المحمرة والفيلية أطلق عليها اسم الجناب العالي «الخزعلية»، وكان تخطيطها على أجمل أسلوب هندسي صحي، وبوشر ببنائها على الطراز الحديث، وينتظر أن تصبح من أعظم ضواحي المحمرة شأنا، وأشاد بها عظمة مولانا الشيخ قصرا فخما، وقدم رؤساء العشائر فأشادوا فيها القصور أيضا، والعمران لا يزال قائما بها، وقد مد إلى هذه الكورة ترعة بطول ثمان كيلومترات على عرض عشرين مترا بعمق ثمانية أمتار، ووصل أحد طرفيها بشط العراق الكبير والطرف الثاني بنهر قارون، وبها توفر الاستقاء للأهلين وإرواء مزارعهم ومواصلتهم مع المحمرة والفيلية بالبلايم.
ولهذه الكورة موقع صحي بديع يشرح الصدور وينعش النفوس بطلاقة هوائه وحسن مناظره، ولا يبعد أن تصبح مصيفا لسكان المحمرة بعد قليل من الزمان.
ناصرية الأهواز
الأهواز كانت حاضرة عربستان على عهد الأكاسرة، وعظم شأنها على عهد الخلفاء العباسيين، وأزهرت بالعلم والعلماء، وكان ما حولها رياضا مزهرة ومزارع خصبة. ثم عدت عليها عوادي كما عدت على سائر العراق فأصبحت خرابا يبابا، وظلت كذلك إلى أن استقلت عربستان وتولى أمرها المصلح العظيم ساكن الجنان نصرة الملك الحاج جابر خان، رحمه الله، فاهتم بتعميرها وبنى فيها دارا فخمة، وتبعه الناس فبنوا فيها بعض الدور وأصبحت موردا للقبائل العربية والعجمية النازلة حولها، يقصدونها لمشترى حوائجهم، فاتسعت بعض الاتساع وأطلق عليها اسم «ناصرية الأهواز» تيمنا باسم ساكن الجنان ناصر الدين خان، شاه إيران الأسبق. ولما تشرفت إمارة عربستان بولاية عظمة مولانا السردار أرفع، روحي فداه، خص هذه المدينة ببعض عنايته، فبنى فيها سوقا وبعض الدور، وباشر بناء قصر فخم فيها لم يتم بعد، ومما ساعد على عمران هذا البلد وجود شركة الغاز الإنكليزية إذ كانت منابع الغاز على مسافة تسع ساعات منها، فاتخذتها الشركة مركزا لها، وأقبل مهندسو الشركة ومستخدموها على سكناها، فاتسع نطاقها. وإذ كان معظم هؤلاء المستخدمين من نصارى الكلدان أوهبهم عظمة الشيخ المعظم، حفظه الله، أرضا بنوها كنيسة، فكانت أول كنيسة للنصارى في إمارة عربستان، وتم بناء هذه الكنيسة سنة 1912.
وأكثر أهالي الأهواز من الفرس لقربها من بلاد فارس، وفيها العرب والكلدان والصابئة، ويبلغ عددهم جميعا نحو العشرة آلاف، ويوجد فيها قنصل لدولة إنكلترة المعظمة أيضا.
العائلة المالكة في عربستان
إن العائلة المالكة في عربستان هي من بني كعب، وهم من أشرف بيوتات العرب في العراق، ومن أعظم قبائله جاها ونبلا، ويرجعون بنسبهم إلى بني كعب المشهورين بالشرف والسؤدد في قبائل العرب العرباء، وقد هبط بنو كعب العراق من صدر الإسلام وتسلطوا على مقاطعة «دورقستان» في ولاية خوزستان، ودخلت في منطقة نفوذ الدولة العلية الإيرانية.
ومن المعلوم أن الدولة الإيرانية العلية كانت ككل الدول القديمة مؤلفة من مجموعة حكام مقاطعات، وكل حاكم كان مستقلا بداخليته وعلائقه مع الدولة إلى حد محدود، وكان مشائخ العشائر أقل ارتباطا بالدولة من حكام المقاطعات، ولا تزال هذه الدولة كذلك إلى الآن.
وكان مشايخ كعب ممتازين في الدولة الإيرانية بالخلال الفاضلة العربية، وأهمها المروءة والنجدة والكرم والشجاعة، ولهم خدمات طيبة في سبيل الدولة الإيرانية، وطالما نصروها بسيوفهم في حروبها المتوالية مع الأتراك على ما هو مشهور في التاريخ.
وحدث حوالي سنة 1265 أن انقسم مشايخ بني كعب على أنفسهم، وقامت بينهم الحروب الأهلية، واتسعت الفتنة، وأعيى الدولة الفارسية أمرهم وأعجزها إخضاعهم لحكمها، ولم يظل على ولائها منهم غير العائلة النبيلة الجاسبية، وهي فخذ من بني كعب، وكان على رأسها ساكن الجنان المرحوم المبرور الحاج جابر خان، فإن هذا النابغة العظيم أبى أن يشترك بالفتنة وظل مخلصا للدولة الإيرانية، فاستعان بحكمته ودرايته ساكن الجنان ناصر الدين خان، شاه إيران الأسبق، واعتمد عليه في إعادة الأمان إلى ربوع خوزستان، فشمر عن ساعد الهمة وتمكن بدهائه وحزمه وبسالة أبطال قبائله من إخماد نار الثورة وإعادة الأمن إلى نصابه، فعرفت الدولة الإيرانية لهذا البطل العظيم جمائله وأنعمت عليه برتبة أمير تومان ولقب نصرة الملك، وسمته أميرا لعربستان، وجعلت مقره المحمرة، وكان عند ظن الشاه ناصر الدين إذ تمكن من تقرير الأمان وإعادة النظام إلى عربستان، واستراحت الدولة من مشاغبات القبائل العربية الداخلية.
على أن اتصال دولة إيران بدولة الأتراك كان دائما أبدا موجبا لاتصال الاختلاف على الحدود بين الدولتين، ولا يزال هذا الخلاف مستمرا بينهما حتى الآن.
وكانت حكومة الأتراك تطمح ببصرها إلى إخضاع قبائل العرب في العراق، وما كفاها هذا حتى طمحت أيضا بفتح عربستان أو العراق العجمي؛ ولهذا السبب كانت تتحكك بالمحمرة وما جاورها. وقد دخلتها غير مرة، وانجلت عنها. ورأى المرحوم ناصر الدين شاه بحكمته أن يقيم بينه وبين الأتراك حرما من هذه الجهة تفاديا من الدخول معهم في حرب لم تكن في مصلحة دولته؛ ولهذا السبب أصدر فرمانا شاهانيا في سنة 1273ه باستقلال الحاج جابر خان بإمارة عربستان استقلالا داخليا، على أن تكون له ولأبنائه من بعده، وعلى أن تبقى الكمارك للدولة الإيرانية، وأن يكون في المحمرة مأمور يمثلها، وأن يكون علم الدولة الإيرانية نفس العلم الإيراني، وأن يتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة بجيوشه في الحروب، وأن تكون السكك المتداولة بين الأهلين هي نفس السكة الإيرانية، وأن تكون العلائق الخارجية منوطة بوزارة خارجية الدولة في طهران. وكان هذا الفرمان بدء استقلال إمارة عربستان المعروفة باسم إمارة المحمرة استقلالا رسميا لا جدال فيه، وتمكن هذا البطل العظيم ببسالة قبائله وحزمه ودهائه من رد غارات الأتراك عن إمارته وإراحة الدولة الإيرانية عن محاربتهم، وفي الوقت نفسه انصرف إلى سياسة قبائله والتأليف بينهم ونزع الأحقاد من صدورهم، وهكذا دخلت الإمارة في طور محمود من الارتقاء.
ولا جدال أن ساكن الجنان نصرة الملك الحاج جابر خان أمير تومان كان على جانب عظيم من السياسة والكياسة والدهاء والذكاء والشجاعة وقوة الإرادة؛ يدلك على ذلك فوزه بالاستقلال في داخلية إمارته، ورد غارات الأتراك عنها مع أنهم أهل دولة منظمة حربية كانت إلى أن انجلت عن العراق تصبو إلى إمارة المحمرة وتطمع بامتلاكها وتحسبها جزءا متمما إلى الأملاك التي كانت تحكمها في العراق.
وفي سنة 1299 استأثرت رحمة الله تعالى بهذا الرجل العظيم والملك الحكيم، مشبعا من الأيام، محمودا بكل شفة ولسان، مذكورا بخيراته وأعماله الحسان، ونقل جثمانه بالإجلال إلى كربلاء حيث دفن في تربتها المباركة بجوار سيد الشهداء الحسين عليه الصلاة والسلام.
وعلى أثر وفاته، رحمه الله، بويع بالإمارة المرحوم المبرور الشيخ مزعل خان، ثاني أنجال الحاج جابر خان، وظل على عرش الإمارة إلى سنة 1315 حيث استأثرت به رحمة الله، وقد تحدى، رحمه الله، خطوات المرحوم أبيه في المحافظة على إمارته، فراح مبكيا عليه، ونقلت جثته إلى كربلاء أيضا حيث ووريت في ذلك التراب الذكي المسقي بدم سيد الشهداء الحسين عليه الصلاة والسلام.
فليحي عظمة الشيخ خزعل خان مدى الدوران.
يا أيها السردار أرفع سيد ال
أعراب دم لهمو العميد السائدا
واسلك بهم سبل الرقي مسودا
وانشط بهم نحو العلاء مجاهدا
واظفر بحمدهم العميم فإنهم
يتناشدون الحمد فيك نشائدا
أولم تجدد مجدهم وفخارهم
من بعد ما أمسى رميما بائدا
أولم تكن لهمو على غير الزما
ن مؤيدا ومساعدا ومعاضدا
أولم تبت لهمو بعطفك نحوهم
وبفضلك الأسمى عليهم والدا
أولم يروا في ملكك الرحب المنى
وبه لقد وردوا العذيب الباردا
لله درك في الوغى تفني العدى
والنصر حلفك قاهرا ومجالدا
لله درك محسنا تغني بفض
لك كل من وافى ربوعك قاصدا
لله درك حاكما تقضي بشر
ع المصطفى بالعدل حكما راشدا
فاسلم إلى العرب الكرام ودم لهم
عضدا وعش عمرا هنيا راغدا
وبعد وفاة المرحوم المبرور ساكن الجنان الشيخ مزعل خان نودي بإجماع الجميع ببيعة سيدنا ومولانا معز السلطنة سردار أرفع صاحب العظمة الشيخ خزعل خان، حفظه الله، وخلد ملكه مدى الدوران. وعلى عهده تحولت إمارة عربستان إلى مملكة عظمى معروفة من عالم السياسة في أوروبا ومقصودة من أطراف الجزيرة على ما سترى.
إمارة بلغت أسمى مفاخرها
بالشيخ خزعل حاميها وراعيها
وأصبحت مظهرا لليمن تقصده
أهل الجزيرة قاصيها ودانيها
بشرتها عندما السردار أرفع قد
علا السرير لقد نالت أمانيها
مولانا معز السلطنة سردار أرفع
نشأة عظمة السردار أرفع
هو معز السلطنة سردار أرفع صاحب العظمة الشيخ خزعل خان أمير نويان وسردار عربستان، خامس أنجال ساكن الجنان نصرة الملك الحاج جابر خان، واضع استقلال إمارة عربستان، خلد الله ملكه مدى الدوران، وأطال في عمره السعيد لخير المسلمين وفخار العربان، ووفقه إلى النجاح بنياته الطيبة في تجديد مجد الإسلام وإعلاء كلمة القرآن.
افتر ثغر المجد والفخار، وتلألأ نور الإقبال، فأزرى بالشمس في رابعة النهار، بمولد عظمته الملوكية الذي كان في سنة 1289 للهجرة النبوية، على ساكنها أفضل سلام وأذكى تحية «1683 ميلادية». وأمه، رحمها الله ونور بأنواره القدسية ضريحها، ابنة المرحوم الشيخ طلال رئيس قبيلة الباوية، وهي من أكبر عشائر عربستان بعد المحيسن وكعب، وهي معروفة ببسالة أبطالها وسعة جاهها، فيكون عظمة مولانا الشيخ شريف الجدين كريم النبعتين طيب العنصرين، فلا غرو إذا تمثل به الشرف والسؤدد والعزة والفخار.
وقد حدثني ثقات الرواة في زيارتي العراق عن نشأة عظمة السردار أرفع المعجب المطرب، قالوا: إن ساكن الجنان المرحوم الحاج جابر خان كان كثير الشغف بالأمير «خزعل» لما توسمه فيه من مخائل النجابة وهو فتى يترعرع، فكان يطلبه إليه ويداعبه الساعات الطويلة، ويقول لمن حوله: سيكون مستقبل هذا الفتى عظيما. قالوا: وكان، رحمه الله، يستبشر غاية الاستبشار كلما رأى الأمير الصغير «خزعل» مقبلا عليه يقبل أياديه ويقول له: «ولي النعم»، فيضمه إلى صدره ويقبله بحنو أبوي عظيم.
وعندما بلغ عظمة الشيخ السنة الخامسة من ربيع عمره الأزهر سلمه ساكن الجنان والده العظيم إلى المربين الثقات من علماء النجف الأشراف، فعكفوا على تثقيفه وتعليمه العربية والفارسية وتأديبه بآداب القرآن الشريف، وحفظ الذكر الحكيم عن لوح صدره وهو في دون التاسعة من عمره، وما كفاه حفظه القرآن بل عكف على تفهم معانيه الإلهية العالية، وهو، حفظه الله، في مقبل العمر، وكان يستشهد من ذلك العهد بآياته الكريمة في أحاديثه ومخاطباته ويزداد بها في البيان وتكون لصائب آرائه خير برهان.
اليخت بهمشير يمخر في شط العراق، واليخت إيران في مرساه.
وتعمق عظمة السردار أرفع بآداب اللغتين العربية والفارسية، وكلتاهما بحر زاخر، وصار يقرض الشعر فيهما وهو في دون الخامسة عشرة من عمره السعيد، وعكف بعد ذلك على درس الشريعة السمحاء، فوقف على أسرارها وهو في مقتبل الشباب. قالوا: وعندما رأى ساكن الجنان الحاج جابر خان تفوق ولده النجيب «خزعل» في الأحكام الشرعية جعل ينيط به الحكم بين الناس وهو في دون العشرين من عمره. ولحظ الناس أنه، حفظه الله، مع تمسكه بالعدل كان لا يعدل في أحكامه عن «الرحمة»، وكان يقول القول الذي لا يزال مأثورا عنه وهو: «إن الله يحب العدل، ولكنه غفور رحيم.»
صاحب العظمة مولانا السردار أرفع المعظم، عظمة السردار أرفع بثوب السردارية الرفيعة.
الله أكبر أن يسير على العدى ال
سردار أرفع غازيا ومهاجما
والجيش من حوليه تحسبه إذا اش
تبك القتال لدى النضال ضراغما
والنصر طوع يمينه إن جردت
بوجوه أعداه اللئام الصارما
وبنفسه جيش فيلقى الجيش من
فردا ويفنيه ويرجع غانما
شهد القفار الانتصار لسيفه
ولكم فرى عند اللقاء جماجما
والأرض قد شهدت منابع من دم
قد خاضها فوق المطهم عائما
ولكم أثار عجاجها بجيوشه
حتى غدا الأفق الملألئ قاتما
وله النفوس وللطيور جسومها
والسلب يوليه الجيوش غنائما
بشرت من عاداه أهوال الفنا
ولمن له والى الهناء الدائما
يا أيها الغازي العظيم هنئت في ال
نصر الذي والى جيوشك باسما
وهنئت في الملك الذي قد صنته
لما توليت الإمارة حازما
فسلمت للأعراب؛ إنهمو لقد
سلموا إذا ما كنت فيهم سالما
وامتاز الأمير خزعل بالفروسية وركوب الخيل منذ صغره، وكان يركب للقتال في جيش ساكن الجنان نصرة الملك والده الكثير المحامد، وأظهر من البراعة في قيادة الجيوش والاستبسال في ملتقى الأبطال ما حمل والده العظيم على إناطة قيادة الجيوش بعظمته في أخريات أيامه، وطالما خاض بها المعامع وجنى فيها أكاليل الانتصار.
وعندما آلت الإمارة لساكن الجنان المرحوم أخيه الشيخ مزعل خان ظل عظمة السردار أرفع قائد جيوش عربستان، وكتب له النصر والفتح في جميع المعامع التي خاضها وقتئذ، سواء مع الأتراك الذين هاجموا المحمرة غير مرة، أو مع البختياريين الذين حاولوا الاعتداء على حدود إمارة عربستان غير مرة وعادوا عنها بالفشل والخذلان، أو في كبح جماح بعض القبائل المشاغبة التي ما أمهلت أن عادت إلى الخضوع.
وكان مجلس الأمير الشيخ خزعل خان على عهد المرحومين أبيه وأخيه مجلس علم وأدب، يقصده العلماء والشعراء والأدباء من أقصى العراق، فيتناشدون الأشعار ويتبادلون الأفكار بحضرته، وكان له الرأي الصائب في مباحثهم وأحاديثهم، كما كان يغمرهم بعطاياه ومنحه، وكثيرون منهم كان لهم مرتبات يتقاضونها من جيبه الخاص مسانهة، فيستعينون بها على الانصراف للعلم والأدب والشعر.
وعرف عظمة الشيخ، حفظه الله، من عهد المرحومين ساكني الجنان أبيه وأخيه بسداد الرأي وبعد مواقع النظر، حتى كانا رحمهما الله يستشيرانه في شئون الإمارة الهامة ويعملان بمشورته في حل المعضلات التي كانت تعرض لهما، ويعولان على حزمه وحسن سياسته في إدارة شئون الإمارة، وكذلك كان عظمته، حفظه الله، المرجع الأكبر لرؤساء العشائر، يقصدونه في شئونهم الخاصة، فيكون لهم نعم الوسيط لدى ساكني الجنان أبيه فأخيه رحمهما الله وأطال لنا بقاء عظمته الملوكية.
واشتهر عظمة السردار أرفع منذ حداثته بالكرم، حتى كان يهب كل ما معه، وهو كثير، لقاصديه، ولسعة شهرته بكرمه أصبح في العراق مضرب الأمثال في الكرم، وصار الناس ينسبون الكرم إليه بعد أن كان ينسب إلى حاتم طي، فيقولون: «الكرم الخزعلي» بدلا من «الكرم الحاتمي»، ومن أعظم حسناته في الكرم أنه ، حفظه الله، يجود على عفاته بغير تمنن ولا مطل، ويأبى سماع الشكر من أفواه الذين يحقق آمالهم بإحسانه ويوليهم بدر أمواله، ويقول: اشكروا الله، فهذه نعماه.
والله إن الشيخ خزعل خير من
جادت أياديه كسحب هطل
يلقى عوافيه بباهر بشره
ويحلهم باليمن أرحب منزل
ويفاجئ القصاد في إحسانه
كرما بغير تباطؤ وتمهل
ويجود مسرورا بغير تمنن
فيه يشوه جوده الزاهي الجلي
ويقول للمثنين لا تثنوا علي
فإنما هي نعمة الله العلي
وبمثل ذا انتسب الندى والبر وال
إحسان والفعل الجميل لخزعل
ولنشأة عظمته، حفظه الله، تذكارات حميدة في نفوس أهالي عربستان لا يزالون يذكرونها بالحمد والشكران؛ فقد كان كثير العطف على عبيد وموالي أبيه، جم الاهتمام بشئون الرعايا وكشف مظالمهم، وسمعت كثيرين من الشيوخ يرددون تلك العواطف الشريفة التي كانت تشملهم من «الشاب خزعل» وهم يدعون لعظمته بطول العمر، فيتناقلها شبانهم الذين ورثوا عنهم الولاء والإخلاص لسدته الملوكية.
فهذا شباب الشيخ خزعل قد زها
وهذي أياديه وما طر شاربه
فكيف به وهو الأمير وأمره ال
مطاع وقد لالت علينا مناقبه
وشام به الأعراب ملكا مسودا
وملكا عظيما فيه عزت جوانبه
وجاها وإقبالا ومجدا وسؤددا
وعزا وإجلالا ونصرا يصاحبه
إذا ما مشى فالناس تمشي وراءه
وقد رحبت للفخر فيهم مذاهبه
عليه سلام الله ما ذكر العلى
تردده أعجامه وأعاربه
إمارة معز السلطنة سردار أرفع
ما كادت تغمض عينا المرحوم المبرور ساكن الجنان الشيخ مزعل خان منتقلا لرحمة ربه سنة 1315 حتى سار سراة العائلة النبيلة الجاسبية وشيوخ القبائل ورؤسائها إلى سراي الشيخ خزعل خان، مجمعين على بيعته، منادين بإمارته، منشدين: فليعش الشيخ خزعل خان. وكان إجماعهم هذا دليلا بينا على تعلق أهالي عربستان بعظمته وحبهم لشخصه المحبوب وتقديرهم لقدره الرفيع، وجعلوا يهنئون أنفسهم بإمارته مستبشرين بالإقبال المنتظر لها، وقد كانوا عند ظنهم بعظمته، فما خاب لهم أمل، وبلغوا أقصى آمالهم بفضله على عجل.
وكان يوم جلوس عظمته الملوكية على عرش إمارة عربستان نيروزا عظيما وعيدا بهيجا، اشترك في أفراحه أهالي عربستان وما جاورها من القرى والبلدان، وأقيمت الزينات في كل مكان، وأقبل رؤساء العشائر إلى المحمرة مبايعين مهنئين. وجرت حفلة الجلوس بمنتهى الحفاوة والإجلال، وذبحت الذبائح وتوزعت الهبات، وجرت الألعاب والمسابقات، وما كانت تقع عين الناظر إلا على مسرور مستبشر ومتفائل يبشر بالخير.
وما انتهت بشرى جلوس عظمته المأنوس إلى مسامع أهالي البصرة والعمارة والنجف الأشرف وكربلاء وبغداد حتى عمتهم الأفراح والمسرات؛ لأن شهرة عظمته كانت تملأ سمعهم، وحمد آلائه الحميدة كان على ألسنتهم في مجالسهم، فأسرعوا بإرسال رسائل التهاني البريدية والبرقية، كما أسرع وفودهم إلى المحمرة لتهنئة عظمته، وتبارى شعراء العراق في تهنئة عظمته ما لو جمع لكان ديوانا عظيما. وكان في مقدمة المهنئين ساكن الجنان المرحوم الشيخ مبارك الصباح أمير الكويت السابق الذائع الشهرة، رحمه الله، حيث أسرع إلى المحمرة لتهنئة عظمة أخيه وابن أخيه بإمارته، إذ أن العلائق الودية بين إمارتي الكويت والمحمرة كانت وثيقة العرى من عهد ساكني الجنان الشيخ جابر الصباح ونصرة الملك الحاج جابر خان، فورثها شيخا العراق العظيمان عن أبويهما ودعماها مع الأيام حتى أصبحا روحا في جسدين. ألا رحم الله الشيخ مبارك الصباح فقيد العرب والإسلام، وأمد الأمة العربية بطول بقاء عظمة مولانا السردار أرفع مظهرا للسؤدد والإعظام، فإنه سبحانه قد أجمل لنا العزاء بهذا المليك المقدام.
فليحي السردار أرفع، ولتحي عربستان بظل علمه المنصور، أهالي عربستان يحتفلون بجلوس عظمة السردار أرفع.
وعندما انتهى لمسامع ساكن الجنان مظفر الدين خان، شاه إيران الأسبق، نبأ وفاة المرحوم المبرور الشيخ مزعل خان وتولي عظمة الشيخ خزعل خان عرش الإمارة، أسرع، رحمه الله تعالى، بإصدار فرمانه الشاهاني بولايته، وأنعم على عظمته الملوكية بلقب معز السلطنة، وهو أفخم الألقاب الإيرانية، ورتبة «سردار أرفع»، وهي أعظم الرتب العسكرية الفارسية، وأهداه مع الفرمان سيفا مرصعا بالجواهر الثمينة ووسام شير وخورشيد «الأسد والشمس» من الطبقة الأولى، وأرسل الفرمان مع الوسام والسيف مع وفد مخصوص، فكان لاستقباله وتلاوة الفرمان الشاهاني حفلات حافلة لا يزال يذكرها بالإعجاب أهالي العراق.
أعمال عظمته في إمارته
كانت إمارة عربستان قبل ولاية عظمة السردار أرفع، حفظه الله، ضيقة النطاق، وكان موقفها مضطربا لتفرق كلمة العشائر وتعديات الأتراك والبختياريين المتوالية على حدودها، فشمر عظمة الشيخ المعز عن ساعد الجد مستعينا بذكائه وحزمه ودهائه وكياسته وحسن عزيمته على إخضاع القبائل الناشزة على عرشه ورد غارات المغيرين على حدود بلاده، وكان النصر ملازمه والتوفيق مصاحبه في المجهودات التي بذلها في سبيل صيانة إمارته من مطامع الطامعين ومفاسد المفسدين، وانصرف بعد هذا إلى تنظيم جيوشه وتوفير قوتها، فكان له ما أراد. وعمل بعد هذا على تعمير إمارته وتوفير الراحة والأمان فيها، وإعداد معدات الإثراء لأهلها، فعمل كثيرا وكان الخير به وفيرا.
كان عظمة مولانا السردار أرفع، أعز الله به العرب والإسلام، يؤلف بين قلوب رؤساء العشائر، ويعمل على توحيد كلمتهم، وينزع ما في صدورهم من غل وحقد بحكمته ودهائه، على أنه كان يستعمل الشدة أيضا فيمن لا ينفع معه اللين، ويجرد السيوف في وجوه الذين لا يؤثر عليهم المعروف. وما زال كذلك حتى دانت القبائل لرايته واجتمع رؤساؤها تحت لوائه، وطالما قال لي هؤلاء الرؤساء: لولا السردار أرفع لأفنينا بعضنا بعضا وحرمنا ما نحن فيه من خير وفير وعيش نضير، وهو معروف يتحدثون به وميرة يشكرون عليها بيض أياديه، وتحملهم على دوام الإخلاص لعرشه الرفيع.
وتمكن عظمة السردار أيده الله بعد زمن يسير من إيقاف الأتراك عند حدهم، فجعلوا يحترمون إمارته، وما عادوا يجرءون على الاعتداء عليها أو تحدثهم أنفسهم بالتغلب عليها، وبذلك سلمت حدود عربستان من مواقع كانت متصلة مضرة بأهالي الإمارة وبولاية البصرة أيضا.
وبطش عظمة السردار المنصور بالبختياريين غير مرة، وأوقفهم عند حدهم، وأدبهم تأديبا، فلم يعودوا يجرءون على التحرش بحدود إمارته العليا أو الظهور بالعدوان له.
وقصارى القول أن إمارة عربستان بلغت على عهد عظمته من القوة والمنعة واتساع الحدود درجة لم تكن لها من قبل، فبات رؤساء العشائر يحترمون أميرهم ويهابونه، وجيران الإمارة يحترمونها ويهابونها.
ثم عكف عظمة السردار أرفع على إمارته العلية، فنظم المحمرة حاضرة إمارته على ما تقدمت الإشارة، وفتح فيها المدارس والكتاتيب لنشر العلم، وسهل على التجار متاجرهم، وأعفاهم من الضرائب التي تضرب على إخوانهم في تركيا وإيران، وسهر على دفع الحقوق سهرا خاصا، فنمت التجارة في حاضرته، وكثر عدد التجار، وساعدوا الأهلين في نقل محصولاتهم إلى أوروبا، فنمت الزراعة أيضا، وبين الزراعة والتجارة نمت ثروة البلاد نموا عظيما، فبات أهالي عربستان أرفه حالا وأسعد معاشا وأوفر يسارا من إخوانهم أهالي القبائل الضاربة فيما حولهم من أراضي تركيا وإيران.
ومما يذكر أن أراضي عربستان كلها مغروسة وغير مغروسة هي ملك خاص لعظمة السردار أرفع بموجب الفرامين الشاهانية التي أعطيت لعظمته، ولساكني الجنان أبيه وأخيه، على أن عظمة السردار أرفع، حفظه الله، أطلق فيها أيدي رعاياه يزرعونها ويستغلونها لقاء جعل زهيد يتقاضاه منهم هو دون العشر الذي تأخذه الحكومات، وقد عرف الرعايا هذه الرحمة لعظمته أعز الله ملكه ولذلك تراهم يسبحون بحمده بكرة وعشية.
وحسن لعظمة السردار أرفع زراعة القطن في إمارته العامرة، فاستحضر من مصر عددا من الزراع، وابتاع مقدارا من بذرة القطن المصري من محل بلانتا بمصر، وذلك في سنة 1913، وجرب زراعة القطن، فأتت التجربة بنجاح يحقق نظرية المهندس العظيم ويلكوكس بصلاحية أراضي العراق لزراعة القطن المصري العال، على أن هذه الحرب العامة حالت دون استئناف العمل للاستفادة من زراعته.
كما أن في عزيمة عظمته، حفظه الله، تجربة تربية دود الحرير وزراعة التوت في أراضيه الواسعة، وقد بحث في هذا الأمر وحالت الحرب دون مباشرته له.
وعلى هذا فالمنتظر أن يكون وارد القطن والحرير في إمارة عربستان العامرة أضعاف واردات البلح الذي عليه معظم معول الناس في محصولاتهم الآن، وهذا سيكون بفضل عناية عظمته الملوكية في ملكه العامر.
حياة عظمته السياسية
تقسم سياسة عظمة السردار أرفع إلى داخلية وخارجية؛ أما سياسته الداخلية في إدارة شئون إمارته فمبنية على ركني الشورى والعدل حسب أوامر القرآن الشريف، وعظمته، على ما تقدم، في مقدمة المؤتمرين بأوامره والمنتهين بنواهيه؛ فتراه، خلد الله ملكه، لا يبت أمرا من أمور دولته إلا بعد مشورة الأكفاء من أصحابه، ولا يصدق على حكم من الأحكام التي ترفع إليه إلا بعد أن يطبقه على أحكام الشريعة السمحاء ويرتاح إليها ضميره الطاهر؛ ولذلك كانت رعاياه على اختلاف نحلهم مصانة الحقوق مخفورة الذمم في ظله الظليل، تدعو إلى الله آناء الليل وأطراف النهار بطول بقاه مصدرا للعدل ومظهرا للفضل.
جزيرة عبادان.
ومن سياسته الداخلية خلد الله ملكه أنه لا يفرق في المعاملات والحقوق بين رعاياه العرب والفرس والهنود وغيرهم، أو الشيعة والسنة والنصارى واليهود والصابئة والوثنيين، بل الكل في أحكامه العادلة متساوون، والكل في ظله الظليل راتعون ببحابح الأمان. وقد قال لي في هذا سعادة قنصل بريطانيا العظمى في المحمرة سنة 1911 ما ترجمته بالحرف: «إن عظمة السردار أرفع الشيخ خزعل خان هو الأمير الشرقي الوحيد الذي لا يعتمد في سياسة إمارته على المبدأ المعروف عند الحكام الشرقيين وهو «قسم تملك»، بل العكس أنه كحكام أوروبا الراشدين يعتمد بحكم بلاده على التأليف بين رعاياه.» ا.ه. وحسبنا بهذه الشهادة دليلا على حصافة رأي وبعد نظر هذا الملك الحكيم.
ومن هذا القبيل سياسة عظمته مع رؤساء القبائل النازلة في إمارته، فإنه أيده الله يعمل دائما على نزع الأحقاد من صدورهم والتأليف بينهم حتى أصبحوا عصبة واحدة تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، وباتوا هم أنفسهم يعترفون كما سبقت الإشارة بفضل عنايته بهم، تلك العناية التي أزالت الأحقاد من صدورهم وجعلتهم في الله والدين والجنسية إخوانا.
أما سياسته الخارجية فقد كانت كثيرة الاضطراب لوجوده تابعا لسيادة الدولة الإيرانية، ولوقع بلاده وهي في جنوب إيران ضمن منطقة نفوذ الدولة الفخمة الإنكليزية، ولمجاورته للبلاد العثمانية، على أن هذه الحال أخذت بالتبدل بعد هذه الحرب على ما هو منتظر، فكان عظمة السردار أرفع، حفظه الله، محافظا على حقوق السيادة الإيرانية، محتفظا بها من حيث رفع علمها وتأديتها حقوقها، وفي الوقت نفسه كان بإمارته حصنا حصينا لدولة إيران أمام تهجمات الأتراك واعتدائهم المتوالي المشهور على الحدود الإيرانية، فارتاحت دولة الأكاسرة من هذه الجهة مع تعبها المتواصل من الجهات الأخرى، وبهذا تتجلى حكمة إعطاء عربستان استقلالها الداخلي.
وكان عظمة السردار أرفع مع الأتراك في ولاية البصرة دائما أبدا بين دفع وجذب؛ فإنهم كانوا يتحرشون بإمارته حسب عادتهم مع الحدود الإيرانية، كما كانوا يحاولون الاعتداء على أملاكه الكثيرة الخاصة التي يملكها في ولاية البصرة من عقار في نفس المدينة ونخيل في جوارها طمعا بكسب المال من هذا السبيل، على أنه، حفظه الله، كان يذب عن حوضه بسلاحه، ويحتفظ بإمارته وأملاكه بسؤدده وبسالة رجاله؛ ولذلك خابت آمال كل من كان يطمع فيه منهم.
وكان عظمته أعز الله به العرب والإسلام ببعد نظره وثاقب رأيه يعرف لبريطانيا العظمى جمائلها في جنوب إيران الداخل في منطقة نفوذها، وأنه لولاها لما سلم من اعتداءات الأتراك؛ ولذلك كان دائما أبدا حسن العلائق مع الدولة الإنكليزية، حتى قال لي سعادة قنصل بريطانيا العظمى في المحمرة مرة ما ترجمته بالحرف: «لو كان في أمراء جنوب إيران وعماله كثيرون كعظمة السردار أرفع لعمرت البلاد وسعد العباد.»
وكان يرى عظمة السردار أرفع المنافع الجمة الاقتصادية التي عادت على جنوب إيران بفضل عناية بريطانيا العظمى به؛ ولذلك كان بمجالسة الخاصة والعامة يعظ الناس ويحضهم على موالاة هذه الدولة الوفية المخلصة اغتناما للفوائد المادية والأدبية التي تنجم عن موادتها ومصافاتها.
وبفضل صداقة عظمته لبريطانيا العظمى استفادت إمارة عربستان بفوائد مادية كبرى؛ فإن هذه الدولة العظيمة كانت تسهل المواصلات التجارية بين عربستان والهند ببواخرها التي تسير بين القطرين بانتظام، كما أن تجار عربستان كانوا حاصلين دائما أبدا على رعاية وعناية هذه الدولة كلما قصدوا الهند.
فإذا أضفنا هذه الفوائد الاقتصادية التي غنمها أهالي عربستان بصداقة عظمة السردار أرفع لبريطانيا العظمى إلى الفوائد السياسية والمعنوية من مثل تأمين كل اعتداء على حدود عربستان - والأمان أساس الرقي والعمران - تجلى لنا فضل هذا الملك الحكيم على رعاياه، حفظه الله.
وفي سنة 1909 أعلن الدستور في إيران، أعلنه المرحوم مظفر الدين خان، شاه إيران الأسبق. وكان عظمة السردار أرفع في مقدمة مؤيديه بدستوره، إلا أنه كان يشك في نجاح الدستور في بلاد يعم الجهل بين أهلها، وهم في الوقت نفسه قبائل مختلفة الأجناس واللغات، وهذا كان رأي عظمته أيضا في الدستور العثماني الذي أعلن سنة 1908، على أنه، حفظه الله، مع ذلك كله كان مؤيدا لفكرة الدستور لعلمه أنها مبنية على الشورى التي أمر بها القرآن الكريم.
نصرة الملك سمو الشيخ جاسب خان، كبير أنجال عظمة السردار أرفع.
يا جاسب نصرة الملك الذي ظهرت
آثار علياك في جاه وفي كرم
أدامك الله في ظل المعز وفي
إقباله ظافرا في باهر النعم
على أن المرحوم مظفر الدين خان لم يكد يعلن الدستور حتى توفاه الله وخلفه ابنه محمد علي خان، وهذا نكث عهد أبيه ونادى بالاستبداد ثانية، وقامت الثورة في البلاد الإيرانية، فلم يسع عظمة السردار أرفع إلى مساعدة أنصار الدستور وتأييدهم بماله ونفوذه، حتى إن البختياريين الذين هبوا لنصرة الدستور ودخلوا طهران عاصمة المملكة وقتئذ لم يستطيعوا دخولها إلا بعد أن بعث عظمته تيلغرافه الشهير إلى الشاه السابق محمد علي خان يتهدده بسوق العرب لتأييد الدستوريين فضلا عن المال الوفير الذي أعانهم به على ثورتهم الدستورية. ومع هذا كله أبى البختياريون، الذين كانوا في دولة إيران كالاتحاديين في دولة الأتراك بخرق السياسة، إلا الإساءة إلى هذا الأمير الجليل المحسن إليهم وطمعوا في إمارته طمع الأتراك بها. واتفق هؤلاء وهؤلاء عليه سنة 1911، فرد الله كيدهم في نحورهم، وسلمت الإمارة من مكرهم بحكمة عظمة الشيخ، حفظه الله وأبقاه وأكبت عداه، وبفضل تأييد الدولة الفخمة الإنكليزية الوفية لعظمته. وكانت نتيجة هذه المؤامرة التي دبرها مع البختياريين الأحمقان سليمان نظيف والي البصرة الاتحادي وطلعت بك وزير الداخلية التركية اعتراف الدول الكبرى وتركيا نفسها أيضا باستقلال إمارة عربستان سنة 1913، وهكذا ظهرت حكمة قوله تعالى:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وقوله تعالى وهو أصدق القائلين:
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
ومما يذكر أيضا أن فساد البختياريين في إيران قد أورث البلاد الاضطراب، وكان أشده في شمال إيران حيث اضطرت روسيا أن تحتل البلاد احتلالا عسكريا لكبح جماح الثائرين، وكان جنوب إيران أهدأ نوعا ما، ولكن بعد أن توطدت العلائق بين الاتحاديين والألمانيين أخذوا يدسون دسائسهم في جنوب إيران، فتعاظمت الثورة هناك حتى اضطرت الدولة العادلة الإنكليزية لسلامة متاجر رعاياها وتأمين البلاد إلى إنزال قسم من جيشها المنصور إلى الثغور الفارسية على الخليج الفارسي، ولم يسلم من هذا الاضطراب سوى إمارة عربستان، فظلت آمنة هادئة مصانة من دسائس الدساسين وإفساد المفسدين، وحينئذ عرفت الدول الأوروبية الكبرى وبمقدمتها دولة بريطانيا العظمى الوفية اقتدار وفضل هذا الأمير العظيم، فأهدته الدولة الفخمة الإنكليزية وسام نجمة الهند مع السلسلة الهندية ووسام القديسين ميخائيل وجورج من طبقة كومندور، وجمهورية فرنسا وسام «لوجيون دوثور» جوقة الشرف من الطبقة الأولى، واضطرت الدولة التركية بعدئذ إلى إهدائه الوسام العثماني من الطبقة الأولى بحكم السياسة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى شركة الغاز الإنكليزية التي جعلت جزيرة عبادان الواقعة على شط العراق مقرا لها، وأخذت تمد الأنابيب من منابع الغاز في ششتر إليها؛ فإن هذه الشركة لاقت من الأمان والاطمئنان في عملها ما لا عهد للأوروبيين فيه في البلاد الشرقية، فلم تحتج مرة واحدة إلى مراجعة قنصل بريطانيا العظمى في إشكال مع عظمته، كما لم يحدث على عمالها أو أعمالها أقل اعتداء، بل كانت ترى دائما أبدا معاونات جدية من عظمته سواء في تسيير العمال أو تسهيل الأعمال، وقد شهدت الشركة بهذا ورفعت عنه التقارير العديدة للدولة الفخمة الإنكليزية التي أعلنت شكر عظمته غير مرة على سهره المتواصل في تعميم الأمان في مملكته العامرة.
سمو الشيخ عبد الحميد خان، ثاني أنجال عظمة السردار أرفع.
عبد الحميد هنئت الجاه مكتسبا
من والد باهر الآلاء جواد
ودمت في ظله الهاني وسؤدده
شهما كريما بإقبال وإسعاد
وكان ساكن الجنان المرحوم مظفر الدين خان، شاه إيران الأسبق، كثير الشغف بعظمة السردار أرفع، وطالما أعلن امتنانه وشكره لعظمته بفرامين شاهانية، وقد أنعم على عظمته فوق نعم أبيه برتبة «أمير نويان »، وهي في المرتبة الأولى بين الرتب الإيرانية الملكية، كما وأنعم عليه بنيشان آل قاجار، وهو نيشان ذو سلسلة مرصعة بالجواهر الكريمة وله إطار من الماس الوهاج وبوسطه صورة الشاه، ويلبس في العنق، وأنعم على سمو نجله الأكبر الشيخ جاسب خان بلقب «نصرة الملك»، وهو اللقب الذي كان لساكن الجنان المرحوم الحاج جابر خان والد عظمة السردار أرفع الكثير المحامد.
وفي سنة 1907 احتفل عظمة السردار أرفع أدام الله مجده بقران سمو نجله الكريم نصرة الملك الشيخ جاسب خان بكريمة حضرة الوزير الخطير الحاج محمد علي خان رئيس تجار عربستان، فكان فرحا عظيما اشترك به عموم سكان العراقين، وذاعت أنباؤه في الخافقين. وتفضل ساكن الجنان مظفر الدين شاه، رحمه الله، فأهدى سمو نصرة الملك بمناسبة قرانه الأزهر سيفا مرصعا بالجواهر إعلانا لامتنانه من عظمة السردار أرفع، فكان لهذه المنحة الشاهانية وقع عظيم في نفس عظمته الملوكية أدام الله مجده.
وقصارى القول أن عظمة السردار أرفع، حفظه الله، كان في سياسته الداخلية والخارجية، كما كتبت عنه جريدة التيمس، في المرتبة الأولى من العدل والفضل والذكاء والدهاء والكياسة والحزم بين أمراء العرب. فلا عجب إذا أجمع الناس على حبه وخطبت الدول مودته، وأصبح موضع رجاء أهل العراق ينظرون إليه بالآمال ويعولون عليه في صلاح الحال.
الأحكام في عربستان
اشتهر عظمة السردار أرفع بعدل أحكامه؛ وهو يحكم بشرع المصطفى عليه الصلاة والسلام، وينيط الأحكام بقضاة عادلين، ولا تنفذ ما لم تعرض على أنظاره العلية، ويدقق فيها. وطالما سمعناه، حفظه الله، يقول: «ويل لي إذا غفلت عن مظلوم، أو تغافلت عن ظالم، أو لحقت بأحد رعاياي المغارم.» وطالما رأيناه يدعو الله فيقول: «اللهم أعني على العدل، اللهم وفقني للإنصاف، اللهم سدد خطواتي بشرعتك، واهدني بهديك، بشفاعة نبيك الأمين وآله الطاهرين.»
وتناط الأحكام بإمارة المحمرة بقضاة عادلين نزهاء أتقياء متخرجين في النجف الأشرف، مشهود لهم بالاستقامة والعلم والنزاهة، وهم لا يعرفون الرشوة ولا المحاباة، ويحكمون بما أنزل الله. ومما يذكر هنا أن الرشوة غير معروفة في إمارة عربستان، وكان الناس يندهشون كلما سمعوا بأن الحقوق تباع وتشترى في المحاكم التركية في العراق، ويحمدون الله على ما هم فيه من بحابح العدل.
ولا يغض عظمة السردار أرفع، حفظه الله، طرفه في القضايا الجنائية، بل هو فيها شديد العقاب، يتمثل وهو يصدرها دائما بقوله تعالى:
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ؛ ولهذا تندر الجنايات في إمارة المحمرة؛ حتى لتمشي المرأة في غلس الليل وهي حاملة الذهب ولا تخاف شرا.
أما في القضايا الحقوقية فعلى العكس، ومبدأ عظمته، حفظه الله، العدل مع الرحمة؛ فهو لا يرضى أن يعتدي أحد الناس على سواه بحق من حقوقه، ولا يعرف في الحق كبيرا ولا صغيرا، إلا أنه إذا رأى المدين يتعذر عليه دفع ما بذمته لعسر حقيقي انتابه لا عن احتيال، ينظر إلى الدائن فإذا وجده ميسرا أمره أن يتمهل على غريمه في استيفاء حقه ويذكره بقوله تعالى:
وتعاونوا على البر والتقوى ، وإذا وجده معسرا أمر بصرف المال من جيبه الخاص وأعفى منه المعسر أو قسطه عليه نجوما إلى زمن طويل حسب حال المديون. ولعمري أن حاكما كعظمة السردار أرفع يدفع ديون الغرماء ويمنع الحيف عن الضعفاء ويحكم بما أنزل الله عدلا وإنصافا ويوزع هباته على قصاده جزافا لخليق أن يفتخر به المفتخرون ويتغنى بحمده المتغنون.
وبالإجمال نقول إن القضاء في عربستان يمتاز بعدله وسرعته في إصدار الأحكام ورهبته في نفوس الأهلين، بحيث تقل الجرائم وتندر المغارم، ولا يخاف الضعيف سلطة قوي جبار، ولا الصغير جاه كبير ذي استكبار، والجميع في حقوقهم راضون، وأمام القضاء متساوون، وبمليكهم مغتبطون.
الضرائب في عربستان
وليس في عربستان ضرائب تقصم الظهور وتثقل الكواهل، بل ليس فيهم من يدفع قرشا واحدا للخزينة الخزعلية العامرة، بل بالعكس أن أهالي الإمارة عيال على عظمته، وطالما قصدوه فاستدانوا منه الأموال قرضا حسنا لمزارعهم ومتاجرهم؛ حتى قال لي يوما مدير البنك الشاهاني الإيراني، وقد سألته على حركة مصرفه ما نصه: «طالما عظمة السردار أرفع يشتغل بأشغال البنك بغير ربح فلا يمكن أن تنجح شعبتنا هنا، ولولا الأعمال المصرفية الخارجية لما وجدتنا ههنا.» فتعجبت من هذا القول واستزدته إيضاحا، فقال: «إن التجار والمزارعين يقصدون عظمته فيقرضهم لوجه الله ما يحتاجون إليه من الأموال، فيتاجرون أو يزرعون بها، ثم يعيدون لعظمته ما استقرضوه عندما يتيسر لهم الوفاء.» فهل سمع الأولون والآخرون بعناية ملك لرعاياه كعناية هذا الملك العظيم، حفظه الله؟
والأغرب من هذا أن عظمته، حفظه الله، ينفق على جيشه الجرار في حروبه من جيبه الخاص، ولا يكتفي بهذا الإنفاق، بل ويشفعه بالهدايا والمنح عند حل الجيش وإعادة القبائل لديارها، وهكذا تذهب واردات عظمة السردار أرفع العظيمة في سبيل تعزيز إمارته وتعميرها، وتوفير وسائل اليسر لها، وإنها لنعمة يقدرها أهالي عربستان حق قدرها، ويشكرون عظمة مليكهم المحبوب عليها شكر الأرض للغمام الهطال، ويدعون لعظمته بطول العمر مدى الأجيال.
جيش عربستان
يقسم جيش عربستان إلى حرس خاص وإلى رجال القبائل تستنفر للحرب فتنفر وتخف إليه رجالا وعلى الضوامر الصافنات من كل صوب وحدب.
أما الحرس الخاص فيتألف من قسمين أيضا: قسم من مواليه العرب الأخصاء الذين ولدوا في نعمته ونشئوا في عرشه، وقسم من الإيرانيين الذين تطوعوا لخدمته. أما هؤلاء فيلبسون لباس الجيش الإيراني خلافا لأولئك الذين ما زالوا على أزيائهم العربية بالعقال والعباءة، وفي الحرس الخاص فرقة للموسيقى كاملة الانتظام تحضر في عصاري كل يوم فتصدح بجوار القصر العامر في الكمالية أو في الديوانية بالفيلية؛ أي من حيث يكون عظمته بالسلام الخزعلي فالسلام الإيراني فبعض الأدوار، ثم تنصرف وهي تتقدم الجيش للقتال.
والحرس الخاص هذا يقيم رجاله وعائلاتهم في دور مخصوصة مشادة في الفيلية والكمالية، وجميع مصاريفهم من الخزينة الخاصة العامرة، عدا مرتباتهم التي يتقاضونها شهريا، وهم يفدون عظمته الملوكية بنفوسهم ويتفانون في سبيل خدمته.
أما القبائل فهم جيشه الجرار في أوقات الحروب، ولدى أدنى إشارة تنتهي إليهم أوامره نصره الله بالتعبئة يهب إلى حمل السلاح كل من يستطيع القتال من الشبان والكهول والشيوخ من رجال قبائله الأشاوس، وليس هناك إحصاء يمكن معه حصر عدد المقاتلة الذين يستطيع عظمة السردار أرفع تجريدهم للقتال في تعبئة عامة، ولكني في سنة 1911 كنت بخدمة عظمته، أعز الله به العرب، وحدث أن البختياريين اعتدوا على حدود إمارة عربستان في أفريل من ذلك العام، فأسرع عظمته إلى الأهواز واتخذها معسكرا، وكان في اليخت إيران، يتبعه اليخت بهمشير وكان فيه أركان حربه وحرسه الخاص، وكان اليختان «ناصري» و«مظفري» يروحان ويجيئان للمراسلة، وجاء في مفكرتي في يوم 30 أفريل ما يأتي بالحرف: العساكر تفد تباعا إلى الأهواز، وقد بلغ عددها 32 ألفا بين مشاة وفرسان، وهذا يقدر بربع عدد الجيش الخزعلي المنصور في رأي الثقات الذين شافهتهم، وقد صدرت أوامر عظمة مولانا السردار أرفع بقسمة هذه الجيوش إلى أربعة فيالق: الفيلق الأول يسير إلى ششتر، ويتألف من ثمانية آلاف مقاتل بين مشاة وفرسان، تحت قيادة البطل الباسل صاحب السمو الشيخ حنظل خان ابن أخي عظمة مولانا وصهره، وفيه رجال قبائل الباوية أخوال عظمته، تحت رئاسة الشيخ مارد، والشيخ ناصر بن جابر الطلال، والشيخ حيدر شيخ قبيلة الميناو ورجاله، وصهر بن طعمة وهو من غلمان عظمة السردار أرفع المعظم وأحد شيوخ الميناو أيضا ورجاله، وجناب السيد طعمة الملقب سيف السادات ورجال قبائله، وأولاد الشيخ عوفي وإخوان الشيخ عاصي من شيوخ قبائل بني طرف ورجالهم، والسيد أسد خان السعد شيخ بني سالم ورجال قبيلته. والفيلق الثاني يسير إلى رامز بقيادة الأمير خربيت، ويعاونه المير عبد الله بن المير مهنا، وكلاهما من شيوخ الشريفات، ومعهما خمسة آلاف مقاتل من رجال الشريفات، وينضم إليهما رزيح الشلاقة والزائر موسى الفصيل وهما من شيوخ المحيسن، وهم عمومة عظمة السردار أرفع أعزه الله، ومعهما ثلاثة آلاف مقاتل، ولم يتقرر الفيلق الذي يسير إلى دسبول. والفيلق الذي سيظل في المعسكر العام للاحتياط. أما الجيوش التي هي اليوم في المعسكر العام بالأهواز ويتألف منها الفيلقان الآخران، فهي رجال قبائل المحيسن عمومة عظمة السردار أرفع، روحي فداه، ومعهم رؤساؤهم؛ وهم الحاج عراك اللفتة، والحاج فيصل العلي، وناصر أبو مطرق، وبخاخ السبهان ، وعبد السيد السلطان، وعبد الله بن الحاج صلبوخ، ورجال كعب ومعهم رئيساهم وهما الزائر عبود بن الزائر دياب والحاج مغيطي، وبعض رجال الباوية أخوال عظمته ورئيسهم الشيخ عناية. وتعين سمو نصرة الملك الشيخ جاسب خان، كبير أنجال عظمة مولانا السردار أرفع قائدا عاما للحملة، ومركزه في المعسكر العام، وإني لأنشد وأنا أرى هذه الأسود مقبلة على المعسكر العام رجالا وفرسانا بأهازيجها العربية ما ينطبق على حقيقة ما أرى، قلت:
أرأيت مجتمع الأسود بغابها
يوما غضابا بالفرائس تزأر
أرأيت ما يحكي المعز وجيشه
بمدينة الأهواز وهي معسكر
أقول: ومن هذا يظهر لنا أن إمارة عربستان تستطيع بالنفير العام أن تجيش نحوا من مائة وعشرين ألف مقاتل من أسود العرب بين فرسان ومشاة، تجتمع تحت لواء عظمة السردار أرفع المنصور، روحي فداه.
سمو الشيخ عبد المجيد خان، ثالث أنجال عظمة السردار أرفع.
أمجيد أهنيك الفخار ونلته
من والد سامي الفخار جليل
فاسلم ودم في ظله مجلى العلى
يلقى بك العافون خير منيل
حياة عظمته الأدبية
إذا كان يحق وصف «حامل السيف والقلم» لرجل، فذلك الرجل هو عظمة السردار أرفع معز السلطنة الشيخ خزعل خان، الذي بات بسيفه من أعظم القواد وبقلبه من أفضل العلماء والشعراء والأدباء.
عكف عظمة السردار أرفع أعزه الله على الأدب منذ نعومة أظفاره على ما مر بنا، وتضلع باللغتين العربية والفارسية، وكلتاهما بحر زاخر لا قرار له، فغاص بهما على لآليهما، وكعربي انصرف إلى أدبيات العرب، وكان اشتغاله بها أكثر، وظل على شغفه بها وعنايته بالعلماء والشعراء والأدباء من أهلها بالرغم عن مشاغله السياسية والإدارية والحربية بعد تربعه على دست الإمارة العامرة.
سمو الشيخ عبد العزيز خان، رابع أنجال عظمة السردار أرفع.
اهنأ عزيز بوالد هنئت به ال
أعراب وهو مسود مفضال
وسلمت للعليا بظل فخاره
يحتاطك الإسعاد والإقبال
وعظمته، حفظه الله، يشتغل بياض نهاره في شئون الملك وسواد ليله في مجالسة العلماء والشعراء والأدباء، الذين لا تخلو مجالسه الملوكية من وفودهم، وأكثرهم من أهل العراق، ولهم مرتبات يتقاضونهم مسانهة؛ فمن مباحث شرعية، إلى مطارحات شعرية، إلى مفاكهات ونكات أدبية. وما اقتصر عظمته على هذا حتى كان مؤلفا وشاعرا أيضا، وله من جلائل التأليف وبدائع القصائد والمقطعات الشيء الكثير.
سمو الشيخ عبد الكريم خان، خامس أنجال عظمة السردار أرفع.
كريم تهنا بالعلى إذ جنيته
بوالدك السردار أرفع ذي العلى
فلا زلت في نعماء باليمن راتعا
وفي ظله الوافي الهناء مظللا
وأهم الكتب التي وضعها عظمته هو كتابه الشهير «الرياض الخزعلية» في السياسة الإنسانية، وهو أفضل ما خطه قلم في الأخلاق والحكم، وقد جمع فيه من النوادر المطربة والحقائق المعجبة والأشعار النادرة والأمثال السائرة الشيء الكثير، وأزانه ببعض منظوماته النفيسة فكانت حلية له، وتوخى في كتابه هذا، حفظه الله، تعالى الجمع بين الفكاهة والفائدة. وهذا الكتاب يقع في أربع مجلدات ضخمة استلمته سنة 1913 لطبعه فصدر المجلد الأول منه سنة 1914، ثم اشتعلت نار الحرب العامة وانقطع ورود الورق الجيد عن مصر فاضطررت إلى إيقاف طبع المجلدات الثلاثة الباقية إلى ما بعد الحرب. وعندما يظهر هذا الكتاب ويتداوله العالم العربي يتجلى فضل عظمة مولانا المعز للقاصي والداني.
ولعظمته من غرر القصائد ودرر المقطعات ما لو جمع ونشر لكان من أبلغ وأفصح الدواوين. وقد جال عظمته في كل معاني الشعر بين غزل ونسيب وحماس وفخر ومديح ورثاء؛ على إني إذا فسح الله بأجلي وعدت إلى خدمة ولي نعمتي في الكمالية سأجهد في الحصول على هاتيك الدرر المنشورة لأزين بها جيد اللغة العربية الشريفة. وأنا واثق أن هاتيك القصائد والمقطعات ستصبح أناشيد العرب في رحيلهم وسمارهم في حلهم.
ولعمري إذا كان الفضل لا يعرفه إلا ذووه فلا عجب إذا لقي العلماء والشعراء والأدباء في قصر عظمة السردار أرفع المنزل الأرحب والمورد الأهنى والمثوى الأرغد، ولا ضرورة للبيان بأن عظمته روحي فدان قد أحيى دولة الأدب وأعاد الخلائف العباسيين والفاطميين لنجباء العرب، فباتوا في ظله الظليل في عيش راغد وبحابح يسار من بعد ما كان يرثي الحاسد والشامت لما هم فيه من الفقر والعار ، فبينما كانوا يرددون قول الشاعر:
أف لرزق الكتبة
أف له ما أصعبه
أف لرزق جاءنا
من شق تلك القصبة
صاروا يقولون معي:
بشرى برزق القصبة
بشرى به ما أطيبه
ما دام فينا خزعل ال
مفضال يولي ذهبه
لسالم في الشرع قد
قرا عليه كتبه
وشاعر مقتدر
بالنظم أبدى أدبه
وناثر مهذب
ونفسه مهذبة
سعت له آدابهم
روائعا مذهبه
ونزلت من قصره ال
رحب المغاني أرحبه
وقد رأوا من فضله
آثار بر طيبة
يرحب فيهم ثغره
وينثر الدر هبة
فلم يعد ذو ذلة
منهم ولا ذو متربة
يشكو ويبكي دهره
من فاقة ومسغبة
هذا المعز المرتجى
للأدبا والكتبة
محيي موات المجد في
أخلاقه المحببة
فليحي في إقباله
للدهر يطوي حقبه
والحقيقة التي لا تشوبها شائبة من الريب هي أن العلماء والأدباء والشعراء الذين طالما شكوا الفاقة وتأففوا مما هم فيه من الضيق والعسر قد وجدوا في القصر الخزعلي العالي عكاظا ثانيا تروج فيه أدبياتهم، فيأتون بدرر الأقوال وينصرفون ببدر الأموال، وهم يدعون بالسر والجهر: فليحي عظمة السردار أرفع المحسن المفضال.
المعيشة الخزعلية
وطالما صبا الناس إلى الاطلاع على معيشة الملوك، ويرون فيها فائدة ولذة، وها أنا ذا نتحف العالم العربي بأنباء معيشة عظمة السردار أرفع بما اختبرناه؛ وما راء كمن سمع.
ينهض عظمة مولانا السردار أرفع، روحي فداه، عند الغلس من سريره فيتوضأ ويصلي صلاة الفجر بقلب خاشع، ويسأل الله بعد الصلاة أن يرحب صدره ويلهمه العدل والرحمة؛ وبعد الصلاة يتناول طعام الفطور، ويكون غالبا اللبن (الحليب) والقهوة أو الشاهي وقليلا من المربى والزبدة والبيض؛ ثم يدخل مكتبه الخاص في الحرم لمراجعة أوراق الإمارة المعروضة على أنظاره العلية، ويؤشر بيده الشريفة على كل ورقة منها بما يصدر به أمره العالي، ويقيم في مكتبه هذا نحو الساعتين؛ ثم يخرج، حفظه الله، للناس الذين يؤمونه بأشغالهم فيقابلهم بمجلسه في الدور الأول من القصر العامر، أو في فسحة القصر إذا كان الوقت صيفا؛ وفي الضحى يركب أحد يخوته أو بلمه الملوكي ويتوجه باليمن والإقبال إلى الفيلية بموكبه الحافل، يحيط به كتبته ورجال بطانته وحرسه الخاص، فتستقبله هناك الموسيقى الخزعلية بألحانها المطربة؛ ومن هناك يدخل الديوانية حيث يتصدر صاعة الاستقبال وينظر في شئون رعاياه وحوائجهم ويفصل في شكاويهم وخصوماتهم، ويحكم بينهم عدلا وإنصافا، وينعم بكرمه «الخزعلي» على طالبي رفده وهم كثيرون؛ ويظل كذلك إلى قبيل الظهر حيث يدخل الحرم فيصلي صلاة الظهر، ثم يتناول طعام الغذاء داخل الحرم، ويقضي القيلولة فيه إلى قبيل العصر حيث ينهض للصلاة فيصلي العصر؛ ثم يخرج لصاعة الاستقبال ثانية فيستأنف أعماله الخيرية والإدارية؛ ثم يرجع إلى الكمالية قبيل الغروب حيث يدخل الحرم مباشرة فيصلي صلاة الغروب؛ ثم يخرج إلى صاعة السمر في الدور العالي من القصر فيتناول طعام العشاء مع ضيوفه وندمانه، ثم يستدعي من في الباب من العلماء والأدباء والشعراء وهم كثيرون ويسمر معهم إلى الهزيع الثاني من الليل، في مذاكرات علمية، ومطارحات شعرية، ومداولات أدبية، في مجلس يتسابق إليه المتسابقون في العلم والآداب والشعر، وللمجلي من هبات عظمته نصيبه من الرزق، وعند منتصف الليل يرفض الاجتماع، ويدخل عظمته للحرم، ويتفرق الندماء وأهل العلم والأدب والشعر في غرفهم في ذلك القصر المعمور وكلهم ألسنة تحمد مآتيه وتدعو إلى الله سبحانه بطول بقاه.
هذه معيشة عظمة السردار أرفع العادية، إلا أنها قد يحدث ما يغيرها؛ كوجود ضيوف أعزاء في القصر العامر من إيران والعراق، وكثيرا ما كان يزور عظمته ساكن الجنان فقيد العرب والإسلام المرحوم المبرور الشيخ مبارك الصباح، رحمه الله، وكان يلازمه مدة إقامته؛ لما كان بينهما من الإخاء الوثيق العرى.
أخلاق عظمة السردار أرفع
هو السردار أرفع ذو سجايا
ملألئة كلألاء النجوم
تفرد في محاسنها وأضحى
بها مجلى الفخار المستديم
يقابل بالتهلل قاصديه
وبالترحاب في ثغر بسيم
ويصفح عن أعاديه اقتدارا
ويعفو عنهمو شأن الحليم
ويجلي النائبات إذا دهته
برأي الحازم الفطن الحكيم
ويلقى داهم الأيام حتى
يزول وينمحي بقوى حزوم
ويحكم ملكه في شرع طه
ويقضي عادلا بين الخصوم
ويولي عطفه الأسنى الرعايا
بعاطفة الأب الحاني الرحيم
ويحزن إن رأى فيهم حزينا
ومبتليا تزمل بالهموم
ويفرح إن رأى فرحا لديهم
أوى باليمن في هاني النعيم
ولا يرضى ليوم مر فيه
ولم يبذل جمائله لقوم
ولم يلهج سوى في حمد رب
حباه سؤدد الملك الفخيم
ولم يغضب سوى لله تقوى
ولم يحقد سوى لبياض يوم
خشى الرحمن في حكم الرعايا
بقلب المسلم الورع السليم
وأرضى الله في بر وعدل
وحسن تعبد بهدى عليم
وأرضى المصطفى وأحب آل ال
نبي محبة الشغف الهيوم
وجاهد في سبيل الصالحات ال
مثيبة نصرة الدين القويم
لذا العرب الكرام إليه أولوا ال
وجوه وأصبحوا بحمى كريم
وإن المجتبي السردار فيهم
يسودهمو على خلق عظيم
فبورك في إمارته وفيه
ودام لها بمفخره الوسيم
إن عظمة السردار أرفع، حفظه الله، لعلى خلق عظيم، وإيمان قويم، وخضوع لإرادة الله وتسليم، وسعي في سبيل العدل والرقي مستديم، وجهاد لتعزيز العلم والتعليم؛ وهو المحسن الجواد الكريم، والسياسي المحنك الحكيم، والأب الشفوق الرحيم، والملجأ الأكبر لتسرية الهموم، وإزالة الوجوم، وإنالة كل مريم؛ يستقبل عوافيه بثغر بسيم، ووجه وسيم، وينزلهم على الرحب والسعة في قصره الفخيم، ويبلغهم أقصى آمالهم بجوده العميم، وشارك بعواطفه الشريفة المسرور والمغموم، ويعمل لأن تكون رعيته في نعيم مقيم، لا جرم أن هذه الأخلاق الفاضلة، والشمائل العالية، التي تفرد بها عظمة الشيخ خزعل خان، المتلألئة بحسناته الحسان، قد اعتز بها العربان، إذ كانت أفضل ما يمتاز به الإنسان عن أخيه الإنسان، وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «لا يفضل المسلم أخاه المسلم إلا بالتقوى.» والتقوى في الملوك أن يتقوا الله بعباده فيسيرون بهم إلى بحابح الخير ويكشفون عنهم البلوى.
فمن أخلاق عظمة السردار أرفع أعزه الله، ورعه وتقواه، وتمسكه بآداب القرآن والإسلام، وقيامه بالفروض والنوافل على الدوام، وثقته بالله في كل ما يعرض له من الحوادث ويعرض عليه من المهام.
ومن أخلاقه أيده الله أنه يظهر دائما بمظهر الراضي القنوع، ببشاشة ثغر وسعة صدر. ولا يذكر أحد من حاشيته ورعاياه ومريديه أنه رآه يوما غاضبا أو متأففا.
ومن أخلاقه، حفظه الله، الحلم حتى ليكاد يسع صدره الحوادث مهما عظمت، إلى أن يجلوها بحكمته ودهائه وصبره وطول أناته؛ فهو حليم على الزمان وآل الزمان أيضا.
ومن أخلاقه، أدام الله علاه، صفحه عند المقدرة؛ حيث يصفح عن أعاديه عندما يتملك من نواصيهم ويتحكم برقابهم؛ فتراه وقد حلت ساعة الانتقام من أعداه اللئام عفا وصفح وهو يقول لمريديه: «العفو من شيم الكرام.»
سمو الشيخ عبد الله خان، سادس أنجال عظمة السردار أرفع.
بشراك عبد الله قد نلت المنى
ولك الهنا بحمى معز السلطنة
وبلغت سؤلك في ظلال فخاره
وظفرت في آي الثناء المعلنة
ومن أخلاقه أزاده الله فضلا كرمه الحاتمي، أستغفر الله بل كرمه الخزعلي، وأين لحاتم أن يحاكيه بالجود والنوال، ويتحدى خطواته بالإفضال؛ فهو يجود على عوافيه قبل السؤال، ويأبى سماع الشكر على ما يأتيه من بواهر الأعمال، وإنه ليحزن إذا مر يوم لم يصطنع به جميلا ويأتي به برا جليلا.
ومن أخلاقه، كرمه الله، شفقته وحنوه على رعاياه اللائذين به؛ حتى لتراه يشاركهم بأفراحهم وأحزانهم، فيعزي المحزونين ويزيد في أفراح الفرحين شأن الملك العادل والأب الرحيم.
ومن أخلاقه، نصره الله، تغاضيه عن إساءة المسيء، وهو يقول: العصمة لله وحده. وإذا رأى عتاب أو توبيخ أحدهم على تقصير عرض بذلك تعريضا.
ومن أخلاقه، أطال الله بقاه، دعته بغير ضعة؛ بحيث لا يعرف الكبر ولا استكبر، وهو العظيم الكبير بنفسه ومجده وجاهه وعلمه وأعماله الطيبة.
ومن أخلاقه، رعاه الله، أنه يكفل عبيده المخلصين وخدامه الصادقين أحياء وأمواتا؛ فهو يوالي حسناته عليهم ولا ينسى عيال من مات منهم بصدقاته وميراته.
ومن أخلاقه، أعلى الله رايته، وفاؤه لأصدقائه وفاء ما بعده وفاء؛ فيذكرهم بالخير ما تنائوا وتنائى العهد، ويهتم بأمورهم على القرب والبعد.
ومن أخلاقه، صان الله مهجته، مجاملته لضيوفه وقصاده، وعنايته في إدخال السرور على قلوبهم ما داموا بحضرته.
هذه بعض أخلاق الشيخ في السلام؛ حتى إذا ما اشتبك القتال وثارت ثائرة الحروب انقلب إلى أسد رئبال ، وخف للنضال؛ فتلقاه على جواده يهلل ويكبر، والموت يلمع من وميض حسامه، والنصر والفتح من جملة عبيده وخدامه، هنالك تلقاه وقد عرفته الخيل والليل، رجل المعمعان وفارس الميدان، وقد صبغ الأرض بالدم وملأها بأشلاء الأعداء، وعاد فائزا منصورا مكللا بأكلة غار الانتصار.
ولقد شهد لعظمته، حفظه الله، قناصل الدول وأكابر رجال الفرنجة الذين أموا العراق، بهذه الأخلاق الفاضلة، وأعجبوا بها أيما إعجاب. وقد قال لي يوما قنصل أميريكا في البصرة ما ترجمته بالحرف: «إني لأعجب من عظمة السردار أرفع تجمله بهذه الأخلاق الفاضلة، وهو ملازم العراق، فلم يتجول في أوروبا ولا دخل مدارسها.» فضحكت وقلت: إن عظمة مولاي السردار، روحي فداه، تجول في أرض أعظم حضارة، وتربى في مدرسة أوفى آدابا. فحملق مستفسرا وقال: أين؟ أين؟ قلت: إنه تجول بالروح في أرض حضارة العرب القديمة، وتربى في مدرستهم الزاهرة، وذلك بفضل اطلاعه على آداب القرآن وحضارة العرب. قال: أوفيهما مثل هذه الأخلاق الفاضلة؟ قلت: نعم؛ فإن حضارة العرب في عهد العباسيين الغابر لم تكن أقل رواء من حضارة الأوروبيين في عهدهم الحاضر. قال: ولماذا إذن لا يرى في العرب اليوم آثار تلك الحضارة الزاهرة؟ قلت: لتسود الجهل فيهم بسيادة الأتراك عليهم، فإذا استرجعوا مجدهم أزهرت حضارتهم ورأيتموهم يماشونكم بالعلوم والتمدن والآداب. فسر القنصل بهذا البيان ودعا معي لعظمة الشيخ خزعل خان بطول العمر وسعة السلطان.
سعادة الوزير الخطير الحاج محمد علي خان، رئيس تجار عربستان.
أخلصت للسردار أرفع يا رئي
س وبت من علياه خير وزير
فاسلم لدولته ودم متنعما
برضائه في غبطة وسرور
فهذه هي أخلاق عظمة السردار أرفع التي ملك بها قلوب الأحرار، وأصبح فيها صاحب الجاه والافتخار، كلأه الله بنعمه مدى الأدهار.
الأنجال الأنجاب
المال والبنون زينة الحياة الدنيا .
قرآن شريف
أتم الله سبحانه وتعالى على عظمة السردار نعمته، فرزقه ستة أنجال أنجاب، ما فيهم إلا الكريم المهاب، والشهم الذي تفتخر به الأعراب، ولا غرو؛ فإنهم انبثقوا من نوره الساطع، وأضاءت سجاياهم في أفق الفخار كالشهب اللوامع ، وإنهم في حمى عظمة مولانا ومولاهم المعز الفخيم أحسن مثال لشمائله الوضاء، ويحاكونه بمآثره الحسناء، ولا جرم؛ فالولد سر أبيه، بارك الله فيهم وفيه.
لله در السادة الأنجاب
أبناء خزعل سيد الأعراب
لله درهمو وقد شبوا أجا
ويدا بظل أبيهم الوهاب
وازدانت العليا بهم مذ أصبحوا
شهبا تضي في أفق خير قباب
فالشيخ جاسب نصرة الملك الجلي
ل الأروع السامي العلي جناب
والمجتبى عبد الحميد الباهر ال
أفضال والمرجى لنيل طلاب
وأخو العلى عبد المجيد وأنه ال
مقصود في تحقيق كل رغاب
والباسل الوافي الذكا عبد العزي
ز وقد وفى بالود للأصحاب
والسمح مستجلي العلى عبد الكري
م وفضله يحكي همي سحاب
والشهم عبد الله من يلقى عوا
فيه بوفر ندى مع الترحاب
نشئوا بظل أبيهم السردار أر
فع في العلى ومكارم الأحساب
وبدت مواهبه بهم وذكاؤه
فيهم وهم نشء بزهو شباب
حمدت شمائلهم وهم بمهودهم
فكأنها موروثة الأنساب
وترعرعوا متهذبين بطبعهم
وتنزهوا عن مثنيات معاب
والطب غلاب وأبناء المعز
المجتبى أرقى بني الأعراب
تخذوا مناقب خزعل وبها غدوا
متسودين بباهر الآداب
مترفعين عن الخنا متجملي
ن من العلى في زاهيات ثياب
فإذا صبوا فإلى الفخار وإنهم
لم يعرفوا لسوى الفخار تصابي
وإذا سعوا فإلى الجلال وإنهم
يرجونه بذهابهم وإياب
وترى مجالسهم وهم في صدرها
متربعين بها مقر مهاب
وتراهمو أهل النباهة والذكا
والحزم في قول لهم وخطاب
وهمو كمثل أبيهم في جودهم
يولونه لمعاشر الطلاب
وقد انثنوا من جاهه في سؤدد
ما ناله قطب من الأقطاب
ورقوا لما فوق السماك بحزمهم
وبما لهم من محمدات رغاب
وتألفت بحمى المعز قلوبهم
وصفت لسؤدده كصفو شراب
وغدوا حيال سريره متصافيي
ن تصافي الإخوان والأحباب
يدعون أن يحيى لهم ولأمة ال
أعراب ذخر على مدى الأحقاب
طائفة من حرس السردار أرفع العجمي.
سمو نصرة الملك
هو جناب الشيخ جاسب خان نصرة الملك، كبير أنجال الحضرة الفخيمة الخزعلية. وسموه اليوم في نحو الخامسة والعشرين من ربيع عمره، طويل القامة، رقيق الجسم، قوي العضلات ، ترسل عيناه أنوار الذكاء شعلة نار، على أدب جم واطلاع واسع، يحسن اللغات العربية والفارسية والإنكليزية، وخدم دولة أبيه إداريا وحربيا، فحكم المحمرة «البلد» والناصرية، وله آثار بر وفضل فيهما؛ إذ حقق آمال عظمة أبيه ينشر راية العدل والأمان، وهو جواد كريم وحازم بعيد مواقع النظر. اتصلت بسموه، وأقمت بخدمته ردحا من الزمن، فأعجبت بمواهبه السامية ومباديه العالية أيما إعجاب، وسمعت الناس يتحدثون بمكارم أخلاقه ويثنون عليه الثناء المستطاب.
سمو الشيخ عبد الحميد خان
هو ثاني أنجال الحضرة الفخيمة الخزعلية، وسموه اليوم في نحو السابعة عشرة من ربيع عمره. اتصلت بسموه وشهدت فيه من مكارم الأخلاق المعجب المطرب. وسموه على جانب عظيم من النباهة والذكاء والأدب والفضل، وهو غيور على الأدباء عطوف على الفقراء، مجد وراء طلب العلم متوسع في اللغات العربية والفارسية والإنكليزية، ولا أنسى عطفه علي وزياراته المتوالية لي في الكمالية، حفظه الله، بحمى مولانا المعز أبيه.
سمو الشيخ عبد المجيد خان
هو ثالث أنجال الحضرة الفخيمة الخزعلية. وسموه اليوم في نحو الخامسة عشرة من ربيع عمره. وقد ظهرت عليه مخائل النجابة والذكاء، فتراه على نباهة وذكاء وكمال وجلال. وقد تشرفت بزيارته في قصره العامر في الخميسية غير مرة، فأعجبت بخلاله السمحة وآدابه العالية.
سمو الشيخ عبد العزيز خان
هو رابع أنجال الحضرة الفخيمة الخزعلية، وشقيق سمو نصرة الملك. وسموه اليوم في الخامسة عشرة من ربيع عمره، وهو متوقد الذكاء وافر النباهة، أديب أريب وفارس مغوار، حتى ليكاد يطير مع الريح على ظهر جواده. وقد تشرفت بصحبته ردحا من الدهر في ناصرية الأهواز، فأعجبت بأدبه كثيرا.
سمو الشيخ عبد الكريم خان
هو خامس أنجال الحضرة الفخيمة الخزعلية. وسموه اليوم في الرابعة عشرة من ربيع عمره، وهو رقيق المعشر، زكي، نبيه، وافر العطف واللطف، تشرفت بمقابلته غير مرة في القصر العامر فأعجبت بمكارم خلاله ووفرة أدبه.
سمو الشيخ عبد الله خان
هو سادس أنجال الحضرة الفخيمة الخزعلية. وسموه اليوم في الثانية عشرة من ربيع عمره، وهو على حداثة سنه مثال الكمال واللطف ومكارم الأخلاق. وقد تشرفت بمصاحبته أياما في ناصرية الأهواز وأعجبت بفضله الباهر وأدبه الزاهر.
معيشة الأنجال
ولكل من هؤلاء الأنجال النجباء والأشبال الأذكياء قصر عامر وحاشية خاصة، ويقصدهم القصاد، فينالون رفدهم وينصرفون حامدين شاكرين. ولدى كل أمير أساتذة نبهاء من العلماء الصالحين والأدباء البارعين، يسهرون على بث العلم في صدورهم، ويعدونهم لأن يكونوا بحق أبناء بررة لعظمة السردار أرفع، يتحدون آثاره ويستحقون مجده وفخاره. وكلهم، حفظهم الله، يتلقون اللغات العربية والفارسية والإنكليزية، وهي اللغات التي لا غنى عنها لأمراء فخام نظيرهم، حفظهم الله.
وهم، حفظهم الله، يربون على خشونة العيش وتعود الفروسية وركوب الخيل؛ ليكونوا سيوفا بتارة مشهرة على أعداء أبيهم وموقوفة على خدمة عرشه الوطيد الأركان.
وقد أعجبت بما اشتهروا به، حفظهم الله، من محبة بعضهم بعضا، وإجماعهم على التفاني بالإخلاص لعظمة مولانا ومولاهم السردار أرفع، والالتفاف حول أريكته، والتسابق في نيل رضاه، على ما هو خليق بحسبهم الطيب وأخلاقهم العالية، وفيه الضمان الأوفى على ما ينتظر من المستقبل البسام لإمارة عربستان بعد هذه الحرب الشعواء التي تسقط فيها دول وتنهض دول وتتبدل خرائط الأرض في طولها والعرض.
ضريح سيدنا الحسين، عليه الصلاة والسلام، بكربلاء.
أم الضريح بكربلاء وقف به
متخشعا واطلب رضاء الغافر
وامرغ جبينك في ثراه فإنما
أهريق فيه دم الحسين الطاهر
واندب مصاب المسلمين بخطبه
وعليه نح بمسيل دمع هامر
واقرا السلام على رفاة قد ثرت
فيه وعد باليمن أكرم زائر
فالله المسئول أن يكلأهم بعين عنايته، بظل الحضرة الفخيمة الخزعلية الظليل، وأن يطيل بقاءهم للفضل بحمى عظمة والدهم الفضيل.
دعاء وإن الله مستمع الدعا
لأنجال مولى العرب سردار أرفع
أدامهمو الرحمن في ظله على
بحابح نعمى بالرسول المشفع
تسعى الركاب لسيد الشهداء
بتقى وإخلاص وحسن ولاء
وتزور تربا قد تطهر بالدم ال
ذاكي وأصبح مظهر الآلاء
وتؤم تربته التي فيها ثوى
بجلالة وفخارة وبهاء
وغدت مقر الغفر والرحمات لل
متهجدين ومصدر النعماء
فهنالك الزوار قد عقدوا الحبى
حول الحسين بفجعة وبكاء
مستشفعين وسائلين العفو في
ه مع الرضا من أرحم الرحماء
مستمسكين بحبه وولائه
وبحب طه مع بني الزهراء
بتخشع وتورع وتضرع
وتعبد وتهجد ودعاء
فعلى الشهيد بكربلاء تحية ال
إخلاص تعبق في أتم شذاء
من كل من صدق الولا للمصطفى
ولآله صدقا بغير رياء
وهو المشفع مع أبيه وجده
بالناس في جاه عظيم رواء
وهمو حماة معز سلطنة الأكا
سرة كريم البر ذي العلياء
حامي حمى العرب الكرام المرتجى
للفضل في آثاره الوضاء
ولقد حباهم وده فهو الودو
د لهم بإيمان وحسن رجاء
وقد ارتضوا عنه لعادل حكمه
في المسلمين ووافر الإعطاء
والله كالئه وهم متشفعو
ن به وناصره على الأعداء
جناب الحاج رئيس
شيخ جليل مهاب، شب وشاب في حمى البيت الجاسبي الرفيع العماد، فأخلص لهم سرا وجهرا، وخدمهم بكل ما أوتي من ذكاء ودهاء وفطنة خدمات مشكورة محمودة، ولا يزال يوالي المسعى في سبيل صادق الخدمة بإخلاص عزيز النظير، وعلم وذكاء وحسن تدبير وتفكير، فكان أصدق مشير وأفضل وزير، وهو محترم وقور، حسن السياسة، وافر الكياسة، ثابت الجنان، صحيح الإيمان، بايع عظمة مولانا الشيخ السردار أرفع على الإخلاص، فأخلص لعظمته سرا وجهرا، وصدق في خدمته قولا وفكرا، فلا تلقاه إلا وهو مجاهد في اكتساب رضاء عظمته الملوكية في خدمة دولته العلية، وتوفير الراحة والرفاه لرعاياه، فتنطلق ألسنتهم بالدعاء لشخصه المحبوب المفدى بحبات القلوب، وتتحرك أفئدتهم بحبه، وكذلك فليكن الوزراء الأمناء والخدمة الصادقون.
وجناب الحاج رئيس هو الحاج محمد علي خان، من أبناء إيران، هبط المحمرة على عهد ساكن الجنان الحاج جابر خان، واشتغل في التجارة فنجح نجاحا عظيما، واتصل وقتئذ بذلك الرجل العظيم، وفاز بالانتماء إلى سدته الملوكية، رحمه الله، وأصبح من خاصته وأركان إمارته العلية.
وعندما استأثرت رحمة الله بالمرحوم الحاج جابر خان، وانتهت الإمارة إلى ثاني أنجاله ساكن الجنان المرحوم الشيخ مزعل خان؛ انتقلت ثقة الأب إلى ابنه، فاستدناه من مجلسه، وعلى عهده نال هذا الوزير الكبير من لدن الدولة العلية الإيرانية لقب «رئيس تجار عربستان»، وعرف بين القوم باسم الحاج رئيس ولا يزال معروفا بهذا الاسم الكريم.
وعندما تشرفت إمارة عربستان برجلها الأكبر وعميدها الأشهر صاحب العظمة السردار أرفع، تمسك عظمته، حفظه الله، بهذا الوزير الأمين الصادق، واعتمد على صداقته وإخلاصه، فكان عند ظنه بحضرته يثني عليه الثناء الذي هو أهله.
مدينة كربلاء، وإلى يمين القارئ باب جامع سيدنا الحسين، عليه الصلاة والسلام، وإلى يساره الجامع.
يا كربلاء شهدت أفظع مشهد
أدمى القلوب بفاجع البلواء
وجرى الدم الذاكي بأرضك فهي طا
هرة مطهرة وذات شذاء
وضممت خير شبيبة الجنات مو
لانا الحسين وسيد الشهداء
وبه غدوت مزار كل موحد
وإلى النبي وآله بولاء
وجناب الحاج رئيس لا يدخر وسعا ولا يوفر تعبا في سبيل خدمة مليكه المفضال، فتراه دائما أبدا ناشطا إلى تلبية أوامر صاحب العظمة الملوكية، بهمة الشباب وحنكة الشيوخ، وفكرة من خبر الدهر، وذاق الحلو والمر.
وقد سار جناب الحاج رئيس غير مرة إلى طهران بمهمات تتعلق بإمارة عربستان، فنجح فيها جميعا نجاحا باهرا، كما أن مواقفه السياسية الكثيرة تشهد له بالذكاء النادر، وتحيي له أطيب المآثر، فلا عجب إذا كان موضع ثقة عظمة السردار أرفع، وفائزا برضائه الأعلى.
وطالما سمعنا هذا الوزير الخطير يفاخر بانتمائه إلى عظمة السردار ويفتخر بخدمته؛ شأن الشكور المخلص.
وفي سنة 1914 سار حضرة الحاج رئيس بسياحة كبرى قصد فيها الهند فمصر فأوروبا، ثم عاد باليمن والإقبال إلى المحمرة بطريق سوريا، وقد لاقى بسياحته هذه من الحفاوة والإكرام ما يليق بمخلص كبير لعظمة السردار أرفع، وكانت سياحته هذه ذات فوائد جمة.
وجناب الحاج رئيس متوسط القامة، نحيف الجسم، عصبي المزاج، قوي العزيمة، نير الفكر، متوقد الذكاء، صريح اللهجة، لا يعرف الرياء ولا المداجاة، ومن طبعه الإخلاص للمخلصين لعرش مولانا ومولاه، والعمل على ما يحبه ويرضاه.
ولسعادة الحاج رئيس تجارة واسعة في عربستان، بل هو أعظم تاجر فيها، ويقوم بإدارتها نجله الذكي النشيط سعادة أبو الحسن خان مشير تجار عربستان المعروف باسم الحاج مشير. وهذا الشهم النبيل تربى على الإخلاص لعظمة السردار أرفع، وفاز برضاء عظمته، وبات موضع ثقته أيضا. وجنابه من نوابغ شبان العراق، ويحسن اللغات العربية والفارسية والإنكليزية، وسافر غير مرة إلى الهند وأوروبا فأزادته أسفاره خبرة ودراية، حفظ الله الرئيس والمشير، بحمى عظمة مولانا ولي النعم السردار الخطير.
نظرة في العراق
إن أهالي العراق يغلب فيهم التشيع لآل البيت الطاهر، عليهم وعلى المصطفى الصلاة والسلام. وهم الشيعة المعروفون في العالم الإسلامي بنصرة سيف الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب، عليه الصلاة والسلام. وهم طائفة كبرى في المسلمين، ولهم في العراق مشاهد كبرى ومدارس عامرة، أهمها مشهد الإمام علي في النجف الأشرف، ومشهد سيدنا الحسين في كربلاء، ومشهد سيدنا الكاظم في بغداد، عليهم الصلاة والسلام. ويتوافد الشيعيون لزيارة هذه المشاهد المقدسة من بلاد فارس والهند وما وراءهما. وفي النجف الأشرف مدرسة دينية كبرى فيها نحو من ثلاثين ألف طالب يتلقون فيها العلوم الشرعية والآداب الدينية، ويتوزعون بعد ذلك على البلاد معلمين مهذبين، ومن هذه المدرسة ظهر نوابغ مجتهدي الشيعة ولا يزالون يظهرون، وهم أئمة الدين ومنائر الهدى للمتقين. وفي هذه المشاهد المباركة من النفائس والتحف ما لا يقع تحت ثمن، وهي هبات المتقين ونذور الورعين.
وفي العراق قسم ليس بقليل من أهل السنة المسلمين، ولهم مشاهد مباركة أهمها مشهد سلطان الأولياء سيدي عبد القادر الكيلاني الحسني، عليه الصلاة والسلام، في بغداد. وفي ذلك المشهد المبارك مدرسة كبرى يتلقى فيها الطلبة الكثيرون العلوم الشرعية والآداب الدينية.
وقد عمل الأتراك كعادتهم في حكمهم على التقسيم بين عرب العراق ليتمكنوا من الاستبداد بهم، فبثوا روح البغضاء بين السنيين والشيعيين، فكثرت بينهم المنازعات والخصومات، واستفاد الأتراك من وراء هذا التقسيم التسود على القبيلين.
ومن المعلوم أن أكبر أمير شيعي في العراق بجملتها هو عظمة السردار أرفع معز السلطنة الشيخ خزعل خان أمير عربستان، ومنذ تربع على عرش الإمارة أولى الشيعيون وجوههم شطر عظمته وانصرفوا إليه بآمالهم، وفي الوقت نفسه كان موضع احترام وإجلال المسلمين السنيين أيضا، وهكذا اجتمعت قلوب الفريقين على حبه وعقدوا خناصرهم على احترامه لأنهم رأوا فيه من الإنصاف ما لم يروا بعضه من الحكومة التركية؛ ولذلك كان واسطة العقد الذي جمع قلوب العراقيين من سنيين وشيعيين بعد أن نثرها الأتراك نثرا بالتفريق بينهم.
وهكذا يرى الباحث في حالة العراق الاجتماعية عظمة السردار أرفع بتلافي شرور الانقسام المذهبي التي كانت تثيرها الحكومة التركية، كما كان يرى في القصر الخزعلي العامر علماء الشيعة والسنة يتصافحون، وسادات الفريقين يتصافون، وأعيان القبيلين يتحابون، بينما يسمع ويرى في البصرة وبغداد وما بينهما من الفيافي والبلاد رعاع القومين في خصام دائم وشغب ملازم، والحكومة تدس دسائسها بين هؤلاء وهؤلاء باطنا وتنصر فريقا على فريق ظاهرا.
وكانت الحكومة التركية في العراق تنظر شزرا إلى عظمة السردار أرفع لهذه الحكمة التي كان يبديها لتوحيد كلمة العراقيين؛ لأن اتحادهم لم يكن من مصلحتها؛ شأن الدولة الغربية الظالمة التي يهولها اتحاد رعاياها المتغلبة عليهم؛ مخافة أن يتفقوا عليها وينهضوا لمناقشتها الحساب، وكان هذا من أكبر أسباب الخلاف بينها وبين عظمته نصره الله.
ولعمري كيف ترضى حكومة الأتراك في البصرة وبغداد عن عظمة السردار أرفع وهي ترى سادات وعلماء وأعيان السنة يتسابقون إلى المحمرة حيث يجتمعون في نادي عظمته مع سادات وعلماء وأعيان الشيعة، ويخرجون جميعا من حضرته وهم بنعمة الله إخوان متصافون؟
وفي سنة 1911 دخلت العراق وتجولت فيه من البصرة إلى بغداد، ولو لم يعترضني ناظم باشا الجركسي والي بغداد وقائد العراق وقتئذ ويعيدني أدراجي لبلغت الموصل، وقد شاهدت في كل الأرجاء التي زرتها من الحب والاحترام في نفوس الشيعيين والسنيين لعظمة السردار أرفع، وإجماعهم على تقدير مجهوداته الطيبة في سبيل العرب والإسلام، ما أفتخر وأستبشر بإثباته هنا. وأعتقد أن حب القوم واحترامهم لهذا المليك العظيم سيهيئ للعراق مستقبلا عظيما يتجدد معه مجد العراق وفخار العرب بعد هذه الحرب المستعرة اللهب. وحكمة عظمة السردار أرفع تتكفل بنوال بعيد الآمال، إن شاء الله تعالى؛ إذ إنه أيده الله هو الأمير الوحيد الذي يركن إليه المسلمون من شيعيين وسنيين، فضلا عن احترام اليهود والنصارى لعظمته الملوكية لما عهدوه من آيات عدله وفضله.
طائفة من جيوش المحيسن عمومة عظمة السردار أرفع.
ولا حاجة لبيان ما هو جلي للعيان فلا يحتاج إلى برهان، من أن عظمة السردار أرفع، حفظه الله وأبقاه وأكبت عداه، هو أخلص المخلصين لدولة العدل والفضل صديقة العرب الصدوق بريطانيا العظمى. وعظمته، حفظه الله، في مقدمة الأمراء الحاصلين على ثقتها لأنها عرفته عربيا صادقا بعربيته، لا يعمل إلا لمصلحة العرب، ولا يشتغل إلا لخيرهم، ولا يجاهد إلا في سبيل تجديد مجدهم على علم وسعة إدراك وسداد رأي.
نعم، إن عظمة السردار أرفع يعلم حق العلم (ويعمل بما يعلم) بأن بريطانيا العظمى هي أكبر دولة إسلامية؛ لأن علمها المنصور يضم نيفا ومائة وخمسين مليونا من المسلمين الموحدين، ويعلم أن كل هؤلاء المسلمين المستظلين بظلال العلم الإنكليزي الوارف الظلال متمتعين بحريتهم الدينية، وراتعين ببحابح الأمن، وحاصلين على إثراء عظيم بفضل عنايتها في تعمير ممالكها ومستعمراتها، ويعلم فوق هذا ما يعلمه كل منصف من أن من أقدس مبادئ الدولة العادلة الإنكليزية الإبقاء على قوميات رعاياها وحكوماتهم واحترام أديانهم وعوائدهم والعمل على توفير أسباب الرقي والإثراء لهم. وعلمه بحقائق السياسة الإنكليزية هذه جعله وهو عربي يغار على قومه من أصدق أصدقائها، وفي مقدمة محبيها ومريديها؛ لأنه، حفظه الله، يرى، ورأيه الصواب، أن العرب لا تقوم لهم قائمة إلا بمعاونة بريطانيا العظمى والإخلاص لها سرا وجهرة. كيف لا وهي الدولة المنادية بصداقة العرب الذين لا غنى لهم عن معاونة دولة عظيمة عادلة شفوقة مثلها إذا حاولوا استرجاع مجدهم وطمعوا بإصلاح بلادهم وتعميرها؟!
وعندما حصلت ألمانيا على امتياز سكة حديد بغداد الكبرى أخذت تدس دسائسها في العراق، ولا سيما بعد الدستور العثماني وانتهاء السيادة للفتيان الاتحاديين، على أن الدساسين الألمانيين وجدوا من عظمة السردار أرفع رجلا حازما لا تغره خزعبلاتهم، وعزيمة قاهرة تحول دون مطامعهم، وبفضل سهره وانتباهه أقصى عن العراق نفوذهم، بالرغم عما كانوا ينفقونه في هذا السبيل من الأموال والمساعي.
وعندما أعلنت الحرب العامة سنة 1914 كان لبريطانيا العظمى 12 قطعة حربية في خليج فارس من مسقط حتى المحمرة، وهذا القسم من الأسطول الإنكليزي العظيم كان راسيا في الخليج الفارسي منذ سنة 1908 للسهر على راحة جنوب إيران الداخل ضمن منطقة نفوذ بريطانيا العظمى، وبفضله أمنت سواحل الخليج مع الإمارات العربية من المداخلات الألمانية التركية. ومن المضحكات المبكيات أن الأتراك طلبوا وقتئذ، مع أنهم كانوا محايدين، من حكومة إيران وإمارة عربستان الاعتراض على بريطانيا العظمى لوجود قسم من أسطولها في سواحل خليج فارس؛ ليخلو لهم الجو في مياهه، فأجابهم عظمة السردار أرفع وقتئذ جوابا بمنتهى الحكمة والسداد، فقال: عندما تخرجون جوبن وبرسلو المركبين الألمانيين من مياه الدردنيل نتبصر في الأمر.
وعندما دخلت تركيا الحرب وأرادت أن تتخذ العراق ميدانا للقتال، وفي ذلك خطر محقق على جنوب إيران الضامنة استقلاله بريطانيا العظمى، رأت هذه الدولة الحازمة أن الضرورة العسكرية تدعو إلى إجلاء الأتراك والألمانيين عن العراق العربي. وبالفعل أرسلت قوة من الهند حاربت الأتراك وفتحت القسم الأدنى من العراق من الفاو حتى العمارة في أوائل سنة 1915، وفي هذه الأثناء لزم عظمة السردار أرفع خطة الحياد التام اتباعا للدولة الإيرانية صاحبة السيادة على إمارته، فما ارتاح الأتراك والألمان إلى حياد عربستان وتدفقوا وهم المقهورون المغلوبون على أمرهم على إمارة عربستان من طريق العمارة، وأرادوا بذلك أن يفتحوا هذه الإمارة ويصلوا منها إلى البصرة ثانية. حينئذ رأى عظمة السردار أرفع أن الخطر قد أحاق بإمارته، فجمع جيوشه وجردها لتأديب القبائل التي غرر بها الاتحاديون والألمان، وفتح إمارته في وجه الجيش الإنكليزي المنصور، فتدفق كالسيل الجارف حتى إذا ما بلغ ناصرية الأهواز بطش هناك بالجيش التركي الألماني، وأمنت عربستان من تعديات الأتراك والألمان.
مؤلف هذا الكتاب يتمثل عظمة السردار أرفع وهو ينظم مدائحه.
يا أيها السردار شكرك في فمي
ومثال شخصك ماثل لعياني
وهواك في قلبي وطي حشاشتي
إذ كنت مظهر سؤدد العربان
فأرى جلالك ما اتجهت مؤيدي
في باهر المعروف والإحسان
وإذا خلوت لنظم حمدك ينجلي
مرآك لي فيجود فيه جناني
فأذيع ما بين الأعارب والأعا
جم آية بصحائف العمران
وبعد هذا الاعتداء الفظيع أصبح عظمة السردار أرفع سيفا من سيوف الإنكليز المشهرة، يضرب أعداءهم ويحارب معهم، وقد عرفت بريطانيا العظمى لعظمته هذا الإخلاص وقدرته حق قدره، وأعلنت سرورها من ولائه وإعجابها بحكمته، ورددت إعلانها هذا صحف لندن والهند التي دعت عظمة السردار أرفع: «أصدق أمراء العرب ولاء للتاج البريطاني». وما من يجهل ما يترتب على هذه الثقة التي كسبها عظمة السردار أرفع من كبار رجال بريطانيا العظمى العادلين الأوفياء من الفوائد العظمى للعرب في الحال والاستقبال. ولا جرم أن اعتماد بريطانيا العظمى نصرها الله على عظمة السردار أرفع وثقتها به سيفيد كثيرا أهالي العراق على اختلاف مذاهبهم ونحلهم في تنظيم شئونهم الداخلية، إذ يجدون أمامهم أميرا يثقون به ويعتمدون عليه، يعمل على إبلاغهم أمانيهم القومية ويجد في سبيل تعمير بلادهم.
ولعمري إن وجود عظمة السردار أرفع في هذا العهد الذي تسقط فيه دول وتقوم دول هو نعمة كبرى للعراق؛ لأن الشيعيين منهم وهم أكثرية السكان يرون أمامهم أكبر أمرائهم ساهرا على مصالحهم، والسنيين منهم يرون في هذا الأمير المسلم على ما عهدوه فيه من الاهتمام بخيرهم مظهر إقبالهم، ومسيحيوهم وموسويوهم لا يفضلون على عظمته أميرا يطمئنون إلى عدله ويستسلمون إلى حكمه. وفيما اتصل بي من الأنباء ما يؤيد معلوماتي على تعلق العراقيين جميعا بهذا الحاكم العادل والأمير الفاضل أحياه الله ووفقه إلى ما يحبه ويرضاه.
ويسرنا أن نعلن في هذا المقام مبادرة عظمة السردار أرفع، روحي فداه، إلى الاعتراف باستقلال جلالة الشريف حسين بن علي الهاشمي الحسني أمير الحجاز الأكبر، فقد أسرع إلى تهنئة جلالته بهذا الاستقلال، وأرسل لمعاليه الهدايا الفاخرة عملا بالحديث الشريف على صاحبه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا.» وإننا لنتوقع من وراء هذا الاتحاد القلبي بين جلالة الشريف وعظمة السردار وأكابر أمراء العرب ذوي الاعتبار ما فيه المستقبل الزاهر للأمة الكريمة العربية، بحيث يتجدد مجدها ويتلألأ فخارها وتبسم لها الأيام، بشفاعة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
الخاتمة
هذا ما أنشره على العالم العربي، بالإخلاص الذي عهده في العرب، عن إمارة عربستان وعظمة أميرها السردار أرفع العلي الشأن. ولما أعهده من ثقة قومي بإخلاصي في خدمتهم أتوقع أن يكون له في نفوسهم التأثير الذي أردته والخير الذي نويته، وإنما الأعمال بالنيات.
صاحب العمران
عبد المسيح أنطاكي
مصر في غرة محرم سنة 1335 (28 أكتوبر سنة 1916)
ناپیژندل شوی مخ