فحدجني بنظرة استغراب وهو يقول: أتريد أن تحول مهمتي الخطيرة إلى مجرد مسعى شخصي لتحسين حالتك؟
فاحترق وجهي بالخجل وقلت متلعثما: لا أقصد ذلك، ولكن ...
فقاطعني بقوة: ولكن عيبنا أننا نفكر في أنفسنا ولا شيء غير أنفسنا .. ونظر في الساعة وهو يقول متسخطا: الوزير في الساعة العاشرة، مدير المكتب في التاسعة، ضاع سدى جميع ما قصدته من التبكير!
وتذكرت بغتة واجبا فاتني لشدة ارتباكي، فهتفت: لم أطلب لسعادتك القهوة!
ومددت يدي نحو الجرس، ولكنه أوقفها بحركة آمرة وساخطة، وقال بحدة: نحن في مقبرة لا قهوة!
ثم بشيء من الهدوء: قلت إن عيبنا أننا نفكر في أنفسنا، ولا شيء غير أنفسنا، الحق أن لي من القدرة ما أستطيع به أن أبلغ الصفاء، علي فقط أن أعتزل العالم وهمومه، وهو صفاء حقيقي أسمع في سكونه الأبيض موسيقي النجوم، علي فقط أن أعتزل العالم وهمومه، لكني لا أستطيع، لا أريد، للهموم أيضا أنغامها التي يلتقطها القلب، فإما صحة عامة أو لا صحة على الإطلاق. هذه هي عقيدتي النهائية، ولذلك كلفت بالمهمة!
وراح يعبث بشعر المنشة فداخلني شعور بالحيرة، وتساءلت عما يعني الرجل، ماذا وراء هذه النظارة الكحلية؟ وعند ذاك فتح الباب وظهر الساعي، وهو يقول لي كعادته: البك المدير وصل.
واستأذنت من المستشار، فمضيت من فوري إلى المدير، وقلت له: إسماعيل بك الباجوري المستشار برياسة مجلس الوزراء في مكتبي.
وانتفض المدير واقفا وهو يتساءل: إسماعيل بك الباجوري؟
وفي اللحظة التالية كان يصافحه باحترام بالغ مقدما نفسه إليه، ثم ذهبا معا إلى حجرة مدير المكتب. ولبثت وحدي أفكر، ولما يذهب عني روع المقابلة وشجونها.
ناپیژندل شوی مخ