وصدقت فراسة الطبيب؛ فقد تحرك الرجل حركة شاملة كالرعشة، واضطرب صدره اضطرابا متلاحقا محشرجا، ثم شهق شهقة خفيفة واستكن. وكان الطبيبان يراقبانه، فالتفت المدير نحو مساعده وهو يقول: انتهى!
وجاء ضابط النقطة، وكان الرجل ما يزال راقدا بكامل ملابسه، عدا فردة الحذاء المفقودة. وقال الطبيب: هذه الحوادث لا تنتهي!
فقال الضابط وهو يومئ إلى الفقيد: وشهادة الشهود ليست في صالحه!
ثم وهو يقترب من السرير: أرجو أن نستدل على شخصيته!
وشرع في عمله على حين بسط الشاويش المرافق له ورقة فوق منضدة، وتأهب بدوره لتسجيل المحضر. ودس الضابط يده برفق في جيب الجاكتة الداخلي، فاستخرج حافظة نقود قديمة متوسطة الحجم، ومضى يفتشها جيبا جيبا ويملي على الشاويش: خمسة وأربعون قرشا من العملة الورقية.
روشتة للدكتور فوزي سليمان.
وألقى نظرة عابرة على أسماء الأدوية، ولكنه لاحظ وجود كتابة على ظهرها أيضا، فجرى بصره عليها بلا إرادة فإذا بها: المواد الكحولية والبيض والدهنيات ممنوعة، ويستحسن تجنب المنبهات كالشاي والقهوة والشيكولاتة. وابتسم الضابط ابتسامة باطنية؛ إذ إن تعليمات مماثلة صدرت إليه من طبيبه في نفس الشهر! ثم واصل إملاءه وأصابعه تستخرج من الحافظة محفوظاتها: مجلد صغير من السور القرآنية.
ولما لم يجد شيئا آخر في الحافظة، قال بضيق: لا توجد بطاقة تحقيق شخصية!
وانتقل إلى الجيب الداخلي الصغير، وما لبث أن قال بفتور: ثلاثة قروش ونصف عملة معدنية.
ووجد أيضا حقا صغيرا فرفع غطاءه المحكم، فرأى مادة غريبة كالبن المسحوق، وامتلأ أنفه برائحة مسكية، ثم ما لبث أن عطس عطسة من الأعماق، فأعاد الغطاء إلى موضعه، وقال بعين دامعة: حق نشوق.
ناپیژندل شوی مخ