فقال بجد: لا داعي لذهابك مطلقا!
ومضى مع الصباح إلى الدرب الأحمر. وكان كل شيء كما توقع، يجري على مألوفه. وضحك الحاج مصطفى ضحكة فاترة، وقال وهو يشير إلى العمة: كعادتها دائما، ربنا يلطف بها، كانت رغم كل شيء ظريفة!
ثم قص عليهم كيف أنها رغبت أخيرا في إجراء بعض الإصلاحات في دورة المياه، فكلفته بالقيام اللازم، وكيف واظبت على مراجعة حسابه قبل الإذن بالشروع في العمل الذي لم يتم، وكيف لم تخف سوء ظنها بكل رقم، ثم كيف قالت له بكل بساطة: «يا مصطفى، أنت كلك ضلال كالمرحومة أمك.» وضحك الرجل ضحكة عالية، لكنه اضطر إلى قطعها على صوت تفيدة، وهي تهتف: انظروا!
اتجهت الأبصار نحو العمة فرأوا الغطاء وكأنه يتحرك، يقب قليلا فوق يدها اليسرى. اقترب الحاج مصطفى من الفراش وأزاح الغطاء قليلا، فبدت يسراها وهي تتحرك. ارتفعت قليلا، وانبسطت راحتها ثم انقبضت، ثم استكنت فوق الصدر. حملق الرجل في الراقدة بذهول، ثم أعاد الغطاء إلى سابق وضعه وعاد إلى مجلسه. وتوتر الصمت كالشلل. ترى أي قوة خفية تعبث بهم وتعذبهم؟! ألم تكن الحياة محتملة رغم كافة متاعبها؟ .. ماذا رمى بهما إلى هذه التجربة؟ وقالت تفيدة بحدة: ضعوا الكفن تحت السرير!
فرفع الحاج حاجبيه الكثيفين في حيرة، ولم ينبس ولم يتحرك، فعادت تفيدة تقول: رأسي سيتكسر من قلة النوم!
فنظر عبد العظيم نحو الحاج وقال: لنذهب الآن، ثم نعود عصرا.
وشجعهما الحاج بهزة من رأسه، فغادرا الحجرة على الفور. وقالت تفيدة وهما يقطعان الغورية: هذا حرام من أوله إلى آخره، والله يعاقبنا.
فقال عبد العظيم بعصبية: ماذا فعلنا؟ .. البغل وحده الذي أكد أول يوم أنها ستدفن قبل هبوط الليل. - الحق أني كرهت كل شيء، كرهت نفسي يا أخي! - لا اعتراض لنا على مشيئة الله.
ثم بلهجة متطورة إلى الهدوء، وكانا يقتربان من شارع الأزهر: اذهبي إلى البيت، وسأذهب إلى المصلحة.
وقفا في المحطة ينتظران الترام. وحانت من عبد العظيم نظرة نحو مدخل الغورية، فرأى الحاج مصطفى يهرول نحوهما. وقف أمامهما وهو يلهث، ثم قال: الحمد لله على أن أدركتك قبل أن تركب.
ناپیژندل شوی مخ