68

دموع البلياتشو

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

ژانرونه

أراد محمود أن يشرح له الأمر بالتفصيل ويعترف له بأن الشيخ حامد أو مصطفى ربما يكونان أصلح منه لحمل عصا الراعي، وتمنى لو يكشف له قلبه ليطلع على حيرته وتعاسته، لكن الأب رفع صوته الذي اخترق أذنيه بأوامره الصارمة في نفس الوقت الذي وصلت إليه صرخة أنيسة ونورة معا: حاسب! حاسب يا بابا!

كان صوت أبيه يتدفق في أذنيه: ازرع حديقتي! كن أنت الراعي! بينما كان مقدم السيارة يصطدم بعنف بعربة كارو كبيرة قادمة من الاتجاه المقابل ويجرها حصان بدا له في اللحظة الأخيرة عجوزا ضامرا بارز العظام، واستطاع أن يدوس الكابح في الوقت الذي ارتفعت فيه صيحات السائق الذي قذفت به الصدمة على الأرض ومعه ألواح خشبية حقق فيها بصره بعد ذلك ، وتبين أنها جذوع أشجار مقطوعة. هبط مسرعا من السيارة وجرى نحو سائق العربة ليطمئن عليه، وقبل أن يمد إليه ذراعه كان الشاب الأعجف الوجه والجسد كحصانه قد نهض وهو يضع يده على ظهره ويحدق في الأرض ليتأكد أن الدم لم يختلط بالتراب، أسنده محمود من كتفيه ودعا له بالسلامة: الحمد لله، جاءت سليمة. تخلص الشاب منه ووقف أمامه وهو يتأمله ويقلب عينيه بينه وبين العربة والجذوع المتساقطة على الأرض، وتأوه قليلا وهو يدعك ظهره بيديه ويرفع الجذوع من على الأرض ليضعها بالترتيب السابق على سطح العربة، قال محمود الذي غاب الدم عن وجهه: الحمد لله أنك بخير، الحصان أيضا بخير، هل تحب أن ...

قال الشاب الذي كتم غيظه عندما رأى الشعر الأبيض والنظارة المظللة الزجاج التي تطل منها عينان مفعمتان بالتعب والأرق والحنان: ربك هو الستار، يظهر حضرتك غريب عن هنا، قال محمود وهو يخرج حافظة نقوده من جيبه ويفتحها: وأنت أيضا؟ أرجوك تقبل ...

رد الشاب يد محمود وقال وهو يربت على رقبة الحصان وبطنه: العوض من الله يا بيه، المهم الحصان بخير.

قال محمود وهو يقدم له عدة أوراق خضراء: أرجوك يا ابني، ربما تحتاج لعلاج، هل هنا مستشفى أو إسعاف؟

قال الشاب مبتسما وهو يصعد فوق العربة ويمسك اللجام: الشافي هو الله يا حضرة، سليمة والحمد لله.

وانطلقت العربة بالشاب الذي لم يتلفت وراءه، كان من الواضح أنه يركز على الطريق ولا يرى أمامه بقعا سوداء ولا أسراب طيور مذعورة تحوم فوق حوت يقف على ظهره بحار قديم، وكانت أنيسة ونورة قد هزتهما الصدمة فلزتما الصمت التام، دخل من باب السيارة الذي كان لا يزال مفتوحا ولم يجد في نفسه القدرة على الكلام، وهز رأسه وهو يتحسر على القهوة المعتبرة ويقول لنفسه: آه! ما أنا إلا جذع مقطوع!

وعندما اتخذ مجلسه أمام عجلة القيادة كانت الأصداء البعيدة تتردد خافتة من بعيد: ازرع حديقتك! اجمع شمل العائلة! وصورة البحار الفينيقي الواقف على ظهر الحوت تتحول في لحظات إلى صورة راع في يده عصا طويلة وملك مكتئب يقدم له علامة الحياة وسائح أشقر الشعر في بدلة جينز وسمسار عريض الوجه ينادي على المزاد، كانوا يضحكون ويشيرون إليه، لكنه صمم أن يركز بصره وذهنه على الطريق الطويل الممتد أمامه.

الكويت، يونيو 1995م

الوصية

ناپیژندل شوی مخ