59
وقالوا: «وكيف يصح لأحد أن يقول إن مثل أبي حنيفة أو الحسن البصري وغيرهما ممن ليس بعربي لا يكون كفئا لبنت قرشي جاهل، أو لبنت عربي بوال على عقبيه؟!»
60
ويطول بنا القول لو عددنا أثر الشعوبية في كل علم.
ومما نأسف له أن الشعوبية أزهرت في عصر تدوين العلوم، وكل حركة علمية كانت بعد إنما أسست على ما دون في هذا العصر العباسي الشعوبي، ولم يكن لنا علم مدون قبل ذلك، وهذا يجعل استكشاف الآثار الشعوبية صعبا غامضا، فلو كان لدينا تاريخ مدون في العصر الأموي لفهمنا كيف تلاعب به الشعوبيون في العصر العباسي، ولو كان لدينا تاريخ للفرس موثوق به دون أثناء حكم الفرس؛ لأدركنا في وضوح كيف جمله الشعوبيون. ولو كان العرب في العصر الإسلامي الأول وضعوا كتبا في الأنساب ومناقبها ومثالبها ووصلت إلينا لعرفنا ما اختلقه الشعوبيون عليهم لإفساد أنسابهم، والحط من شأنهم، وهكذا في كل العلوم. ولكن قدر أن يقترن تدوين العلم بسطوة الشعوبية، فكان ذلك من سوء حظ العلم، ولذلك أجهد العلماء أنفسهم في تعرف أسرار الشعوبية، وخفاياها وآثارها في العلم، وما يزال المدى أمامهم فسيحا، والبحث في مهده.
ومع هذا فقد كان للشعوبية جانب حسن؛ فقد أتت الشعوبية وكل شيء للعرب يمجد، من نسب عربي، ولغة عربية، ورأي عربي، وعادات عربية، فأخذ الشعوبيون يعرضون هذا للنقد والتحليل؛ عرضوا أنساب العرب للنقد ، كالذي فعل أبو عبيدة مع غلوه، فكان يرد على قوم ينتسبون للعرب، فيبين أن النسبة كاذبة مختلقة، وفي كتاب الأغاني عن أبي عبيدة من هذا الشيء الكثير، وعرضوا اللغة العربية للنقد؛ فسيبويه في كتابه النحو يخطئ العرب في بعض أقوالهم، ويدعي العرب أن البلاغة ليست إلا فيهم، فيرد الشعوبية بأن هناك أمما أخرى لها بلاغة ولها خطب، ولها حكم لا تقل عما للعرب، وينبهون على أن عادات العرب ليست المثل الأعلى للعادات؛ ففيها الحقير المرذول، والجيد المحمود، كل هذا النقد وأمثاله استتبع نتيجة جيدة من بعض الوجوه، وهي: عرض ما للأمم الأخرى من كل ذلك لتكون المقارنة أتم، فتعرض الكلمات الفارسية بجانب الكلمات العربية، والحكم الأجنبية والبلاغة الأجنبية بجانب البلاغة والحكم العربية، والنظام الفارسي والأدب الأجنبي بجانب النظام والأدب العربيين، ونحو ذلك، وهذا من غير شك مفيد للعلم والعقل.
نعم، لو وقفت الشعوبية عند هذا الحد فلم يتهجوا على العرب بقلب محاسنهم مساوئ، والتشهير بهم بالحق حينا، وبالباطل أحيانا، ولم يحاولوا إفساد الدين بالزندقة، وإفساد العلم بالأكاذيب، ولو وقفوا عند ذلك لأحسنوا، ولكنهم أفرطوا فخسروا كثيرا وكرهوا ومقتوا كثيرا.
الفصل الرابع
الرقيق وأثره في الثقافة
قبل أن نتكلم في الرقيق وأثره، يجب أن نبين في كلمة موجزة موقفه القانوني في المملكة الإسلامية، وبعبارة أخرى ما كان يطبق من الأحكام الإسلامية عليه.
ناپیژندل شوی مخ