بل أين معانيكم وحكمكم وخطبكم وطريقة تفكيركم مما للفرس واليونان والهند؟ وأين كلامكم الجافي، وأصواتكم الغليظة من طول اعتيادكم مخاطبة الإبل؛ مما لهؤلاء من معنى دقيق، ولفظ رشيق، وصوت رقيق؟! وقد قارن الجاحظ بين بلاغة الفرس والروم، وبلاغة العرب، فقال: إن الأولى صادرة عن تفكير وروية، والثانية صادرة عن بديهة وسرعة خاطر.
كذلك عابوا العرب في آلاتهم الحربية، فسخروا من رماحهم، ومن عري خيولهم، ومن قناتهم الصماء مع أن الجوفاء أخف محملا، وأشد طعنة، ومن قلة الخبرة في تنظيم جيوشهم؛ فلم يكونوا يعرفون الميمنة ولا الميسرة، ولا القلب ولا الجناح، ولا يعرفون من آلات الحرب العرادة، ولا المجانيق، وقارنوا بين حالة الجيش العربي والجيش الفارسي في تنظيمه وفي آلاته، وأبانوا ما للأول من حقارة، وما للثاني من عظم. وفات الشعوبية أن هذه المقارنة أحقر لشأنهم، وأوضع لمكانتهم؛ فهؤلاء العرب بآلاتهم الساذجة الحقيرة سحقوا الفرس بآلاتهم الضخمة العظيمة، وجيوشهم المنظمة الكثيرة!
25
ونوع آخر من مسالك الشعوبية، وهو أنهم في هذا العصر أكثروا من التأليف في مناقب العجم، فسعيد بن حميد البختكان كان كاتبا شاعرا مترسلا عذب الألفاظ، وكان يدعي أنه من أولاد ملوك الفرس، وكان شديد العصبية مع العرب، وألف كتاب «انتصاف العجم من العرب»، وكتاب «فضل العجم على العرب وافتخارها».
26
ونرى ابن النديم ينقل عن كتاب اسمه «مفاخر العجم»
27
وفي مقابل ذلك يضعون الكتب في مثالب العرب؛ كالهيثم بن عدي (وهو من أشهر العلماء بالأخبار والرواية) جالس المنصور والمهدي والهادي والرشيد، وقد وضع عدة كتب في المثالب؛ منها: «كتاب المثالب الصغير»، و«كتاب المثالب الكبير»، و«كتاب مثالب ربيعة»، و«أسماء بغايا قريش في الجاهلية، وأسماء من ولدن». ويتصل بهذا كتاب له اسمه: «كتاب من تزوج من الموالي في العرب».
28
وكذلك سهل بن هارون صاحب «بيت الحكمة»، قال فيه ابن النديم: «كان حكيما فصيحا شاعرا، فارسي الأصل، شعوبي المذهب، شديد العصبية على العرب، وله في ذلك كتب كثيرة.»
ناپیژندل شوی مخ