132

دوحه اسلام

ضحى الإسلام

ژانرونه

32

ولا يفكر في زوال نعمة، ولا يروي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد ألهاه كأسه، وشغله قدحه، فهو يجري في لهوه، والأيام تضرع في هلاكه، قد شمر عبد الله (المأمون) له عن ساقه، وفوق له أصيب أسهمه، يرميه على بعد الدار بالحنف النافذ، والموت القاصد، قد عبى له المنايا على متون الخيل، وناط له البلاء في أسنة الرماح، وشفار السيوف».

33

جاء المأمون بعد الأمين، ولكن لم تكن شهوات المأمون وملاهيه كشهوات الأمين وملاهيه. لهو الأمين لهو شاب غر رأى سلطانا ومالا، وليس له عقل ناضج، فأنفق كل وقته في إرواء شهوته. وأما المأمون فرجل حنكته التجارب، وعلمه (ما قاسى من الأهوال في الحروب وما تحتاج المملكة من خلق جديد) الحزم والبصر بالأمور، ثم كان له ملاذ عقلية تشغل وقته، فهو يحب الكتب ويحب الفلسفة، ويحب الجدل في المسائل الدينية والفقهية، وحوله العلماء من كل نوع يباحثهم ويجادلهم، وهو مع ذلك يلهو لهوا خفيفا فيشرب النبيذ،

34

ويقيم بعد قدومه بغداد عشرين شهرا لا يسمع ثم يسمع،

35

وكان يزين مجلسه ويغنيه إسحاق الموصلي، كما كان أبوه إبراهيم الموصلي يزين مجلس أبيه الرشيد، قربه المأمون وأعلى شأنه، وكذلك قرب إليه عمه إبراهيم بن المهدي وكان مبدعا في غنائه.

وكان الناس قد تجرعوا غصص البؤس أيام الفتن بين الأمين والمأمون، وخربت بغداد، وعم البؤس والشقاء فما عادت السكينة حتى شعروا أنهم في حاجة أن يعوضوا ما فقدوا، فلهوا وأفرطوا.

هذه ناحية من نواحي القصور شرحناها لما كان لها من أثر كبير في الفن والأدب. ولها نواح أخرى مختلفة؛ فناحية سياسية ليست تهمنا في موضوعنا، وناحية علمية من تشجيع للعلم، وإنفاق للمال في سبيله، وعقد مجالس للجدل والمناظرات، وبذل الجهد في تحصيل الكتب، وإنشاء دورها والعمل على ترجمتها، وكان من أعظم الخلفاء أثرا في ذلك المنصور والرشيد والمأمون، وهذه الناحية سنوضحها عند الكلام في الحركة العلمية. •••

ناپیژندل شوی مخ