Dr. Ragheb El-Sergany's Lessons
دروس الدكتور راغب السرجاني
ژانرونه
الإسلام لا يعترف بالإحباط واليأس
ولقد نهج الرسول ﷺ في كل الأزمات التي مرت بالمسلمين هذا النهج فقد كان يبث الأمل في قلوب المسلمين، وكان يغضب كثيرًا إذا رأى إحباطًا أو يأسًا في قلب مسلم مهما كانت المسببات التي تؤدي إلى ذلك، ولا يعترف بأي مسبب، فلا يجوز للمسلم أن يحبط أبدًا؛ لأنه مرتبط برب العالمين ﷾، فالإحباط علامة على ضعف في العقيدة، وهذا لا يقبل من المسلم أبدًا.
وفي الفترة المكية التي كانت فترة الاستضعاف والقهر والتعذيب والبطش، والتي أصيب فيها المسلمون وقتلوا جاء خباب بن الأرت وقد كال له الكفار العذاب ألوانًا ﵁ وأرضاه، حتى كانوا يكوونه بالنار، فقد كانوا يحمون السيوف في النار ثم يضعونها على رأسه ﵁ وأرضاه، وكانوا يحمون الفحم على الأرض حتى يحمر ويصير جمرًا ثم يؤتى بـ خباب بن الأرت فيوضع فوق هذا الجمر ﵁ وأرضاه، ثم يأتون بصخرة عظيمة لا يحملها إلا رجال ويضعونها فوق بطنه وصدره وظهره على الجمر ﵁ وأرضاه، وتحمل كل هذا ﵁ وأرضاه وقد سأله سيدنا عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين وقال له: ما رأيت في الله يا خباب؟! أو ما أشد ما رأيت في الله يا خباب؟! فكشف له عن ظهره، فصرخ عمر بن الخطاب قائلًا: ما رأيت مثل هذا، فقد رأى ظهره وفيه حفر من هذه الجمرات التي كوي بها ﵁ وأرضاه ومن جراء هذا التعذيب والبطش والقهر ذهب إلى رسول الله ﷺ، وكان الرسول ﷺ متوسدًا بردة متكئًا في الكعبة، فقال له: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقام ﷺ -كما في البخاري - وهو محمر الوجه، فقد غضب ﷺ؛ لأنه اشتم في كلام خباب رائحة اليأس، وإلا فنحن مأمورون بالدعاء وباستنصار رب العالمين ﷾، وبالإلحاح على رب العالمين ﷾ بالدعاء.
فالكوي بالنار ليس مبررًا لليأس، فإن وصلت إلى ما وصل إليه خباب لا تيأس، ولا تحبط أبدًا، فليس ذلك مبررًا للإحباط، وما نراه اليوم في بقاع العالم الإسلامي أهون بكثير مما فعل بـ خباب بن الأرت ﵁ وأرضاه، ثم قال له الرسول ﷺ: هذا الذي أصابك من الآلام لا يساوي شيئًا بالنسبة لمن سبق، فذكر له مثلًا من التاريخ، والتاريخ فيه العبر والعظات والتربية والمثل الواقعي، فقال له ﷺ: (إنه كان يؤتى بالرجل من قبلكم فيحفر له في الأرض حفرة ثم يوضع فيها، ثم يؤتى بالمنشار)، وتخيلوا واحدًا وضع في هذا الوضع، (ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق اثنين وما يصده ذلك عن دينه)، فلو وصل الأمر إلى أن يأتي أحد بمنشار فيضعه على رأسك ليشقك اثنتين فلا تيأس، فأنت إلى الجنة صاعد بإذن الله رب العالمين إن ثبت، ومن حولك سينصرهم رب العالمين ﷾.
وأحد المجاهدين في فتح فارس عربي بسيط لا نعرف اسمه ولكن الله ﷿ يعلمه أسره رستم قائد الفرس وقال له: ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا؟ فقال الرجل في ثبات -وهذه الرواية ينقلها أحد الفرس الذين أسلموا-: جئنا نبحث عن موعود الله، قال: وما موعود الله؟ قال: أرضكم ودياركم وأموالكم إن لم تؤمنوا بالله ﷿.
فقال رستم: إذًا تقتلون دون ذلك، فقال الرجل في يقين: من مات منا دخل الجنة، ومن بقي منا ظفر عليكم.
فهذا وعد رب العالمين ﷾ إما النصر وإما الشهادة، وهذا واضح في كتاب ربنا وفي أحاديث حبيبنا ﷺ.
فقال له رستم: إذا وضعنا في أيديكم -يسخر منه- يعني: نحن في كلا الحالين ضائعون، فقال: أعمالكم وضعتكم في أيدينا.
فقتله رستم ومات ﵁ وأرضاه، نسأل الله ﷿ أن يجعله في أعلى عليين.
ثم يقول له ﷺ في هذا الوقت الذي يعذب فيه المسلمون في مكة وقد حصروا في قرية صغيرة لا ترى على خارطة الأرض في ذلك الوقت: (والله)، وهو لا يحتاج إلى قسم ﷺ، فهو الصادق المصدوق ﷺ؛ ولكن من أجل أن يزرع هذا المعنى زرعًا في قلوب المسلمين في كل زمان ومكان وإلى يوم القيامة، (والله ليتمّن الله هذا الأمر)، فهذا الدين لا بد أن يتم وينتشر ويسود ويقود الأرض بكاملها، (والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
يا ألله! خباب بن الأرت بعد كل هذا العذاب يستعجل! ما بالك بالذي يستعجل قبل كذا بآلاف الخطوات ماذا يكون؟! فلا تستعجلوا فالعاقبة للمتقين، وهذا لا شك فيه، فهو وعد رب العالمين ﷾، فثبت خباب ﵁ وأرضاه، فقد ذكّره بالتاريخ وبث
2 / 4