Dr. Ali Gomaa: To Where
الدكتور علي جمعة إلى أين
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
ژانرونه
الدكتور علي جمعة
إلى أين؟!!!
تأليف
طلحة محمد المسير
ناپیژندل شوی مخ
الطبعة الأولى
١٤٣٢هـ - ٢٠١١م
رقم الإيداع بدار الكتب المصرية
١٤٥١٠/ ٢٠١١
1 / 3
مُقَدِّمَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان .. أما بعد؛
فقد تعددت في السنوات الأخيرة أطروحات وأفكار الدكتور علي جمعة، وتتابع ظهورها واحدة تلو أخرى، خاصة في السنوات العشر الأخيرة بعد شغله منصب الإفتاء، وشغلت هذه الأطروحات كثيرًا من المهتمين والباحثين، ودار حولها النقاش في المجالس الخاصة والعامة، بين مؤيد ومعارض، ومادح وقادح، وأصبحت كثير من القضايا التي يطرحها قضايا رأي عام، تضطرب في خضمها حياة المجتمع الثقافية والفكرية بل والسياسية.
وقد عمل الدكتور علي جمعة على الترويج والحشد لأطروحاته عبر عدد كبير من الوسائل؛ منها: أجهزة الدولة ممثلة في دار الإفتاء ووزارة الأوقاف ووسائل الإعلام الرسمية، ومنها: نخبة من المساعدين الذين يروجون له وينافحون عنه، ومنها: مجموعة من رجال الأعمال الذين يدعمون مشاريعه ومقترحاته، ومنها: كثير من المؤسسات والمنظمات الدولية والعالمية.
1 / 5
لكن المتأمل في المضمون العلمي لآراء وأطروحات الدكتور علي جمعة ووسائل الإقناع التي يتبعها، يجد وسائل عديدة قد تقنع طائفة من الناس وتأخذ بلُبهم، ولكن عند التحقيق والتمحيص لا تثبت كثير من هذه الوسائل على قدم راسخة، وتفتقد التأصيل العلمي، وتجانب المنهج الاستدلالي القويم.
ومع الاستغراق في نقاش الجزئيات المتعددة التي يطرحها الدكتور علي جمعة، غاب في كثير من الأحيان التصور الشامل والعميق للروابط التي تربط بين هذه القضايا التي يطرحها، هذا التصور الشامل الذي يضع لنا ملخصًا للأسس التي اتكأت عليها هذه الأطروحات والقضايا، والهدف الذي يجمع بين شتاتها.
ويأتي هذا الكتاب كدراسة مختصرة في فكر الدكتور علي جمعة، دراسة تجمع الأمور المتشابهة والجزئيات المتناسقة؛ ليقدم تصورًا لمحورين مهمين في نتاج الدكتور علي جمعة الفكري؛ هما:
أولًا: بعض أساليبه في الإقناع.
ثانيًا: رؤيته للتقريب بين الإسلام والوقائع المناقضة له.
والمأمول أن تساهم هذه الدراسة في الوقوف على أرض صلبة، تميز بين الحق والباطل والمقبول والمردود، وتتخطى حالة البلبلة الفكرية التي تصيب المجتمع بين حين وآخر، على إثر نشر بعض الرؤى والأفكار الخاصة.
طلحة محمد المسير
Talha١٣٣@gmail.com
القاهرة في ٢٨ رجب ١٤٣٢هـ
1 / 6
الفصل الأول
بعض أساليب الدكتور علي جمعة في الإقناع
التطاول على المخالفين
التناقضات
تحريف النقول
الكلام المحتمل والمصطلحات الفضفاضة
ذكر صفات الباطل بدقة ثم التلبس ببعضها
الركون للمبتدعة والأقوال الضعيفة والباطلة
الإبهار
القواعد والأصول المخترعة
ذكر نتائج بلا مقدمات ملائمة
الإكثار من الشبهات
1 / 7
بعض أساليب الدكتور علي جمعة في الإقناع
إن الجدال والإقناع أسلوب من أساليب التواصل بين الأفكار، وطريق من طرق اختبارها وتمحيصها؛ والإسلام حريص على سلامة الحجة ونصوعها، بعيدًا عن أساليب التحريف والتزييف التي تحاول جاهدة أن تصد عن سبيل الله باستخدام البراهين المنقوصة والدلائل المطموسة؛ لذا كانت دعوة الأنبياء واضحة صادقة: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (١)، وكانت دومًا حجة الله جل وعلا بالغة ظاهرة، قال تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (٢) وحجة أهل الباطل داحضة ساقطة قال تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ (٣).
وإن المطالع المتبصر لنتاج الدكتور علي جمعة يرى بوضوح عدة أساليب جدلية يحيط بها كلامه، وعموم هذه الأساليب فيه حيدة عن المطلوب، ومحاولة تأييد الرأي الخاطئ بحجج لا تصح عند أدنى تأمل.
وقد افتُتن البعض بهذه الوسائل، وظن أن هذا دليل على رسوخ في العلم وصدق في التوجه، فتقبل كثيرًا من آرائه رغم مصادمتها للحقائق الظاهرة البينة.
وهذا ذكر لبعض الأساليب التي انتشرت في كثير من نتاجه، مع الاستشهاد ببعض الأمثلة التي تدل على استعماله هذه الأساليب؛ لتتضح الحقيقة وتتجلى:
_________
(١) سورة البقرة، الآية ١١١.
(٢) سورة الأنعام، الآية ١٤٩.
(٣) سورة غافر، الآية ٥.
1 / 8
أولا: التطاول على المخالفين
من الآفات التي غالبًا ما يصطحبها المهزومون، ويتاجر بها المفلسون، أنهم عندما تضعف حجتهم، وتتهافت شبهاتهم، وتظهر حقيقتهم، يلجأون إلى رمي أصحاب الحق بما يقع تحت أيديهم، وما يخرج من ألسنتهم، وأحيانًا تتحول هذه الحالة النفسية للمهزومين إلى ديدن وطبع يصعب تغييره، حتى عندما يكون الحق معهم، فيرمون من أخطأ من مخالفيهم بما ليس فيهم، ويكذبون عليهم ويفترون.
وهذه أمثلة من انتقاص د. علي جمعة لمخالفيه، واحتقارهم، والتطاول على أحيائهم وأمواتهم:
أ- تهجم د. علي جمعة على صحابي جليل، وسبه سبًا فظيعًا، وبلغ تجاوز الحد مبلغًا مستبشعًا، فقال: "هذا هو سيدنا رسول الله ﷺ الذي سبه السفلة وأحدهم (قال في الهامش: هو عبد الله بن أبي السرح ... قال الحاكم: قد صحت الرواية في الكتابين أن رسول الله أمر قبل دخول مكة بقتل عبد الله بن سعد وعبد الله بن خطل، فمن نظر في مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ وجنايات عبد الله بن سعد عليه بمصر إلى أن كان من أمره ما كان علم أن النبي كان أعرف به) جاءه مستشفعًا بعثمان ﵁ ... دخل ذلك السافل مع عثمان وعثمان يتشفع له والنبي يكظم غيظه" (١).
ولا أدري ما الداعي لهذا السباب المقذع لصحابي جليل، ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة كانوا قبل إسلامهم من أعدى أعداء الدعوة الإسلامية، فلما شرح الله صدرهم للإسلام أصبحوا أئمة يقتدى بهديهم، وما خبر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وخالد
_________
(١) كتاب النبي ﷺ، ص ١٤٥ - ١٤٦.
1 / 9
بن الوليد وغيرهم كثير بخاف.
أما سيدنا عبد الله بن سعد بن أبي سرح فلن يضيره هذا التطاول المشين، فله من الفضائل ما اشتهر أمره وذاع خبره، وفتح الله على يديه الفتوح العظيمة في إفريقية وما حولها، قال عنه ابن الأثير: (وأسلم ذلك اليوم فحسن إسلامه، ولم يظهر منه بعد ذلك ما ينكر عليه، وهو أحد العقلاء الكرماء من قريش، ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين، ففتح الله على يديه إفريقية وكان فتحًا عظيمًا) (١)، وقال ابن كثير: (حسن إسلام عبد الله بن سعد جدًا) (٢).
أما الكلمة التي نقلها د. علي جمعة عن الحاكم النيسابوري وهي قوله: "فمن نظر في مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ وجنايات عبد الله بن سعد عليه بمصر إلى أن كان من أمره ما كان علم أن النبي كان أعرف به" فهي كلمة موهمة، ولكن لم يبلغ فيها التطاول على الصحابي الجليل عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن سبه الحاكم بأنه سافل مكررًا هذه البذاءة كما فعل د. علي جمعة، ورغم ذلك فإن الحاكم النيسابوري فيه تشيع، بل زاد البعض فاتهمه بأنه رافضي، ونقل الذهبي قول أبي بكر الخطيب: (كان أبو عبد الله بن البيع الحاكم ثقة، أول سماعه سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكان يميل إلى التشيع) (٣) ثم نقل الذهبي عن ابن طاهر: (أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، عن أبي عبد الله الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث) ثم علق الذهبي قائلًا: (كلا ليس هو رافضيًا، بل يتشيع) (٤).
_________
(١) كتاب أسد الغابة، ج٣، ص١٥٦، طبعة دار الفكر- بيروت.
(٢) البداية والنهاية، ج٥ ص٣٧٢.
(٣) سير أعلام النبلاء، ج١٧ ص١٦٨.
(٤) سير أعلام النبلاء، ج١٧ ص١٧٤.
1 / 10
ومن أجمل التعليقات على قصة إسلام عبد الله بن سعد بن أبي سرح في فتح مكة بعد أن أهدر الرسول ﷺ دمه، وتشفع فيه عثمان بن عفان ﵁، فقبل الرسول ﷺ الشفاعة، وعفا عن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قول ابن القيم: (وساعدَ القدرُ السَّابقُ لما يريد الله سبحانه بعبد الله مما ظهر منه بعد ذلك من الفتوح) (١).
ب- قدر الله تعالى أن يموت بعض الحجيج عند رمي الجمرات، وبدلًا من أن يواسي أهالي الضحايا، قام بالتعريض بعقولهم؛ لأنهم لم يستمعوا لفتاوى أمثاله، ممن أفتوا بالفتاوى الشاذة والآراء الغريبة، ولأنهم اتبعوا مذهب جماهير علماء المسلمين عبر مر العصور، وبدلًا من أن يحاول تصحيح الفتوى ليجد علاجًا نابعًا من فقه جمهور العلماء، يتفادى مشكلة الزحام دون تغيير لأوقات الرمي، أصر على مسلكه، وقال عن الضحايا: "وهذه نسبة كبيرة، تشير إلى نوع من الخلل في عقلية المسلمين الذين يصرون على الإعراض عن الحلول والآراء المعتبرة التي تحفظ البلاد والعباد، متمسكين في ذلك بتلك الفتاوى التي لا تراعي الواقع" (٢) فالتمسك برأي جماهير العلماء الذين يحددون أوقاتًا لرمي الجمار يعتبر خللا في العقلية!! وكان الأجدى له أن يقترح حلولًا تيسر التنقلات وتضع البدائل، بدل أن يحاول إقناع الجماهير التي تأبى سماع فتاواه، وتنفر عن هذه النوعية من الفهم، ثم يأتي ليسب الأموات والأحياء.
ج- وهذا مثال آخر تعرض فيه لأحد مشايخ الأزهر المعروفين، ورماه بالنقائص واحدة بعد أخرى، وشنع عليه أشد تشنيع، وزاد أن نشر هذا التشنيع على صفحات صحيفة الأهرام، وهي صحيفة رائجة يكتب فيها مسلمون وكافرون وكثير من الزنادقة المنافقين، وذلك أن الدكتور عبد العظيم المطعني ﵀ كتب مقالًا ينتقد فيه دار الإفتاء
_________
(١) زاد المعاد في هدي خير العباد، ج٣، ص٤٦٤.
(٢) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: الجمرات وأزمة الفكر٢، بتاريخ ٢٣ - ١ - ٢٠٠٦م.
1 / 11
على نعيها الدكتور زكي بدوي، والدكتور زكي بدوي رجل مصري، عاش جل حياته في بريطانيا، وكان يركز في آرائه على أمور ومصطلحات معاصرة، يكثر فيها الغبش؛ مثل: الدعوة للتسامح، والحوار، والاندماج بين المسلمين والمجتمعات الغربية، وحوار الأديان، وحقوق المرأة السياسية، وطرح مفهومه عن الإسلام البريطاني، عندها قام د. علي جمعة بمهاجمة الدكتور عبد العظيم المطعني ﵀، علمًا بأن الدكتور عبد العظيم المطعني في مقام أساتذة د. علي جمعة، وقد نقل عنه د. علي جمعة نقولًا كثيرة عندما تحدث عن المجاز في كتابه البيان لما يشغل الأذهان فتاوى شافية في قضايا عاجلة، الشاهد أن د. علي جمعة طعن في الدكتور المطعني، واتهمه بنشر الكذب والافتراءات، ووصفه بالتهور، ونصحه بالاطلاع على أخلاقيات الإسلام، وإليكم بعض ما قاله: "لقد فوجئت وفجعت عندما رأيت مقالا غريبا في جريدة الآفاق العربية للأستاذ الدكتور عبد العظيم المطعني، يسب فيه الراحل زكي بدوي، ويتهمه بكل قبيح ... وكل هذا كذب وافتراء، وإذا كان لا يعرف الرجل، فكيف يسمح لنفسه أن يتقول عليه هذه المقالة بعد رحيله، أليس هذا من المفجعات؟! ... وقبل أن يتهور فكر المطعني في الرد على الأزهر كما تهور فطعن في أحد أبنائه الراحلين المجاهدين، نرشده إلى أن يتوثق وأن يطلع، فليطلع على خطاب الأمير، وليطلع على الواقع المعيش، وليطلع قبل ذلك على أخلاقيات الإسلام، وهو قادر على ذلك كله. لو صدر ما صدر من غيره لسكتنا، لكن أخطاء الكبار كبار، وهذه نصيحة نقوم بها لوجه الله تعالى، لا لتلك المقالة فقط، وإنما لهذه الحالة التي عمت فآذت الناس في أعراضهم وفي شعورهم. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" (١).
_________
(١) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: التوثيق يرحمكم الله، بتاريخ ٢٠ - ٣ - ٢٠٠٦م.
1 / 12
هذا رده على الدكتور الأزهري عبد العظيم المطعني، فكيف بغيره؟؟!!
د- وهذا مثال تجاوز الحدود ورمى جماهير المسلمين بما هم منه براء فقال: "ما الفرق بين الصوفي وغيره؟ هو الفرق بين من سلك في طريق الله وبين من تزندق وخرج" (١).
وأظنه سيقول الصوفية هي الإسلام، وعندها سنقول له: إن كانت هي الإسلام وجماهير المسلمين صوفية دون أن ينتموا لهذه الطرق، فقد كفينا وسرنا على الطريق دون حاجة إليها.
هـ- وهذا مثال آخر يتحدث فيه عن دار نشر نسبت له كتابة مقدمة لكتاب بروتوكولات حكماء صهيون، فأنكر كتابة المقدمة وأنكر على دار النشر ما فعلت وقال: "وتذكرت ما ذكره العلماء من أن نسبة كلام لغير قائله هو كنسبة الولد لغير أبيه، وكأنهم يشيرون إلى ما يمكن أن نسميه بجريمة الزنا الفكري" (٢) وما أغنى البلاغة عن هذا التشبيه الفج.
وودافع بشدة عن الاحتفال بمولد النبي ﷺ حتى قال: "لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف" (٣) أي أن العقل والفهم والفكر السليم من خصائص المحتفلين!!.
إن هذه الأمثلة تجعل المرء لا يتعجب مما ينتشر من سب د. علي جمعة لكثير من الأئمة مثل ابن تيمية وابن القيم وغيرهم، لأنه لا يتورع عن سب صحابي جليل، ولا شيخ من شيوخه الأزهريين، ولا جماهير الأمة، ولكنه يتورع عن سب أمثال طه حسين الذي يقول
_________
(١) كتاب الطريق إلى الله، ص١٣٠.
(٢) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: تحذير واجب، بتاريخ ١ - ١ - ٢٠٠٧م.
(٣) كتاب البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل، ص ١٧٠ - ١٧١.
1 / 13
عنه في رده على جابر عصفور، والفرق بين جابر عصفور وطه حسين: "والفرق بينه وبين دعاة التنوير الأول ممن ضرب بهم المثل كطه حسين رحمه الله تعالى هو أن هؤلاء لم يشغلوا أنفسهم بما لا يتقنون، ولم نر في مرة طه حسين يتكلم عن الأحكام الشرعية أو يناقش فيها، ولكنه كان يتكلم عن ترتيب الفكر، وشروط الثقافة، وكيفية التعامل مع العصر، ونحو ذلك" (١) وهذا يدل على أن د. علي جمعة لا يعرف من هو طه حسين، أو يعرفه ولكن طه حسين له من يدافع عنه من المسئولين والصحفيين ..، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
_________
(١) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: أرضعوا أبناءكم.
1 / 14
ثانيًا: التناقضات
التناقض في الفتيا المبني على غير القواعد العلمية، دليل على الحيدة عن الصواب، وقد يكون محاولة لاسترضاء الأطراف المتعددة، بإيهام الموافقة على مذهب كل فريق.
ومن الظواهر الملفتة وجود كثير من الأقوال المتناقضة في نتاج د. علي جمعة، والأغرب أنها تتناقض بصورة عجيبة؛ فيكون القول باطلًا والحديث ضعيفًا، وبعد قليل يصبح القول قويًا والحديث صحيحًا، وكثير من هذه التناقضات ليست وليدة علم جديد، ولا إعادة نظر، بل ظهرت بعد منصب الإفتاء الذي ابتلي به.
ومن أمثلة التناقضات ما يلي:
أ- أفتى في قضية التوسل بجاه النبي ﷺ أن هذه مسألة خلافية، ولم يرد في السنة الصحيحة التوسل بجاه النبي ﷺ، وأرشد إلى التوسل بالعمل الصالح وهو حبنا للنبي ﷺ، فقال: "السؤال: ما حكم التوسل بجاه النبي ﷺ في الدعاء؟ الجواب: هذه مسالة اختلف فيها الفقهاء، ولذلك ونحن ندعو ينبغي علينا أن ندعو بما نجد قلوبنا عنده، ولم يرد في السنة الصحيحة التوسل بجاه النبي ﷺ، وإن كان قد وردت بعض الأحاديث الضعيفة التي يستدل بها كثير من الناس على جواز التوسل بالنبي المصطفى ﷺ، وصورة أخرى أن يدعو الإنسان الله ﷾ ويتوسل إليه بحبه لنبيه ﷺ؛ لأن حب الله للنبي صفة من صفات الله القديمة التي لا اختلاف بين العلماء في جواز التوسل بها، فإذا كان هو يريد أن يظهر علو مقام النبي ﷺ في قلبه وحبه إليه، فإنه يتوسل إلى الله بصفة من صفاته ﷾ تتعلق بالنبي ﷺ، وبذلك نخرج من كل هذا الخلاف، ولكن
1 / 15
هذه مسألة خلافية، ولذلك أنا أنصح السائل ألا يجعلها قضية بينه وبين الآخرين، وأن يتوسل إلى الله بحبه لنبيه ﷺ" (١).
وفي فتوى أخرى يرد على ما ذكره هنا، ويصف الأحاديث بالصحة، ويشدد على المخالف، وكان مما قاله: "ولكل هذه الأدلة الصريحة الصحيحة من كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ، أجمع علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها على جواز واستحباب التوسل بالنبي ﷺ في حياته وبعد انتقاله ﷺ، واتفقوا على أن ذلك لا يحرم قطعًا، وهو ما نراه؛ أن التوسل بالنبي ﷺ مستحب، وأحد صيغ الدعاء إلى الله ﷿ المندوب إليها، ولا عبرة لمن شذ عن إجماع العلماء كابن تيمية ومن ردد كلامه من بعده" (٢)!!!.
ب- أفتى بحرمة نقل الأعضاء، وتتبع حجج المخالفين، ثم بعد ذلك عاد فنقض ما قاله، وها هي فتواه:
قال: "بالنسبة لي أرى أنه لا يجوز نقل الأعضاء البشرية؛ لأن الإنسان لا يملك أعضاء نفسه، والتبرع والبيع إنما يكون بناء على الملك، والإنسان لا يملك أعضاء نفسه؛ لأنها ملك لله، ولذلك لا يجوز الانتحار؛ لأن نفس الإنسان ليست ملكه، وجسده ليس ملكه، ولا يجوز له أن يبيع رجله أو كبده أو كليته، كذا إلى آخره.
الآن يقولون نقل العضو من الميت إلى الحي محال طبيًا إلا ما يتعلق بالعين، وما زال الطب لم يصل إلى القدرة على أن ينقل من الميت إلى الحي.
_________
(١) كتاب فتاوى عصرية، ص ٣٣٥، وكتاب فتاوى البيت المسلم، ص ٤٢٠.
(٢) كتاب البيان لما يشغل الأذهان مائة فتوى لرد أهم شبه الخارج ولم شمل الداخل، ص١٨٩.
1 / 16
والقضية الثانية: نقل من الحي إلى الحي، وهذا لا يجوز فيه التبرع أو البيع كما سلف. فماذا نفعل في هذه التي فقدت كليتيها ولا تجد المال الذي سوف تنفقه على الغسيل الكلوي، فنقول للسائل: لا بأس من عدم الغسيل الكلوي؛ لأنها سوف تموت أيضًا إذا نقلنا الكلية، ونسب النجاح بسيطة في نقل الكلية، وإذا استمرت تستمر عامًا أو عامين، ثم بعد ذلك تموت أيضًا، فالخوف من الموت لا يجعلنا نفعل الحرام من أجل درئه؛ ولذا لا أراه جائزًا.
ولا يقاس هذا على مسألة أن كل إصبع من أصابع يد الإنسان له دية؛ لأن الدية إنما تكون عقوبة لفعل المجرم، ولضياع المنفعة، ولا تكون ثمنًا للعضو.
ولا أرى أيضًا أن يقاس على أكل الميتة للمضطر؛ لأن أكل الميتة للمضطر أمر عارض، كما أنه يأكل ميتة غير مقدسة كحيوان أو طير، وما نحن بصدده هو التصرف في الأحياء بتحويلهم إلى قطع غيار بشرية؛ فهذا أمر يقدح في الأخلاق ابتداء ويقدح في الدين انتهاء، وهذا هو ما مال إليه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في فتواه، وإن خالف بعض أعضاء المجمع في هذا؛ لأن المسألة محل نظر، ولكن جمهور مشايخنا على أنه حرام، وأننا لا ينبغي أن نفتح هذا الباب.
والذي حدث الآن أنهم يقتلون الناس، بل ويخطفون الأطفال والشباب الصغار، ويأخذون أعضاءهم، ثم يلقونهم في الطرقات، ثم يقومون ببيع هذه الأعضاء.
وسد الذريعة أحد مصادر التشريع الإسلامي.
إذًا أنا أرى والله تعالى أعلم وهذا رأي جمهور العلماء أن هذه المسألة حرام ابتداء، وأنه حتى القائلين بشيء من الجواز ينبغي عليهم أن يقولوا بالحرمة
1 / 17
سدًا للذريعة، والله أعلم.
وهنا يُطرح سؤال: ماذا لو كان التبرع عن طيب خاطر وعن طيب نفس، كمن تبرع لابنه أو لأبيه أو العكس؟
نقول: هناك شروط شرطها الأطباء ذوو الاختصاص؛ منها أمن المريض على حياته، ونقول أيضا: هذه شروط وهمية، فالأطباء يقولون: إن الإنسان يمكن أن يعيش بكلية واحدة، فماذا يحدث لو تبرع شخص بإحدى كليتيه ثم فشلت الأخرى؟ إذًا، ومن باب سد الذرائع، ومن باب الواقع، ومن باب المفهوم للمسألة، سيتحول الإنسان إلى جزء من الكون كالخشبة والحديدة، يستطيع الآخر أن يتصرف فيه، وأن يقطع الجسد أجزاء، وأن يتبرع، وأن يبيع، وأن يتصرف، ويوصي، وكذا، إلى آخره.
وأنا أظن أنه لا بد علينا أن نقف مع كل الأخلاقيين في العالم في سد هذا الباب" (١).
ولكن المرء تشتد دهشته وعجبه حين يقرأ بعد ذلك فتوى للدكتور علي جمعة مضادة تمامًا لما سبق أن أفتى به؛ حيث يقول: "من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات نقل وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان؛ سواء من الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي، وهذا جائز شرعًا إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على
_________
(١) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص ٢٩٧.
1 / 18
البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخذ، ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه، ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل.
وهذا حينئذ يكون من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (١) ويكون من باب التضحية والإيثار أيضًا الذي أمر الله تعالى بهما وحث عليهما في قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (٢)، وكما يجوز أخذ عضو من الحي إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق حالًا أو مستقبلًا، فإنه يجوز أيضًا الأخذ من الميت إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق أو لتحقيق مصلحة ضرورية له؛ لأن الإنسان الميت وإن كان مثل الحي تمامًا في التكريم وعدم الاعتداء عليه بأي حال لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (٣)، ولحديث النبي ﷺ: (كسر عظم الميت ككسره حيًا) رواه ابن ماجه، فإن هذا التكريم لا يؤثر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة إنسان آخر أو رد بصره بعده؛ لأن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت" (٤).
_________
(١) سورة المائدة، الآية ٣٢.
(٢) سورة الحشر، الآية ٩.
(٣) سورة الإسراء، الآية ٧٠.
(٤) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص٣١٠ - ٣١١.
1 / 19
ج- اختلاف تقدير الدية، فذكر في مقالة بالأهرام تقديرًا للدية المغلظة، وذكر في مواطن أخرى تقديرًا للدية يختلف تمامًا عن هذا التقدير، فقال: "المطالبة بدية هؤلاء الشهداء، والدية حينئذ مقومة بمائة من الإبل مغلظة الأسنان؛ لأنه قتل عدوان، وهو ما يسمى في القوانين الحديثة بالتعويض، وقيمته تزيد على نصف مليون دولار على الأقل" (١). ولكنه قال في موضع آخر: "عليه دية مسلمة إلى أهل المتوفى المقتول، والدية تقدر بـ ١٢ ألف درهم فضة، وهي في زماننا هذا تساوي ٣٦ ألف جنيه مصري تقريبًا، وهذا يعني أنها في حدود ٧ آلاف دولار، هذا أقل شيء؛ لأنه في الزمن الأول كان ١٢ ألف درهم يساوي ألف دينار ولو حسبناها بالدينار يصير ١٧٠ ألف جنيه أو مائة من الإبل فيصير ٣٠٠ ألف جنيه" (٢)!!.
د- تناقض قوله في حكم دفع الزكاة في مصالح المسلمين العامة من إنشاء طرق وبناء مستشفيات .. فقال: "فمن المصارف في سبيل الله، والراجح ما عليه جمهور الفقهاء من عدم جواز صرفه إلى عموم مصالح المسلمين؛ من إنشاء الطرق، والمستشفيات، والمدارس، والمساجد، ونحو ذلك، بل هذه المصالح توقف لها الأوقاف أو يتصدق عليها بالصدقات المختلفة سوى الزكاة" (٣). وقال: "لم يجوز الفقهاء صرف أموال الزكاة في غير مصارفها؛ فمصارف الزكاة محدودة محصورة في الأصناف الثمانية التي حددها القرآن، ولقد كان للزكاة بيت مال
_________
(١) مقال في جريدة الأهرام، بعنوان: قتل الأسرى، بتاريخ ٢٦ - ٣ - ٢٠٠٧م.
(٢) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص ٣٧٥ - ٣٧٦.
(٣) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص١٢٣، وكتاب فتاوى البيت المسلم، ص ١٤٢ - ١٤٣.
1 / 20
خاص، أي ميزانية مستقلة، فقال الفقهاء: لا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى؛ من بناء المساجد، والجسور، والقناطر، والسقايات، والمدارس، وتمهيد الطرق، وشق الأنهار، وسد البثوق" (١).
ثم نراه يقول مخالفًا ذلك: "والفقهاء لهم تعريفات كثيرة لمصرف في سبيل الله، فأفضل ما قيل: كل مصلحة للأمة تتعطل لا يقوم بها بيت المال أو الحكومة ويصلح سدادها؛ لأن هذه المصلحة تخدم الفقير كما تخدم الغني، فإن وضعت في مستشفى كالتي أشير إليها، أو في ملجأ، أو في مكان يخدم الناس عامة؛ لكون جهات البر الأخرى أو جهات بيت المال الأخرى لم تف بهذه الحالة، فقد برئت الذمة وأدت ما عليها من الزكاة إن شاء الله" (٢).
هـ - تناقض قوله في حكم الزكاة على النقود المودعة بالبنك، فكان رأيه أولًا موافقا لرأي العلماء في وجوب الزكاة عليها إذا بلغت نصابًا وحال عليها الحول فقال: "وديعة البنك إذا بلغت النصاب الشرعي، بما يساوي خمسة وثمانين جرامًا من الذهب عيار ٢١، وحال عليه الحول الهجري، فإنه يجب إخراج الزكاة وهي ربع العشر، وبما أن السائل يقول بأن قيمة الوديعة تتناقص بمرور الزمن فكيف يقدر الزكاة؟ فنقول: يأتي في آخر العام وينظر المتبقي منها، فإن بلغت النصاب وجب فيها الزكاة، وإن لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها" (٣).
_________
(١) كتاب البيان لما يشغل الأذهان فتاوى شافية في قضايا عاجلة، ص ٢٥٩.
(٢) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص١٠٥.
(٣) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص ١٠٣.
1 / 21
وقال كذلك: "إذا بلغ المال النصاب الشرعي أو أكثر؛ سواء أكان رأس مال، أو عائدًا، أو هما معًا، وجبت فيه الزكاة بعد استيفاء الشروط المنوه عنها سابقًا، بواقع ٢.٥ %، فإذا كان العائد يضم إلى رأس المال فيبلغان النصاب مع حولان الحول وجبت فيهما الزكاة بنفس النسبة، فإذا كان العائد يصرف على احتياجات صاحب المال ومن يعول فلا يبقى منه شيء يبلغ النصاب مع رأس المال فلا زكاة عليه" (١).
وقال كذلك: "س: ادخرت مبلغًا من المال من مصروف البيت، وعندي سبعة أطفال، وقد ادخرتها لكي نبني لنا بيتًا، فهل تجوز الزكاة على هذه النقود المدخرة أم لا؟
الجواب: إذا كان هذا المال المدخر بلغ نصابًا، وهو ثمن حوالي خمسة وثمانين جرامًا من الذهب، ومر عليه حول ولم ينفق، فتجب فيه الزكاة، ما دام بلغ النصاب، ومر عليه الحول، وتجب الزكاة في آخر الحول، أما إذا لم يكن بلغ النصاب فلا زكاة عليه، وإذا بلغ النصاب ولم يحل عليه فلا زكاة عليه" (٢).
ثم في موضع آخر يميل عن هذا الرأي، فيفتي بتخيير السائل بين إخراج زكاة المال وعدم إخراجها، فيقول: "يقول جمهور الفقهاء أن هذا عليه زكاة تعادل اثنين ونصف بالمائة في السنة، وهناك رأي للشيخ عبد الله المشد ﵀ بأن يزكي بعشرة بالمائة من إيراد الوديعة، فإذا كان التعويض مثلًا خمسين ألف
_________
(١) كتاب فتاوى عصرية، ج٢ ص ١١٤.
(٢) كتاب فتاوى البيت المسلم، ص ١٤٥.
1 / 22