Doroos Al-Sheikh Hassan Abu Al-Ashbal
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
ژانرونه
ابتلاء الله تعالى لجنود طالوت بالنهر ومدى صبرهم وثباتهم أمام هذا الابتلاء
لما آمن بنو إسرائيل بـ طالوت وكذلك بشمويل لم يبق أمام طالوت إلا أن يقاتل بمن معه هؤلاء المشركين، قال: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ [البقرة:٢٤٩] أي: لما ميز طالوت الجنود الذين معه، وأراد أن ينطلق بهم إلى القتال قال لهم قبل أن ينطلقوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة:٢٤٩] أي: إن الله سيختبركم بنهر، وأنتم عطشى في غاية العطش تكادون أن تهلكوا منه، لكنكم لابد أن تصبروا وألا تشربوا منه، فإن شربتم منه فإنكم لستم جنودًا لي، والجهاد يحتاج إلى صبر في المأكل والمشرب وعند لقاء العدو، وعند النظر إلى بارقة السيوف في ضوء القمر، أو في حر الشمس.
ثم قال: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ [البقرة:٢٤٩] أي: من شرب من هذا النهر وهو نهر الشريعة المعروف الآن بنهر الأردن، فمن شرب منه منكم أيها الجنود فليس من جنودي وأتباعي.
قال السدي وقتادة: كان الجند مع طالوت قبل أن ينطلق ثمانين ألفًا، فلما قال طالوت لجنوده: (فمن شرب منه فليس مني) أي: لا يتبعني من شرب منه، يعني: أنتم لا تصلحون للجهاد إذا خالفتم الأمر وارتكبتم النهي، ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة:٢٤٩] قال السدي: شرب منه ستة وسبعون ألفًا.
وجاء عن البراء بن عازب ﵁ فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي تحت باب رفع الأمانة.
قال البراء بن عازب: (كنا أصحاب النبي ﷺ نقول: إن عدة أصحاب محمد في بدر هم عدة أصحاب طالوت لما قاتل جالوت، قيل: كم؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر).
فيكون قول السدي وقتادة وغيرهما موافقًا لرواية البراء، بل أكثر من ستة وسبعين ألفًا الذين شربوا من هذا النهر.
وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة:٢٤٩] أي: إلا من أخذ شيئًا يسيرًا من هذا النهر بيده فشرب فلا حرج عليه حينئذ، والله تعالى يعفو عنه.
يقول ابن عباس ﵄: كان الذي شرب منه لم يرو، والذي اغترف روي تمامًا.
بركة طاعة الأمراء في طاعة الله ﷿، جعلها سبحانه محكًا واختبارًا وابتلاء وامتحانًا، فإذا نجحوا فيه، فإنهم لما بعده أنجح، وإذا رسبوا فيه، فإنهم لما بعده أرسب وأفشل، فكيف لا يصبر المرء على العطش، ويصبر بعد ذلك على لقاء العدو؟! فجعل لهم هذا النهر ليختبر قوة إيمانهم، فرسبوا رسوبًا سحيقًا، ولذلك قال: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ [البقرة:٢٤٩] أي: لا يتبعني في هذا الجيش.
13 / 4