فصل [امتحان الله لعباده واختبارهم وابتلاؤهم]:
ويقال: إن الله تعالى يمتحن عباده توسعا ومجازا، والمراد أنه يكلفهم طاعته ويأمرهم بها؛ لأن الامتحان في أصل اللغة إنما هو التجربة وطلب معرفة حقيقة الشيء الذي يمتحنه، فلما كان الله سبحانه بالأشياء عالما وبما كان من أخبارها وما يكون لم يجز عليه التجربة ولا الامتحان /14/ على الحقيقة، وإنما قيل مجازا، وأريد به أن يكلف ويأمر.
وكذلك يقال: إنه يختبر مجازا لا حقيقة؛ لأن الاختبار هو طلب المختبر للخبرة بالشيء الذي يختبره والعلم به، فلما كان الله سبحانه وتعالى لم يزل بالأشياء عالما لم يجز عليه أن يختبر شيئا وأن يطلب العلم به.
وكذلك يقال: إنه يبتلي توسعا ومجازا لا حقيقة، ويراد بذلك أنه يكلف ويأمر؛ لأن الابتلاء في حقيقة اللغة هو الفعل الذي يطلب الفاعل أن يعرف به صبر المبتلى وما يكون منه عند الابتلاء. قال الشاعر:
بليت وفقدان الحبيب ... بلية ... وقد يبتلى الحر الكريم ... فيصبر (¬1)
فلما كان الله تعالى عالما بكل شيء قبل أن يخلق عباده وقبل أن يأمرهم لم يصح (¬2) أن يريد بأمره إياهم معرفة ما يكون منهم إذ كان لم يزل عالما (¬3) فلم يجز أن يبتلي العباد على الحقيقة، وإنما توسعوا له في الوصف بأنه يمتحن ويختبر ويبتلي، وأرادوا بذلك أنه تعالى يأمر ويكلف توسعا ومجازا.
* مسألة [ تكليف الله لعباده هل هو على الحقيقة ؟ ] :
مخ ۲۴