ومن ذلك قول أبي تمام:
(وإذا رأيتَ أبا يزيدٍ في ندى ... ووغىً ومبدى غارةٍ ومُعيدا)
(أيقنت أن السماح من الشجاعة ... تدمي وإن من السماحة جودًا)
(ومكارمًا عُتُقَ النِّجارِ تَليدةً ... إن كان هَضب عما يتين تليدا)
(متوقدٌ منه الزمانُ وربما ... كان الزمانُ بآخرين بليدا)
وقال البحتري:
(أغرُّ لنا من جُوده وسماحهِ ... ظهيرٌ عليه ما يخيبُ وشافعُ)
(ولمّا جرى للمجدِ والقومُ خلفَهُ ... تغوّل أقصى جهدِهم وهو وادعُ)
(وهل يتكافا الناسُ شتى خلاهم ... وما يتكافئ في اليدين الأصابع)
(إذا ارتد صمتا فالرؤس نواكسٌ ... وإن قال فالأعناقُ صُورٌ خواضِعُ)
(وأغلبُ ما ينفكُ من يَقَظَاتهِ ... ربايا على أعدائه وطلائِعَ)
(جنانٌ على ما جرَّت الحربُ جامعٌ ... وصدرٌ لما يأتي منَ الدهرِ واسعُ)
(جديرٌ بأن ينشقَ عن ضَوْءِ وجههِ ... ضبابةُ نقع تحتهَ الموتُ ناقعُ)
(تذودُ الدنايا عنه نفسٌ أبيه ... وعزم كصدر الهند وإني قاطعُ)
(بعيدُ مقيلُ السرِ لا يدركُ التي ... يحاولها منه الأريبُ المخادع)
(ومنكتمُ التدبيرُ ليس بظاهرٍ ... على طَرف الرائي الذي هو تابعُ)
(ولا يعلمُ الأعداءُ من فرطِ عزمهِ ... متى هو مصبوبٌ عليهم فواقعُ)
لم يبق وجه من وجوه المدح في الجود والشجاعة وتصوب الرأي ومضاء العزيمة والدهاء وشدة الفكر إلا قد اجتمع ذكره في هذه الأبيات ولا أعرف أحدًا يستوفي مثل هذه المعاني في أكثر مدائحه إلا البحتري. وقال بعضهم أجود ما قيل في صفة الرجل الحازم قول زينب بنت الطثرية:
(إذا جَدَّ عندَ الجدِّ أرضاك جدهُ ... وذو باطلٍ إن شئت ألهاك باطلهْ)
1 / 57