(يبكي فيذري البعر من كوةً ... ويلطم الشوك ببلوط)
وأخذ حسان قوله:
(ثم ادكرت كأنني لم أفعل ...)
من قول أبي كبير:
(فأذنْ وذلك ليس إلّا حينه ... وإذا مضى شئ كأن لم يفعل)
وقال ابن شبرمة أمدج ما قالت العرب قول الحطيئة:
(أولئك قومٌ إن بنوا أحسنوا ألبنا ... وإن عاهدوا وفوا وإن عقدوا اشدوا)
(وإن كانتِ النعماءُ فيهم جَزَوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا)
(أقلوا عليهم لا أبا لأبيكُم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدّوا)
(ويعذلني أبناءُ سعدٍ عليهمُ ... وما قلتُ إلّا بالذي علمتْ سعدُ)
(يسوسونَ أحلامًا بعيدًا أناتُها ... وإن غضبوا جاء الحفيظةُ والحدُ)
ولعمري إن معاني هذه الأبيات أبكار ليس للعرب مثلها وكل من تناولها فإنما استعارها من الحطيئة وهي جامعة لخصال المدح كلها، وقوله
(جاء الحفيظة والحد ...)
وروي والجد والحد من قولك حد السيف وحد السنان، والجد خلاف الهزل والمختار الحد بالحاء. يقول الحطيئة في بني لأي بن شماس من قريع، وكان الزبرقان بن بدر لقي الحطيئة في سفر فقال من أنت فقال أنا حسب موضوع أبو مليكة فقال له الزبرقان إني أريد وجهًا فصر إلى منزلي وكن هناك حتى أرجع فصار الحطيئة إلى امرأة الزبرقان فأنزلته وأكرمته فحسده بنو عمه وهم بنو لأي فدسوا إلى الحطيئة وقالوا له إن تحولت إلينا أعطيناك مائة ناقة ونشد إلى كل طنب من أطناب بيتك حلة محبرة وقالوا لامرأة الزبرقان إن الزبرقان إنما قدم هذا الشيخ ليتزوج بنته فقدح ذلك في نفسها فلما أراد القوم النجعة تخلف الحطيئة وتغافلت امرأة الزبرقان عنه فاحتمله القريعيون ووفوا له بما قالوا فأخذ في مدحهم وهجا الزبرقان فقال:
(أزمعتُ يأسًا مبينًا من نَوالكم ... ولا تَرى طاردًا للحرِ كالياس)
(دعَ المكارمَ لا ترْحلْ لبغيتها ... واْقعد فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي)
(من يفعلِ الخيرَ لا يعدم جوازيهُ ... لا يذهبُ العرفُ بين اللهِ والناسِ)
1 / 38