إن شرح آثار الإحساس الجسمي من أبعد الأمور تأتيا، وأدخلها في باب الاستحالة. أرأيت لو أنك ذقت سكرا أو ملحا، ثم سألك سائل متعنت أن تشرح له طعم السكر أو الملح، أكنت مستطيعا؟ أرأيت لو شممت وردا أو نرجسا، ثم بدهك إنسان يفقد حاسة الشم أن تبين له في وضوح ودقة ذلك الأثر الذي شعرت به. أكنت قادرا على أن تجد له اللفظ إن وجدت المعنى؟
فإذا كان هذا الشأن. وتلك الحال في إحساس الأجسام، فكيف في إحساس العقول؟ وإذا كانت الألفاظ عاجزة عن وصف أثر المادة الجامدة في الأجسام، فكيف تكون إذا همت بوصف أثر الروح النورانية في النفوس والأرواح؟
حاول عبد القاهر الجرجاني في كتابيه «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز»، أن يشرح ما بهر نفسه من ضروب البلاغة في بعض ما ساق من الشواهد فأخفق وأخفق، وطالما نظرت مبتسما إليه وهو يكد ويكدح، ويعلو ويسفل، ويحاول الوصول إلى مواطن السحر فلا يستطيع، ويتلمس اللفظ لشرح ما يجول بنفسه فلا يوفق، والغيظ ينفخ أوداجه، والألم تسمعه في نبرات لفظه. يرسل الصيحة إثر الصيحة، كأنما يدعو إلى اصطياد ظبي نافر، أو إلى التوثب إلى أجنحة طائر، ثم هو بعد طول الصياح وشدة الإلحاح لم يعمل شيئا، ولم يترك في كف القارئ شيئا!
إنك تهتز للبحتري، وتطرب له، ولكنك لا تستطيع أن تفض خاتم سحره ، ولا أن تنقل إلى نفس غيرك صدى جرسه في نفسك حين يقول في الفتح بن خاقان:
ولما حضرنا ساحة الإذن أخرت
رجال عن الباب الذي أنا داخله
فأفضيت من قرب إلى ذي مهابة
أقابل بدر التم حين أقابله
فسلمت فاعتاقت جناني هيبة
تنازعني القول الذي أنا قائله
ناپیژندل شوی مخ