الموضوعات الشعرية
الموضوعات
أناشيد وأغاني
قوميات
تأملات
ربيعيات
متفرقات
رثاء
الموضوعات الشعرية
الموضوعات
أناشيد وأغاني
قوميات
تأملات
ربيعيات
متفرقات
رثاء
ديوان عابر سبيل
ديوان عابر سبيل
تأليف
عباس محمود العقاد
الموضوعات الشعرية
كلمة: «أنا حاضرة» إذا كتبتها معشوقة إلى عاشق، حملت إليه من الفرحة والشوق، وأشاعت في نفسه من الأمل واللذة ما تضيق عنه أشعار العبقريين ورسائل البلغاء، وهي تعد من أتفه الجمل، التي يتألف منها الكلام المركب المفيد، وليس في وسع تلميذ يتدرب على تأليف الجمل من مبتدأ وخبر أن يأتي بأتفه منها في الكلام.
وقد يدخل القادم الطارئ إلى مجلس، فيلقي فيه بكلمتين اثنتين هما: «فلان يحترق»، ويكون في المجلس أبو فلان هذا وصديق له، وإنسان لا يعرفه، وعدو من أعدائه، وآخرون يعرفونه بالقالة الحسنة، وآخرون يعرفونه بالقالة السيئة؛ ثم تنظر إلى صدى الكلمتين في نفوس أولئك الجلساء؛ فإذا هو مختلف أشد اختلاف: هذا يثب معولا، وهذا يجري مهرولا، وذلك يسمع ويكاد لا يشعر بشيء، وإلى جانبه من يسمع ويبتسم، ومعهم من يأسفون وهم يسمعون، ومعهم أيضا من لا يأسفون وكأنهم لا يسمعون. وإنما اختلف شعورهم بفلان هذا الذي يحترق؛ فاختلف معنى الكلمتين، وأثر هذا المعنى حسبما اختلف الشعور.
والجائع السليم يزدرد الرغيف القفار، يحس في أكله من اللذة والاشتهاء ما لا يحسه من يجلس إلى المائدة الفاخرة وهو متخوم أو ممعود؛ وإنما اختلفت الرغبة، واختلف الاشتهاء، فاختلف الذوق والشعور.
إن إحساسنا بشيء من الأشياء هو الذي يخلق فيه اللذة، ويبث فيه الروح، ويجعله معنى «شعريا» تهتز له النفس، أو معنى زريا تصدف عنه الأنظار، وتعرض عنه الأسماع، وكل شيء فيه شعر إذا كانت فينا حياة، أو كان فينا نحوه شعور.
فليست الرياض وحدها ولا البحار ولا الكواكب هي موضوعات الشعر الصالحة لتنبيه القريحة واستجاشة الخيال، وإنما النفس التي لا تستخرج الشعر إلا من هذه الموضوعات، كالجسم الذي لا يستخرج الغذاء إلا من الطعام المتخير المستحضر، أو كالمعدم الذي يظن أن المترفين لا يأكلون إلا العسل والباقلاء!
كل ما نخلع عليه من إحساسنا، ونفيض عليه من خيالنا، ونتخلله بوعينا، ونبث فيه من هواجسنا وأحلامنا ومخاوفنا - هو شعر وموضوع للشعر؛ لأنه حياة وموضوع للحياة.
وإن التصور لهو خير معوان للإحساس وشاحذ للرغبة أو للنفور.
فإن الأم التي تنظر إلى طفلها الوليد، ثم تقضي عشرين سنة وهي تتصوره عريسا سعيدا، لا تفرح به يوم عرسه، كما تفرح بتصوره والرجاء في بقائه طوال تلك السنين، فإنما من نسج التصور نخلق الحلل النفيسة التي نضيفها على آمال الغيب ومشاهد العيان.
فلنجمع لدينا الرغبة والتصور، نجمع لدينا زادا من الشعر لا ينفد وموضوعات للشعر تشتمل على كل ما تراه العيون وتمسه الأذواق، ولنتوجه بالحواس الراغبة إلى ما نشاء، نستمرئ الشعور به والتعبير عنه، كما نستمرئ المحاسن المشهورة والمناظر المأثورة؛ لأن المحاسن نفسها لن تهزنا إليها، ولن تحل عقدة من ألسنتا؛ حتى يزينها لنا الحس الناشط والخيال المتوفز، وإن أجمل وجه ليمر بنا في ساعة الجمود والوجوم كما تمر بنا طلعة الخادم العجوز التي نراها صباح مساء. •••
وعلى هذا الوجه يرى «عابر السبيل» شعرا في كل مكان إذا أراد: يراه في البيت الذي يسكنه، وفي الطريق الذي يعبره كل يوم، وفي الدكاكين المعروضة، وفي السيارة التي تحسب من أدوات المعيشة اليومية، ولا تحسب من دواعي الفن والتخيل؛ لأنها كلها تمتزج بالحياة الإنسانية، وكل ما يمتزج بالحياة الإنسانية فهو ممتزج بالشعور، صالح للتعبير، واجد عند التعبير عنه صدى مجيبا في خواطر الناس.
وعندي أننا في حاجة - نحن أبناء العصر الحاضر - إلى هذا التوجيه؛ لإنقاذ النفس الإنسانية لا لإنقاذ الملكة الفنية وحدها، فإننا إذا تعودنا العناية بالأشياء؛ وجدنا فيها ما يستحق العناية، وينفض عن النفس تلك التفاهة، التي غلبت على الحياة وعلى الشعر والفن في هذه الأيام الحديثة.
ومن الواضح أن التفاهة إنما تغلب على النفس وعلى الشعر لسببين: أحدهما: أن أبناء هذا العصر - ولا سيما في أوربا - فقدوا الإيمان بالمثل العليا والعقائد الراسخة والفضائل الروحية، وفترت نفوسهم من هذه الناحية؛ فلا يصغون إلى الشاعر الذي يتغنى لهم بهذه المعاني المهجورة، ولا يظنون أن هناك أحدا يصدقها أو يغتر بدعواها، ومن حدثهم في أغراضها التفتوا إليه ساخرين مستريبين، كمن يلتفت إلى محتال يحاول أن يمد يديه إلى كيس نقوده، وإن كثيرا من الشعراء والكتاب ليصطنعون «التفاهة» اصطناعا؛ ليدفعوا عنهم ريبة الاحتيال، ويظهروا للناس أنهم أفلتوا من أوهاق هذه الخديعة.
والسبب الآخر الذي وسم الشعر الأوربي الحديث بسمة «التفاهة» هو «آداب الصالونات» الشائعة، واعتبار الجمهرة الغالبة من الشعراء والكتاب أن العلاقة بين الشاعر وقارئه كالعلاقة بين جلساء «الصالون» أو جلساء الفراغ، الذين لا يتحدث الواحد منهم إلى صاحبه إلا فيما لا يهم، ولا يثير الخاطر ولا ينفذ إلى ما وراء الظواهر؛ فلا تكون العلاقة بين جلساء الصالون علاقة معلم وتلميذ، أو علاقة صفيين يتكاشفان بلواعج الضمير وهموم السريرة، ولا يعد من الذوق عندهم أن يخرج الإنسان من الثرثرة العامة إلى الدخائل الخاصة والشواغل المطوية.
ولقد كان التهجم العصري خليقا أن يقضي على آداب الصالونات، كما يقضي «السبورتسمان» على «الجنتلمان»، لولا أننا في عصر تفككت فيه روابط المجتمع، وضعفت الأواصر الإنسانية التي قدستها الأمم الماضية زمنا طويلا؛ فجاء التهجم العصري مقرونا بالأنانية، التي لا يشغلها شاغل من الدنيا غير: إشباع اللذة، وقضاء اللحظة العابرة، والإعراض عما وراء ذلك من الأحاديث والتعلات، فلا فرق إذن بين أحلاس «الصالونات» الذين يتكلمون فيما لا يهم؛ مجاراة للعرف والكياسة، وبين المتهجمين العصريين الذين يتكلمون فيما لا يهم؛ لأنهم لا يهتمون، ولا يحبون أن يهتموا؛ والتفاهة من ثم غالبة على هؤلاء وهؤلاء.
فإذا تعودنا أن نشعر بما حولنا حق الشعور، وأن نخلع على اليوم الحاضر ما كنا نخلعه على الزمن الماضي من سرابيل الجمال والخيال؛ استطعنا أن نقشع عن أبصارنا غشاوة الماضي، دون أن نجعل التفاهة نتيجة لازمة لانقشاع تلك الغشاوة.
فإن كنا لا نصدق بواق الواق، فلنصدق بالبيوت، وإن كنا لا نصدق بالأبطال، فلنصدق بالرجال، وإن كنا لا نصدق بالحب النادر، فلنصدق بالحب الشائع، وإن كنا لا نحلم فلنشعر، أو كنا لا نجعل الحلم واقعا، فلنجعل الواقع حلما، ونحن غير مخدوعين ولا سائمين.
لماذا يكون الحاضر وقفا على خرافات الماضي أو على أحلامه وأمانيه؟ إن زهرة هذا الربيع لا تنضر؛ لأن زهرة نضرت قبل ألف عام، وإن الإنسان ليستطيع أن يحيا اليوم وأن يشعر بالدنيا؛ لأنه تحت الشمس وفوق الأرض وبين الناس، وإن كان لا يحب الدنيا للمزايا الصحيحة أو المكذوبة التي أحبها من أجلها أسلافه وسابقوه.
تلك رسالة هذا الديوان الجديد «عابر سبيل»، وهو اسم يدل على مرماه، ولست أقول إنه أدى هذه الرسالة، ولكني أرجو أن يقنع القراء بأنها رسالة قابلة للأداء.
عباس محمود العقاد
الموضوعات
بيت يتكلم
كل بيت من البيوت التي تعاقب عليها السكان لو ألقيت عليه طلسم الخيال، وأمرته بالكلام فتكلم؛ لانطلقت منه أسرار وأشباح يزدحم بها فضاء المكان، ولسمعت عجبا لا تسمع الآذن أعجب منه، وليس الذي يتحدث به «البيت» في القصيدة التالية إلا قليلا من كثير:
جميع الناس سكاني
فهل تدرون عنواني؟
وما للناس من سر
عدا آذان حيطاني
حديثي عجب فيه
خفايا الإنس والجان
فكم قضيت أيامي
بأفراح وأحزان!
وكم آويت من بر
وكم آويت من جان!
فإن أرضاكم سري
فهاكم بعض إعلاني •••
بني الإنسان لن أحف
ل في دهري بإنسان
ألم أعرفكم طرا
فلم أسعد بعرفاني؟
أتاني أول السكن
1
وما استوفيت بنياني
وما أرهفت آذانا
ولم آنس بقطان
وأصغيت على مهل
فطاشت كل آذاني
هما زوجان، أو شيطا
نة لاذت بشيطان
وقد عاشا وفيين
بتقدير وحسبان
وراحا - هكذا يحكو
ن - في روح وريحان
وما أبصرت من هذا
ولا من تلك في آن
سوى خوانة خرقا
ء تفري عرض خوان
إذا ما ضحكا يوما
على غش وبهتان
حسدت البيد والأطلا
ل في غيظي وكتماني
وأشفقت من النقم
ة أن تهتز أركاني •••
وجاء الساكن الثاني
وبئس الساكن الثاني
يراه الناس ذا مال
وأفراس وغيطان
وقد شوهني بخلا
وأعراني وأعياني
وقد صيرني سجنا
ومنه كان سجاني
فلما طال بي عهدا
ولم أسعد بهجران
وددت لو ان لي في كل
جحر ألف ثعبان
بديلا منه أرضاه
وأحبوه بغفراني
وأنفث سمها أو يت
قي شري ويخشاني
إلى أن آده
2
أجري
ولم يظفر بنقصان
فأخلاني ولن أنسى
سروري يوم أخلاني •••
وكان الساكن الثال
ث ذا عز وسلطان
فما ارتبت بأن الع
ز والذلة سيان
وما ألفيته إلا
لئيما جد غفلان
ضعيفا يستر الضعف
بطغيان وعدوان
وكم أذعن للطاغي
عليه شر إذعان
إذا ما لقي الناس
بكبر منه طنان
فما أصغر ما ألقا
ه منه بين جدراني •••
وأما رابع القوم
فذو علم وتبيان
حشا بالورق الياب
س والأخضر حيشاني
فما لي موضع في الأر
ض أو من فوق عمدان
وما لي مطبخ أو مخ
دع أو بهو ضيفان
ولا زاوية إلا
وفيها الكتب تلقاني
أبى للنفس دعواها
ولم يسمع لجثمان
فلا سهرة أحباب
ولا جلسة ندمان
فما أجهله بالخل
ق ذاك العالم العاني!
أبين الناس يحتاج
إلى علم وبرهان؟
وهم عميان ظلماء
سروا في إثر عميان؟
كثير لك يا إنسا
ن في دنياك عينان! •••
وأما الخامس الجاني
فناهيك بشهوان
فما زودني إلا
بأثداء وأعكان
وهتاف بألحان
وسمار على الحان
إذا أمسيت مساني
بأشكال وألوان
على الأبواب ما يرضي
ك من حسن وإحسان
ومن صون لأسماع
ومن غض لأجفان
فلا تنظرهم ثم
ة وانظر بين أحضاني
فيا لله كم في الأر
ض من غي وغيان
وكم في القوم من مخدو
ع آباء وإخوان
وأزواج وأصهار
وخلان وأخدان
لو اني قلت ما أدري
لهدوا كل أركاني
فنعم الصمت والحكم
ة يا صخري وصواني! •••
وكم صاحبت من أصحا
ب آداب وأديان
تجافوا وصمة العاصي
وعافوا شهوة الزاني
وباتوا بين قربان
وترتيل لقرآن
ولم يأسوا من الدنيا
على غبن وحرمان
إذا ما شرفتني زم
رة منهم بصحبان
حسبت الأرض تجفوني
فأنساها وتنساني
وقالوا الجان لا تقر
ب من مجلس فرقان
فقد ألفيت بعض الإن
س في العنصر كالجان
ولكن شر ما آوي
ت في لؤم وعصيان
رياء الخائن العادي
على أهل وأوطان
تلقاهم بتمويه
ولاقوه بإيمان
وفي حجرة أسراري
وفي ظلمة أركاني
يبيع الحوزة الكبرى
بربع أو ببستان
ويعطي الحق والذم
ة والفتيا بأثمان
ويفني أمة تحيي
ه وهو الزائل الفاني
ويمشي بين قتلاه
رفيع الذكر والشان •••
ولم أحمد من الضيفا
ن ضيفا مثل فنان
تولاني بإبداع
من الفن وإتقان
وغطى كل جدراني
بمنظور ومزدان
وأوحى الحسن واستوحا
ه من جنات رضوان
فحينا حسن مكسو
وحينا حسن عريان
بريئا في سماء الف
ن من عبث وأدران
وفتانا على الحالي
ن لكن أي فتان
كما تفتنك الزهر
ة في أعطاف أغصان •••
جموع لست أحصيها
ولو دونت ديواني
ومثلي كل جاراتي
ومثلي كل جيراني
عرفت الناس أشتاتا
بلا عد وحسبان
فلم أعرف أأعداء
هم أم جمع أقران؟
إذا ما اختلفوا في سي
مة تبدو وشغلان
فهم في الموت أشباه
وفي سقم وأشجان
وما منهم فتى إلا
بكى حينا وأبكاني
مساكين فلا تحفل
من الناس بإنسان
ولا تحسد فتى منهم
على بأس وإمكان
فأعلاهم وأدناهم
أمام الغيب صنوان •••
نزيل المنزل الخالي
ألا تعرف عنواني؟
إذا ما طفت حوليه
فثق أنك تلقاني
فما من منزل إلا
وفيه بعض ألواني
تأمل في نواحيه
وراقبه بإمعان
ولا يخدعك صمت في
ه أو تفتيح بيبان
ولا تحسبه خلوا من
مغاليق وأكنان
إذا ما كانت مستحض
ر أراوح وحدثان
فقف في المنزل الخالي
وأرهف سمع يقظان
وأغمض فيه أجفان
ك وانظر غير وسنان
تر الأطياف أفواجا
وتسمع موج طوفان
وتجمع كل ما يجم
ع من ربح وخسران
ولا يخطئك تاريخ
ولا دارس أزمان
أمام قفص الجيبون في حديقة الحيوان
القرود العليا هي: «الشمبانزي»، و«الأرانغ أتانغ»، و«الغورلا»، و«الجيبون» وهو فرع وحده في رأي كثير من النشوئيين؛ لأنه صغير الحجم مختلف التركيب بعض الاختلاف.
ومن هذه القرود العليا ما يصلح - من الوجهة الشعرية - أبا للفلاسفة والحكماء، وهو «الشمبانزي»؛ لتأمله وسكونه واشمئزازه من الحياة!
ومنها ما يصلح أبا لرجال المطامع والوقائع، وهو «الغورلا» لبطشه وهياجه وقوة عضله.
ولكن «الجيبون» وحده هو الذي يصلح من الوجهة الشعرية أبا للفنانين والراقصين؛ لأنه لعوب طروب، رشيق الحركة خفيف الوثوب، يقضي الكثير من أوقاته في الرقص والمناوشة، ويحب أن يعرض للناس ألاعيبه وبدواته، وإذا صعد أو هبط في مثل لمح البصر فإنما يصعد ويهبط في حركات موزونة متعادلة، كأنما يوقعها على أنغام موسيقية لا تخطئ في مساواة الوقت ولا في مضاهاة المسافة، فإذا شهدته فاسأل نفسك: ما بال هذا القافز الماهر قد وقف حيث هو في «سلم الرقي»، ولم يأت على درجات السلم كلها صعودا ووثبا في بضعة ملايين من السنين؟!
هذا سؤال، وسؤال آخر تعود فتسأله: ماذا يفيد من الصعود إن كان قد صعد؟ الطعام المطبوخ؟! هو يأكل طعامه الآن نيئا وذلك أنفع، أو يأكله مطبوخا على يد غيره، وذلك أدنى إلى الراحة!
أو يفيد العلم؟ قصاراه إذن أن يقول: «لست أدري»، كما يقولها الإنسان كلما واجه معضلات الوجود.
أو يفيد وزن الشعر؟ هو الآن يزن الحركة كما توزن التفاعيل والأعاريض، وغاية مسعاه إذا أتقن وزن الكلام أن تعجز يداه وقدماه عن رشاقة الوثب ورقصات اللعب؛ لتستعيض منها بترقيص الكلمات وتوقيع المعاني وهو قاعد حسير!
أمام قفص الجيبون مجال واسع لأمثال هذه الأسئلة وأمثال هذه الموازنات:
أيهذا الجيبون أنعم سلاما
يا أبا العبقري والبهلوان
كيف يرضى لك البنون مقاما
مزريا في حديقة الحيوان؟ •••
العب الآن وانتظر بعد حقبا
ترق في «سلم الرقي» وتعل
كيف لم تصعد السلالم وثبا
أيها الصاعد الذي لا يمل •••
يا عميد الفنون صبرا ومهلا
وارض حظ الهتاف والتهليل
مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا
والهدايا ما بين لب وفول •••
انتظر يا صديق شيئا فشيئا
تطبخ القوت كله بيديكا
غير إني إخال ما كان نيئا
منه أجدى في الحالتين عليكا •••
انتظر يا صديق مليون عام
أو ملايين لست والله أدري
إن تدانيت بعدها من مقامي
فقصارى المطاف أن لست تدري •••
واصطبر إن عناك نثر ونظم
سوف تتلو نثرا وتنظم شعرا
وغدا يطفر الخيال ويسمو
والذراعان لا تطيقان طفرا •••
وجمال الوجوه سوف تراه
في المرايا بعد الطواف الطويل
سوف تحلو في ناظريك حلاه
فتهيأ للضم والتقبيل! •••
وإذا ما درست أوزان رقص
بعد لأي فالرقص فيك انطباع
هل تنال الكمال من بعد نقص
إن أقلتك فكرة لا ذراع •••
قفص أنت فيه أرحب جدا
من فضاء نقيم فيه أسارى
قد ضللنا فيه وهيهات نهدى
ونجوم السماء فيه حيارى •••
انتظر سوف تفهم الشيء باسم
بعد رسم وغابر بعد حال
فإذا ما طلبت باطن فهم
يا صديقي طلبت أي محال •••
أين بالأمس كنت يوم ابتدأنا
والتقينا بآدم في الطريق
قد بلغنا فأين تبلغ أينا
حين تمضي وراءنا يا صديقي؟! •••
اله والعب واضحك كما شئت منا
أنت طفل الزمان والطفل غر
سوف تبكي حزنا وتضحك حزنا
حين يمضي دهر ويقبل دهر
عتب على الجيبون
ذهب بعض الأدباء إلى حديقة الحيوان بعد نشر القصيدة السابقة، وقصدوا إلى قفص «الجيبون»؛ فإذا هو في تلك الساعة كاسف البال صادف «المزاج» عن الرقص واللعب؛ فجاءوا إلى صاحب الديوان يطالبونه بتعويض أجر الدخول إلى الحديقة، كأنه هو الذي يعرض الجيبون ويتكفل للمتفرجين بتمثيل ألاعيبه، وفي الأبيات التالية رجاء لذلك الفنان ألا يكذب شهادته، ولا يخيب ظنون الأدباء في مدحه وتقريظه:
أيها الجيبون لا تف
ضح تقاريظي وشكري
أنت بعد اليوم محسو
ب على نقدي وشعري
أنت إن لم تحسن الرق
ص فمن يحسن عذري؟
أنت إن قصرت قالوا
شاعر بالزور يطري
ما لذا العقاد والتقري
د و«التقريظ» يغري
إنه يهرف بالمد
ح ولكن ليس يدري
فاملأ الأقفاص يا جي
بون طفرا أي طفر
وقل: العقاد لا يخ
طئ في تعريف قدر
قرش معقول
إن أحبوا القرش لم يجدوا
عجبا في حبه الخطر
فإذا ما الطفل هام به
جعلوه طرفة السمر
يا محبي القرش ويحكم
هل سمعتم أصدق الخبر؟
هل علمتم في طرائفكم
أي قرش بالهيام حر؟
ذاك قرش الطفل نضحك من
حبه إياه في الصغر
وهو أولى من قروشكم
كلها بالحب والسهر
هو «حق» عنده جلل
حاضر الميعاد والأثر
ثمن الحلوى يلذ بها
وجمال الحسن والنظر
وأفانين الملاعب لم
تخل من نفع ومن ثمر
وهو وهم في خزائنكم
وخيال كاذب الوطر
وسجين ثم مدخر
لرجاء غير مدخر
لا تعيبوا الطفل وانتفعوا
منه بالآيات والعبر
الحياة الحق ناضرة
فاقطفوا من غصنها النضر
وجهات الدكاكين
هذي المطارف صففت عجبا
فانظر وراء ستارها عجبا
كم منظر تجلوه مبتعدا
أو منظر تجلوه مقتربا
إن الدكاكين التي عرضت
تلك المطارف تعرض النوبا
تحكي الفواجع كلهن لنا
صدقا ولا تحكي لنا كذبا
هذا الستار فنح جانبه
تجد القضاء يهيئ اللعبا •••
انظر إلى النساج منحنيا
يطوي بياض نهاره دأبا
وانظر إلى السمسار مقتصدا
أو طامعا في الربح مغتصبا
وانظر إلى التجار ما عرفوا
غير النضار وعده تعبا
وانظر تر الشارين قد سمحوا
بالمال يقطر من دم صببا
وانظر تر الحسناء لابسة
لم تلتمس غير الهوى أربا
لو تعرف الحسناء ما صنعت
شقت جيوب ردائها رهبا •••
هذا زمان العرض فانتظروا
عرضا يرينا الويل والحربا
بهر النفوس بكل ظاهرة
وطوى جمال النفس محتجبا
فالويل للعين التي امتلأت
والويل للقلب الذي نضبا
أصداء الشارع
بنو جرجا ينادون
على تفاح أمريكا
وإسرائيل لا يألو
ك تعريبا وتتريكا
وبتراكي إلى الجود
على الإسلام يدعوكا
وفي كفيه أوراق
بكسب المال تغريكا
وأقزام من اليابا
ن بالفصحى تحييكا
وإن لا تكن الفصحى
فبالإيماء تغنيكا
قريب كلها الدنيا
كرجع الصوت من فيكا
دعا الداعي فلبوه
طغاة أو صعاليكا
إذا ناديت يا دينا
ر من ذا لا يلبيكا
فما في الناس هاذاك
ولا في الأرض هاتيكا
عصر السرعة (1)
طار في الذرى
هام في السهول
مسرع الخطى
حيثما يجول
ما له عدا
عدوة الوعول
ما له سطا
سطوة السيول
في صعوده
يشبه النزول
طيف من حديد
الطيف أدخل شيء في باب الشعر والأحلام.
والسيارة أدخل شيء في باب الصناعة والحركة اليومية.
ولكن السيارة قد تتسرب بحديدها وضوضائها إلى عالم الأحلام إذا نظرت إليها في حالة من الحالات.
وإلا فما هو الطيف؟!
هو شيء يرى ولا يلمس، وشيء يتحرك ولا يسمع لحركته صدى، وشيء يحيط به البعد والظلام.
فانظر إلى سيارة يسري مصباحها على البعد في ليلة مظلمة، وأنت ترى الطيف الذي يتحرك ولا يسمع حراكه، وتلمحه ولا تكاد تتثبت من مرآه.
ذاك بعد وانسياب
وظلام وانسجام
أي شيء ثم يجري؟
هو طيف لا كلام •••
أي شيء ذاك إلا ال
طيف يسري في منام
يطرق العين وهي
هات
3
بالسمع يرام •••
تلك سرعة ال
هارب العجول
تلك سرعة ال
حائر الملول
تلك سرعة ال
آثم الخجول
أين سرعة ال
سعي والوصول
عصر السرعة (2)
طاروا وداروا مسرعين في الثرى
يركب منهم رأسه من ركبا
لو لم يكن هذا الزمان آفة
ما اتخذوا السرعة منه مهربا
عسكري المرور
متحكم في الراكبين
وما له أبدا ركوبة
لهم المثوبة من بنا
نك حين تأمر والعقوبة
مر ما بدا لك في الطري
ق ورض على مهل شعوبه
أنا ثائر أبدا وما
في ثورتي أبدا صعوبة
أنا راكب رجلي فلا
أمر علي ولا ضريبة
وكذاك راكب رأسه
في هذه الدنيا العجيبة •••
هو طيف من حديد
هو طيف من ضرام
هو سيارة ركب
خطرت فوق رغام
ظهرت، غابت، توارت
غير مصباح يشام
وأراها نقلتني
وهي للنقل لزام
سهوة من عالم اليق
ظى إلى دنيا النيام
الفنادق (1)
فنادق تشبه الدنيا لقاء
وتفرقة وإن قصر المقام
تقول لكل من وفدوا عليها
بأن العيش نهب واغتنام
فمن تلقاه في يوم صباحا
تفارقه إذا جن الظلام
ورب عصية في الحب باتت
وأقرب من بدايتها الختام
تقول لقلبها ما الحب إلا
أمان حيث يزدحم الزحام
فلا سر هنالك مستباح
ولا شوق هنالك أو غرام •••
منازل كل ما فيها انسجام!
منازل كل ما فيها انقسام!
بنوها أسرة ما شذ فيها
مقام أو منام أو طعام
وما افترقت شعوب الأرض يوما
كما افترقوا إذا انصرفوا وهاموا
ففيهم يافث حينا وشيث
وفيهم تارة حام وسام
الفنادق (2)
حسب الفنادق أن تذكرنا
مر الفناء بكل من يحيا
تبدو الوجوه لعين عابرها
وتغيب عنه كأنها رؤيا
في كل توديع وتفرقة
شيء من التوديع للدنيا
بعد صلاة الجمعة
على الوجوه سيمة القلوب
فانظر إلى المسجد من قريب
وقف لديه وقفة اللبيب
في ظهر يوم الجمعة المحبوب
إنك في حشد هنا عجيب •••
هذا الذي يمشي ألا تراه
كأنما قد حملت يداه
سفتجة
4
صاحبها الإله
ذاك هو الدين وقد وفاه
فليس للدائن بالمطلوب •••
وذلك المبتسم الرصين
كأنه بسره ضنين
أصغى إليه سامع أمين
فهو إذا صلى كمن يكون
في خلوة النجوى مع الحبيب •••
وانظر إلى صاحبنا المختال
في حلة ضافية الأذيال
أكان في حضرة ذي الجلال
أم كان في عرض أو احتفال
يزهى على المحروم والمسلوب •••
وكم مصل خافت الدعاء
كأنما نص إلى السماء
رسالة في عالم الخفاء
فلا يني يبدو لعين الرائي
كالمترجي أوبة المكتوب •••
ورب شيخ من ذوي الخلاق
5
فرحان بالجمع وبالتلاقي
كأنه التلميذ في انطلاق
بين تلاميذ له رفاق
عادوا إليه عودة الغريب •••
تجمعوا في بيته تعالى
وافترقوا في جمعهم أحوالا
وهل نسوا في أرضه النضالا
فيحتويهم بيته أمثالا
على اختلاف السمت والنصيب •••
لعلهم صلوا له ارتجالا
فاختلفوا ما بينهم سؤالا
فلو أجاب السائلين حالا
صب على رءوسهم وبالا
وألحق المخطئ بالمصيب
قطار عابر
نامت القرية وانساب القطار
هو في موعده بين الديار
يعرف الساعة لا يخطئها
هكذا الجنة في وقت المزار
رب سار بات في أركانه
ود لو يسبق سباق البخار
يحسب الهم الذي هم به
دارت الأرض عليه حيث دار
ود لو يسأل هاتيك القرى
ما لقوم لم يسيروا حيث سار
وهو والركب الذي من حوله
في اشتياق وانطلاق وانتظار
عند من يدلج في تلك القرى
صور منسية في اسم القطار
كل ما يبقى له من ذكره
ضجة من حولها ثار غبار •••
فتش الأسماء عن أسرارها
واسأل الأحرف عما في القرار
تجد «الأرصاد» حقا ماثلا
وهي في الماضي ضلال وصغار
صورة الحي في الأذن
مثل الحي في معالم سمع
كالتي لا تزال للعين تظهر
من وراء الجدار والعين وسنى
معرض الحي في سجل مصور
كل صوت يطيف بالسمع منه
ثابت في «اسطوانة» تتكرر
دارج بعد دارج وحديث
يخفت الهمس فيه حينا ويجهر
ومغن إذا تغنى رويدا
قطع الصوت بالسلام وصفر
وأقاويل لست تعلم منها
غير أصدائها التي لا تغير
ومناد بما يبيع وحيد
خالس الرفقة النيام وبكر
وبشير الدجاج صاح فلبا
ه نظير غلا فصال فأنذر
ودواليب خلتها وهي تسعى
خرجت في نعاسها تتعثر
حلة بعد حلة تتراءى
في صداها ومعشر بعد معشر
إنه منظر يفصله ال
سمع ويا رب مسمع فيه منظر
الدينار في طريقه المرسوم
لما بدا الدينار من
باب الخزانة في السماء
نادى الموكل ثم بال
أرزاق أين ترى الثواء؟
قال: انطلق في الخافقي
ن إلى فتى جم الشقاء
قد بات ممنوع الغذا
ء وراح مقطوع الكساء
فاذهب إليه ومنه
بعض السعادة والرجاء •••
فأجابه الدينار وه
و يكاد يجهش بالبكاء
أنا لست أعرفه فدع
ني أستطيب هنا البقاء
سيطول بحثي عنه في
وادي الخمول ولا لقاء •••
قال الموكل ثم بال
أرزاق حسبك من رياء
لن يألف المال الفقي
ر ولن يحيد عن الثراء
ما شئت يا دينار فام
ض كما تشاء لمن تشاء
فاستقبل الدينار وج
هته وهم بلا وناء
ومضى إلى حيث المعا
لم واضحات والضياء
حيث الدنانير السوا
بق قد رسمن له الفضاء
ليس الطريق على اقتحا
م كالطريق على اهتداء
المصرف «البنك»
شبران من ذاك البناء
بيني وبين المال والدنيا العريضة والثراء
ليست بأقصى في الرجاء
من حفرة المدفون في شبرين في جوف العراء
كلا! ولا أدنى على قرب المزار لمن يشاء
أعرفت آماد السماء؟! •••
في سكتي أبدا وما
من سكة أبدا إليه، ولست ألغز عندما
أصف الطريق أو الحمى
انظر بعينيك البناء سما وطال وأظلما
واسأل: أهذا مصرف ملئوا جوانبه دما؟!
تجد الصواب مجسما •••
فيه دم لا شك فيه
في كل طرس أو كتاب أو سجل يحتويه
ودم المقتر والسفيه
يجري هناك وأنت تحسبه من الورق الرفيه
تغليه كالدم في العروق سرى وكالدم نتقيه
وسل المدلس والنزيه! •••
سلني فلم أك طالبا
ورقا هناك على الرفوف أنال منه جانبا
وأعد منه حاسبا
إلا لأوراق أراها قارئا أو كاتبا
ولما تجيش به الخواطر حاضرا أو غائبا
ودع الحسود الغاضبا
كواء الثياب ليلة الأحد
لا تنم لا تنم
إنهم ساهرون
سهروا في الظلم
أو غفوا يحلمون
أنت فيهم حكم
وهم ينظرون
في غد يلبسون!
في غد يمرحون •••
كم إهاب صقيل
يا له من أهاب
وقوام نبيل
في انتظار الثياب
وحبيب جميل
يزدهي بالشباب
كلهم يحلمون!
في غد يلبسون •••
أسلموك الحلل
كالربيع الجديد
في احمرار الخجل
أو صفاء النهود
تشتهى بالقبل
لا بمس الحديد
يا لها من فنون
بهجة للعيون! •••
طويت كالعجين
فاطو فيها الجمال
لمسة باليمين
عطفة بالشمال
والعجين الثمين
في استواء «المثال»
فيه ماست غصون
من جناها الجنون •••
زد نصيب الحبيب
من هوى وابتسام
بالكساء القشيب
رف حول القوام
لك فيهم نصيب
غير كي الغرام
عند برح الشجون
هم هم المكتوون •••
الضرام اتقد
في المكاوي الشداد
هل خبا أو برد
أو علاه الرماد؟
ذاك يوم الأحد
أين منك الرقاد؟!
إن قضيت الديون
كل نار تهون •••
أنا مصغ إليك
في الظلام الطويل
سامع من يديك
كل ضرب ثقيل
ناظر موقديك
منذ غاب الأصيل
بين غمض الجفون
واطراد السكون •••
يا أخا الفن لا
تدعها بالثياب
وارق منها إلى
ما احتوت من شباب
وجمال حلا
وحياة عجاب
وتفلسف على
ما احتوت من رقون
6
تحي بين الألى
خلفها يختفون
تلقهم يهمسون
وهم صامتون
والليالي تهون
والكرى والمنون
بابل الساعة الثامنة
في بعض الأحياء يمنع الشرطة نداء الباعة قبل الساعة الثامنة؛ فيجتمع الباعة عند مداخل تلك الأحياء صامتين متأهبين، حتى إذا وافت الساعة المحدودة، اندفعوا دفعة واحدة ينادون على السلع، كل وما يبيع، وهي خليط لا تأتلف أصداؤه ولا أشياؤه، فهي بابل لأمراء!
قابل بين بابل هذه وبابل الفجر الذي تختلط فيه أصداء الطبيعة مثل هذا الاختلاط، ولكنها تنسجم في معناها المبشر باستئناف الحياة وعودة النور، وأن هذه المقابلات جميعا لحقيقة في الشعر ببعض الإصغاء:
كم بابل في الساعة الثامنة
تثور في حلتنا الساكنة!
خفية الأصداء لا تنجلي
ولم تكن عجماء أو واهنة
شتى فإن أفردتها لم تكد
تبين منها لفظة بائنة
كأنما تصغي إلى راطن
يتعتع الأحرف أو راطنة
فلفظة ينطقها دونها
عشرون في حلقومه قاطنة
واسم يليه اسم وما جمعت
قرينة بينهما قارنة
إن بعدت عن سامع أو دنت
لم تدنها أوصافها المائنة
البرتقال الحلو والفحم وال
أطباق والريحانة الفاتنة
والبيض والأثواب والتبغ وال
أخشاب والزينة الزائنة
وأشربات العصر في حينها
مثلوجة إن شئت أو ساخنة
والناي والأرغن تتلوهما
ربابة كالهرة الداجنة
ومن يناديها ويدعو بها
إليه في زوبعة زابنة
7
مخلوطة ممزوجة كلها
معجونة في لفظها عاجنة
في بابل الباعة تلك التي
نسمعها لا بابل الحائنة
يحبسها الشرطي حتى إذا
حانت لديه الساعة الثامنة
أطلقها فانطلقت فجأة
على الحمى كالغارة الكامنة
تجد أقصى الجد لكنها
في السمع كالمجنونة الماجنة •••
إذا تمادى النوم بي ضحوة
أو أرقتني خطرة رائنة
أيقظني من بابلي هذه
نفير حرب في القرى الآمنة •••
يا بعدها عن بابل في الدجى
أسمعها شادية لاحنة
أسمع عرس الفجر في دوحة
ملتفة أغصانها شاجنة
وكل ذي سمع سليمانها
إن غردت أطيارها الواكنة
شتى وفحوى قولها واحد
لكل أذن نحوها آذنة
8
بشرى لنا بشرى لآفاقنا
عادت إلينا شمسنا الظاعنة! •••
يا بابل البشرى أغيثي الكرى
من بابل الملعونة اللاعنة
هبيه أنت اليقظات التي
تشبه أحلام الدجى الحاضنة
لا تسلميه لوغى بابل
مغبونة في سعيها غابنة
من صرخة الحاجة أصداؤها
ومن لجاج المهنة الماهنة
لا بائعا صانت ولا شاريا
كانت له عن حاجة ضائنة •••
يا بابل البشرى اسلمي واغنمي
وجنبينا الذلة الشائنة
وددت لو ان بني آدم
تعلموا حكمتك الباطنة
ما احتجت قط إلى كاهن
يوحي بمعناها ولا كاهنة
وليمة المأتم
أعدوا الموائد واستقبلوا
ولم ير صاحبه المنزل
فأين عريس به يحفلون
وأين عريس بهم يحفل؟
طواه الرغام وغطى عليه
صفيح المفاوز والجندل
وما حفل البيت من يأكلو
ن لولا فم بات لا يأكل •••
ومن قبل ذاك أعدوا الطعام
وفي النفس هم لها مثقل
إذا ما تناجوا فصوت خفيض
وإن عملوا ففم مقفل
ولا من يغني كما يفعلون
إذا أولم القوم أو أفضلوا
وما حمد الطفل تلك الوفود
إذا أبطأ القوم أو عجلوا
فما منهم مازح باسم
وما منهم لاعب مقبل
ولا للمضيفين زاد هنا
ك إلا وأطيبه حنظل
وما بين ذلك إلا النشيج
ودمع على خلسة مرسل
ثقيل على الحزن أكل الطعام
ومن يشتهي أكله أثقل
فيا أيها الناس! لا تولموا
على ميت واحزنوا واعقلوا!
فليست مجاملة الراحلين
إذا انقطع الزاد أن تأكلوا
عند تمثال
وقف الطفل وقفة التفكير
عند تمثال عالم مشهور
سائلا أمه وقد هاله ما
هال من ذلك الجماد الجهير
فأجابته ذاك طفل كبير
أتقن الدرس في كبار الأمور
قد أتوه بهذه اللعبة الكب
رى تسليه في ظلام القبور
أفترضى مثاله؟ قال لا يا
أم إني أراه غير جدير
لا أرى فيه مسحة من جمال
تتجلى أو نفحة من سرور
سلع الدكاكين في يوم البطالة
بشيء من التخيل يستطيع الإنسان أن يسمع سلع الدكاكين في أيام البطالة تشكو الحبس والركود، وتود أن تبرز لتعرض على الناس وتباع، ولا تفضل الراحة والأمان على ما يصيبها من البلى والتمزيق بعد انتقالها إلى الشراة، كما أن الجنين في عالم الغيب لا يفضل أمان الغيب على مضانك الحياة وآلامها، ولذلك تظهر الأجنة ألوفا بعد ألوف إلى هذا المعترك الأليم:
مقفرات
مغلقات محكمات
كل أبواب الدكاكين على كل الجهات
تركوها
أهملوها
يوم عيد عيدوه
ومضوا في الخلوات ••• «البدار!» «ما لنا اليوم قرار!»
أي صوت ذاك يدعو النا
س من خلف الجدار
أدركوها
أطلقوها
ذاك صوت السلع المحبو
س في الظلمة ثار
في الرفوف
تحت أطباق السقوف
المدى طال بنا
بين قعود ووقوف
أطلقونا
أرسلونا
بين أشتات من الشارين
نسعى ونطوف •••
سوف نبلى
يوم أن نبذل بذلا
أي نعم، لم نسه عن ذاك ولم نجهله جهلا
غير أنا
قد وددنا
أن نرى العيش وإن لم يك ورد العيش سهلا •••
كالجنين
وهو في الغيب سجين
إن تحذره أذى الد
نيا وآفات السنين
قال هيا
حيث أحيا
ذاك خير من أمان الغيب والغيب أمين •••
أطلقونا
وإلى الدنيا خذونا
حيث نلقي الآكلين الشاربين اللابسينا
ذاك خير
وهو ضير
من رفوف مظلمات يوم عيد تحتوينا
المنازل في الصيف والشتاء
يا حسن ذاك المنزل
كالضاحك المتهلل
يروي الظلام بمنهل
من نوره كالجدول
متكشفا عن سره
عريان للمتطفل
الصيف علمه الطلا
قة كالشباب المقبل
فكأنه بعض الفضا
ء الواسع المسترسل
لم ينفصل عنه ولم
يحجب بستر مسبل
موف على آفاقه
وعلى الكواكب من عل
ساري الطريق أمامه
عرضا، كرب المنزل
والمستقر به شبي
ه العابر المتنقل
هذا وذاك كلاهما
في ساحة لم تقفل •••
عرج عليه هناك في
ليل الشتاء الأليل
يلقى المطيف كأنه
وجه المشيح المجفل
حذرا على أسراره
متكتما لا ينجلي
هرما يخاف ويتقي
طيش الشباب الأول
صد الفضاء كأنه
من دونه في معقل
وجفا المنازل حوله
فكأنه في معزل •••
خف الربيع به وأث
قله الشتاء بجندل
وأدار حوليه نطا
قا من قضاء منزل
فكأن عابره إذا
أمسى طريدة هيكل
متفلتا من طاردي
ه محاذرا ممن يلي •••
ما في الشتاء رفاهة
للعابر المتأمل
إلا تخيل موئل
خلف الشعاع المرسل
فيه سعادة مستها
م أو هناءة مصطلي
الطريق في الصباح
بدأت دولة الطريق
وانتهت دولة البيوت
ضاق بالكوكب المفيق
عالم الليل والسكوت •••
حيث يممت مسرع
يتلقاه مسرعون
ما لهم؟ أين أزمعوا؟
ويحهم مم يهربون؟ •••
كلما غاب مجفل
طلع اثنان في هجوم
ذاك ركب مضلل
حائر حيثما يحوم •••
حائر حيرة الألى
سحروا ثم أطلقوا
وضح الصبح وانجلى
فهو بالسحر أخلق •••
لا أرى فرد ساحر
فيك يا صبح بل ألوف
كم أسير وآسر
والرقى بينهم صنوف
9 •••
ذلك الطفل ما عناه؟
جدول الضرب في كتاب!
ذلك الشيخ ما مناه؟
لقمة كلها عذاب •••
والفتى أين قبلة
نحوها يرسل العنان؟
غاية الأمر قبلة
بعدها يمسح الدهان •••
خذهم أيها الطريق
في غداة من الصباح
لا تضلن بالرفيق
إن دنت ساعة الرواح •••
إن دنت ساعة السبات
ويك! لا تخطئ الوكور
كم وكور مناظرات
للبيوت اسمها القبور!
معرض البيت
هو بيت قد حواهم مسكنا
ونأوا فيه كنأي الشهب
لو عرضنا صور الدنيا هنا
لرأينا كل معنى عجب •••
فيه طفل وفتى غض الإهاب
عند كهل، عند شيخ جاثم
فيه غيد لم يجاوزن الشباب
وفتاة في الشباب الباسم
ذلك البيت على ضيق الجناب
معرض الدنيا، وفحوى العالم
كل ما هم ابن أنثى أو عنى
بنت أنثى - ها هنا لم يعزب
كل حي فيه دنيا بل دنى
جمعت أشتاتها في موكب •••
موكب لم يرتحل من موطن
وإليه وحده شد الرحال
فيه دنيا صنعت من لبن
عند دنيا من خزانات ومال
عند دنيا صنعت من أعين
وقلوب، ولهيب، وجمال
عند دنيا لم نجدها بيننا
لم نجدها من وراء الكتب
عرضتها الدار أشتاتا لنا
فالتقت موصولة في سبب •••
رب دنيا صنعوها لعبا
جاورت دنيا دواء وسقم
وصبي جد أو طفل حبا
جاورا نضو مشيب وهرم
ورفيقين هناك اصطحبا
وهما قطبا خصال وشيم
فرجة فيها لمن شاء الغنى
غير ما عان ولا مغترب
ما نأى في الدهر شيء أو دنا
بعد هذا المورد المقترب •••
طالب المسرح من خلف الحجاب
أنت في «المسرح» صبحا ومساء
يخلق البيت من الدنيا العجاب
صورا شتى وأنماطا ولاء
10
وترى فيه وإن ضاق الجناب
أوجها مختلفات تتراءى
أين وجه يملأ العين سنى
من وجوه كانطباق الغيهب
فتأمل ها هنا أو ها هنا
ترع ما شئت بمرعى مخصب •••
أي مرأى لو تجلى للعيون
في ضياء كضياء السيمياء!
كلما باح جدود وبنون
برؤاه، ورجال ونساء
لم يكن قط وهيهات يكون
منظر أجدر منه بالضياء
إن تأب أن تراه بينا
فالتمسه «بالخيال» المغرب
إنما الأعين كانت أعينا
بسنى من نور ذاك الكوكب
بعيد الغروب
ضجيج الصغار إذا ما خلت
نواحي الديار من الوالد
صياح العصافير في دوحة
خلت من عقاب ومن صائد
وأطرب من غابة في الصبا
ح من منشد ثم أو ناشد
تنادي الصغار بعيد الغرو
ب من كل مجتمع حاشد
إلى لحظة ثم تلقى الجمو
ع ما بين نعسان أو راقد
فتنة الصور المتحركة
إلى أين تهرع هذي الفتاة
وهذا الفتى أين يبغي المفر؟
سراعا إلى الصور الناطقا
ت تحكي الغرام وتحكي الخطر
لقد أصبحوا صورا مثلها
فلا عجب يعشقون الصور
هم الناس لم يبق إلا صدى
تفشى وإلا طلاء ظهر
على سفح الهرم
طلع البدر على سفح الهرم
شبح ذلك أم ظل جثم
لا تراه حينما تلمحه
من بعيد غير ظل وقدم
لو تفشى النور أو رق الدجى
لتولى خشية، أو لانهدم
متسول
هم الناس ضيف لهذي الحيا
ة وذلك ضيف لهم مبرم
ففي كل بيت له لقمة
وفي كل جيب له درهم
وفي كل أرض له معقل
ومن لا يخف فهو مستعصم •••
ذليل مهين بما يغنم
ذليل مهين بما يحرم
وليس أذل من المصلحي
ن إذا أصلحوا الناس أو علموا
وليس بأهون من دعوة
يضيق بها السذج النوم •••
ألا أيها السائل المعدم
قسمت فحسبك ما تقسم
حقرت الحياة كما حقرتك
فما منكما أحد يظلم
تحاسبتما فتساوى الحساب
فلا من يغالط أو يندم
وما هكذا النابغ العبقري
ولا هكذا الآثم المجرم
أناشيد وأغاني
النشيد القومي
قد رفعنا العلم
للعلا والفدى
في ضمان السماء
حي أرض الهرم
حي مهد الهدى
حي أم البقاء •••
كم بنت للبنين
مصر أم البناة
من عريق الجدود
أمة الخالدين
من يهبها الحياة
وهبته الخلود •••
تحت أصفى سماء
فوق أغنى صعيد
شعب مصر مقيم
قد حوى ما يشاء
من زمان مجيد
ومكان كريم
نيلنا خير ماء
كوثر من نعيم
فاض بالسلسبيل
في العروق الدماء
شعلة من حميم
للعدو الدخيل •••
إن يكن أمسنا
في حمى الأولين
فلنعش للغد
لا ترى شمسنا
غير فتح مبين
ما يدم يزدد •••
فارخصي يا نفوس
كل غال يهون
كل شيء حسن
إن رفعنا الرءوس
فليكن ما يكون
ولتعش يا وطن
شكر المحتفلين بالنشيد القومي
ألقيت هذه القصيدة في الاحتفال الذي أقيم تكريما للنشيد القومي:
بالنظم أحمد مكرمي نظمي
ومن السلاف تحية الكرم
هذا النشيد، ففيم يشكرني
قومي، وقد غنى به قومي
أن تقبلوه، وتلك مفخرة
عظمى، فقد وفيتم سهمي
قد كان لي، غدا لكم
قسما، فحسبي ذاك في قسم
من تقبل الأوطان قربته
جادت عليه بمغنم ضخم •••
أبناء مصر وأمكم أمي
يوم الفخار، وهمكم همي
أني نظمت لها الدعاء، وبي
منها شكاة الروح والجسم
شوق إلى حريتي طلق
ويدان بعد مهيضتا عظم
1
لي في السماء هوى ويمسكني
غل يصافحني على رغم
فلئن رسمت لمصر طالعها
فلقد وصلت بنجمها نجمي
ولئن وصفت لها سريرتها
فمن الضمير مصادر العلم •••
أبناء مصر على هدايتكم
إن النجاح لكم من الختم
إن تهتفوا بنشيدكم كلما
فدعوا القلوب تجيب بالعزم
عقبى الطريق لمن إذا بدءوا
عرفوا لأية غاية ترمي
هذا الورود دنا فلا تهنوا
إني أراه على مدى سهم
نشيد، على مقتضى الحال
كانت وزارة المعارف قد ولعت «بمكايدة» صاحب هذا الديوان على طريقتها المعهودة في ذلك الحين، فأعلنت عن مسابقة للأناشيد القومية، وهي تعلم أن صاحب الديوان لن يدخل فيها، فكان جوابه أن عرض النشيد التالي ليستحق به الجائزة عندها:
إلى الوراء إلى الوراء إلى الوراء
إلى الوراء كل يو
م في الصباح والمساء
إلى كرومر الحنون
ومكمهون، ولمبسون
وسمبسون،
2
وكل جون
إلى الوراء بالقلوب
إلى الوراء بالعيون
إلى الوراء إلى الوراء إلى الوراء •••
وفي ركاب المستشار
يمشي الكبار والصغار
والزارعون والتجار
والشاخصون في انتظار
على اليمين واليسار
إلى الوراء إلى الوراء إلى الوراء •••
لهم إذا شاءوا العطاء
وما لنا منهم جزاء
إن يطلبوا منا الرداء
نعط الطعام والشرا
ب والكساء والغطاء
إلى الوراء إلى الوراء إلى الوراء •••
إلى الوراء لا الأمام
إلى الوراء باحترام
على الدوام، وفي الختام
وكل يوم بانتظام
وكل عام، والسلام
إلى الوراء إلى الوراء إلى الوراء
أغاني
هذه الأغاني نظمت لتنشدها الآنسة «نادرة» في رواية من روايات الصور المتحركة حسب المواقف التي تعرض لأبطالها، وهذه الأغنية التالية تنشد في زورق يجري على النيل عند القناطر الخيرية تحت أشجار الصفصاف التي تطل على الشاطئ وفي الزورق المحبان يتناجيان، والحبيبة تنشد:
في الهوى قلبي
زورق يجري
أين يمضي بي
نهره الخمري
ليتني أدري •••
ليته يجري
يا أبا الأنهار!
مثلما تسري
في حمى الأقدار
حولك الأزهار •••
حولك الصفصاف
مسبل الشعر
ناعس الأطياف
سابح الفكر
في الهوى السحري •••
يا رياض النيل
علمي قلبي
فرحة التهليل
عشت للحب
يا منى الصب •••
قال لي قلبي
والهوى يرعاه
هو في قربي
ما الذي أخشاه
عندما ألقاه
أمسية على النيل
وهذه الأغنية تنشد على شاطئ النيل بعد الغروب:
يا حبيبي أنت ري
ليس في الماء نظيره
يا حبيبي أنت ظل
ليس للروض عبيره •••
يا حبيبي أنت بدر
أين نور البدر منه؟
أين نور زانه الحب
ب ونور لم يزنه؟ •••
أنت عندي كل شيء!
كل ما شئت يكون
قل لهذا الليل يبقى
ومع الليل السكون •••
قل له فهو نجي
مرهف السمع إلينا
كيف يعصي لك أمرا؟!
والهوى طوع يدينا
الزوجة المهجورة يوم ميلادها
وهذه الأغنية تنشدها الزوجة التي هجرها زوجها يوم ميلادها، ولم يرض أن يلازمها في المنزل؛ ليشاركها في الاحتفاء بهذا اليوم:
مولدي يوم شقائي
مات في المهد رجائي
ليس في قلبي عزاء
أين في الدنيا عزائي!
أحسب البدر ظلاما
وهو مصباح السماء
لاح في الأفق وحيدا
ومن الوحدة دائي
كم أراني النور حزنا
كان في طي الخفاء
إغواء
وهذه الأغنية تنشدها بطلة الرواية على مسمع من صاحبها؛ لتوحي إليه أنه هو المقصود بحبها وغنائها، وقد كان يجهل ذلك:
هل درى من أحبه
أين في الحب مطمعي؟
هل معي الآن قلبه
مثلما سمعه معي؟! •••
هل أراه بناظري
أم أرى الطيف الرجاء
ربما بات زائري
وهو في البعد كالسماء
ليته يكشف الضمير!
ليتني بالهوى أبوح!
فاكشف الروض يا عبير
إن عطر الهوى يفوح
شرعة القلب شرعتي
ما احتياجي إلى شفيع
إن تسلني فحجتي
في يدي زهرة الربيع
في ساعة انتظار
يا ساعة الصفو! غبت عني
وحيرت لوعتي خطاك
تائهة أنت في طريقي
هداك نور الهوى هداك •••
أبطأت يا ساعة التمني
وموعد الملتقى قريب
هل يبطئ البين لو سعى
لي كما سعى موعد الحبيب •••
أصبحت في لهفتي عليه
أنتظر الليل بالنهار
طال انتظاري له فماذا
في الغيب يا ليل بانتظاري؟!
قوميات
يوم الجهاد ذكرى 13 نوفمبر في سنة 1935
أجل هو يوم الفدى والذمم
ويوم الجهاد ويوم القسم
ويوم الذين دعوا أمة
ونادوا بدعوتها في الأمم
ويوم له غده المرتجى
ويوم له سره في القدم
هنا حرم في جوار الزمان
فحيوا الزمان وحيوا الحرم
هنا فليقم عهده من أقام
ويعزم على أمره من عزم
ويستقبل الهول من راضه
ويرتد من خافه فانهزم
تعز الصفوف بنبذ الجبان
كعزتها بشجاع هجم
وتحمى الحقوق بدفع الضعيف
كدفعك عن حوضها من ظلم
فليست تصان الحقوق التي
حمى جانبيها ضعاف الهمم
وهيهات تعلو لنا شوكة
بشكوى الذليل ونجوى السأم
إذا كرمت أمة لم تكن
كرامتها من هبات الكرم
إذا استرحمت أمة خصمها
فلا رحمتها عوادي النقم •••
أفيقوا أفيقوا حماة الديار!
حماة الديار ببأس الرمم!
أتسمعكم «لندن» يا ترى
على النأي أم لم تزل في صمم؟!
أيشفق هاجركم يا ترى
هنالك أم قد جفا واعتصم
أيطمعكم منه ذاك الدلال
أم حسم الشك فيما حسم
إذا لم يكن صوتكم بالغا
إليه فما قولكم في النغم؟!
عليكم بقيثارة حلوة
وناي وعود وزيز وبم
وبثوا له لوعة أو ضنى
وشقوة حال ونجوى ندم
فقد ينثني في غد راضيا
إذا صد في أمسه أو صدم
وقد ينثني طيفه في الكرى
وطاب الكرى عندكم والظلم
ويا ويلكم بعدها إن جفا
وعاف المقام بأرض الهرم
فكيف تطيقون منه الجلاء
إذا ما انجلى بعدها وانصرم! •••
أفيقوا أفيقوا دعاة الديار
دعاة الديار وفيكم بكم
وأوصوا الرفاق بصمت طويل
وصبر جميل وهزل عمم
وقولوا لهم مثلنا فاصنعوا
إذا نابكم نائب أو دهم
ومن جد من أمره بينكم
فذاك هو الخائن المتهم
فإن الأمانة في شرعنا
ولائم تغشى ولهو يؤم
وإن الخيانة فتح العيون
وفتح العيون عدو النعم
كفى لعبا أيها الهازلون!
فقد ملأ الخطب مصرا وطم
لقد أسأمتكم كبار الأمور
لقد أسأمتنا صغار اللمم
وقد أسأمتنا رعاة تساق
فأين الرعاة وأين الغنم؟
أأصنام باغين تبغونها
وأنتم تذلون ذل الخدم؟!
أأطلب حرية للعبيد
وألقي بحريتي عن رغم؟!
فماذا أقول لهذا الجبين؟!
وما عابه عائب أو وصم
وماذا أقول لهذي اليمين
وإني بها قد صنعت الصنم؟!
معاذ الفتوة إني لكم
على رصد ساهر لم ينم
هو الحق ما دام قلبي معي
وما دام في اليد هذا القلم
بني مصر طوفوا بهذا الحرم
بيوم الفخار ويوم الألم
يسر ويؤلم تذكاره
وفي الغد من حالتيه الحكم
بدأنا بسعد وغاب الإمام
فمن شاء فليحسن المختتم
إذا نحن سرنا على نهجنا
فلا ضير في أن تزل القدم
حذار القعود مع القاعدين
وسر فالطريق سوي أمم
فدى للبلاد وأعوانها
على النصر من خانها وانهزم
ومن هونوا الأمر حتى غدا
أجير الهتاف دعي العظم
وحتى غدت كل تصفيقة
تبوئ في المجد أعلى القمم
وما المجد صفقا ولا صفقة
ولكنه معقل يقتحم
فلا تركبوا السهل واستصعبوا
فللسهل أصعب هول نجم
تضيع البلاد به سهلة
فمن رامها عاديا لم يلم •••
بني مصر! صونوا لها حقها
كبار النفوس كبار الشيم
لكم مصر لا لدعي دعا
ولا لذوي سطوة أو غشم
لكم مصر حيث يقر الثرى
وحيث يرف عليها العلم
وحيث جرى النيل من أرضها
وحيث نما شعبها وازدحم
وحيث تلاحق موج البحار
على جانبي شطها والتطم
وحيث تلألأ ضوء الشموس
وأسفر عن صحوها وابتسم
فلا تتركوا ذرة من ثرى
لباغ ولا قطرة من خضم
ولا لمحة من شعاع سرى
ولا نفحة من نسيم نسم
لكم وحدكم ما ضننتم به
وما يستباح وما يغتنم
فما تبذلون فذاك الكرم
وما تمنعون فنار ودم
على العهد فليقترب من رعى
ذماما وفليبتعد من وجم
وهذي الكنانة من رامها
بسوء وهى ظهره وانقصم
وأنتم لها سيفها المنتضى
وأنتم لها عزمها المعتزم
فقولوا يرد لها مجدها
يرد وما تم بالعزم تم
عيد بنك مصر
ألقيت في الاحتفال بمضي خمس عشرة سنة على إنشاء بنك مصر :
بلغت الشباب فعش وازدد
وأوح التهانئ للمنشد
نما بك جدك في المعجزات
فيا لك من معجز مفرد!
أفي السن كاليافع المرتجى
وفي المجد كالهرم المخلد؟
وما هرم الصخر في مجده
نظيرك يا هرم العسجد
وما بنية حرة في الرضى
تقام كبنية مستعبد
بنو مصر! في كل عهد لهم
بناء على سنة الموعد
فحينا معابد فوق الذرى
وحينا مصارف كالمعبد
بهذا وهذا نجاري الزمان
ونسبق في شوطه الأبعد
وندرك في يومنا أمسنا
ونرفع شأويهما في الغد •••
أجل هو أشبه بالمعبد
بناء بقبلته نقتدي
ومن كان ينشد حرية
وعزا فذلكم المهتدي
وما يبتغي الدين من مؤمن
سوى البر والجد والسؤدد
وإني لأحسب ذاك البناء
بناء العقيدة لا الجامد
عقيدة داعين قد أخلصوا
لمصر وللحق في المقصد
يريدونها حيث لا يعتدى
عليها بضيم ولا تعتدي •••
أراه فأزهى به عزة
كأن غناه غنى في يدي
وأحسب أنفاله حسبتي
لكنز «على ذمتي» مرصد
إذا قيل: مورد أبناء مصر
فلي أن أقول: نعم موردي
وما ثروة الموئل المفتدى
سوى ثروة الوائل المفتدي
إذا أنا سدت ولي موطن
مهين فما أنا بالسيد •••
ترنم كما شئت واستطرد
وهنئ كما شئت بالمولد
وقل ما بدا لك فيما مضى
وفي مقبل بعده مسعد
تربى الوليد وأمسى بنوه
وأحفاده زينة المعهد
أفي أسرة الشيخ من عمره
عددناه كاليافع الأمرد!
أفي الخمس والعشر يطوى المدى
ويفتح كل حمى موصد
وتملأ آثاره الخافقين
أنى يناد به يوجد
سل الطير إن رامها فاتها
سل الريح إن قادها تنقد
سل الحوت بين شعاب البحار
إن جاءها صائدا يصطد
سل الشرق عمن قضى حجه
سل الغرب عن رائح مغتد
وسل قطن مصر وسل توتها
عن الغازل الناسج المرتدي
وما لك لا تسأل المستغيث؟!
عن السامع المبصر المنجد
وما لك لا تسأل القارئين!
عن الطابع الناشر الأجود
وما لك لا تسأل الفن! عن
صروح حسان وروض ند
وما لك لا تسأل الطيف! في
شباك من الظل بالمرصد
تمثله حلما ناطقا
على الستر من يبغه يشهد
كذاك يبارك في الصالحا
ت من عمل الصالح الأيد
وخير النجاح نجاح به
نصيبان للقوم ملء اليد
نصيب الغنيمة يغنى بها
وحسن الثناء على المحتد •••
فيا قائمين على (حصن مصر)
سعدتم برضوانها الأسعد
إذا قيل (بنك) فقد قيل حصن
نجا بالعتاد وبالمعتد
ومن قال يا أمتي وفري
فقد قال يا أمتي جندي
هنيئا لكم قادة ذادة
يصولون صولة مستشهد
هنيئا لكم (حربكم) إنه
من الحرب في وصفها الأحمد
لكم راية النصر مرفوعة
على ساحة الزمن السرمد
تعود لكم كل أعيادكم
بأجمل مما به تبتدي
في ذكرى سيد درويش في شهر سبتمبر سنة 1935
اذكروا اليوم سيدا
واحفظوا الذكر سرمدا
وتغنوا بحمد من
قد تغنى فأسعدا
من يكن ذاك أمسه
يبتدئ مجده غدا •••
كان للصوت مالكا
كيف لا يملك الصدى؟
قد حوى السمع شاديا
وسيحويه مخلدا
أخلد الناس من إذا
قيل تاريخه شدا
عاش للفن والفنو
ن مصابيح للهدى
مطلع النور نبعها
جاوز الشمس مصعدا
من يعش في السماء هي
هات لا يعرف الردى •••
جددوا اليوم ذكر من
قد تغنى فجددا
الذي صور الحيا
ة هتافا مرددا
علم الناس كيف يع
نون باللحن مقصدا
ما ابتغوا قبله المعا
ني في القول مسندا
فابتغوا بعده المعا
ني في الصوت مفردا
وانثنوا يعجبون للط
ير لما تغردا
ولهمس النسيم في ال
غصن لما تأودا
والدراري والسنا
والأزاهير والندى
سمعوا كل ما انطوى
من سرار وما بدا
سمعوا الكون بينا
والمقادير شهدا
فتح الباب كله
بعد أن كان موصدا
ربما جاز فاتح
في المدى ما تعمدا •••
إنما الفن في الشعو
ب شباب له الفدى
فيض ما زاد من شعو
ر وما هام مبعدا
سورة في عروقها
يتقي بأسها العدى
لا أنين ولا طنين
ولا ضجة سدى
أو نديم لشارب
بالطلا قد تزودا
أو بكاء كما بكى
سائل يطلب الجدى
رحم الله سيدا
كان للفن سؤددا
ليت أحياءنا الألى
سبقوا الموت موعدا
لحقوا وهو في الثرى
منه روحا تمردا
وارتأوا مثل رأيه
واقتدوا مثلما اقتدى
أكبر الظن أنه
جاور البحر فاهتدى
1
مفلح من يكون أس
تاذه البحر مزبدا •••
إنما اللحن ترجما
ن عن النفس ما عدا
مبدع وهو ناقل
كلما قال أوجدا
واصف لن ترى له
عاذلا أو مفندا
هكذا كان سيد
صادق الوصف مرشدا
ما سمعنا لشعب مص
ر على ما تعددا
واصفا كان مثله
مستجابا مؤكدا
كل رهط أعاره
لحنه أسلم اليدا
وحباه بسره
ناطق الوسم منشدا
ليس من عامل ولا
عاطل راح أو غدا
أو سري مجلل
أو فقير تجردا
أو قوي مزمجر
أو ضعيف تنهدا
أو دعاء دعاه إلا
عرفناه جيدا
هكذا يسمع الخلي
قة من يسمع الصدى •••
إنما اللحن منطق
وحد الكون إذ حدا
فيه لا في اللغات يب
دو نظيما منضدا
اسمعوا منه في الضما
ئر وحيا مؤيدا
حيثما يقصر الكلا
م ويمشي مقيدا
وارفعوا الفن واحذروا
مهبطا منه أوهدا
واجعلوا من تراث در
ويش للفن معبدا
إنه مهد الخطى
فابلغوا أنتم المدى
رحم الله سيدا
كان في الفن سيدا
فاز سعد
نظمت عندنا نقل رفات الزعيم الخالد سعد زغلول من ضريحه في صحراء الإمام إلى ضريحه المقام إلى جوار بيت الأمة:
عرف النفي حياة ومماتا
وأصاب النصر روحا ورفاتا
كلما أقصوه عن دار له
رده الشعب إليها واستماتا
كيف يجزيه افتياتا وهو من
كان لا يرضى على الشعب افتياتا
أصبحت دارك مثواك فلا
تخش بعد اليوم يا سعد شتاتا
حبذا الخلد ثمارا للذي
غرس المجد ونماه نباتا •••
كل أرض للمصلي مسجد
غير أن الكعبة الكبرى مقام
هكذا قبرك مرفوع الذرا
في جوار البيت أو سفح الإمام
أرض مصر حيث أمسيت بها
فبنو مصر حجيج وزحام
غير أن الذكر يبغي منسكا
مثلما يبغيه حج واستلام
فالق في قبرك خلدا كلما
مر عام تبعته ألف عام •••
جيرة الأحياء أولى بالذي
بعث الدنيا حياة لن تبيد
معشر الأحياء أنتم لكم
مدد من ذلك الميت مديد
مستعيدين رجاء كلما
جزتموه وهو منكم مستعيد
إنه في كل جيل ذاكر
من بنيه أبد الدهر وليد
تلك يا سعد مغانيك فما
في سواها يسكن اللحد شهيد •••
اعبر القاهرة اليوم كما
كنت تلقاها جموعا ونظاما
ساعة في أرضها عابرة
بين آباد طوال تترامى
ساعة من عالم الفردوس لا
تشبه الساعات بدءا وختاما
كل من شاهدها زيد بها
من معانيك جلالا ودواما
قل لهم أبلغ ما قلت لهم
أيها الواعظ صمتا وكلاما •••
جردوا الأسياف من أغمادها
ذاك يوم النصر لا يوم الحداد
ارفعوا الرايات في آفاقها
أين يوم الموت من يوم المعاد؟
لا يلاقى الخلد بالحزن ولا
يكتسى الفتح بجلباب السواد
ذاك يوم ما تمناه العدى
بل تمناه ولاء ووداد
فانفضوا الحزن بعيدا واهتفوا
فاز سعد وهو في القبر رماد •••
الفراعين الألى أجليتهم
لتمنوا لو أجازوك الطريق
أنت أضفيت على أوطانهم
سعة وهي من الأسر مضيق
أنت أيقظت لهم تاريخهم
وهو في نومته لا يستفيق
فضلك اللاحق أحيا فضلهم
فاستوى منه طريف وعريق
آية في الحق لا ينسخها
أبد الدهر عدو أو صديق •••
يا بني مصر اجعلوا نقلته
رمز إحياء وعزم ومضاء
وانظروه كيف حالت دونه
غير شتى وما حال القضاء
المنحون تنحوا جانبا
آخر الأمر، وسعد في البناء
كل ذي حق سيعطى حقه
ليس للمجد من الخلد نجاء
كل ما عارض سعيا باقيا
عرض فان وزور ورياء •••
ترمز الشمس
2
إلى نقلته
بسفور غالب بعد حجاب
صرعت ليلين صبحا فروت
عن حضور ناصع بعد غياب
هو أيضا قد طوى ليل الردى
وطوى ليل الغواشي والكذاب
في السموات وفي الأرض له
أثر ينبئ عن يوم المآب
أثر الفجر إذا انجاب لنا
عن ضحاه بعد لأي وغلاب •••
دان يا سعد لك الذكر بما
شيد الباني وما خط الزبور
قدر نادى فلبته على
موعد الذكرى صخور وسطور
أنا بان لك في ملك النهى
منزلا يبقى ولا تبقى الصخور
من أسانيدك آساس له
ومن الحق له حسن ونور
إن أنل شأوك فيه إنني
بالذي شيدت منه لفخور •••
فتية الوادي بسعد فاقتدوا
إن تخيرتم له خير وفاء
اذكروه بالذي يعمله
منكم العامل في غير وناء
واذكروه بالذي امتاز به
من مزاياه الأبيات الوضاء
هكذا يخلد سعد بينكم
بتماثيل حياة ورواء
كل ما يعظم من أعمالكم
هو تخليد لذكرى العظماء
إلى متطوع مشروع القرش
نظمت هذه القصيدة تشجيعا للشبان الذين كانوا يطوفون بالطرقات والمنازل؛ لجمع الاكتتابات بالقروش وتخصيص ما يجتمع منها لإحياء الصناعة الوطنية:
يا آخذا أشبه بالمانح
بوركت في مجهودك الصالح
تمد كفيك ولكن كما
مدت يمين المنقذ الناضح
وتعقد الصفقة لا تنطوي
في عقدها إلا على رابح
فباذل القرش ومن ناله
صنوان في وزن الندى الراجح •••
يا فتية القرش ورواده
على سواء المنهج الواضح
خذوا هبات الجود حتى إذا
فرغتم من فيضها الناقح
طوفوا على الدور ولا تتركوا
بابا قد استعصى على فاتح
وحاصروا الراكب في ركبه
واسطوا على السانح والبارح
وراقبوا الجو ولا تتقوا
غوصا وراء الغائص السابح
وعلموا من ضن بالقرش أن
يخجل من عدوانه الفاضح
فمن أبى قرشا على أمة
فذاك كالجاني وكالجارح
أنتم رجال الغد فاسعوا له
برأس مال لغد ناجح
وزودوا مصر بزاد الغنى
والعزم من هذا الصبا الطامح
وأنبتوا مصرا لكم حرة
تغلو بها أحدوثة المادح
نعم البنون الأذكياء الألى
ردوا جميل الدرهم الفادح!
أرضاكم إذ كنتم صبية
صحتم صياح الغاضب الجامح
فلم يزل حتى رجعتم به
رضى لهذا الوطن الصائح
بين عهدين
ألقيت في مؤتمر حافل أوائل سنة 1925:
أحسنتم الصبر والعقبى لمن صبروا
نادى البشير فقولوا اليوم وائتمروا
تلك السنون التي ذقتم مرارتها
هذا جناها فطاب الغرس والثمر
مرت وفي كل مصري لها أثر
إلا اليقين فما فيه لها أثر
سيهدم الطود من يبغيه معتديا
وليس يهدم من أركانكم حجر
بناكم الله في أرض إذا رفعت
صرحا من المجد لم تعبث به الغير
الدهر في غيرها هدام أبنية
والدهر في شاطئيها حارس حذر
كنانة الله كم أوفت على خطر
ثم استقرت وزال الخوف والخطر
وكم توالت على أبوابها أمم
ومصر باقية والشمس والقمر
كأن رمسيس حي في مدينته
يرعى بنيه وهم من حوله زمر •••
ها أنتم أنتم والشمل مجتمع
لا الأمن طاش ولا أجناده حضروا!
3
أين القلاقل؟ بل أين المعاقل؟ بل
أين الزبانية الفتاكة الشزر
وأين من أرسلوهم في محافلكم؟
وأين ما خوفوا الدنيا وما زجروا؟
خافوا على أمنهم لا أمن أمتهم
كذاك يخشى بغاة السوء من سهروا
إذا الظلام حواهم في مساربهم
فالنور في الليل ذنب ليس يغتفر
لا يرحم الله عهدا كان آمنه
حربا على الأمن لا يبقي ولا يذر
من كل باغ له في الشر ألف يد
لو قطعت كلها لم يجزه القدر
ينعى على الشرف العالي مفاخره
وينثني وهو بالآثام مفتخر
قالوا «النظام!» وطافوا حوله نذرا
شاه النظام وشاهت تلكم النذر
بئس النظام الذي تعلو بقمته
نفاية في حضيض الذل ما ظهروا
تسللوا شيعا في كل ناحية
كأنهم منسر في الأرض منتشر
ظلم ولؤم وإتلاف ومفسدة
وسطوة وقلوب كلها خور
الله في عون مصر من رذائلهم
كم أجرموا في نواحيها وكم فجروا
لو أنصفوا كان سجنا دار ندوتهم
يحمى المهارب منها حارس عسر
نصوا الشرائع فيها للعقاب بها
وهم لكل عقاب زاجر وطر
ما كان خارجها جان أضر على
بلاده من جناة عندها حشروا
قالوا: انتخاب! فقلنا: إي نعم صدقوا
هو انتخاب لمن خانوا ومن غدروا
هو انتخاب، أجل! بل تلك غربلة
وهم هنالك في غربالها وضر
لا تدخلوها إذا جئتم بساحتها
إلا إذا غسلت ألفا وتعتذر
فازوا بمال وقد فزتم بأنفسكم
ربحتم أنتم العقبى وهم خسروا
عرفتم الخطة المثلى بتجربة
وراء تجربة تمضي وتندثر
وفي التجارب من حق ومن عبر
فما لهم ما وعوا حقا ولا اعتبروا
آن الأوان لمصر أن تجد على
مناهج السعي لا زيغ ولا غرر
قويمة الخطو لا التيه الذي نصبوا
يثنى خطاها ولا الجب الذي حفروا
على الصراحة إن ودت وإن نفرت
ويستوي بعد من ودوا ومن نفروا
هيهات تحجب عينيها براحتها
إذا اتقوا نظرة منها لما ستروا
شعارها ذاك فليحمل نظائره
من يبتغي ودها تنفعهم الشعر •••
يا فتية النيل هذا النيل مستمع
ومصر ناظرة والشرق منتظر
صونوا لمصر تراثا من أوائلها
وثروة من ثراها الحر تدخر
ووفروا من قواها كل ما وفرت
من الضمائر في الجلى وما تفر
وعلموا علمها من ينفعون به
سيان في العلم ذو مال ومفتقر
ويسروا من صناعات الأكف لها
ومن فنون بها الأرواح تزدهر
أمانة تلك في أعناقكم عظمت
وبالأمانة فليعظم من اقتدروا
فباركوا شعبكم وادعوا بدعوته
واستبشروا ومروا بالحق وائتمروا
دار العمال
ألقيت في دار العمال عند افتتاحها في صيف سنة 1935:
حي «دار العمال» بالإقبال
وترقب لها بلوغ الكمال
وانتظر رافعي الدعائم حتى
يرفعوا بيتهم عزيز المثال
رفعوا أمس ما علا من صروح
ولهم في غد صروح عوالي
ولهم في غد من الأمر قسط
من يكن مؤمنا به لا يغالي
أيها العاملون لبيكم اليو
م ولبيكم غدا في المجال
نعم جيش السلام أنتم إذا ما
جرد البغي جيشه لاغتيال
لكم العدة التي ما استطاعت
أمة قد تركها في نزال
ولكم أذرع شداد وأيد
من حديد وأظهر من جبال
ولكم في اتحادكم رأس مال
إن فقدتم ذخائر الأموال
ولكم صيحة يهاب صداها
سادة في نفوسهم كالموالي
فابلغوا بالوئام والصبر ما لا
يبلغ المرجفون بالأهوال
لا يسخركم المسخر جهلا
وانبذوا كل عاطل مكسال
حبذا الناس يعكفون على الأع
مال حتى ذوي الغنى والملال •••
لا يكن من بني الكنانة باغ
يملأ الناس دوره وهو خال
ويكيل النضار وهو دماء
جمعت من مصارع الآجال
كيف ترعى عناية الله أرضا
باء فيها المجد بالإقلال؟
ينسج الخز والحرير ويمشي
حافيا في الرقاع والأسمال
ويشيد القصور وهو شريد
في زوايا الكهوف والأطلال
ويدر الغنى وما في يديه
شبعة الوالدين والأطفال
يهب المترفين عمر فراغ
وهو باكي الأيام باكي الليالي
ذاك ظلم نعيذ بالله مصرا
من أذاه في مقبل الأجيال •••
أيها المنقذون بنية مصر
من فتور ومن ضنى أو كلال
أنتم الكف والذراع وأنتم
قوة في يمينها والشمال
حظكم حظها من العلم والصح
ة والبأس والحجى والخصال
كلما نالها نصيب من الخي
ر فأنتم لكم نصيب تالي
أعجب الناس عامل في بلاد
صاح فيها: ما للبلاد وما لي؟
لا تقولوا العمال حسب وأنتم
في بلاد تموج بالعمال
إن مصرا تنال من غاصبيها
أجر بخس وخدعة ومطال
وهي أرض للواغلين عليها
سطوة أشعبية الإيغال
كل من في جوانب النيل عان
مستغل الجهود والآمال
كلهم غارس لآخر يجني
ثمر الماء والثرى والرجال
وإذا ما تفرقوا طبقات
جمعتهم جوامع الأغلال
وإذا قيل موسر وفقير
فقصاراهما إلى استغلال
حققوا الأمر ما قضية مصر
بعد إلا قضية العمال
فاعملوا جهدكم لمصر جميعا
واتبعوا خطة الهدى لا الضلال
ما لكم منصف ولا لبنيها
منصف قبل يوم الاستقلال
تأملات
حيوات كثيرة لا حياة واحدة
أرى الحيوات والأيام شتى
وأنت الدهر في كون جديد
أتحسب أنه شيء وحيد
إذا سميته باسم وحيد؟
فلا تخش التناقض في كلام
عن الدنيا ورأي في الوجود
فإن الصدق مفترقا لأولى
من التلفيق في جمع الشهود
حكمة الجهل وجهل الحكمة
حين قال المعري:
وأعجب مني كيف أخطئ دائما
على أنني من أعرف الناس بالناس
كان من الحق ألا يعجب هذا العجب؛ لأن الكريم يخدع كما قال العرب قديما، والإنسان إنما ينخدع بالناس؛ لأنه كثير العطف لا لأنه قليل المعرفة، وإن أقل الناس معرفة ليتقي الخداع إذا كان مع ذلك قليل العطف والشعور، فليس أسهل من أن يغلق المرء أبواب نفسه، ويحجب ما بينه وبين العالم إذا كانت نفسه مغلقة بطبعها أو كان لها منفذ محدود.
والحوار الآتي حوار بين رجلين: أحدهما حريص يزعم أنه آثر الشح والأنانية لسعة عقله، والآخر يحسب هذا الحرص فقرا ويحسب اللجوء إليه ضرورة:
ألم أقل لك مهلا
فالناس لؤم وشر
لا تولهم منك عطفا
فهم من العطف صفر
لو كنت تعلم علمي
لما أصابك ضر
نعم نعم قلت هذا
إني بذاك مقر
وأنت عندي طفل
وأنت عندي غر
وما لقولك وزن
ولا لنصحك شكر
أنفقت عطفك قبلي
وذاك يا صاح فقر
كم حكمة هي جهل
وغفلة هي فخر
حب الإنسانية
لا يكون حب الإنسان حبا عظيما إلا إذا فاض من طبع زاخر، وقلب رحب، ونفس واسعة الآفاق، أما الحب الذي منشؤه العجز عن النكاية وقلة الحيلة، فذلك حب ضرورة لا عظمة فيه:
قد جرب الناس فألفاهم
للبغض أهلا كلهم أجمعين
فضاق عن بغضائهم ذرعه
ولم يجد عزما به يستعين
فارتد يهواهم ويحصي لهم
أعذارهم وهو كظيم حزين
فيا له حبا لمن رامه
أرخص من بغض العدو المبين
لو لم يكن في حبهم مكرها
لعاضهم منه بجز الوتين
شكر اللؤماء
جزاكم الله خيرا
يا معشر اللؤماء
عودتموني صبرا
على ضروب المراء
وكنت أجفل منها
إجفال باغي النجاء
وكنت أحسبها من
عجائب الأشياء
فاليوم أعجب ممن
يقضي حقوق الوفاء
من يألف السم يعصم
من لدغة الرقطاء
مسألة ذوق!
لا تصلح الأرض يا صديقي
إن كنت من عاشقي الجمال
فكل ما كان من صلاح
فيها نشوز أو اختلال
دعها على حالها تدعها
في خير حال أو شر حال
مجموعة الشمل في طراز
منسوقة الشكل في مثال
وإن أردت الصواب فامسخ
ما كان فيها من اعتدال
بعض التفاؤل
من المتفائلين من يضحك للحياة كما يصفق المرء للرواية السخيفة؛ ليقنع نفسه أنه لم يضيع الليلة عبثا، ولم يؤد أجرة الدخول في غير طائل:
والله ما هتفوا لك
ولا استطابوا دخولك
يا مسرح الكون رفقا
بهم وعجل أفولك
لو لم يؤدوا رسوم الد
خول ما صفقوا لك
تسليا لا سرورا
يقرظون فصولك
لو يدفع الغيظ غرما
إذا لشقوا طبولك
صيام الفكر
دع اليوم زاد الفكر في صفحاته
أنا اليوم عن زادي من الفكر صائم
وقد يهجر العقل الكتاب تدينا
كما تهجر القوت الجسوم الطواعم
العلم والحياة
إن أنت لم تفقهم الحياة فكن
حيا فتغنى بها عن الفهم
ما العلم مغنيك عن محاسنها
وهي غناء كاف عن العلم
وكل علم لم يحي صاحبه
أحب منه جهالة العجم
إن لم تكن متفائلا فكن حجة للمتفائلين
قلبي إذا غالبه ريبه
في آنة فهو بعذر قمين
شكوت من بعض الحياة الأذى
وما لها عندي شكاة تشين
إن ألق منها الشر لقيتها
خيرا وإن خانت فإني الأمين
حسبي غفرانا لريبي بها
أني فيها من دواعي اليقين
أجني مرير الشك منها وبي
تؤكد الإيمان للآخرين
إن زارنا فحق وإن
زال بنا الريب فحق مبين
الشعر دار لا دير
الشعر باب الحياة عندي
لا مهربي من حياة جدي
لم أقصد الدير من حماه
وإنما الدار منه قصدي
قصد الطبيعة
سنة بين قرها ولظاها
والغواشي من ليلها وضحاها
سنة! والعناصر الهوج يقظى
في سمواتها وتحت ثراها
تنسج الماء والهواء وشيئا
من سناها ونفحة من شذاها
لنرى في صباح يوم بهيج
زهرة يشهد المساء مداها
أيها المؤمنون بالقصد هاكم
من أصول الحياة قصد هداها
أيها الواثقون بالعمر مهلا
إنما العمر زهرة في نداها
على البعد! إن كان لا بد من البعد
يا حكيمي وعليمي والذي
يعرف الأسرار عرفانا شديدا
لا تقل لي إنما حسن الدنى
خدعة تفتن من كان بعيدا
إن يكن ذاك صحيحا فابتعد
وانظر العالم تنظره رشيدا
وتكن في الحق أدرى بكلا
جانبيه وتعش فيه سعيدا
أنت مخدوع عن «الأحسن» إن
عشت «بالأسوأ» ترعاه وحيدا
والذي تزعمه ذا غرة
هو أستاذك إن كنت مفيدا
جهل الأسرار وانقاد لها
فوعاها كلها وعيا شديدا
الجنس
أيما لفظة جرت
من فم المرأة امرأة
تشتهي الزوج من فئة
والأخلاء من فئة
ليس بالجسم وحده
يعرف «الجنس» منشأه
ميزان الرجال
سنجات
1
ميزان الرجا
ل نقصت وزنا بعد وزن
حتى رأيت الكفة ال
كبرى خلت ظهرا لبطن
فإذا وزنت فلا رجا
ل سوى التشبه والتظني
ما كان يغنينا التما
م فبات عشر العشر يغني
ذكرى الموتى تحيي الأحياء
لا تظلموا الموتى أمانتهم
إن الحقوق لمستحقيها
أنضن بالذكرى على مهج
تركت لنا الدنيا وما فيها
برا بنا إن لم نبر بها
فالذكر يحيينا ويحييها
الاستعمار
حجة المستعمرين أنهم يفتحون البلاد لضيق أوطانهم عن أبنائها، وهؤلاء المستعمرون هم أنفسهم الذين يجزلون المكافآت ويخلقون المزايا الاجتماعية لتشجيع النسل، وزيادة الذرية، كأن أوطانهم مقفرة من السكان!
ضقتم بأولادكم ذرعا فما لكمو
ترعون كل أب في الحي ولاد!
لو صح مذهبكم قامت شرائعكم
لمن نما ولدا فيكم بمرصاد
ولاغتدى كل ميت بينكم بطلا
مشيعا بحفاوات وأعياد
وقيل من عاث شرا فهو محتسب
ومن حمى الناس فهو الآثم العادي
لعل ذلك يغنيكم ويمنعكم
غزو الديار وسلب الجائع الصادي
تفاؤل وتشاؤم
ليس بالزاهد في دن
ياه من يقسو عليها
من قسى يوما كمن با
ت على شوق إليها
هكذا من يشتهي مع
شوقة في حالتيها
العشق المهتدي
اعشق جمال البرايا
نماذجا لا فرادى
تبلغ مدى الحب معنى
ولا تضل مرادا
اشتراكي يعلل الربيع
لكل شيء علة مادية أو اقتصادية عريقة الأصول عند الاشتراكيين، وكل مخالف لهم فهو متهم مأجور، وإن لم يدر أنه متهم مأجور! ومن ورائه مكيدة للمستغلين وأصحاب رءوس الأموال، وهم عدد قليل يستأثر بأعمال العدد الكثير من الناس!
وما القول في جمال الطبيعة وفتنة الربيع؟
هما أيضا مكيدة «رأسمالية» إن صحت الرواية الآتية!
رفيق أول :
إن الربيع جميل
صه! ذاك قول دخيل
رفيق ثان :
ألست تعلم أن الر
بيع شيء ثقيل
وأنه من صنيع
للغش فيه أصول
رفيق أول :
من غشه يا صديقي؟
رفيق ثان :
حقا لأنت جهول
قد غشه الأغنياء ال
مستأثرون القليل
أليس فيه متاع
لهم وظل ظليل؟
رفيق أول :
لكن بعيشك قل لي
وذاك مني فضول
بأي برهان صدق
وأي شرح يطول
قد أقنعوا الأرض حتى
باتت إليهم تميل؟
رفيق ثان :
حقا لأنت عجيب
فيما أراك تقول!
رفيق أول :
برشوة دفنتها
في جوفها يا زميل
ألا ترى التبر فيها
منها إليها يئول؟
فافهم إذن يا صديقي
فقد أتاك الدليل
وأيدته شهود
وأكدته عقول
الأرض والشمس والنا
س والدعاة العدول
لهم ضمائر سوء
مرضى وطبع وبيل
بذاك «ماركس» أفتى
ونقضه مستحيل!
درجات الفضائل
لا تقل فاجر وبر ولكن
قل هو الصدق والمراء صنوف
رب حق فيه نفيس ومرذو
ل ومين يرجى ومين يخيف
إنما الفاضل الذي فضله في ال
خير والشر فاضل وشريف
الإباحية الحديثة
تعرى الناس لا حبا لعرى
ولكن أنكروا الطمر القديما
فمن عاف التكشف فليجئهم
بجلباب يزينهم سليما
ربيعيات
الفاكهة المحرمة
إذا نهيت إنسانا عن الخمر، فشربها للذتها وهو يؤمن بأنها حرام؛ فالمسألة هنا هي مسألة الخمر، والقوة المتمثلة هنا هي قوة الإغراء على الشراب.
أما إذا نهيته عن الخمر فشربها؛ لأنه لا يؤمن بحقك في نهيه وأمره؛ فالمسألة هنا هي مسألة السلطان والرغبة في تحديه، وليست الخمر إذا إلا مظهرا للنزاع بين الآمر والمأمور.
والفرق بين تهتك العصر الحديث وتهتك العصر القديم هو هذا: هو أن المتهتك القديم كانت تغلبه لذة الشيء المنهي عنه، أما المتهتك الحديث فتغلبه شهوة التمرد والجموح:
فاكهة الجنة الحرام
ما زالت معشوقة الأنام
تناولوا من جناك حينا
شوقا إلى لذة الطعام
واستطلعوا السر منك حينا
والسر أمنية ترام
وذاق منك التقاة حينا
ليفثئوا صورة الصيام
وهاجمتك الغزاة حينا
هجمة صيد أو اغتنام
أما بنو عصرنا فبدع
في غزوهم ذلك المقام
فما ابتغوا لذة ولا هم
طلاب سر أو التهام
لكنهم قاربوك كبرا
وأولعوا فيك بالملام
تحدي الحارس المغالي
وشهوة السبق في الزحام
أزهار الذكرى
قطفت أزاهر الذكرى أصيلا
فصوح حسنها قبل العشي
فبت أضاحك الأفلاك سخرا
وأرثى للذكور وللنسي
إذا ما كان هذا عمر حبي
فيا بؤس الغرام الآدمي •••
وصاح الحب لا تعجل فإني
كما نبئت من طفل ذكي
ضع الأزهار في ماء، وجدد
روافدها من الشجر الجني
تعش ما شئت في حسن نضير
وفي أمن من الهجر الخفي •••
نعم يا حب أنت على صواب
فيا لك من وليد عبقري
وضعت الزهر في الماء المصفى
وعدت إليه بالرفد الزكي
فرفرف للحياة وطال عمرا
وطاول عهده عهد وفي
نعم يا حب أنت على صواب
وعندك حكمة الخلد الصبي
فلا ماض يدوم بلا جديد
ولا حي يعيش بغير ري
إذا مات الغرام بلا طعام
فتلك طبيعة في كل حي
ابنا النور (الزهر يخاطب الجوهر)
يا جوهر الحسن لا تضعني
لديك بالموضع المهان
فالزهر والجوهر المصفى
صنوان في النور توأمان
أشعة النور في يدينا
وديعة أو وديعتان
لكننا بيننا اختلفنا
يا جوهر الحسن في الصيان
تصونها أنت من بعيد
بالسيف والرمح والسنان
ولم تزل في يدي كنزا
يصان بالعطف والحنان
ومعدن النور في حي
وفيك معنى الحياة فان
فيا زمانا بلا حياة
إني حياة بلا زمان
كل له من أبيه حظ
ونحن بالحظ راضيان
عودة الكروان
مرحبا أيها البشير ومرحى
بعد طول السكوت ليلا وصبحا
جاءنا رائد الكراوين في جن
ح من الغيب يفتح العام فتحا
فإذا الليل خافق، وظلام ال
ليل طلق آية الليل فصحى
وغنمنا عاما من العمر لما
عاد ماضي الربيع والأرض فرحى
والربيع الجديد يدني إلى الما
ضي شبابا ويربح العمر ربحا
كلما زاد بالمواسم عدا
خلته قل بالحياة وصحا
فكأن الربيع معنى قديم
في طويل الزمان يزداد شرحا •••
مرحبا بالبشير بل ألف مرحى
قد سمعناك فاملأ السمع صدحا
واملأ الليل بالنداء على الحب
ب مصرا على النداء ملحا
أنت لا شك موقظ منه وسنا
نا معيد له إذا ما تنحى
قد سمعناك بالقلوب وصدق
ناك فاسبح بحمد دنياك سبحا
لست بالمادح المريب فلولا
فتنة في الحياة ما قلت مدحا •••
مرحبا بالذي إذا ارتجل السا
عة أوحى في النظر ما ليس يوحى
المعيد الزمان جيلا فجيلا
وهو في ضحوة من العمر أضحى
أبدا مذكري وإن نشأ العام
عهودا من سالف العمر مرحى
أنت ذكرى وأنت بشرى فهيها
ت لقلب عن أي نهجيك منحى
لك لمح كالبرق في عالم الصو
ت يشق الظلام جنحا فجنحا
ويرينا الحياة وهلة حلم
تنجلي عالما، وتعبر لمحا
أمة الطير لا عدمنا نصيحا
منكم يبهج الخواطر نصحا
مؤمنا بالرجاء يزجي إلينا
من رجاء ما غاب حينا وشحا
داعيا للحياة لم يأل نضحا
من مزاميرها ولم يأل نفحا
أنتم من مراجل الشوق فيها
شرر يقدح الضمائر قدحا
تطلبون الجمال كالعاشق المط
لوب لا كالأثيم يطلب صفحا
كل من بشروا من الناس بالخي
ر عيال على العصافير طلحى
لا ترى الشك في سرور ومنها
كل يوم قتلى شرور وجرحى •••
زعموا البوم نائحا ظلموا البو
م فلم يشك في الخرائب برحا
1
إنما كان مغرما يتغنى
أو مجدا يغالب العيش نجحا
فصل الحب
هناك سنبلة في كل نابتة
وها هنا ريشة في كل منقار
قضى الزمان حقوق الزهر وابتدأت
حقوق فاكهة تنمي وأثمار
فالغصن والطير هبا يلقيان معا
بنيهما بين أكمام وأوكار
عزاء
قلت للقلب كيف حسن العزاء
بعد فقد الصحابة الأوفياء؟
قال لي القلب وهو يزعم أن لم
يتبدل شيء من الأشياء
كل شيء كعهده لا جبال ال
أرض غارت ولا نجوم السماء
قلت يا قلب قد صدقت ولكن
بلغ الصدق منك جهد الرياء
إن يكن ذاك خير ما أنت فيه
من عزاء، فذاك شر البلاء
يومنا
يومنا عاد، فهل تعرفه؟
شد ما رعرعه العام السريع؟
شد ما غذته في نشأته
قبلات تشبع الحب الرضيع
هي تنمي حين تغذو طفلها
وهي تنمي طفلها حين تجيع •••
سنة كانت ربيعا كلها
بين روض يتغنى ويضوع
زهرها ناهيك من زهر، فإن
أنبتت شوكا، يكن شوك ربيع
حبذا الشوك من الحب ولا
حبذا من غيره العشب المريع •••
غض عينيك قليلا واستعد
خطوات العام في الأفق الوسيع
كم ترى من خفقة غنت بها
ساعة العمر التي بين الضلوع
كم ترى من قبلة رنت بها
تلكم الساعة؟ قل لو تستطيع!
كم ترى من نشوة حامت بنا
حول عليين والعرش الرفيع
إن يطل شرح المعاني فاختصر
كل ما فرقت في معنى جميع
هو «حب» فإذا فرقته
فهو ما راع قديما ويروع
هو حب واحد لكنه
شائع كالنور من حيث يشيع
لم يكرر قط في ترداده
كل ترداد له خلق بديع
فإذا عشت له عشت به
في بواكير من العيش الينيع
أين يمضي بك يا يوم السرى
وعنان الحب يا يوم مطيع؟
طفت ما طفت وساقتك لنا
صحبة إن ضاع شيء لا تضيع
وعلى العهد مدى العمر هنا
نحن يا يوم ومأواك منيع
أبدا نلقاك والحب معا
ها هنا بين مضي ورجوع
حذار!
قلت للحب تجرد لمحة
من كناناتك وادخل بسلام
قال لا تخش فإني قادم
غير ما عاد ولا باغي خصام
ثم أمسينا وبي من طعنه
حرقات داميات وسمام
قلت: من أين سهام مزقت
ذلك القلب فأمسى لا ينام؟!
قال: من ريشي إذا الريش نما
ومن الوهم إذا جن الظلام •••
يا أمين القلب لا تأمن له
حول مغنانا ولا ترع الذمام
أنت إن عريته من ثوبه
نبتت من جلده تلك السهام
ومن الوهم لديه عدة
قصفت شكتها كل حسام
مرقص الشجر أو جنون الرقص
عجبا ما لذا الشجر؟
جن أو مسه سكر!
ود لو يتبع النسي
م طليقا من القدر
كل ما فيه راقص
ثائر ثورة الخطر
يترامى مرفرفا
ذاهب السمع والبصر!
يحسب اللهو فانيا
أو مجدا على سفر
هكذا تصنع الحسا
ن مع اللهو والسمر
إن زهتهن فتنة
قلن للقلب لا ندر
أو تذوقن لذة
قلن لا ينفع الحذر
على شاطئ البحر
يا جيرة البحر غوصوا
في كل قاع برود
ما البحر عنكم بمغن
على اطراد الورود
جيرانه في احتراق
على اختلاف الوقود
ما بين لمع سماء
وبين لمع خدود
فلا نجوا بقلوب
ولا نجوا بجلود
القمراء
إن في القمراء من سحر الصبا
مسحة تفتن عين الذاكر
تلمح العالم فيها مثلما
لاح في عين شباب باكر
بين نور كشعاع المختلى
وانتباه كنعاس الخادر
إلى ضحية الغيرة
أنت مظلومة وما أنا بالظا
لم بل نحن في القضاء سواء
غيرة الحب جرعتنا ظنونا
لك فيها ولي كذاك شقاء
على البحر
حبذا البحر من قوي غرير
كاغترار الصبا بغير حساب
نفث النوم في جنوني وزجى
سكرات الأحلام في أعصابي
نمت ليلي عليه نومة موتى
وتيقظت يقظة الأرباب
أجمع الموت والربوبة تخرج
من معانيهما بمعنى الشباب
الشتاء والربيع
كل باد يريد أن يتوارى
في الشتاء المغلف المسدود
كل خاف يريد أن يتجلى
في الربيع المزخرف المشهود
هات لي العالم الصريح ودعنا
من حياة خجلى وطبع برود
في القمر
في الليلة القمراء ما أحلى النظر!
لكل شيء لاح في ضوء القمر
حتى الثرى، حتى الحصى، حتى الحجر •••
ليست من الآجر هاتيك البنى
لا بل خيال من ظلام وسنى
كخيلة الأشكال في السحب لنا •••
أكاد عند رؤيتي طلاءها
أرسل عيني لما وراءها
كما تخوض نظرة قضاءها •••
قد شف بالصخرة مصباح الدجى
فكيف بالنفس وكيف بالحجا
عاش على مر الليالي مسرجا
حيرة
لك الله يا حب من حيرة
تهد القوى وتبت الأجل
أرى الحيوان سعيدا به
وإن الشقي به من عقل
أترضاه فوق منال الظنو
ن وما فوقها فهو فوق الأمل؟
وإلا فكيف تطيق الظنو
ن وأهون ما في الظنون الخبل؟
هدية
في الروض رمان وكم
ثرى تغازل منك ثغرا
فيم استبحت ذمارها
فهصرتها بالراح هصرا
أمن القلوب حسبتها
فعلوتها قطعا وبترا
لا تشك من عدل الجزا
ء إذا أصابت منك ثأرا
جرحتك حين جنيتها
فاعرف لها ذنبا وعذرا •••
ثمر الرياض! تعال يا
ثمر الرياض! جزيت عشرا
آليت لا لبا ترك
ت ولا تركت عليك قشرا
خذ هذه؟ خذ تلك؟ ها
ت اللب هات القشر مرا
أتعضه شوقا إلي
ه ومهجتي بالشوق حرى
لا غرو تستحلي المذا
ق فأنت بالحلواء أدرى •••
نعم الثمار أحبها
نظما كما اتفقت ونثرا
أهديتنيها من ريا
ضك زنت يا روضي فشكرا
فاضت على قلبي هوى
وجرت على شفتي شعرا
العيش جميل!
صفحة الجو على الزر
قاء كالخد الصقيل
لمعة الشمس كعين
لمعت نحو خليل
رجفة الزهر كجسم
هزه الشوق الدخيل
حيث يممت مروج
وعلى البعد نخيل
قل ولا تحفل بشيء
إنما العيش جميل!
متاع جديد
من جديد المتاع يوم خريف
تحت وهج السماء عاد ربيعا
ومحيا في الأربعين وديع
تحت بث الغرام شب سريعا
نضح القلب بالجمال فسوى
من ثنايا الغضون وجها بديعا
ذاك أحلى من الشباب شبابا
ومنى النفس ما يعز رجوعا
متفرقات
تكريم
ألقيت في الاحتفال الذي أقامه أبناء أسوان المقيمون بالقاهرة؛ تكريما لصاحب السعادة إبراهيم عامر باشا، الذي تبرع للدفاع الوطني بخمسة آلاف جنيه، وكان أسبق المتبرعين، وقد أنعم عليه برتبة الباشوية، وأقيم الاحتفال لهذه المناسبة:
بلدة الشمس والجبال
كيف لا تنجب الرجال؟
أنجبت مثل عامر
وهو في الهمة المثال
الذي في جهاده
سبق القول بالفعال
والذي كان أول الص
ف في حومة النضال
عندما نودي «الدفا
ع» بدا فارس المجال
وتلا من تلا وصا
ل بنو النيل حيث صال
أشجع الناس باذل
هزم الشح والمطال
كرم النفس كالشجا
عة من أندر الخصار •••
يا بني موطني! وأن
تم على ذروة القلال
كرموا الذروة التي
رفعت هامة الهلال
رفعت أرؤسا وطا
لت مع المجد حيث طال
واحمدوا في احتفالكم
أجدر الناس باحتفال
العصامي في الغنى
والعظامي في الخلال
والذي جد وحده
فشأى عصبة الرجال
والذي كل درهم
في تجاراته حلال
زانه الله بالأما
نة والصدق في المقال
والمضاء الذي يجد
ولا يعرف الكلال
والنظام السوي في
غير ضيق ولا اختلال
يتبع المال صاغرا
من له العزم رأس مال •••
لقب حازه وكم
حاز من قبله ونال
لم يزد فضله به
فهو ذو الفضل لا جدال •••
كرموه تكرموا
خير دار، وخير آل
إن أسوان ما خلت
قط من معدن الكمال
صخرها جوهر الخلو
د وأنموذج الجمال
وبنوها وأنتم
من بنيها بخير حال
لكم المجد لا يزا
ل من الأعصر الخوال
إنما المجد بالعلا
لا جنوب ولا شمال •••
يا صديق ويا ابن قو
مي وجاري على اتصال
أقرب القرب بيننا
شيمة فيك لا تنال
شيمة النبل في استقا
مة طبع وفي اعتدال
شيمة العزة التي
لا يغالي بها اختيال
إنها جيرة لها
أبعد الناس مستمال
لا تزل غانما بها
هانئا في هدوء بال
يرتضي سعيك الملي
ك ويرعاك ذو الجلال
وحواليك دولة
من محبيك لا تدال
تتلقاك نعمة
أبد الدهر في اقتبال
نداء طفل
أرسلت إلى عروسين:
سرى إلى الآذان
في غفوة الوسنان
نداء طفل جريء
مستعجل لهفان
عجبت منه صغيرا
يقول طلق اللسان «أبي كريم وأمي
كريمة في الحسان»
كلاهما في رواء
من الصبا وازديان
كلاهما ذو فؤاد
مجمل بالحنان
كلاهما يتمنى
بين الصغار مكاني
فلي أحق رجاء
في عالم الإنسان
وفي ولادة يمن
تزف بالمهرجان
وفي احتفال ختان
وفي احتفال قران
وفي احتفال نجاح
يجوز كل امتحان
هيا ادعواني سريعا
إليكما واهدياني
وقربا لي ضياء الش
موس والأكوان •••
قالوا: انتظر! قال: لا لا
هيهات لست بوان
قالوا تعقل قليلا
يا أعقل الفتيان!
فكل شيء لدينا
موكل بأوان
أتحسب العيش رهنا
بما قضى الأبوان
فصاح صيحة سخط
وقال في عنفوان
ما لي أنا؟ أنا ما لي؟
هيا ادعواني ادعواني
أتأبيان لقائي
ما أنتما منصفان •••
لا تعذلوه إذا ما
أطال في الهذيان
فالطفل غير صبور
على الحجا والبيان
والطفل هيهات يدري
يوما بحكم الزمان
فاستمهلاه برفق
وحيلة وافتنان
ولا تطيلا عليه
في الغيب عد الثواني
فكلنا نترجى
قدومه في أمان
إلى صديقي موفق جلال في الشهر الثامن عشر من عمره المديد
يا صاحبي يا أصغر ال
أصحاب في سن وقد
يا شاغلا من حيز ال
آمال والأحلام عندي
ما ليس يشغله كبار
ر القوم في قرب وبعد
أنا عالم أن لست ته
وى صحبتي إلا لقصد
إلا لحلوى في يدي
أو لعبة أو هز مهد
أو صفحة تعدو إلى
تمزيقها كالمستعد
أنا عالم ما فيك من
مكر ونسيان لعهد
لكن أوفى الأوفيا
ء وأين هم في كل عهد؟
لا يبلغون مداك في
شوقي وإيثاري وحمدي
وقبول ما تقضيه من
عطف ومن تيه وصد
والعض من تلك الثنا
يا الناشطات إلى التعدي
وطويل حقد لا يطو
ل هنيهة وقصير حقد
وفنون هزل لا تزا
ل تجد فيها أي جد
وعناد رأي لا يلي
ن ولا يكف عن التحدي
وتغاضب يجدي إذا
كان التوسل ليس يجدي
أنا عالم هذا وذا
ك وبالغ في العلم جهدي
لكن أراك سحرتني
فإذا بعلمي زاد ودي •••
عش يا موفق دائم الت
وفيق مقرونا بسعد
مستمتعا بحنان أم
برة وأب وجد
حتى نراك تشق مض
مار الدهاء بغير ند
جهد الحكاية أن تدا
ري في غد ما أنت مبد
إلى طبيب العيون الدكتور نصر فريد
قل لآسي العيون نصر فريد
قد عرفناك هادي الهاديين
رب عين هديتها لضياء
وضياء تهديه طوعا لعين
كل من حاد منهما قومته
نظرة منك فاهتدى بعد أين
عجبي من زجاجة تنتقيها
فإذا الكون مشرق الصفحتين
أين شأن الزجاج من ذاك لولا
نور علم يضيء في الخافقين
تحية موسيقية إلى ملك العراق
اقترحتها إحدى الفرق الغنائية لإنشادها في رحلة إلى بغداد:
غازي قلوب الشعب بالكرم
والفضل والتدبير والحسنى
غازي العدى بالبأس والهمم
حسنت طوالع سعدك اليمنى
أحييت في بغداد للدنيا
عهدا كعهد أخيك مأمون
تحيا وشعبك دائما يحيا
في موطن بهداك مأمون •••
دم يا إمام العرب مشتملا
بالملك في عز وإقبال
واجعل شباب العرش متصلا
في مجده بشبابك الغالي
القلم المسروق
زاملني في السجن ذاك القلم
1
وناله ما نالني من قسم
ومس من فكري وأسراره
ما رامه الناس وما لم يرم
فرب معنى ما وعاه سوى
ريشته ثم انطوى فانحسم
وكم له من حصة ترتضى
فيما جرى من أدب أو حكم
وكم له من نفحة كالصبا
وكم له من لفحة كالضرم
وكم له من زهر مجتنى
وكم له من ثمر ملتهم
سجل ما سجل من رحمة
أو نقمة مرت بأرض الهرم •••
ورب مسكين قضى حقه
وغاشم أحصى عليه اللمم
أعززته عن حلية تقتنى
وصنته عن غاليات القيم
ولي أخ يذكرني بالنعم
فقلت أجزي بعض تلك النعم
فلم أجد أنفس منه لمن
محضني قلبا نفيس الشيم
قد صان ما أكتب في صدره
فغير بدع أن يصون القلم
يظل يستوحيه في كل ما
أوحى ويرعاه كرعي الذمم
رعاه في أمن إلى أن قضى
عليه بالفقد قضاء حتم
فغاله منه لصوص لهم
من كل عين فرصة تغتنم
في يوم حشر حافل المزدحم
ضلت به العين مكان القدم
قد نام عنه لمحة في الضحى
فبات في ليلته لم ينم •••
أما وقد فارقتنا يا قلم
وصالح اليأس عليك الألم
فخير ما أرجوه أن لا ترى
في كف خوان ولا متهم
ولا تخط الجهل في صفحة «أبيض» ما فيها سواد الحمم
ولا تكن يا قلمي آلة
تشتمني باللغو فيمن شتم
فتنظم الحكمة لي من هنا
ومن هنا تنحى على من نظم
بدأت في الأوج فلا تنحدر
إلى حضيض الذل في المختتم
شبيه القلم المفقود
شبيه القلم المفقو
د في لون وفي حجم
وفي البائع والشاري
وفي الصنعة والرسم
ستغنيني إذا استغني
ت بعد الروح بالجسم
أو استغنى بتمثال
فؤاد الأب والأم
إذا عزاهما عن را
حل عزى على رغم
وقد يسلى إلى حين
وفي السلوة ما يدمي
رثاء
رثاء غانم
كان الأستاذ غانم محمد صديق صاحب الديوان يزوره يوم عيد الفطر، ثم طاف ببعض إخوانه، ورجع إلى بيته، فما استقر لحظة بين أبنائه وآله حتى أصابته نوبة قلبية قضت عليه - رحمه الله - وهو في عنفوان أيامه، فلم تمض بين تهنئته ونعيه غير ساعات:
أكان وداعا يوم صافحت غانما
وهنأته بالعيد والعيد يسخر!
فيا ويح للداعين في غفلة المنى
يرجون طول العمر والعمر مدبر
ويا ويح للأبناء يا خير والد
وقد روعوا في وكرهم حين بشروا
أذاك صياح العيد أم أنا سامع
صياح يتامى في الحمى تتفطر؟
تلاحق في تلك الثغور كلاهما
فيا هول ما نصغي إليه وننظر
وددت وقد ضن البشير بصدقه
لو ان نذيرا بالمساكين يعبر
أغانم إني في مصابك ذاهل
قليل التعزي سافر الحزن مضمر
بذلت دموعي في بكاك رخيصة
ومثلك من يبكى ويرثى ويذكر
أفي كل يوم تبصر العين غانما
ومن أين؟ والأخلاق في الناس تندر
عرفت «أبا فتح» تولاه ربه
أخا في وغى الأيام لا يتقهقر
وفيا إذا شاع الوفاء وإنه
عليه إذا عز الوفاء لأقدر
كريما إذا صال العداة وزمجروا
كريما إذا خان الصحاب وقصروا
صبورا على ضر الغريم وإنه
على الضر من ظلم الصديق لأصبر
ضليعا بأعباء الأمور إذا ونى
مدبر أمر أو أساء مقدر
أخوك «أمين»
1
فرق العام منكما
صفيين لم يفرقهما ما يكدر
على موعد العام لقصير التقيتما
فليتك من يسهو ومن يتأخر
سلام الخصال الصالحات عليكما
وحمد المعالي والثناء المعطر
ولا زال في دار المعارف منكما
صنيع على الأيام يروي ويشكر
على أطلال الدنيا
إذا انطوت الدنيا لم يبق من أبنائها أحد، فليس هناك خسارة، وليس هناك من يشعر بالخسارة.
وإذا شهد للدنيا شاهد بالخير، فإنما يكون هذا الشاهد من أبنائها، وإنما يشهد بما أعطته وأغدقت عليه، وإنما شهادته نفسها عطية من عطاياها وكلمة من لسانها، فليست هي بالشهادة المقبولة.
وإذا حسبنا ما للدنيا وما عليها فالنتيجة صفر؛ لأن النتيجة هي العدم:
قضيت الآن يا دنيا فقري
لمن أرثيك؟ ويحك! لست أدري
فما أنجبت غير ذويك نسلا
وهم تبعوك في أعماق قبر
وماذا فيك من ذخر جميل
لعين «المستقل» المستقر
أراك كما اشتهى الأحياء طرا
فأما الميتون فلست أدري
وكنت على ضيائك أنت مرأى
وسيما في عيون بنيك يسري
فأما الآخرون فما استهلوا
عليك ولا رأوك بعين حر
إليك ومنك من وجدوك حينا
ومن فقدوك بعد ضياع عمر
حسبنا جانبيك على استواء
فيا لك حسبة ختمت بصفر
ناپیژندل شوی مخ