البحر : طويل
لئن ثلمت حدي صروف النوائب
فقد أخلصت سبكي بنار التدارب
وفي الأدب الباقي ، الذي قد وهبنني
عزاء من الأموال عن كل ذاهب
فكم غاية أدركتها غير جاهد
وكم رتبة قد نلتها غير طالب
وما كل وان في الطلاب بمخطىء
ولا كل ماض في الأمور بصائب
سمت بي إلى العلياء نفس أبية
ترى أقبح الأشياء أخذ المواهب
بعزم يريني ما أمام مطالبي ،
وحزم يريني ما وراء العواقب
وما عابني جاري سوى أن حاجتي
أكلفها من دونه للأجانب
وإن نوالي في الملمات واصل
أباعد أهل الحي قبل الأقارب
وليس حسود ينشر الفضل عائبا
ولكنه مغرى بعد المناقب
وما الجود إلا حلية مستجادة ،
إذا ظهرت أخفت وجوه المعائب
مخ ۱
لقد هذبتني يقظة الرأي والنهى
إذا هذبت غيري ضروب التجارب
وأكسبني قومي وأعيان معشري
حفاظ المعالي وابتذال الرغائب
سراة يقر الحاسدون بفضلهم
كرام السجايا والعلى والمناصب
إذا جلسوا كانوا صدور مجالس
وإن ركبوا كانوا صدور مواكب
أسود تغانت بالقنا عن عرينها ،
وبالبيض عن أنيابها والمخالب
يجودون للراجي بكل نفيسة
لديهم سوى أعراضهم والمناقب
إذا نزلوا بطن الوهاد لغامض
من القصد ، أذكوا نارهم بالمناكب
وإن ركزوا غب الطعان رماحهم
رأيت رؤوس الأسد فوق الثعالب
فأصبحت أفني ما ملكت لأقتني
به الشكر كسبا وهو أسنى المكاسب
وأرهن قولي عن فعالي كأنه
عصا الحارث الدعمي أو قوس حاجب
مخ ۲
ومن يك مثلي كامل النفس يغتدي
قليلا معاديه كثير المصاحب
فما للعدى دبت أراقم كيدهم
إلي ، وما دبت إليهم عقاربي
وما بالهم عدوا ذنوبي كثيرة
ومالي ذنب غير نصر أقاربي
وإني ليدمي قائم السيف راحتي
إذا دميت منهم حدود الكواعب
وما كل من هز الحسام بضارب .
ولا كل من أجرى اليراع بكاتب
وما زلت فيهم مثل قدح ابن مقبل
بتسعين أمسى فائزا غير خائب
فإن كلموا منا الجسوم ، فإنها
فلول سيوف ما نبت في المضارب
وما عابني أن كلمتني سيوفهم
إذا ما نبت عني سيوف المثالب
ولما أبت إلا نزالا كماتهم
درأت بمهري في صدور المقانب
فعلمت شم الأرض شم أنوفهم ،
وعودت ثغر الترب لثم الترائب
مخ ۳
بطرف ، علا في قبضه الريحث ، سابح ،
له أربع تحكي أنامل حاسب ،
تلاعب أثناء الحسام مزاحه ،
وفي الكريبدي كرة غير لاعب
ومسرودة من نسج داود نثرة
كلمع غدير ، ماؤه غير ذائب
وأسمر مهزوز المعاطف ذابل ،
وأبيض مسنون الغرارين قاضب
إذا صدفته العين أبدى توقدا ،
كأن على متنيه نار الحباجب
ثنى حده فرط الضراب ، فلم يزل
حديد فرند المتن رث المضارب
صدعت به هام الخطوب فرعنها
بأفضل مضروب وأفضل ضارب
وصفراء من روق الأراوي نحيفة ،
غذا جذبت صرت صرير الجنادب
لها ولد بعد الفطام رضاعه
يسر عقوقا رفضه غير واجب
إذا قرب الرامي إلى فيه نحره
سعى نحوه بالقسر سعي مجانب
مخ ۴
فيقبل في بطء كخطوة سارق ،
ويدبر في جري كركضة هارب
هناك فجأت الكبش منهم بضربة
فرقت بها بين الحشى والترائب
لدى وقعة لا يقرع السمع بينها
بغير انتداب الشوس أو ندب نادب
فقل للذي ظن الكتابة غايتي ،
ولا فضل لي بين القنا والقواضب
بحد يراعي أم حسامي علوته ،
وبالكتب أرديناه أم بالكتائب
وكم ليلة خضت الدجى ، وسماؤه
معطلة من حلي در الكواكب
سريت بها ، والجو بالسحب مقتم ،
فلما تبدى النجم قلت لصاحبي :
اصاح ترى برقا أريك وميضه
يضيء سناه أم مصابيح راهب
بحرف حكى الحرف المفخم صوتها
سليلة نجب ألحقت بنجائب
تعاف ورود الماء إن سبق القطا
إليه ، وما أمت به في المشارب
مخ ۵
قطعت بها خوف الهوان سباسبا ،
إذا قلت تمت أردفت بسباسب
يسامرني في الفكر كل بديعة
منزهة الألفاظ عن قدح عائب
ينزلها الشادون في نغماتهم ،
وتحدو بها طورا حداة الركائب
فأدركت ما أملت من طلب العلا ،
ونزهت نفسي عن طلاب المواهب
ونلت بها سؤلي من العز لا الغنى ،
وما عد من عاف الهبات بخائب
مخ ۶
البحر : طويل
ألست ترى ما في العيون من السقم ،
لقد نحل المعنى المدفق من جسمي
وأضعف ما بي بالخصور من الضنا ،
على أنها من ظلمها غصبت قسمي
وما ذاك إلا أن يوم وداعنا
لقد غفلت عين الرقيب على رغم
ضممت ضنا جسمي إلى ضعف خصرها
لجنسية كانت له علة الضم
ربيبة خدر يجرح اللحظ خدها ،
فوجنتها تدمى وألحاظها تدمي
يكلم لفظي خدها إن ذكرته ،
ويؤلمه إن مر مرآه في وهمي
إذا ابتسمت ، والفاحم الجعد مسبل ،
تضل وتهدي من ظلام ومن ظلم
تغزلت فيها بالغزال ، فأعرضت ،
وقالت : لعمري هذه غاية الذم
وصدت ، وقد شبهت بالبدر وجهها
نفارا ، وقالت صرت تطمع في شتمي
وكم قد بذلت النفس أخطب وصلها ،
وخاطرت فيها بالنفيس على علم
مخ ۷
فلم تلد الدنيا لنا غير ليلة
نعمت بها ثم استمرت على العقم
فيا من أقامتني خطيبا لوصفها ،
أرصع فيها اللفظ في النثر والنظم
خذي الدر من لفظي فإن شئت نظمه
وأعوز سلك للنظام فها جسمي
ففيك هدرت الأهل والمال والغنى
ورتبة دست الملك والجاه والحكم
وقلت لقد أصبحت في الحي مفردا ،
صدقت ، فهلا جاز عفوك في ظلمي
ألم تشهدي أني أمثل للعدى
فتسهر خوفا أن تراني في الحلم
فكم طمعوا في وحدتي فرميتهم
بأضيق من سم وأقتل من سم
وكم أججوا نار الحروب وأقبلوا
بجيش يصد السيل عن مربض العصم
فلم يسمعوا إلا صليل مهندي ،
وصوت زئيري بين قعقعة اللجم
جعلتهم نهبا لسيفي ومقولي ،
فهم في وبال من كلامي ومن كلمي
مخ ۸
تود العدى لو يحدق اسم أبي بها ،
والا تفاجا في مجال الوغي باسمي
تعدد أفعالي ، وتلك مناقب ،
فتذكرني بالمدح في معرض الذم
ولو جحدوا فعلي مخافة شامت
لنم عليهم في جباههم وسمي
فكيف ولم ينسب زعيم لسنبس
إلى المجد إلا كان خالي أو عمي
وإن أشبهتهم في الفخار خلائقي
وفعلي فهذا الراح من ذلك الكرم
فقل للأعادي ما انثنيت لسبكم ،
ولا طاش في ظني لغدركم سهمي
نظرنا خطاياكم ، فأغريتم بنا ،
كذا من أعان الظالمين على الظلم
أسأتم ، فإن أسخط عليكم فبالرضى ،
وإن أرض عنكم من حيائي فبالرغم
لجأت إلى ركن شديد لحربكم ،
أشد به أزري وأعلي به نجمي
وظلت كأني أملك الدهر عزة ،
فلا تنزل الأيام إلا على حكمي
مخ ۹
بأروع مبني على الفتح كفه ،
إذا بنيت كف اللئيم على الضم
ملاذي جلال الدين نجل محاسن ،
حليف العفاف الطلق والنائل الجم
فتى خلقت كفاه للجود والسطا ،
كما العين للإبصار والأنف للشم
له قلم فيه المنية والمنى ،
فديمته تهمي وسطوته تصمي
يراع يروع الخطب في حالة الرضى ،
ويضرم نار الحرب في حالة السلم
وعضب كأن الموت عاهد حده ،
وصال ، فأفنى جرمه كل ذي جرم
فيا من رعانا طرفه ، وهو راقد ،
وقد قلت النصار بالعزم والحزم
يد الدهر ألقتنا إليك ، فإن نطق
لها ملمسا أدمى براجمها لثمي
أطعتك جهدي ، فاحتفظ بي فإنني
لنصرك لا ينفل جدي ولا عزمي
فإن غبت ، فاجعل لي وليا من الأذى ،
وهيهات لا يغني الولي عن الوسمي
مخ ۱۰
البحر : بسيط تام
سلي الرماح العوالي عن معالينا ،
واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
وسائلي العرب والأتراك ما فعلت
في أرض قبر عبيد الله أيدينا
لما سعينا ، فما رقت عزائمنا
عما نروم ، ولا خابت مساعينا
يا يوم وقعة زوراء العراق ، وقد
دنا الأعادي كما كانوا يدينونا
بضمر ما ربطناها مسومة ،
إلا لنغزو بها من بات يغزونا
وفتية إن نقل أصغوا مسامعهم ،
لقولنا ، أو دعوناهم أجابونا
قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة ،
يوما ، وإن حكموا كانوا موازينا
تدرعوا العقل جلبابا ، فإن حميت
نار الوغى خلتهم فيها مجانينا
إذا ادعوا جاءت الدنيا مصدقة ،
وإن دعوا قالت الأيام : آمينا
إن الزرازير لما قام قائمها ،
توهمت أنها صارت شواهينا
مخ ۱۱
ظنت تأني البزاة الشهب عن جزع ،
وما درت أنه قد كان تهوينا
بيادق ظفرت أيدي الرخاخ بها ،
ولو تركناهم صادوا فرازينا
ذلوا بأسيافنا طول الزمان ، فمذ
تحكموا أظهروا أحقادهم فينا
لم يغنهم مالنا عن نهبش أنفسنا ،
كأنهم في أمان من تقاضينا
أخلوا المساجد من أشياخنا وبغوا
حتى حملنا ، فأخلينا الدواوينا
ثم انثنينا ، وقد ظلت صوارمنا
تميس عجبا ، ويهتز القنا لينا
وللدماء على أثوابنا علق
بنشره عن عبير المسك يغنينا
فيا لها دعوه في الأرض سائرة
قد أصبحت في فم الأيام تلقينا
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا
أن نبتدي بالأذى من ليس يوذينا
بيض صنائعنا ، سود وقائعنا ،
خضر مرابعنا ، حمر مواضينا
مخ ۱۲
لا يظهر العجز منا دون نيل منى ،
ولو رأينا المنايا في أمانينا
ما أعزتنا فرامين نصول بها ،
إلا جعلنا مواضينا فرامينا
إذا جرينا إلى سبق العلى طلقا ،
إن لم نكن سبقا كنا مصلينا
تدافع القدر المحتوم همتنا ،
عنا ، ونخصم صرف الدهر لو شينا
نغشى الخطوب بأيدينا ، فندفعها ،
وإن دهتنا دفعناها بأيدينا
ملك ، إذا فوقت نبل العدو لنا
رمت عزائمه من بات يرمينا
عزائم كالنجوم الشهب ثاقبة
ما زال يحرق منهن الشياطينا
أعطى ، فلا جوده قد كان عن غلط
منه ، ولا أجره قد كان ممنونا
كم من عدو لنا أمسى بسطوته ،
يبدي الخضوع لنا ختلا وتسكينا
كالصل يظهر لينا عند ملمسه ،
حتى يصادف في الأعضاء تمكينا
مخ ۱۳
يطوي لنا الغدر في نصح يشير به ،
ويمزج السم في شهد ويسقينا
وقد نغض ونغضي عن قبائحه ،
ولم يكن عجزا عنه تغاضينا
لكن تركناه ، إذ بتنا على ثقة ،
إن الأمير يكافيه فيكفينا
مخ ۱۴
البحر : كامل تام
لمن الشوازب كالنعام الجفل ،
كست حلالا من غبار الفسطل
يبرزن في حلل العجاج عوابسا ،
يحملن كل مدرع ومسربل
شبه العرائس تجتلى ، فكأنها
في الخدر من ذيل العجاج المسبل
فعلت قوائمهن عند طرادها
فعل الصوالج في كرات الجندل
فتظل ترقم في الصخور أهلة
بشبا حوافرها ، وإن لم تنعل
يحملن من آل العريض فوارسا
كالأسد في أجم الرماح الذبل
تنشال حول مدرع بجنانه ،
فكأنه من بأسه في معقل
ما زال صدر الدست ، صدر الرتبة ال
علياء ، صدر الجيش ، صدر المحفل
لو أنصفته بنو محاسن ، إذ مشوا ،
كانت رؤوسهم مكان الأرجل
بينا تراه خطيبهم في محفل
رحب ، تراه زعيمهم في جحفل
مخ ۱۵
شاطرته حرب العداة لعلمه
أني كنانته التي لم تنثل
لما دعتين للنزال أقاربي ،
لباهم عني لسان المنصل
وابيت من أني أعيش بعزهم
وأكون عنهم في الحروب بمعزل
وافيت في يوم أغر محجل ،
أغشى الهياج على أغر محجل
ثار العجاج فكنت أول صائل ،
وعلا الضرام فكنت أول مصطل
فغدا يقول كبيرهم وصغيرهم :
لا خير فيمن قال إن لم يفعل
سل ساكني الزوراء والأمم التي
حضرت ، وظللها رواق القسطل
من كان تمم نقصها بحسامه ،
إذ كل شاك في السلاح كأعزل
أو من تدرع بالعجاجة عندما
نادى منادي القوم : يا خيل احملي
تخبرك فرسان العريكة أنني
كنت المصلي بعد سبق الأول
مخ ۱۶
ما كان ينفع من تقدم سبقه ،
لو لم تتممها مضارب منصلي
لكن تقاسمنا عوامل نحوها ،
فالاسم كان له ، وكان الفعل لي
وبديعة نظرت إلي بها العدى
نظر الفقير إلى الغني المقبل
واستثقلت نطقي بها ، فكأنما
لقيت بثالث سورة المزمل
حتى انثنت لم تدر ماذا تتقي ،
عند الوقائع ، صارمي أم مقولي
حملوا علي الحقد حتى أصبحت
تغلي صدروهم كغلي المرجل
إن يطلبوا قتلي ، فلست ألومهم ،
دم شيخهم في صارمي لم ينصل
ما لي أسترها ، وتلك فضيلة ؟
الفخر في فصد العدو بمنجل
قد شاهدوا من قبل ذاك ترفعي
عن حربهم ، وتماسكي وتجملي
لما أثاروا الحرب قالت همتي :
جهل الزمان عليك إن لم تجهل
مخ ۱۷
فالآن حين فليت ناصية الفلا ،
حتى تعلمت النجم تنقلي
أضحى يحاولني العدو ، وهمتي
تعلو على هام السماك الأعزل
ويروم إدراكي ، وتلك عجيبة ،
هل يمكن الزرزور صيد الأجدل
قل لليالي : ويك ما شئت اصنعي
بعدي ، وللأيام ما شئت افعلي
حسب العدو بانني أدركته ،
لما وليت ، وفته لما ولي
سأظل كل صبيحة في مهمه ،
وأبيت كل عشية في منزل
وأسير فردا في البلاد ، وإنني
من حشد جيش عزائمي في جحفل
أجفو الديار ، فإن ركبت وضمني
سرج المطهم قلت : هذا منزلي
لا تسمعن بأن أسرت مسلما ،
وإذا سمعت بأن قتلت فعول
ما الاعتذار ، وصارمي في عاتقي ،
إن لم يكن من دون أسري مقتلي
مخ ۱۸
ما كان عذري إن صبرت على الأذى ،
ورضيت بعد تدللي بتذللي
فإذا رميت بحادث في بلدة
جرد حسامك صائلا ، أو فارحل
فلذاك لا أخشى ورود منيتي ،
وأرى ورود الحتف عذب المنهل
فإذا علا جدي فقلبي جنتي ،
وإذا دنا أجلي فدرعي مقتلي
ما تهت بالدنيا ، إذا هي أقبلت
نحوي ، ولا آسى ، إذا لم تقبل
وكذاك ما وصلت فقلت لها اقطعي
يوما ، ولا قطعت فقلت لها صلي
صبرا على كيد العداة لعلنا
نسقي أخيرهم بكأس الأول
يا عصبة فرحوا بمصرع ليثنا ،
ماذا أمنتم من وثوب الأشبل
قوم يعزون النزيل ، وطالما
بخل الحيا ، وأكفهم لم تبخل
يفنى الزمان ، وفيه رونق ذكرهم ؛
يبلى القميص ، وفيه عرف المندل
مخ ۱۹
البحر : وافر تام
ولما مدت الأعداء باعا ؛
وراع النفس كرهم سراعا
برزت ، وقد حسرت لها القناعا ،
أقول لها ، وقد طارت شعاعا
من الأبطال ويحك لا تراعي ~
كما ابتعت العلاء بغير سوم ،
وأحللت النكال بكل قوم
ردي كأس الفناء بغير لوم ،
فإنك لو سألت بقاء يوم
على الأجل الذي لك لم تطاعي ~
فكم أرغمت أنف الضد قسرا ،
وأفنيت العدى قتلا وأسرا
وأنت محيطة بالدهر خبرا ،
فصبرا في مجال الموت صبرا
فما نيل الخلود بمستطاع ~
إذا ما عشت في ذل وعجز ،
فهل للنفس غيري من معز
مخ ۲۰