درسونه فلسفي اسلامي
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
ژانرونه
5
ثم تزامن النقل المعنوي والتأليف حتى منتصف القرن الرابع، ثم استمر التأليف وحده حتى القرن السابع، أما في عصرنا الحاضر فإننا بدأنا النقل عن الغرب منذ ما يزيد على قرنين من الزمان أي منذ أكثر من أربعة أجيال ولم يتم حتى الآن إبداع. وإذا كان هناك تأليف فهو تجميع للنقل وإعادة تبويب وعرض له. ولما كان معدل التأليف عند الآخر أعلى بكثير وأسرع من معدل النقل عند الأنا؛ أصبحنا نجري وراء الغير لاهثين بدعوى اللحاق بركب الحضارة، وساعدنا بأيدينا على نقل العلوم من المركز إلى المحيط كأحد مظاهر السيطرة من خلال الهيمنة الثقافية. (6)
وقد قامت الترجمة بفضل ديوان الحكمة، أي بفضل الدولة ومؤسساتها، وكانت عملا منظما ومختارا ومقصودا، لا تخشى مذهبا، ولا تستبعد مؤلفا، ولا تصادر كتابا. وقد تم ذلك في بدايات نهضتنا الحالية على يد الطهطاوي ومدرسة الألسن. وفي كلتا المرحلتين كان هناك نقلة ومراجعون، وكانت الدولة تقوم بالنشر والتوزيع ثم بالتطبيق المباشر لهذا التراث العلمي في أجهزة الدولة خاصة في الجيش وقطاعات الصناعة والزراعة والتعليم. وكان النقل في الحالتين بداية من العلوم خاصة الطب والكيمياء؛ نظرا لحاجة الدولة إلى علاج الجند وإلى صناعة السلاح، ولكن في جلينا قامت الدولة باختيار النصوص التي تتفق مع هواها واستبعاد نصوص أخرى بدعوى التوجيه المعنوي والإرشاد الوطني والإعلام الحزبي. (7)
كان المترجمون الأوائل نصارى يعيشون بين المسلمين. كانوا مزدوجي الثقافة، نصارى العقيدة ولكن مسلمي الثقافة. لم يكونوا رسل ثقافة الآخر إلى الذات، بل كانوا رسل ثقافة الذات إلى الآخر. لم يكونوا على هوامش المجتمع، أقلية مقهورة في مواجهة أغلبية قاهرة، بل كانوا في قلب المجتمع على قدم المساواة بين جميع الطوائف والملل، لم يكونوا غرباء على الأمة دخلاء على ثقافتها، بل كانوا أصحاب حق ينبعون من صميم الثقافة العربية، كانوا مواطنين من الدرجة الأولى، زينة مجالس الخلفاء من أطباء ورياضيين وفلكيين وفلاسفة وأدباء ونحاة وظرفاء وفقهاء ومتكلمين. لم يكن القصد إيجاد ازدواجية في الثقافة، بين موروث ووافد، بين ثقافة الأنا وثقافة الآخر، بل كانت الغاية تقديم ثقافة الآخر للأنا؛ من أجل القضاء على الازدواجية الثقافية. كانوا عربا لغة، ومسلمين تصورا، وإن كانوا نصارى أو يهودا عقيدة، وهذا عكس ما حدث في عصرنا عندما كان نصارى الشام المحدثون يشعرون بالأقلية في مواجهة الأغلبية ، على هامش المجتمع وليس في قلبه، كان ولاؤهم أقرب إلى ثقافة الآخر منه إلى ثقافة الأنا. فالأولى أكثر علمية وعقلانية وإنسانية، في حين أن الثانية أكثر خرافة وصوفية وإلهية. قاموا بدور الوكلاء لثقافات الآخر ومذاهبه عند الأنا، وكونوا بؤرا ثقافية هامشية منعزلة من خلال مدارس التبشير والجامعات الأجنبية. فنشأت ازدواجية ثقافية بين ثقافة الأنا وثقافة الغير والتي كان هدف المترجمين الأوائل في المرحلة الأولى تجاوزها والقضاء عليها.
تعثرت الفلسفة في جيلنا؛ لأنها لم تع تماما النشأة الأولى كقراءة للآخر من خلال الذات للقضاء على ازدواجية الثقافة، ثم نشأت في المرحلة الثانية كنقل لثقافة الآخر عند الأنا، وفي العصر الذي نحاول فيه التحرر من جميع أشكال السيطرة والهيمنة الثقافية.
سادسا: تطور الفلسفة: من الشرح والتلخيص إلى العرض
والتأليف
بعد أن نشأت الفلسفة ابتداء من النقل ظهرت حركة ثانية هي الشرح والتلخيص من أجل تجاوز النص المنقول والتعبير عن مضمونه بأسلوب عربي خالص. وهما متلازمان، وإن كان أحدهما يبدو زمانيا قبل الآخر أحيانا. قد ينشأ التلخيص قبل الشرح في الزمان، سواء في حياة الجماعة أو في عمر الفرد الواحد، وقد ينشأ الشرح قبل التلخيص لما في الشرح من إسهاب وتفصيل ولما في التلخيص من تركيز. والغالب أنهما متلازمان ومتبادلان، يظهران في كل عصر ويقوم بهما كل فيلسوف،
1
علاقة التلخيص بالشرح مثل علاقة التركيب بالتحليل. فالتخليص مثل التركيب، والشرح مثل التحليل. وقد كانا عمليتين متلازمتين متجاورتين متزامنتين منذ نشأة الفلسفة حتى نهايتها، تعبران عن بنية الفكر وليس عن مجرد تطوره في مراحله أو في مراحل عمر الفيلسوف.
ناپیژندل شوی مخ