دراسات فلسفية غربية
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
ژانرونه
مقدمة
متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟
أولا: مقدمة
ثانيا: ما الفلسفة؟
ثالثا: الفلسفة والسلطة
رابعا: الفلسفة والمذهب
خامسا: الفلسفة والابتسار
سادسا: الفلسفة والعقل
سابعا: الفلسفة والمنهج
ثامنا: الفلسفة والعلوم الإنسانية
ناپیژندل شوی مخ
تاسعا: الفلسفة والتاريخ
عاشرا: خاتمة
الصراع بين الكليات الجامعية عند كانط1
أولا: نشأة الجامعات في أوروبا
ثانيا: الصراع بين الكليات الجامعية عند كانط
ثالثا: الصراع بين كلية الفلسفة وكلية اللاهوت
رابعا: الصراع بين كلية الفلسفة وكلية الحقوق
خامسا: الصراع بين كلية الفلسفة وكلية الطب
فلسفة التاريخ عند فيكو1
أولا: مقدمة: نشأة فلسفة التاريخ
ناپیژندل شوی مخ
ثانيا: ماذا يعني «العلم الجديد للطبيعة المشتركة بين الأمم»؟
ثالثا: المبادئ العامة لفلسفة التاريخ
رابعا: الحكمة الشعرية
خامسا: المراحل الثلاث لتطور البشرية
سادسا: خاتمة: حدود فلسفة التاريخ عند فيكو
الاغتراب الديني عند فيورباخ1
أولا: مقدمة: جوهر المسيحية
ثانيا: الجوهر الحقيقي أي أنثروبولوجيا الدين
ثالثا: الجوهر الزائف، أي ثيولوجيا الدين
ثورة الجماهير عند أورتيجا إي جاسيه1
ناپیژندل شوی مخ
أولا: الكتاب، والأسلوب، والمنهج، والنسق
ثانيا: الإنسان الجماهيري
ثالثا: انهيار الغرب
مدرسة «تاريخ الأشكال الأدبية»1
أولا: المقدمة
ثانيا: نشأة «نقد الأشكال الأدبية»
ثالثا: المبادئ الأولية والمسلمات العامة
رابعا: الأشكال الأدبية عند ديبليوس
خامسا: الأشكال الأدبية عند بولتمان
سادسا: تاريخ الأشكال الأدبية وحياة عيسى
ناپیژندل شوی مخ
سابعا: تطور المدرسة والردود على الاعتراضات
قراءة النص1
أولا: مقدمة: من النقل إلى الإبداع
ثانيا: ماذا تعني قراءة النص؟
ثالثا: ما هو النص؟
رابعا: ضرورة النص
خامسا: هل هناك معنى موضوعي للنص؟
سادسا: متغيرات النص
سابعا: ثوابت النص
ثامنا: الإحالة إلى الذات
ناپیژندل شوی مخ
تاسعا: خاتمة: القراءة إبداع
علم المستقبليات
أولا: مقدمة
ثانيا: الاتجاه نحو الماضي والإعداد للمستقبل في تراثنا القديم
ثالثا: التحول من الماضي والاتجاه نحو المستقبل وصياغة التقدم في التراث الغربي
رابعا: حيرة الحاضر في وجداننا القومي، في أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟
خامسا: حساب الماضي، وأزمة الحاضر، وهموم المستقبل في الوعي الأوروبي
سادسا: خاتمة
مقدمة
متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟
ناپیژندل شوی مخ
أولا: مقدمة
ثانيا: ما الفلسفة؟
ثالثا: الفلسفة والسلطة
رابعا: الفلسفة والمذهب
خامسا: الفلسفة والابتسار
سادسا: الفلسفة والعقل
سابعا: الفلسفة والمنهج
ثامنا: الفلسفة والعلوم الإنسانية
تاسعا: الفلسفة والتاريخ
عاشرا: خاتمة
ناپیژندل شوی مخ
الصراع بين الكليات الجامعية عند كانط1
أولا: نشأة الجامعات في أوروبا
ثانيا: الصراع بين الكليات الجامعية عند كانط
ثالثا: الصراع بين كلية الفلسفة وكلية اللاهوت
رابعا: الصراع بين كلية الفلسفة وكلية الحقوق
خامسا: الصراع بين كلية الفلسفة وكلية الطب
فلسفة التاريخ عند فيكو1
أولا: مقدمة: نشأة فلسفة التاريخ
ثانيا: ماذا يعني «العلم الجديد للطبيعة المشتركة بين الأمم»؟
ثالثا: المبادئ العامة لفلسفة التاريخ
ناپیژندل شوی مخ
رابعا: الحكمة الشعرية
خامسا: المراحل الثلاث لتطور البشرية
سادسا: خاتمة: حدود فلسفة التاريخ عند فيكو
الاغتراب الديني عند فيورباخ1
أولا: مقدمة: جوهر المسيحية
ثانيا: الجوهر الحقيقي أي أنثروبولوجيا الدين
ثالثا: الجوهر الزائف، أي ثيولوجيا الدين
ثورة الجماهير عند أورتيجا إي جاسيه1
أولا: الكتاب، والأسلوب، والمنهج، والنسق
ثانيا: الإنسان الجماهيري
ناپیژندل شوی مخ
ثالثا: انهيار الغرب
مدرسة «تاريخ الأشكال الأدبية»1
أولا: المقدمة
ثانيا: نشأة «نقد الأشكال الأدبية»
ثالثا: المبادئ الأولية والمسلمات العامة
رابعا: الأشكال الأدبية عند ديبليوس
خامسا: الأشكال الأدبية عند بولتمان
سادسا: تاريخ الأشكال الأدبية وحياة عيسى
سابعا: تطور المدرسة والردود على الاعتراضات
قراءة النص1
ناپیژندل شوی مخ
أولا: مقدمة: من النقل إلى الإبداع
ثانيا: ماذا تعني قراءة النص؟
ثالثا: ما هو النص؟
رابعا: ضرورة النص
خامسا: هل هناك معنى موضوعي للنص؟
سادسا: متغيرات النص
سابعا: ثوابت النص
ثامنا: الإحالة إلى الذات
تاسعا: خاتمة: القراءة إبداع
علم المستقبليات
ناپیژندل شوی مخ
أولا: مقدمة
ثانيا: الاتجاه نحو الماضي والإعداد للمستقبل في تراثنا القديم
ثالثا: التحول من الماضي والاتجاه نحو المستقبل وصياغة التقدم في التراث الغربي
رابعا: حيرة الحاضر في وجداننا القومي، في أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟
خامسا: حساب الماضي، وأزمة الحاضر، وهموم المستقبل في الوعي الأوروبي
سادسا: خاتمة
دراسات فلسفية (الجزء الثاني)
دراسات فلسفية (الجزء الثاني)
في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
تأليف
ناپیژندل شوی مخ
حسن حنفي
مقدمة
كتب هذا الجزء الثاني، في «الفكر الغربي المعاصر» من «دراسات فلسفية» أيضا بعد انقلاب الثورة المصرية على نفسها وتحولها إلى ثورة مضادة، وانقسام ثقافة الأمة إلى تيارين متخاصمين: السلفية والعلمانية، ليس فقط في مصر بل في الوطن العربي.
كتب المقالان الأول والأخير: «متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟» «علم المستقبليات» بعد أن عزمت مجلة عالم الفكر في الكويت إصدار عدد خاص بعنوان «هل ماتت الفلسفة؟» وكان السؤال يحتوي مسبقا على إجابة متضمنة غير معلنة. فآثرت طرح السؤال بطريقة أصح ومحايدة «متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟» فالفلسفة ابنة عصرها وموقف فلاسفته. كما فكرت وزارة الإعلام في نفس القطر إنشاء مجلة ثقافية جديدة إما «عالم الغد» لعلم المستقبليات أو «المعرفة العالمية» لتنشر آخر صيحات الفكر الغربي المعاصر. ولما فضلت الأولى كتبت افتتاحيتها «علم المستقبليات» أو عالم الغد بين الأمس واليوم، ولكن «المعرفة العالمية» هي التي وقع عليها الاختيار ترويجا للثقافة الغربية، ودرءا لمخاطر السلفية.
وكتب المقالان الثاني والثالث: «الصراع بين الكليات الجامعية عند كانط» و«فلسفة التاريخ عند فيكو» مساهمة في العددين الخاصين لمجلة «الفكر العربي» ببيروت؛ الأول عن الجامعة، والثاني عن فلسفة التاريخ.
وكتب المقالان الرابع والخامس: «الاغتراب الديني عند فيورباخ» و«ثورة الجماهير عند أورتيجا أي جاسيه» من أجل الحد من الاغتراب الديني عند السلفيين، جعل الدين مجرد عقائد وشعائر وحدود بعيد عن القضايا الاجتماعية والسياسية، ودعوة إلى ثورة الجماهير التي استكانت ورضيت بالثورة المضادة، باستثناء ثورات الطلبة في 1972م، والانتفاضة الشعبية في يناير 1977م، وحركة الأمن المركزي في يناير 1986م.
أما المقالان السادس والسابع: «مدرسة الأشكال الأدبية» و«قراءة النص» فيهدفان إلى توجيه العقل العربي نحو تحليل النصوص الدينية تحليلا أدبيا لبيان أشكالها الأدبية مع ضرب المثل بالإنجيل، وقراءة النص قراءة عصرية تجعله حاملا لمطالب العصر دون كسر اتساق الخطاب العقلي.
حسن حنفي
القاهرة، مدينة نصر، يونيو 1995م
متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟
ناپیژندل شوی مخ
أولا: مقدمة
الفلسفة مثل الكائنات الحية تموت وتحيا. فهي إبداع إنساني يتخلق عندما تتهيأ له ظروفه وينقرض تماما عندما تتغير هذه الظروف، وتحل محلها ظروف أخرى مضادة لا يقوى الكائن الحي الوليد على مقاومتها والتكيف معها حتى يضمن لنفسه البقاء والاستمرار. والتاريخ شاهد على ذلك. فهو هذا المعمل الذي تقام فيه التجارب الحية وتنشأ فيه الأجنة التي تولد والتي تحيا . وهو السجل الذي يدون فيه الموتى والأحياء، والمحفوظ دائما في صدور الناس في وعيهم بالتاريخ وفي إدراكهم لقوانين حركته. وشروط الحياة أو الموت ليست ظروفا تاريخية مجردة عن الحياة الإنسانية التي تتسم بحرية النظر والعمل دون أن تكون أسيرة للظروف وخاضعة لها خضوعا آليا حتميا، ولكن باجتماع هذين العنصرين: حتمية التاريخ وحرية الإنسان، تموت الفلسفة وتحيا. ويأتي السؤال عن الموت قبل السؤال عن الحياة. فحياة الفلسفة شيء طبيعي طالما أن الإنسان ما زالت به حياة، وطالما أن الحياة تعني حرية الفكر والنظر، والقدرة على البحث والتقصي، وطالما أن الدنيا ما زالت قائمة، وطالما وجد فيها إنسان واحد يتنفس أو يعقل؛ فالعقل كما قال القدماء: إحدى قوى النفس، والنفس أحد مظاهر الحياة، ولكن الغريب أن تموت الفلسفة والحياة باقية، وهناك إنسان حي عاقل على وجه الأرض. إن موت الفلسفة يعني نهاية الحياة وعدم قدرة الإنسان على المقاومة، واستعمال حريته، وعجزه عن خلق الظروف التي تعيد له وللفلسفة الحياة. وهذا الافتراض تنكر لوجود الإنسان وفاعليته في الحياة. حياة الفلسفة هي الأساس وموتها هو العرض، حياتها هي القاعدة وموتها هو الاستثناء، حياتها هي الطبيعي المألوف وموتها هو الشاذ الغريب.
وليس السؤال: هل ماتت الفلسفة؟ فهي تموت بطبيعة الأحوال وتغير الظروف، وبالوجود الإنساني ذاته الذي قد يمارس حريته ويستعمل عقله وقد لا يمارس أو يستعمل. ويشهد بذلك أيضا تاريخ الفكر الإنساني ولحظات موت الفلسفة ولحظات حياتها، ولكن السؤال هو: متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟ متى يحدث لها أن تموت، وفي أي ظروف تحيا؟ فالسؤال ليس مجردا بل هو سؤال في الزمان وفي التاريخ داخل الحضارات البشرية ودوراتها؛ وبالتالي فلا توجد إجابة واحدة عامة ومطلقة وشاملة بل هناك إجابات تاريخية محددة في لحظات تاريخية معينة وفي أوضاع اجتماعية وسياسية بعينها تصدر عن مدى وعي الأفراد والجماعات بحركة التاريخ وبقوانين مساره. والسؤال عن الزمان هو في حد ذاته سؤال عن العلة، فالعلة توجد في التاريخ، لحظة زمانية أو مرحلة تاريخية تكمن فيها العلة وتتحد معها؛ ومن ثم كان الحديث عن الزمان والتاريخ هو حديث عن العلل والأسباب. ولا يوجد موت نهائي للفلسفة بل هناك إمكانية بعث لها وعودة الحياة إليها. فالظروف متغيرة، وحرية الإنسان دائمة ومستمرة حتى لو اعتراها الوهن والضعف في بعض اللحظات. لا يوجد موت إلا ويتلوه بعث، ولا توجد حياة إلا ويصيبها الموت أو الهزال. بل إن كل لحظة موت هي بداية لحظة أخرى لميلاد جديد، تموت الفلسفة وتحيا في دورات وبإيقاع منتظم رتيب مثل ضربات القلب أو دفعات النفس.
وليس السؤال في فعل ماض: هل ماتت الفلسفة؟ بل السؤال في الفعل المضارع: متى تموت الفلسفة، ومتى تحيا؟ فليس المقصود هو الحديث عن التاريخ الماضي ورصد حسابه بل الحديث عن الحاضر وكشف مكوناته. فلعلنا باكتشافنا اللحظة الحاضرة نستطيع أن نرى الماضي بوضوح فالحاضر يقرأ نفسه في الماضي. ولا يوجد ماض يأتي بفعل الزمان، والتاريخ لا يثيره الحاضر ولا يبعثه. الماضي ولى، والحاضر بعث له وإمكانية تحقق. وإذا كان الماضي قد انتهى فإن معاركه ما زالت حاضرة، وصراع الأطراف ما زال قائما. الماضي من تراث الآباء والحاضر من إبداع الأبناء، ولكن في مواقف قد تكون واحدة. فما أشبه الأمس باليوم؛ وبالتالي يكون سؤال: متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟ مسئولية الجيل الحاضر عن موت الفلسفة أو حياتها، وإذا كان الماضي عند البعض سلبا واستلابا ومحايدة، فإن الحاضر عند البعض الآخر التزام ونقد ومقاومة.
ولما كنا نحن الآن في نهاية فترة وبداية أخرى، نتحدث عن الانهيار والنهضة ونذكر الانحطاط والبعث، ونواجه التوقف والاستمرار فمن الطبيعي أن يكون سؤال: متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟ موجها إلينا في جيلنا، واضعا إيانا مع مشكلتنا الجوهرية التي نواجهها منذ عدة أجيال منذ الطهطاوي والأفغاني وشبلي شميل ألا وهي النهضة، شروطها ومقوماتها وطرقها وغاياتها، وكان من الطبيعي الدخول في الزمان في التاريخ فلعلنا نكتشف لدينا وعيا بالزمان وإحساسا بالتاريخ يمكننا من الإجابة على السؤال. وإذا كنا على حافة دورتين حضاريتين؛ الأولى هي التي حددها ابن خلدون ووصف مسارها في المقدمة؛ والثانية هي عصر الانهيار الذي قد شارف على النهاية منذ نهاية القرن الرابع عشر الهجري وبداية الخامس عشر، فإن لدينا التجارب العصرية التي تجعلنا قادرين على رؤية موت فلسفة وحياة أخرى. مجتمعاتنا في لحظات التحول من التقاليد إلى التحرر، ومن التراث إلى التجديد، وفي هذه المرحلة من مسارها يكون السؤال ذا دلالة، وتحمل الإجابة عليه تجربة حضارية لمجتمعاتنا الناهضة قد تساعدنا على تقوية وعينا باللحظة التاريخية الراهنة.
لذلك كان من الطبيعي أن يكون المنهج المتبع هو منهج تحليل التجارب الشعورية لجيلنا والتي يعيشها المفكر أو الفيلسوف، وهو المنهج الذي تمت صياغته باسم المنهج «الوصفي» أو المنهج «الظاهرياتي» أو المنهج «الفينومينولوجي» في التراث الغربي في الفينومينولوجيا المعاصرة.
1
وقد كان متبعا من قبل في تراثنا القديم خاصة في علوم التصوف وفي علم أصول الفقه وإلى حد ما في علوم الحكمة،
2
وهو أيضا المنهج الذي يطبقه كل المفكرين على غير وعي منهم سواء كانوا علماء أو فلاسفة أو حتى أدباء وفنانين، فلا شيء يحدث في الخارج إلا ويحدث في الشعور، ولا شيء يتم إدراكه في الخارج إن لم يتم إدراكه في الشعور، وهو المنهج الذي يستعمله بسطاء الناس وعامتهم في حياتهم اليومية في إدراكهم وتعبيرهم وتحديد مواقفهم. فالإنسان لا يستطيع أن يفهم أي موضوع إلا من خلال التجربة. والموضوع تجربة معاشة في شعور الإنسان لا يستطيع أن يفهمه إلا إذا أدرك دلالته أو معناه، ولما كانت التجارب البشرية مطردة وقوانين التاريخ وتطور المجتمعات واحدة، فإنه يمكننا فهمها بصرف النظر عن اختلاف العصور والأجيال، فنحن قادرون على تذوق الآداب القديمة وفهم الفلسفات الماضية وإدراك المواقف الإنسانية للعصور السابقة. فالماهيات واحدة، والمعاني قائمة ومستقلة عن حواملها التاريخية، ويمكن إدراكها بالحدس، يكفي إعادة بناء الموقف، وعيش التجربة واتحاد الذات بموضوعها. ويتفق على حدس الماهيات عديد من الباحثين والقراء على السواء دون ما خلاف على النتائج. وتلك تطابق الحكم الصوري مع الواقع المادي. فهذا التطابق ادعاء لا وجود له لأن الحكم والواقع لا يوجدان إلا في التجربة المعاشة ؛ فالصدق في التحليل والبداهة في الإدراك هما مقياسان لصحة تطبيق هذا المنهج في مثل هذا الموضوع: متى تموت الفلسفة ومتى تحيا؟ وقد قام هوسرل واضع هذا المنهج بتطبيقه في نفس الموضوع متسائلا عن إفلاس
ناپیژندل شوی مخ
Bankrott
الفلسفة على يد الحسيين التجريبيين من أمثال هيوم، وكيف يمكن زيادة رصيدها.
3
بل إنه لا يكاد يخلو فيلسوف واحد من وضع هذا السؤال، كل على طريقته ولتدعيم مذهبه. ولكن هوسرل هو الذي وضع السؤال على مستوى الوعي الأوروبي كله. فالموت والحياة ظاهرتان للوعي التاريخي الفردي والحضاري، وليس على مستوى معين صوري أو مادي أو وجودي.
ولما كان كل باحث اليوم ذا شعور مغترب نظرا لسيادة الحضارة الأوروبية وانتشارها خارج حدودها فإنه يجد نفسه لا محالة بصدد تحليل الشواهد والأمثلة التاريخية من داخل الحضارة الأوروبية وكأن الغرب هو العالم كله، وكأن تاريخ الفكر الأوروبي هو تاريخ الفكر الإنساني، وكأن الحضارة الأوروبية خاصة في العصور الحديثة هي الممثلة الوحيدة للحضارات البشرية كلها؛ في مصر والصين وفارس وما بين النهرين وفي أفريقيا وفي خليج المكسيك. وحرصا على هذا التحرر من هذا التحيز الحضاري المسبق، ونحن ما زلنا ضحيته، فإن الشواهد والأمثلة التاريخية ستعمم وتتنوع قدر الإمكان حتى تشمل أكبر قدر ممكن من الحضارات الأخرى وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية التي تكون مخزوننا النفسي ورصيدها الفلسفي، والتي ما زلنا نعيشها وتعيش فينا حتى الآن.
4
ولما كان الباحث ذو الوعي المتحرر من الغرب لم يع بما فيه الكفاية إحدى دوائره الحضارية الكبرى وهي دائرة الشرق، فذلك لأن الغرب ما زال يمثل لنا التحدي الأكبر ليس فقط عسكريا واقتصاديا بل ثقافيا وحضاريا، ويكفينا في جيلنا التخلص من آثاره، ويكفينا تحجيمه ورده داخل حدوده حتى يحدث التوازن في وعينا القومي بين حضارتنا وحضارات الغير في الغرب أولا ثم في الشرق ثانيا.
ثانيا: ما الفلسفة؟
ما هي الفلسفة تلك التي تموت وتحيا؟ وما تعريفها؟ (1)
هل الفلسفة هي البحث الخالص عن الحقيقة المجردة؟ هذا التعريف في حقيقة الأمر نظري أكثر منه واقعي؛ إذ لا توجد حقيقة مجردة بل توجد حاجات ومطالب وأهداف وبواعث وأوضاع اجتماعية محددة في عصور وأمكنة معينة. المجرد لا وجود له في الذهن ولا في الواقع لأنه معاش في تجربة أولا بما في ذلك المفاهيم الرياضية والتصورات المنطقية. ولم يكن هناك على مدى الفكر البشري أي بحث مجرد عن الحقيقة حتى ولو أعلن الفيلسوف ذلك لأن الشمول مطلب إنساني يتجاوز به الإنسان حدوده الفردية والاجتماعية والتاريخية، لذلك كانت الفلسفات الصينية - وفي مقدمتها الكونفوشيوسية - فلسفات عملية مرتبطة بسعادة الإنسان على الأرض ونعيمه في هذه الدنيا. كما وجه الإسلام الذهن البشري نحو منافع الأمة ومصالحها وعدم السؤال عن أشياء لا نفع منها أو يأتي منها ضرر:
ناپیژندل شوی مخ
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين (المائدة: 101-102). فالسؤال لا يجوز إلا إذا كان فيه نفع عملي. وقد قال علماء أصول الفقه قديما: إن كل سؤال لا ينتج عنه أثر عملي فإنه يكون عاريا عن العلم.
1
وكثير من الأسئلة له إجابات عملية وليست نظرية، وكما في الأثر عندما سئل الرسول عن الساعة قال: «فاستعد لها.» كما رفضت الفلسفات العملية في الغرب هذا البحث النظري المجرد من أجل التوجيه العملي في الحياة. لقد ارتبط هذا التعريف للفلسفة باليونان عامة وبالطبقة الأرستقراطية - طبقة الأحرار - خاصة وهي التي كفاها العبيد مئونة العيش وتدبير حياتها المادية من عمل وكد ورزق وإعداد للأعمال المنزلية. فبدأت في البحث عن طبائع الأشياء وأصلها بحثا مجردا صرفا لا غاية له ولا هدف إلا الحقيقة ذاتها لملء أوقات الفراغ. كما استمر هذا التعريف أيضا عند بعض فلاسفة التنوير مثل لسنج صاحب القول المأثور: «لو أن الله أمسك بالحقيقة كلها في يده اليمنى، والبحث الدائب عن الحقيقة في اليسرى كي أقع دائما في الأخطاء وقال لي: أيهما تختار؟ فإنني بكل تواضع أختار اليد اليسرى قائلا: أبي، هب لي هذا، فالحقيقة المطلقة لك وحدك.»
2
وقد كان ذلك رد فعل على الدجماطيقية والمعطيات المسبقة والحقائق الجاهزة من السلطتين الدينية والسياسية أو من العرف والتقاليد، ثقة بقدرة الإنسان على اكتشاف الحقائق بجهده الإنساني الخالص حتى يطمئن إلى ذاته وإلى قدرته على إعطاء العالم غطاء نظريا من وضعه بعد أن انهارت كل الأغطية النظرية الموروثة التي دافعت عنها الكنيسة والدولة إلى آخر رمق. وكان الثمن دماء المفكرين الأحرار والعلماء التي سالت من أجل البحث عن الحقيقة والبرهنة عليها بشهادة الحس والتجربة وبدليل العقل والبرهان. وقد عبر هوسرل عن هذا التعريف أخيرا بأن الفلسفة هي البحث عن الحقيقة النظرية المجردة الخالصة وأن موضوعها المثالي هو نقطة أرشميدس أي الموضوع النظري المجرد الذي لا وجود له في الواقع. فطالما ارتبطت الفلسفة بالنواحي العملية الدينية أو الأخلاقية ولم تكن بحثا نظريا مجردا فإنها لا تكون فلسفة؛ ومن ثم لم يعرف الشرق القديم الفلسفة بهذا المعنى. بل إن سقراط نفسه ليس فيلسوفا لأنه ربط بحثه النظري بالأخلاق العملية، وعلى هذا النحو يكون الغرب وحده - ببحثه النظري المجرد - هو القادر على التفلسف، ويكون أفلاطون هو نموذج الفيلسوف في نظرية المثل؛ موضوعات عقلية صورية مفارقة للطبيعة الحسية المادية. إن تطور الحضارة الأوروبية وبناءها إنما يتحدد بالبحث النظري المجرد. وقد تحول ذلك إلى غائية وقصد حضاري. بل إن العمل ذاته، أي كل ما يتعلق بالإرادة والرغبات والميول، يتم البحث فيه بحثا نظريا خالصا مجردا كما أراد كانط في «نقد العقل العملي» من أجل البحث عن الأسس النظرية للعمل؛ لذلك كان ليبنتز نموذج الفيلسوف بتحويله العالم إلى رياضيات شاملة يمكن معرفتها بقوانين العقل ذاتها وأولياته.
3
وقد كرر ماكس فيبر الشيء نفسه، وجعل التعقيل أو التنظير
Rationalization
ميزة خاصة للغرب على باقي الحضارات. فقد نشأ لديه تقسيم العمل واكتشف قوانين الطبيعة واخترع الحاسبات الآلية، وقد وصل هذا الاعتزاز عند فيبر بهذا التنظير إلى حد العنصرية.
4
ناپیژندل شوی مخ
ولم ينشأ لدينا في تراثنا القديم ولا نهضتنا المعاصرة هذا الاتجاه للبحث النظري المجرد باسم الفلسفة أو البحث عن الحقيقة ؛ فقد ارتبطت الفلسفة لدينا بالدين وبالشريعة أي بسعادة الإنسان في الدارين. كما ارتبطت المعرفة بالسعادة والفلسفة بالأخلاق، بل إن وضع الحكمة في أعلى الفضائل إنما لإعطائها الإنسان السعادة والخير. هكذا كان الحال في علوم الحكمة وعلوم التصوف لدينا. أما علم أصول الدين فالحقيقة فيه منزلة من عند الله، من النبوة والوحي لغاية عملية، وفي علم أصول الفقه الحقيقة فيه عملية وليست نظرية أي الحرص على المصالح العامة والمنافع الدنيوية. (2)
هل الفلسفة هي فن الحياة والتكيف مع مطالبها ومقتضياتها من أجل البقاء والحرص على المنافع الخاصة والعامة دون طرح أي سؤال نظري؟ هل هي مجرد تسهيل للأمور، وتذليل للصعاب، وحل للمشاكل من أجل سير الحياة؟ ولكن البراجماتية ذاتها كانت رد فعل على الفلسفة باعتبارها بحثا عن الحقائق النظرية المجردة التي لا أثر لها في الحياة العملية؛ لذلك أسقطت من حسابها موضوع البحث النظري الخالص. وهو أيضا موقف برجسون من العقل والبحث النظري بل والدين الثابت
Statique ، فالهدف من ذلك كله هو التكيف مع الحياة. فالتصورات النظرية عند برجسون مجرد ظلال وأشباح للواقع، وليست الواقع نفسه الذي يتكيف الإنسان معه ويدركه بالحدس الوجداني، مجرد شيكات أو حوالات أو أذونات للصرف وليست رصيدا حقيقيا وثروة فعلية.
5
والحقيقة أنه يصعب تناول مشكلة العمل دون النظر، فالنظر هو أساس العمل؛ لذلك كتب كانط «نقد العقل العملي» لبحث المسائل النظرية لموضوعات العمل والسلوك، كما أن الاتجاهات العملية في الفلسفات كلها لم تسقط من حسابها البحث النظري، فسقراط كان يبحث عن المبادئ النظرية العامة للسلوك العملي. وكذلك كان أفلاطون وأرسطو. وظل الحال كذلك في العصر الوسيط بصرف النظر عن صواب هذه المبادئ النظرية أو خطئها (الخطيئة، الخلاص، الفداء ... إلخ). كما بحث ديكارت موضوع الصواب والخطأ في التأملات في الفلسفة الأولى وكذلك فعل اسبينوزا في «الأخلاق». بل إن «البراجماتية» عند «مل» تقوم على أساس تجريبي وهو بحث نظري وإن اختلف المنهج، ويقوم على استقصاء للعلل كما هو الحال عند علماء أصول الفقه في تراثنا، وهناك الاتجاهات العملية عند شيلر
F. C. S. Shiller
وبيرس
Ch. Pierce ، وبلوندل، وكلها تؤسس العمل على البحث النظري سواء في العلوم الإنسانية أو في العلوم الرياضية والطبيعية أو في العقيدة الدينية، بل إن الوجودية ذاتها، باعتبارها رد فعل على الفلسفات النظرية المجردة، لم تغفل الأسس النظرية للسلوك الفردي الاجتماعي كما هو واضح في «نقد العقل الجدلي» عند سارتر.
6
لقد انتهت الفلسفة عند اليونان بعد أن سادت الفلسفة بعد أرسطو المدارس الأخلاقية العملية كالرواقية والأبيقورية، وتحولت الفلسفة إلى بحث في السعادة واللذة وممارسات عملية في جماعات وحلقات دون طرح الأسس النظرية لهذا البحث. كما ماتت الفلسفة في أمريكا بعد النزعة البراجماتية الخالصة كما هو الحال عند وليم جيمس وجون ديوي، ما دامت الحقيقة هي مقدار ما تحدث من أثر في الحياة العملية. وأصبح يضرب بالمجتمع الأمريكي كله المثل في النزعة العملية وفي سطحية الفكر لولا هجرة بعض المفكرين الأوروبيين والقيام بحركة ثقافية علمية لطرح السؤال النظري.
ناپیژندل شوی مخ
7 (3)
هل الفلسفة تفكير على الدين، وتأييد لعقائده وخدمة له، وفهم لنصوصه؟ لقد ارتبطت الفلسفة منذ نشأتها بالدين، وخرجت من المعابد والكنائس واشتغل بها رجال الدين. بل إن الفلسفة قد تكون تطورا طبيعيا للدين كما يقول بعض فلاسفة التاريخ مثل كونت في قانون الحالات الثلاث، وأن موضوع الفلسفة الأول وهو الوجود المطلق، هو بعينه موضوع الدين الأول وهو الله. وأن وسيلة المعرفة في الفلسفة - أي العقل أو الحدس - هي بعينها وسيلة المعرفة في الدين وهو الوحي أو الإيمان أو النبوة أو الإلهام بالرغم مما قد يبدو بين الوسيلتين من اختلاف عند البعض، ومن اتفاق عند البعض الآخر. وأن غاية الدين وهي النجاة في الدنيا والآخرة، هي بعينها غاية الفلسفة وهي الحصول على السعادة؛ ومن ثم كان الدين والفلسفة متفقين في الموضوع والمنهج والغاية. وقد ظهر ذلك بشكل واضح في تراثنا القديم عند الفلاسفة المسلمين. فالفلسفة والدين عند الكندي متفقان في الموضوع والغاية وإن اختلفا في المنهج، وعند ابن سينا طريقان يؤديان إلى نفس الغاية كما وضح من قصة «حي بن يقظان»، وعند ابن رشد: الفلسفة بالنسبة للشريعة هي الأخت الرضيعة، المتحدتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر والغريزة، وإنما يكمن الخلاف بينهما في الظاهر، ومن هنا أتت ضرورة التأويل. ويعظم الخلاف بينهما عند العامة التي لا تقدر على التأويل، وعند رجال الدين الذين يدافعون عن مناصبهم المزورة ويضطهدون الحكماء الذين يكشفون عيوبهم. بل إن غاية الفيلسوف هي بيان هذا الاتفاق بين الشريعة والحكمة، وبين الدين والفلسفة.
8
وقد وضح هذا الاتجاه أيضا لدى آباء الكنيسة الأوائل خاصة عند جيستان الذي كان يرى سقراط مسيحيا؛ فالفلسفة هي محبة الحكمة، والمسيحية هي المحبة، ومن ثم فلا خلاف بين الفيلسوف والمسيحي. وقد استمر هذا التيار أيضا في الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط عندما بدأ الجدل يسيطر على اللاهوت عند بيرانجيه التوري، ونيقولا الأمياني، واستمر عند أبيلار. كما ظهر بوضوح عند الرشديين اللاتين وفي مقدمتهم سيجر البرابنتي وغيره من تلاميذ المسلمين. كما ظهر في العصر الحديث كله ابتداء من ديكارت والديكارتيين خاصة اسبينوزا الذي أمكنه استنباط كل حقائق الإيمان من العقل الخالص. وقد بلغ ذلك الذروة عند هيجل عندما تحول الدين إلى فلسفة، والتثليث إلى جدل، والقيامة إلى تاريخ. كما تحولت الفلسفة إلى دين، والمطلق إلى إله، والعقل إلى وحي. لم يعد هناك فرق بين الفلسفة والدين ... وكلاهما تحققان للفكرة، ومظهران للمطلق؛ ومن ثم لحق هيجل بتراثنا الفلسفي القديم الذي أصبح فيه النبي هو الفيلسوف والفيلسوف هو النبي.
9
ولكن ارتباط الفلسفة بالدين جعلها خادمة له وأفقدها القدرة على التفكير المستقل وحرية البحث. أصبحت الفلسفة خادمة للدين ومبررة له مما أحدث رد فعل عنيفا للفلسفة التي أصبحت عند البعض الآخر في مواجهة الدين، ومعارضة له. فبدل أن كانت خادمة للدين أصبحت سيدة له. حينئذ يتحول الدين إلى مجرد خرافات وأساطير من الناحية النظرية وإلى شعائر وطقوس من الناحية العملية، وإلى سلطة ومؤسسات وهيئات من الناحية التنظيمية، وتصبح الفلسفة هي الحامل للواء العقل والحرية والعمل، تعيد الإنسان إلى العالم بعد أن استلبه الدين خارجا عنه كما ظهر ذلك بوضوح عند فيورباخ في «جوهر المسيحية».
10
وقد ظهر هذان الاتجاهان نفسهما في تراثنا القديم؛ الأول يريد جعل الفلسفة خادمة للدين كما وضح عند الأشاعرة بجعلهم النقل أساس العقل؛ والثاني جعل الفلسفة مستقلة عن الدين كما وضح عند المعتزلة بجعلهم العقل أساس النقل. وقد ظهر رد الفعل على الاتجاه الأول عند ابن الرواندي وعند الرازي؛ ولذلك لم تحفظ مؤلفاتهما خاصة عن النبوة، وما زلنا حتى الآن في حركاتنا الإصلاحية الأخيرة وفي نهضاتنا المعاصرة نتصور ارتباط الفلسفة بالدين كما هو الحال في «الجوانية».
11 (4)
هل الفلسفة تفكير على العلم، وتأمل في نتائجه وحل لمشاكله وتبن لمنهجه ونظر في موضوعاته؟ لقد ارتبطت الفلسفة دائما بالطبيعة وهي ميدان العلم وموضوعه الأول منذ الطبيعيين الأوائل عند اليونان. بل إن العلم ذاته قد نشأ من ثنايا فلسفة الطبيعة ثم ساعد على ازدهارها بعد نشأته. كانت فلسفة الطبيعة مادة للعلماء كما كان العلم مادة لفلاسفة الطبيعة. وازدهرت الفلسفة الطبيعية في القرن التاسع عشر بانتصار العلم وإثر الاكتشافات العلمية الهائلة، واكتشاف علوم الحياة بالإضافة إلى علوم الطبيعة، وبعد نظرية التطور وأثرها على التصور العلمي للحياة وللكون، وفي هذا القرن نشأت فلسفة علمية، تختار من العلم المنهج الدقيق لا الموضوع الطبيعي، فاقتصرت الفلسفة على تحليل اللغة، وتحولت إلى علم مضبوط. كما تحولت فلسفات الطبيعة إلى أطر نظرية للمذاهب الاشتراكية كما هو الحال عند ماركس وأنجلز، أو إلى أسس ميتافيزيقية لفلسفات الوجود كما هو الحال عند هيدجر وبقية الطبائعيين الأوائل قبل سقراط، أو عند ميرلوبونتي وبرجسون واعتمادهما على الطبيعة البشرية من خلال علم النفس وعلوم الحياة بوجه عام.
ناپیژندل شوی مخ
12
وقد أصبح العلم الطبيعي لدينا منذ القرن الماضي، عند شبلي شميل ويعقوب صروف ونقولا حداد وولي الدين يكن، وفي هذا القرن عند سلامة موسى وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا، أحد طرق النهضة وأهم شروطها نظرا لما يسود مجتمعاتنا من خرافة وأساطير ومحرمات لا يمكن الاقتراب منها. وأصبح تكوين فلسفة علمية أحد طرق الإصلاح، إحكاما لاستعمالنا للغة، وتوجيها لوعينا نحو الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية واستخداما للعقل بطريقة تحليلية.
13
وبالرغم من إنجازات الفلسفة الطبيعية ونجاحها في القضاء على التصورات النظرية التي لا أساس لها في العقل أو في الطبيعة وصياغة منهج تجريبي علمي دقيق استطاع القضاء على كل الأفكار الموروثة والعقائد المسبقة والأحكام المبتسرة والتحيزات والأهواء، إلا أن الفلسفة فقدت استقلالها، وأصبحت تجري وراء العلم أينما ذهب، وضاع من الفلسفة روح التأمل والتساؤل، وغابت منها الحيرة والظنون والافتراضات، وتحولت إلى مذهب دجماطيقي يرفض كل تأمل يخرج عن حدود العلم ويتهمه بالخرافة والميتافيزيقا. وفي النهاية حل العلم محل الفلسفة، وأصبحت الفلسفة إحدى مراحل التفكير البشري بعد الدين وقبل العلم. ولم يعد لدى الإنسان أي مجال للتأمل النظري الخالص، إن لم يشأ العلم فعليه بالدين أو الفن يجد فيهما متعته ومبتغاه. (5)
هل الفلسفة تفكير على الفن؟ لقد ارتبطت الفلسفة أيضا منذ نشأتها بالفن كما ارتبطت بالدين وبالعلم. وكان التفكير في الجمال أحد مصادر التفكير الفلسفي، فالإنسان البدائي فنان قبل أن يكون فيلسوفا، الفن لغة وتعبيرا أكثر بدائية من الفلسفة التي تحتاج إلى تنظير وتعقيل وترتيب ومنطق وحجة وبرهان. وقد تساءل الفلاسفة قديما عن معنى الفن والجمال. ولا يوجد فيلسوف إلا ويتوج مذهبه بنظرية في الفن أو يطبقه في الجمال. وقد فام الفلاسفة أنفسهم بوضع نظريات علم الجمال أحد فروع الفلسفة. خصص له أفلاطون محاورة «فيدروس»، وجعل أرسطو كتاب «الشعر» أحد كتب المنطق. وكتب أوغسطين كتابا في «الموسيقى». وفي مرحلة المذاهب الفلسفية في العصور الحديثة خصص له كانط أحد كتبه النقدية الثلاثة «نقد ملكة الحكم» وأيضا «ملاحظات حول الجميل والجليل»، وتبعه في ذلك شيلر في «التربية الجمالية للإنسان»، كما طبق هيجل مذهبه في «دروس في الجمال» وتبعه شوبنهور حيث جعل الفلسفة تفكيرا على الفن والحياة. ولا يخلو فيلسوف معاصر إلا ويتطرق إلى الفن؛ فقد كتب ماركس وأنجلز في «الفن والأدب»، وجعل كيركجارد «الجمال» أولى مراحل الحياة. كما ارتبط الجمال بالحياة وبدفعاتها الحيوية عند جويو وبرجسون ونيتشه، وبالتأمل الروحي عند تولستوي. وتحول إلى فلسفة خالصة عند سوزان لانجر وكولنجوود وسوريو وسارتر وهيدجر، فالصورة الفنية وعمل الخيال هما الوظيفتان الأساسيتان للفلسفة.
14
ومع ذلك فالفن مجرد وسيلة للتعبير وليس فكرة وإن كان تجسيدا للفكرة. هو مجرد أسلوب في التعبير عن الدين أو الفلسفة أو العلم أحيانا وليس فكرا. والإدراك الجمالي أحد أنواع الإدراك مثل الإدراك الحسي والإدراك العقلي والحدس الفلسفي؛ ومن ثم يكون رد الفلسفة إلى الجمال هو رد للكل إلى الجزء وإغفال للمضمون من أجل الصورة وتضحية بالشيء المعبر عنه من أجل وسيلة التعبير. (6)
هل الفلسفة تفكير على العلوم الإنسانية مثل الاجتماع والسياسة والاقتصاد والتاريخ والقانون؟ هل هي تفكير على ظروف كل عصر وأحوال كل مجتمع؟ هل هي تعبير عن روح العصر التي تظهر في العلوم الإنسانية؟ مما لا شك فيه أن الفلسفة تعبير عن ظروف كل عصر. تنشأ فيها، وتعبر عنها، وتؤثر فيها خاصة عندما تدخل الأفكار الفلسفية في نسق متكامل وتصبح «أيديولوجيا»؛ وبالتالي فهي مجرد تفكير على العلوم الإنسانية لما كانت هذه العلوم هي التي تعكس روح العصر. وبالفعل لا يوجد فيلسوف إلا وطبق مذهبه في السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو التاريخ أو القانون. فهناك «جمهورية أفلاطون» و«القوانين» وكتاب «السياسة» لأرسطو، و«دستور أثينا» و«مدينة الله» لأوغسطين، و«رسالة في اللاهوت والسياسة» لاسبينوزا، و«مشروع السلام الدائم» لكانط، و«فلسفة الحق» لهيجل، و«أسطورة الدولة» لكاسيرر، و«القنبلة الذرية ومستقبل الإنسانية» لياسبرز، و«الإنسانية والرعب» لميرلوبونتي، و«نقد العقل الجدلي» لسارتر، و«الإنسان ضد الإنساني» لجابريل مارسل، و«فكرة السلام» لشيلر، و«العقل والثورة» لماركيوز. كما لا يوجد فيلسوف إلا وتوج مذهبه في موضوعات السياسة والاجتماع أو الاقتصاد؛ فقد كتب مارسل البادوي «المدافع عن السلام»، وهوبز «الإنسان والمواطن»، وميكيافيلي «الأمير»، وروسو «العقد الاجتماعي»، ومونتسكيو «روح القوانين»، ومور «يوتوبيا»، وكرمويل «الكنيسة والدولة»، وبيرك «في الثورة»، وهيوم «كتابات سياسية»، ومل «الحكومة النيابية»، وبوزانكويه «فكرة الدولة»، وباكونين «الله والدولة» وأورتيجا «ثورة الجماهير»، وديوي «الديموقراطية». بل إن «رسل» قد خصص ربما نصف إنتاجه الفلسفي للموضوعات الاجتماعية والسياسية مثل «المجتمع الإنساني في الأخلاق والسياسة»، «مبادئ النظام الاجتماعي»، «التربية والنظام الاجتماعي»، «آفاق جديدة لعالم متغير»، «الحرية ضد النظام»، «السلطة والفرد»، «الطرق إلى الحرية»، «السلطة»، «جرائم الحرب في فيتنام». بل إنه تحدث في أكثر الموضوعات الاجتماعية شيوعا مثل «الحصول على السعادة»، «الزواج والأخلاق»، «مدح الجنون». بل إن هناك فلاسفة قد عرفوا كذلك بنظرياتهم السياسية فقط دون أن تكون لهم أبنية ميتافيزيقية أو مذاهب فلسفية مثل هارنجتون، والقديس جوست، وجوزيف دي ميستر، وجودوين، وبرودون، وماركس، وباكونين، وسولفييف، وكاوتسكي، وتروتسكي وغيرهم. كما ظهر فلاسفة في التاريخ يفكرون في تقدم الشعور وأصبحوا فلاسفة لا يقلون أهمية وأثرا عن الفلاسفة الخلص مثل هردر، وفيكو، وكوندرسيه، وكورنو، وكروتشه، وتوينبي، واشبنجلر، واكتون وغيرهم.
15
ولكن تحولت الفلسفة من هذا النوع عند البعض إلى تفكير طوباوي كما حدث عند مور، وعند دعاة الاشتراكية الخيالية، وأصبحت تعبر عن أماني وتمنيات أكثر مما تعبر عن واقع إنساني. كما تحولت عند البعض الأخير إلى أيديولوجيات تنتهي بالحزبية والتعصب والمذهبية؛ وبالتالي تفقد الفلسفة روح البحث الحر، والقدرة على الحوار. كما تحولت عند فريق ثالث إلى مذاهب سياسية ونظم اقتصادية مثل الرأسمالية والاشتراكية والفوضوية والقومية والنازية والدولية؛ وبالتالي تحولت إلى سلوك عملي تدافع عنه الدولة بالجيش والبوليس، وتفقد الفلسفة قدرتها على النقد الاجتماعي وعلى تغيير الواقع.
ناپیژندل شوی مخ
16
وقد ارتبطت الفلسفة في تراثنا القديم بمثل هذا اللون من الفكر السياسي والاجتماعي، وظهر بصورة واضحة في علوم الفقه والشريعة أكثر مما ظهر في علوم الحكمة، ولكنه لم يكن فلسفة بالمعنى النظري بل تكييفا للسلوك العملي وتنظيما للحياة العامة. كما ارتبط فكرنا الإصلاحي الأخير بهذا اللون من التفكير السياسي والاجتماعي حتى أصبح هو الغالب على فكرنا القومي، فالتيارات الفكرية الثلاثة في فكرنا المعاصر: الديني والعلماني والقومي، كلها بدأت من الإصلاح والنهضة وتغيير الواقع الاجتماعي، وأعطت الأولوية للعلوم العملية على العلوم النظرية، وحاولت الدعوة إلى تأسيس علوم اجتماعية تنهض بحال الأمة وتعينها على النهضة.
17
ومع ذلك فإن اعتبار الفلسفة تفكيرا في المجتمع وبحثا في علومه يجعلها باستمرار وراء أحداث العصر غير قادرة على تجاوزها. فالعصر إحدى لحظات التاريخ ، والمجتمع إحدى حلقاته، والفلسفة وحدها هي القادرة على رؤية قوانينه الثابتة؛ لذلك ارتبطت الفلسفات الاجتماعية بفلسفات التاريخ، الفلسفة هي القادرة على إدراك الثبات من خلال التغير والماهيات المحمولة على الواقع؛ وبالتالي يظل السؤال النظري مطروحا حتى في خضم أحداث التاريخ. (7)
الفلسفة تحليل للتجارب البشرية لمعرفة ماهيتها. وهي تجارب العصر التي تظهر من خلال وعي الأفراد والجماعات بها. وتشترط الوعي اليقظ القادر على تحويل الوقائع إلى تجارب حية دالة يمكن إدراك ماهياتها بالحدس. كما تتطلب قدرة العقل على تحليل الشعور وإدراك المعاني الشاملة فيه؛ ففي الشعور يعمل العقل، وفي التجربة يعيش الواقع، وكلاهما يكونان وعي الإنسان بنفسه وبالعالم. كما تتطلب القدرة على التخلص من الأفكار المسبقة والآراء المنحازة، ووجهات النظر الخاصة، والتحرر من العادات والعرف والتقاليد والأفكار الموروثة حتى يبدأ الشعور العاقل أو العقل الشعوري عملية الإدراك والفهم بداية جديدة على يقين أولي هو الوعي بالذات وبالعالم. وفي الوقت نفسه يكون الشعور قادرا على قلب النظرة ورؤية الماهيات في التجارب الشعورية التي تعيش فيها الوقائع؛ وبالتالي تنتقل الوقائع المادية من المكان إلى تجارب حية في الشعور الداخلي بالزمان. ولما كان الشعور عاما وشاملا فإنه قادر على إدراك الماهيات الشاملة. ولما كان موضوعيا بلا تحيز أو هوى أمكن لشعور آخر إدراك نفس الماهيات، ويكون الاتفاق على الإدراك هو الموضوعية الإنسانية الجديدة أي الوصول إلى نفس الرؤية من فلاسفة عديدين؛ ومن ثم كان الشعور قادرا أيضا على البحث الحر واستقصاء الموضوع، ورؤية الواقع وعيش التجارب، وطرح وجهات النظر وتجريبها ثم جمعها في رؤية واحدة تكون متحدة مع الموضوع ذاته. ويشتد الشعور وينشط بالانتماء إلى وطن، والانتساب إلى جماعة، والولاء لقضية، والسعي نحو مثل أعلى وتحقيق رسالة، وعلى هذا النحو يخرج الشعور من دائرة التأمل الخالص وتحليل الماهيات إلى العالم الإنساني العريض حيث يتم تحويل الماهيات إلى أوضاع اجتماعية ومواقف إنسانية ووعي بالجماهير ومشاركة في حركة التاريخ. فالتاريخ واقع يحيا ، والواقع تاريخ حادث؛ وبالتالي ترتبط الفلسفة بالوعي الفردي والاجتماعي والتاريخي. لا تلعب دور أجيال مضت لتعيد التاريخ إلى الوراء، ولا تلعب دور أجيال قادمة لتقفز على مراحل التاريخ، ولكن تقوم بدور جيلها الحاضر معبرة عن روح العصر ورؤية التاريخ.
18
ثالثا: الفلسفة والسلطة
علاقة الفلسفة بالسلطة علاقة قديمة. فالفلسفة التي تظهر في مجتمع تعلن اكتشاف الفكر، وتبين ما غاب عن الأذهان. ولما كان العرف الشائع والأنظمة الاجتماعية القائمة لا يقومان إلا على العقائد الموروثة التي تكون حينئذ أكبر دعامة للنظام، اصطدم الفكر بالسلطة القائمة، سلطة التقاليد الموروثة أو سلطة النظم الاجتماعية. السلطة واحدة ولكنها تتنوع في الظاهر. أولها سلطة الموروث القديم المتمثل في العقائد والعرف والتقاليد والأفكار الشائعة والعادات وما ألفه الناس. هذا الموروث تتمثله القوى الاجتماعية فيتحول إلى سلطة سياسية تستعمله لاستتباب الأمن والمحافظة على الوضع القائم، وتتمثله السلطة الدينية فيتحول إلى مقياس للعقائد ومعايير للصواب والخطأ. ولما كان رجال الحكم ورجال الدين يشاركون في نفس المصالح أي الدفاع عن الوضع القائم، حدث التعاون بينهما ضد حرية الفكر وضد كسر ما هو مألوف والخروج عما هو شائع وهي مهمة الفلسفة ودور الفيلسوف. وغالبا ما يتم اضطهاد الفلسفة باعتبارها الحامل للفكر الحر في لحظات ضعف السلطة وليس في قوتها رغبة في حماية نفسها ضد المفكرين الأحرار، فتعتمد على السيف في مواجهة الفكر، وتقرع الحجة بالاعتقال، والبرهان بالتعذيب، والدليل بالنفي والطرد. وتكون الغلبة في النهاية لحرية الفكر التي تكشف ضعف السلطة وتضع حدا للطغيان. وغالبا ما تفشل السلطة في القضاء على الفكر كما قال نابليون من قبل إثر هزيمته لألمانيا عسكريا ومواجهة «فشته» له بالفكر: «لقد هزم القلم السيف.» إذ يتخذ الفكر حينئذ ثلاثة اتجاهات: الأول ممالأة السلطة وتبرير قراراتها وهو الفكر الرسمي الذي يسود أجهزة الدولة، والثاني مقاومة السلطة في صورة منشورات وكتابات سرية داخل البلاد أو خارجها، والثالث رجوع الفكر مكتوما في صدور الناس، لا يعبرون عنه إلا في الجلسات الخاصة أو علنا في صورة نكات شعبية أو عند بعض الكتاب في الأدب الرمزي. الفلسفة والسلطة إذن نقيضان، إذا غاب أحدهما حضر الآخر. ويشهد بذلك تاريخ الفكر البشري في الصراع المشهور بين الأنبياء والكتبة، بين الفلاسفة والحكام، بين الصوفية والفقهاء، بين المفكرين الأحرار ورجال الدين، وكأن تاريخ الفكر البشري يتحدد أساسا بصراعه مع السلطة. أحيانا يكون النصر للسلطة والهزيمة للفكر وأحيانا أخرى يكون النصر للفكر والهزيمة للسلطة، وهنا تموت الفلسفة أو تحيا.
1
تموت الفلسفة إذن إذا ما انهزمت أمام السلطة وتخلت عن دورها في التمسك بحرية الفكر، ووظيفة النقد، وضرورة التغيير، وحتمية التقدم. تموت في حكم الطغاة وتنتهي في نظم الإرهاب ولو إلى حين حتى ينتصر الفكر وينتهي الطغيان. وأكبر شاهد على ذلك حال الفلسفة في عصر آباء الكنيسة ثم في العصر الوسيط حتى عصر النهضة وبدايات العصر الحديث. فقد كانت هناك عدة اتجاهات في عيش المسيحية والإحساس بها وصياغة عقائدها منذ الحواريين حتى قبل العصر الرابع، عصر التقنين ومجمع نيقيا الأول والانتهاء إلى صياغة واحدة للعقيدة، واعتبار كل ما خالفها كفر ومروق وزندقة وهرطقة. فضاعت فرص اعتبار المسيح عيسى بن مريم إنسانا لا ألوهية فيه كما قال أريوس، وضاعت فرصة التأكيد على الحرية الإنسانية كما قال بلاجيوس، وضاعت فرصة إقامة الدين الوطني المناهض للاستعمار كما حاول دوناتوس. واستمر الحال كذلك حتى العصر الوسيط وخروج دفعة ثانية من الفلاسفة العقلانيين وفي مقدمتهم أبيلار وأنصار ابن رشد اللاتيني دفاعا عن التوحيد وعن سلطة العقل فكان جزاؤهم السجن والتشريد. واشتد الأمر حتى أقيمت محاكم التفتيش، ونصبت قوائم الكتب الممنوعة، وحوكم العلماء وحرق الفلاسفة بدعوى مناهضة السلطة، سلطة القدماء وسلطة الدين. وأمثلة جاليليو وجيوردانو برونو وغيرهم كثيرة. واستمر اضطهاد السلطة للمفكرين الأحرار فيما بعد عصر النهضة حتى شمل فلاسفة التنوير الذين استطاعوا في نهاية الأمر التحرر من سلطان الكنيسة، وكان ذلك نذيرا أيضا بانتهاء السلطة السياسية وبداية الثورات الشعبية. بل وامتد الاضطهاد حتى القرن الماضي بعد ظهور نظرية التطور عند داروين ومناصبة الكنيسة له العداء، ولكن انتصار العلم بعد انتصار العقل جعل السلطة تتوارى داخل حدودها الطبيعية وعدم خروجها عن ميدان العقيدة.
ناپیژندل شوی مخ