دراسات عن مقدمة ابن خلدون
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
ژانرونه
ولم يتمتع ابن خلدون خلال عمره الطويل ب «حياة الهدوء» بمعناها التام إلا نحو أربعة أعوام؛ وذلك بين أوائل سنة 1375 وأواخر سنة 1378، عندما اعتزل الحياة العامة وانزوى في قلعة ابن سلامة بعيدا عن شواغل المدن وبهارجها.
ولكن مما يلفت النظر أن هذه السنين القليلة التي اعتزل خلالها ابن خلدون الحياة العامة، وتمتع بنعم الهدوء، كانت أثمن وأخصب سني حياته، من حيث النشاط الفكري والإنتاج العلمي؛ لأن المقدمة التي ضمنت له الخلود بين أعاظم رجال الفكر في العالم كانت من نتاج هذه الحياة المنزوية في تلك القلعة النائية.
3
إن مسرح حياة ابن خلدون ونشاطه لم ينحصر بمسقط رأسه تونس، ومثوى رفاته القاهرة، بل شمل معظم أقطار العالم العربي المترامي الأطراف.
غادر ابن خلدون مسقط رأسه تونس وهو في سن العشرين، ولم يعد إليها إلا بعد ستة وعشرين عاما، تنقل خلالها بين مختلف مدن المغرب الأدنى والأقصى والأندلس، لم يمكث فيها بعد هذه العودة إلا أربعة أعوام، انتقل بعدها إلى مصر، وبقي فيها حتى آخر حياته، إلا أنه لم ينقطع عن التنقل بتاتا خلال وجوده في مصر أيضا؛ ذهب مرة إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ومرة إلى القدس لزيارة المقامات المباركة، ومرة إلى دمشق للاشتراك في الدفاع عن المدينة عندما أخذ تيمور يغزو بلاد الشام.
وخلاصة القول: قضى ابن خلدون 24 سنة من حياته في تونس، و26 سنة منها في المغرب الأوسط والأقصى والأندلس، و24 سنة منها في مصر والشام والحجاز.
ولم يبق خارج مسارح حياته ومجالات نشاطه قطرا عربيا غير قلب الجزيرة العربية والعراق.
ولتقدير مبلغ اتساع هذه الأقطار التي عاش وعمل وتنقل فيها ابن خلدون تقديرا صحيحا، يجب علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار حالة «وسائط المواصلة» التي كان يلجأ إليها في ذلك العهد للانتقال من مدينة إلى مدينة ، ومن قطر إلى قطر. يتبين مما ذكره ابن خلدون نفسه في ترجمة حياته أن رحلته من تونس إلى الإسكندرية كانت استوجبت بقاءه على ظهر المركب أربعين ليلة، وانتقاله من الطور إلى ينبع، خلال رحلته إلى الحجاز استغرق شهرا كاملا، كما أن مجيئه من قوص إلى القاهرة - داخل القطر المصري نفسه - خلال عودته من الحج تطلب مدة مماثلة لذلك.
4
إن ظروف حياة ابن خلدون التي لخصناها آنفا ساعدت على توسيع ملاحظاته وتنمية معلوماته مساعدة كبيرة، كما أنها أثرت في تكوين أسلوب تفكيره تأثيرا عميقا.
ناپیژندل شوی مخ