252

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

ژانرونه

فإن البيئة الاجتماعية والسياسية التي عاش فيها ابن خلدون كانت بيئة خاصة، تمت بصلات وثيقة إلى الحياة البدوية من جهة، والحياة الحضرية من جهة أخرى. إنها كانت بيئة تجمع بين الحواضر والبوادي؛ لأنها كانت تتألف من مدن وأمصار داخلة في نطاق تأثير القبائل و«العشائر الرحالة»، أو قريبة من ميادين فعالياتها؛ ولذلك كانت الدول القائمة فيها تتأثر تأثرا شديدا من القبائل والعشائر، حتى إنها كثيرا ما كانت تتكون وتنحل، وتتوسع وتتقلص، وتقوم وتنهار من جراء تألب العشائر أو تشتتها.

لذلك لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن نظرية ابن خلدون كانت نظرية موفقة إلى حد كبير في إظهار أوثق أنواع «الروابط الاجتماعية»، وتعيين أهم أشكال «التكاتف الاجتماعي » في مثل تلك البيئات الجغرافية، وتلك العهود التاريخية، وهي تدل على تفكير فاحص ونافذ، محيط ومتعمق، في درس الحوادث الاجتماعية، وتعليل الوقائع التاريخية، فلا بد لكل من يريد أن يتتبع تطور الآراء الاجتماعية والسياسية، ويؤرخ نظريات الرابطة الاجتماعية والتكاتف الاجتماعي، أن يخصص مقاما هاما جدا لنظرية العصبية التي وضعها ابن خلدون قبل مدة تقرب من ستة قرون. •••

هذا ونحن نود أن نشير في هذا المقام إلى أمرين فرعيين من الأمور التي استوقفت أنظارنا خلال هذا الدرس والتحليل: (أ)

كنا ذكرنا رأي ابن خلدون في «العصبية الكبرى» المؤلفة من عصبيات متعددة، وقلنا إذا أردنا أن نعبر عن رأي ابن خلدون في هذا الصدد بتعبيرات عصرية؛ وجب أن نسمي العصبية الكبرى باسم «العصبية المركبة»، والعصبيات الأخرى باسم «العصبية البسيطة»؛ لأن كل عصبية تتألف - على رأي ابن خلدون - من ترابط جماعة من الأفراد، غير أن العصبيات أيضا يرتبط بعضها ببعض، وتكون «عصبيات مركبة» من درجة أعلى.

فنود أن نشير هنا إلى العلاقة القوية الموجودة بين رأي ابن خلدون في هذا الصدد، وبين رأي الاجتماعي الفرنسي الشهير «إميل دوركهايم» في «المجتمعات المركبة»

sociétés composées

و«المجتمعات الحلقية»

sociétés polysegmentaires . (ب)

لقد أشار ابن خلدون في الفصل الذي يقرر «أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك»، إلى تأثير حالة الدولة المقارنة لوصول العصبية إلى غايتها من القوة، وقال: «إن انتهت إلى قوتها «ولم يقارن» ذلك هرم الدولة، وإنما «قارن» حاجتها إلى الاستظهار». كما قال: «حصل الملك إما بالاستبداد أو بالمظاهرة حسب ما يسعه «الوقت المقارن» لذلك» (140).

إن هذه الملاحظة تذكرنا برأي المفكر المؤرخ «هيبوليت تين»

ناپیژندل شوی مخ