147

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

ژانرونه

إن أول ما يستوقف النظر عند مقارنة مقدمة ابن خلدون بالعلم الجديد، هو الفرق العظيم والاختلاف الكلي الموجود بين الكتابين، من حيث المواد والمواضيع، على الرغم من اشتراكهما الظاهر في الأهداف والأغراض، فإن كليهما يرميان إلى غاية واحدة هي معرفة طبائع الأمم والمجتمعات، وتعيين نظام سير التاريخ العام، غير أن كل واحد منهما يحاول أن يصل إلى هذه المعرفة، باحثا في ساحة معينة، مستندا إلى مواد ووقائع خاصة.

إن العلم الجديد يستند - قبل كل شيء - إلى التاريخ القديم، ويستمد عناصر بحثه في الدرجة الأولى من تاريخ اليونان والرومان، من غير أن يعير التفاتة ما إلى تاريخ العرب والإسلام، في حين أن مقدمة التاريخ - بعكس ذلك تماما - تستند إلى تاريخ العرب والإسلام، من غير أن تأخذ بنظر الاعتبار تاريخ اليونان والرومان. فلا نغالي إذا قلنا إن كتاب فيكو بمثابة «تفلسف في تاريخ اليونان والرومان»، في حين أن مقدمة ابن خلدون بمثابة «تفلسف في تاريخ العرب والإسلام».

إن وجود هذا الاختلاف الكبير بين الكتابين - من وجهة نطاق البحث، ومواد الإنشاء والتفكير - يجعل المقارنة والمفاضلة بينهما من الصعوبة بمكان؛ ذلك لأن وجوه التفاضل بينهما لا تظهر مباشرة بسبب اختلاف ميادين البحث، فإظهار هذا التفاضل يتطلب إنعام النظر في الأمر، ولا يتم إلا بصعوبة كبيرة.

وللتغلب على هذه الصعوبة يترتب علينا:

أولا:

أن نبحث عن المواضيع المشتركة في الكتابين مهما كانت قليلة، وأن نستعرض المسائل التي عالجناها في وقت واحد مهما كانت محدودة.

ثانيا:

أن نقارن بين الكتابين من حيث الطريقة المتبعة في معالجة الأبحاث.

ثالثا:

أن نقارن بينهما من حيث شمول النظر، ومبلغ التعمق في البحث والتفكير.

ناپیژندل شوی مخ