دين
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
ژانرونه
Frazer
لم يريا فيه عنصرا دينيا البتة، وقررا أن فكرة الدين والألوهية تكونت في هذه القبائل بعيدا عن نظام اللقب الأسري المعروف.
23
ونحن نذهب إلى هذا المذهب الأخير، ولا نرى في هذه الألقاب والرموز عندهم إلا شعارا قوميا يعرفهم أنسابهم، وينمي فيهم شعور الوطنية، وباعثة التعاون، واحترام قانون توزيع الملكية وسائر قوانين الجماعة، فهم لا يعبدون تلك الرسوم ولا مدلولاتها، بل لهم معبود روحي يعتمدون عليه في جلائل أعمالهم ودقائقها، حتى إنهم ليستلهمونه أو يدعونه ليرشدهم إلى انتقاء أمثل الأسماء لأبنائهم، كما أنهم في تحريمهم لبعض المحرمات إنما يستندون إلى روايات دينية متوارثة عن أسلافهم، ينسبونها إلى أمر الله.
والعجيب أن رئيس المدرسة الاجتماعية الفرنسية يعترف بأن عددا من قبائل أستراليا قد وصلوا إلى فكرة «الإله الأعلى» أو «الإله الأحد»، وأنه كائن أزلي أبدي تسير الشمس والقمر والنجوم بأمره، وأنه هو الذي يثير البرق، ويرسل الصواعق، وإليه يتوجه في الاستسقاء وفي طلب الصحو، وهو الذي خلق الحيوان والنبات، وصنع الإنسان من الطين ونفخ فيه الروح، وهو الذي علم الإنسان البيان، وألهمه الصناعات، وشرع له العبادات، وهو الذي يقضي في الناس بعد الموت فيميز بين المحسن والمسيء.
24
ثم يقرر أيضا أن هذه العقائد كلها ليست مقتبسة من أوروبا كما ظن تيلور، بل إنها قديمة في هذه القبائل قبل أن يصل إليها المبشرون الأوروبيون، وأنهم يعبرون عن هذه العقائد بعبادات حقيقية، ترفع فيها الأيدي إلى السماء بالدعاء.
25
يعترف دوركايم بكل هذا، ولكنه عند استنباط نظريته في الألوهية يضرب الذكر صفحا عن هذه الصورة الدينية الحقيقية، ثم يعمد إلى ضرب من اللهو الخليع تأتيه بعض القبائل في حفلات تضم كل شيء إلا الدين والعبادة، ويترخص فيها بارتكاب أعمال شاذة تنافي قواعد الأخلاق المقررة والمتبعة بانتظام عندهم، يعمد إلى هذه الحفلات الماجنة، فيرسم لنا منها لوحة بارزة يعرضها علينا قائلا: إذا أردتم معنى الدين فها هنا منبعه ومظهره.
هكذا وصل الأمر بهذا البحاثة في تقديره لعقول قرائه إلى حد محاولة إلهائهم عن الحقائق، وتسمية الأشياء لهم بغير أسمائها، فهو يريد أن يقول لهم: إن كل حمى جنونية يثيرها مجتمع صاخب، وكل سورة إباحية تنطلق فيها الوجدانيات من عقالها بدعوى المحاكاة، أيا كان هدفها وباعثها، فهي نوع من الدين، ولو كان سيل الشهوات الجامحة فيها يجترف كل ضابط من ضوابط العقول، ويقتحم كل معقل من معاقل الآداب المحترمة في الشعب نفسه.
ناپیژندل شوی مخ