دين
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
ژانرونه
(1) خطأ هذا الوضع في وسائله وفي غايته
ونحن نرى أن وضع المسألة على هذا الوجه، ومحاولة حلها من هذا الطريق، ينطوي على خطأ مزدوج: خطأ في الغاية، وخطأ في الوسيلة.
أما من حيث الغاية التي يهدف إليها البحث، وهي تحديد الأصل الأصيل للعقيدة، والمظهر الذي ظهرت به في أول الأزمنة بإطلاق، فلأن هذه المنطقة «البدائية المحضة» قد اعتبرها العلم شقة حراما حظرها على نفسه، وأعلن - في صراحة كاملة - خروجها عن حدود عمله. فاقتحامها الآن باسم العلم تعامل بصك مزيف، وتستر بثوب مستعار، وكل حكم يصدر تحت هذا الاسم يكون صادرا عن قاض معزول، فاقدا للركن الأول من سلطته الشرعية، ومؤرخو الديانات - على الخصوص - معترفون بأن الآثار الخاصة بديانة العصر الحجري وما قبله لا تزال مجهولة لنا جهلا تاما، فلا سبيل للخوض فيها إلا بضرب من التكهن والرجم بالغيب.
وأما من حيث المنهج وهو الاستدلال على ديانة الإنسانية الأولى بديانة الأمم المنعزلة المتخلفة عن ركب المدنية، فلأنه مبني على افتراض أن هذه الأمم كانت منذ بدايتها على الحالة التي وصل إليها بحثنا، وأنها لم تمر بها أدوار متقلبة، وهو افتراض لم يقم عليه دليل، بل الذي أثبته التاريخ واتفق عليه المنقبون عن آثار القرون الماضية، هو أن فترات الركود والتقهقر التي سبقت مدنياتها الحاضرة كانت مسبوقة بمدنيات مزدهرة، وأن هذه المدنيات قامت بدورها على أنقاض مدنيات بائدة، قريبة أو بعيدة، في أدوار تتعاقب على البشرية، كما تتعاقب الفصول السنوية على الطبيعة بحيث يصبح من العسير أن نحكم بصفة قاطعة بأيهما بدأت دورة الزمان، وليس تعيين أحد الأمرين للابتداء الحقيقي بأثبت تاريخيا من مقابله، فكذلك نقول في شأن العقائد الدينية، إنه من الممكن أن تكون الخرافات القديمة بداية ديانات، كما يمكن أن تكون نتيجة تحلل وتحريف لديانة صحيحة سابقة مزقت أهلها الحروب، أو أفسدتهم الآفات الاجتماعية، فقلت عنايتهم بأصول دينهم، وتلقوا بالتسليم والقبول كل ما سمعوه من أفواه الأدعياء والدجالين، وشاعت بينهم هذه الروايات وتوارثوها حتى أصبحت سننا مقدسة، ولقد أنصف العلامة هوفدنج
Hoffding
حين قال: «إنه يبعد كل البعد أن ينجح تاريخ الأديان في حل مشكلة بزوغ الدين في النوع الإنساني ... فإن التاريخ لا يصور لنا هذه البداية الأولى في موضع ما، وكل ما نجده إنما هو سلسلة من صور مختلفة الديانات متقدمة قليلا أو كثيرا ...» «حتى إن أحط القبائل الهمجية التي نعرفها قد مرت بأدوار شتى، وتطورت تطورا بعيدا.»
1
فقد بان لك مبلغ ثبات الفرض الذي بنيت عليه البحوث الحديثة كلها، وأنها أسست على جرف هار لا تطمئن عليه الأقدام. (2) نقد المذهب التطوري بشكل خاص
ويمتاز المذهب التطوري بأنه مبني على افتراض آخر لم يقم عليه دليل كذلك، وهو قياس الملكات والأحاسيس الروحية، على القوى البدنية والمكتسبات العقلية والتجريبية. فكما أن الإنسان ينتقل في نموه البدني من الضعف إلى القوة، وفي نموه العقلي من الجهالة إلى المعرفة، قد يلوح أيضا أنه بدأ حياته بالسخف والخرافة، ولم يصل إلى العقيدة السليمة إلا بعد جهد وعناء.
ونحن نسأل - قبل كل شيء - عن الأصل الذي بني عليه هذا القياس.
ناپیژندل شوی مخ