انسان دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرونه
المبدأ الكلي في المعتقدات التقليدية للشرق الأقصى
لعل أفضل مدخل ندلف منه إلى الفلسفات الدينية الكبرى للشرق الأقصى، هو استكشاف الأساس الفكري الذي قامت عليه بنيتها السامقة، وأعني به تلك المعتقدات التقليدية التي تضرب في أعماق التاريخ الشرقي وصولا إلى تخوم عصورها الحجرية. ولسوف تدهشنا تلك الاستمرارية في معتقدات العصر الحجري، والكيفية التي تخللت بها تلقائيا معتقدات العصور التاريخية. (1) كامي: المجهول الأقدس
في دين اليابان
يبدأ التاريخ المكتوب للأمة اليابانية مع القرن الخامس الميلادي، مترافقا مع دخول الديانة البوذية إليها قادمة من الصين. لم يكن اليابانيون يطلقون على دينهم اسما معينا؛ فهو الدين الوحيد الذي عرفوه في جزرهم المنعزلة، أما بعد الانتشار التدريجي للبوذية فقد شعروا بالحاجة إلى تمييز معتقدهم التقليدي فدعوه شنتو؛ أي طريق المبدأ الأقدس الكلي، وهو المبدأ الذي أشاروا إليه دوما تحت اسم كامي. وهذا المعتقد التقليدي لليابان قد وجد في تلك الأصقاع منذ أزمان لا يدري بها أحد، وتم تناقله عبر العصور والأجيال دون أن يعرف له مصدر أو مؤسس أو تاريخ ابتداء. وما زالت الديانتان البوذية والشنتوية متعايشتين حتى الآن في اليابان.
رغم أن مصطلح كامي يترجم أحيانا إلى إله أو جمع الآلهة، فإن الباحثين المحدثين يفضلون استخدام المصطلح بصيغته اليابانية، لتعذر إيجاد ترجمة تقريبية له. وقد حاول حكماء الشنتو تقريب مفهوم الكامي إلى أذهان الغرباء بوسائل شتى، مع اعترافهم ببقاء المصطلح غامضا وعصيا على الصياغة العقلانية المنطقية. يقول الباحث الياباني موريناغا في وصف الكامي: «إنه كل ما يثير في النفس الرهبة والجلال لما يمتلكه من قوى غير عادية.» ويقول باحث غربي متخصص في الشنتو: «إن اليابانيين أنفسهم لا يملكون فكرة دقيقة عن الكامي، فهم يختبرونه بشكل حدسي في أعماق وعيهم، ويتواصلون معه من غير أن يشكلوا حوله مفاهيم ذهنية أو لاهوتية. من هنا، فإنه من غير المتيسر إيضاح فكرة تقوم في أصلها على الخفاء والغموض.»
1
إن ما يميز الشنتو بشكل رئيسي هو الموقف الحدسي والاعتماد على الخبرة الدينية المباشرة من دون المبادئ اللاهوتية المعقلنة، وأتباع هذه الديانة نادرا ما يطرحون أسئلة أنطولوجية تتعلق بالوجود؛ لأنهم يشعرون بحقيقة الكامي عن طريق التماس المباشر مع القدسي، والإدراك المرهف لما هو خفي وسري، ويرون في ذلك فضلا على المقترب الذهني للعقائد المحكمة. ولقد ساعد احتكاك الشنتو بالبوذية والكونفوشية على توضيح أفكارها باستخدام مصطلحات مستمدة من هاتين؛ فالكامي هو القاع الكلي للوجود والجوهر الخفي للحقيقة، إذا أردنا استخدام تعابير بوذية، وهو المبدأ الخلقي الناظم للكون ولعلاقات البشر، إذا أردنا استخدام تعابير كونفوشية.
أما طقوس الشنتو، فبسيطة إلى حد بعيد، وتجري في أحضان الطبيعة حيث الحرم والمقامات الطبيعية، وخصوصا تحت شجرة ال
Sakak
المقدسة. وفي الأصل، كانت الكاهنات النساء هن المسئولات عن قيادة الطقس، فيتلفظن بكلمات القوة والقداسة وفق ترتيل معين حتى يصلن حالة الوجد، فيندفعن في رقص طقوسي محموم من شأنه جمع العابد إلى معبوده. ثم ظهرت الهياكل فيما بعد، واتخذت لها أنماطا معمارية متنوعة، مع حفاظها على أماكنها التقليدية في أحضان الطبيعة، وتأسس سلك للكهنوت متفرغ لها يرعى شئونها ويقود فيها الاحتفالات الدينية، وبين هؤلاء ما زالت الكاهنة القديمة ممثلة في زمرة من خادمات الهيكل يمارسن الرقص الطقوسي الجماعي.
ناپیژندل شوی مخ