انسان دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرونه
للدلالة على فن رواية القصص، وبشكل خاص ذلك النوع الذي ندعوه اليوم بالأساطير، ومنه جاء تعبير
Mythology
المستخدم في اللغات الأوروبية الحديثة. أما في لغات المشرق القديم، فلا نعثر على مصطلح خاص ميز به أهل تلك الحضارات الحكاية الأسطورية عن غيرها. وتظهر فهارس النقوش الكتابية التي تعود الكتبة السومريون وضعها لتصنيف محتويات مكتباتهم (وقد عثر حتى الآن على اثنين من هذه الفهارس) أن الأرشيف السومري لم يميز النصوص الأسطورية عن غيرها، ولم يدرجها في تسلسل خاص، بل تركها موزعة بين النصوص الأخرى التي تدور حول موضوعات شتى مثل الحكمة والأمثال والأدعية والوصايا وما إليها.
من هنا يمكن القول بأن القدماء لم يضعوا لأنفسهم تمييزا لغويا دقيقا لتلك المجموعة من الأعمال الأدبية التي نصنفها الآن تحت عنوان الميثولوجيا، ولا هم عنوا بتفريقها عن بقية الأجناس الأدبية، وذلك رغم توكيدهم على اختلافها وخصوصيتها. فكيف نستطيع اليوم أن نميز بين النص الأسطوري والنص العادي، وما هي المعايير التي تساعدنا على إجراء مثل هذا التمييز؟ (1)
من حيث الشكل، الأسطورة هي شكل من أشكال الأدب الرفيع، فهي قصة تحكمها قواعد السرد القصصي من حبكة وعقدة وشخصيات وما إليها. وفي الثقافات العليا، جرت العادة أن يصاغ النص الأسطوري في قالب شعري يساعد على ترتيله وتداوله شفاهة بين الأفراد وعبر الأجيال، ويزوده بسلطان على العواطف والقلوب. (2)
وهي قصة تقليدية، بمعنى أنها تحافظ على ثبات نسبي، وتتناقلها الأجيال بنصها عبر فترة طويلة من الزمن طالما حافظت على طاقتها الإيحائية بالنسبة إلى الجماعة. فأسطورة هبوط إنانا إلى العالم الأسفل، وهي أسطورة سومرية من أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، قد استمرت في صيغتها الأكادية المطابقة تقريبا للأصل السومري حتى أواسط الألف الأول قبل الميلاد، حيث عثر على نسخة منها في مكتبة آشور بانيبال. (3)
ليس للأسطورة زمن؛ أي إنها لا تقص على حدث جرى في الماضي وانتهى، بل عن حدث ذي حضور دائم. فزمانها والحالة هذه زمن ماثل أبدا لا يتحول إلى ماض. إن الإله تموز الذي قتل ثم بعث إلى الحياة، إنما يفعل ذلك في كل عام؛ إذ يقتل في الصيف ويبعث إلى الحياة في الربيع. والإله مردوخ، الذي خلق الكون ونظمه في الأزمنة المقدسة الأولى، إنما يفعل ذلك في كل عام ومع بداية السنة الجديدة، حيث يقوم بإعادة خلق الكون وتجديده. وصراع الإله بعل مع الحية لوتان ذات الرءوس السبعة وقتله لها، هو صراع دائم بين قوى الخير والحياة، وقوى الشر والموت. وعندما لا يكون للحدث الأسطوري هذا الطابع الدوري المتكرر والواضح، فإن مضمون الأسطورة يعبر عن حقيقة أزلية متخللة في حياة البشر لا يطالها تغيير؛ فأسطورة خلق الإنسان من تربة الأرض ممزوجة بدم إله قتيل، هي تأسيس لفكرة الطبيعة المزدوجة للإنسان وتكوينه من عنصر مادي وآخر روحاني. وحتى عندما تشير الأسطورة صراحة إلى حدث مؤطر في الزمن ومحدد في التاريخ، فإن مراميها البعيدة تكمن خارج الزمن وتتخذ صفة الحضور الدائم، ونموذج هذا النوع أسطورة الطوفان الرافدية؛ فرغم أن السومريين قد اتخذوا حدث الطوفان، الذي أبلغت عنه الأسطورة، نقطة في التاريخ يؤرخون بها لما حدث قبلها في تاريخهم وما حدث بعدها، إلا أن فحوى الأسطورة لم يكن زمنيا بالنسبة إليهم، والطوفان الذي دمر الأرض من حولهم مرة هو نذير دائم بسطوة القدر، وتحذير من الغضب الإلهي البعيد عن أفهام البشر، ومن الاطمئنان إلى استمرارية الشرط الإنساني وثبات الأحوال. إن ما يميز الحدث الأسطوري عن غيره هو ذلك الحضور الدائم للحدث أو لمراميه الحقيقية. (4)
تتميز موضوعات الأسطورة بالجدية والشمولية؛ فهي تدور حول المسائل الكبرى التي ألحت دوما على عقل الإنسان، مثل الخلق والتكوين وأصول الأشياء والموت والعالم الآخر وما إلى ذلك من قضايا آلت إلى الفلسفة فيما بعد. (5)
يلعب الآلهة وأنصاف الآلهة الأدوار الرئيسية في الأسطورة؛ فإذا ظهر الإنسان على مسرح الأحداث كان دوره مكملا لا رئيسيا. (6)
لا يعرف للأسطورة مؤلف معين؛ لأنها ليست نتاج خيال فردي أو حكمة شخص بعينه، بل هي ظاهرة جمعية تعبر عن تأملات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها. ولا يمنع هذا الطابع الجمعي أن يقوم الأفراد بإعادة صياغة الحكايات الأسطورية وفق صنعة أدبية تتماشى وروح عصرهم. (7)
ناپیژندل شوی مخ