انسان دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرونه
استنادا إلى ما تقدم يمكن القول بأن الطقس ليس فقط نظاما من الإيماءات التي تترجم إلى الخارج ما نشعر به من إيمان داخلي، بل هو أيضا مجموعة الأسباب والوسائل التي تعيد خلق الإيمان بشكل دوري؛ ذلك أن الطقس والمعتقد يتبادلان الاعتماد بعضهما على بعض؛ فرغم أن الطقس يأتي كناتج لمعتقد معين فيعمل على خدمته، إلا أن الطقس نفسه ما يلبث حتى يعود إلى التأثير على المعتقد فيزيد من قوته وتماسكه، بما له من طابع جمعي يعمل على تغيير الحالة الذهنية والنفسية للأفراد. وهذا الطابع هو الذي يجدد حماس الأفراد ويعطيهم الإحساس بوحدة إيمانهم ومعتقدهم. فالطقس، رغم قيامه على مجموعة من الإجراءات المرتبة والمنسقة مسبقا، والتي تم القيام بها مرارا وتكرارا، إلا أنه يبدو جديدا كلما أكدت الجماعة على الأداء المشترك له. لهذه الأسباب يظهر الطقس للمراقب باعتباره أكثر عناصر الظاهرة الدينية بروزا، ويقدم نفسه كأول معيار نفرق بواسطته الظاهرة الدينية عن غيرها من الظواهر؛ لأن الدين لا يبدو للوهلة الأولى نظاما من الأفكار، بل نظاما من الأفعال والسلوكات، والمؤمن ليس إنسانا قد أضاف إلى معارفه مجموعة من الأفكار الجديدة، بل هو إنسان يسلك ويعمل بتوجيه من هذه الأفكار. (3) الأسطورة
قبل أن أبحث في الدور الهام الذي يلعبه هذا المكون الثالث من مكونات الدين، سوف أتوقف مطولا عند مفهوم الأسطورة لغاية توضيحه وتحديده بدقة؛ وذلك نظرا للتشوش الكبير الذي يحيط بهذا المفهوم في أذهان كثير من المتخصصين، ناهيك عن عامة المهتمين. إن أحد الكتب التي راجت في الغرب منذ الستينيات، وعنوانه «أقنعة الله»،
2
قد صدر في أربعة مجلدات تحمل العناوين الفرعية الآتية: (1) الميثولوجيا البدائية. (2) الميثولوجيا الغربية. (3) الميثولوجيا الشرقية. (4) الميثولوجيا الخلاقة. فإن شرع القارئ في تصفح جزئه الأول، اكتشف لتوه أن مؤلفه جوزيف كامبل إنما يقدم عملا موسوعيا في تاريخ الدين لا في ميثولوجيا الشعوب، وأنه قد طابق تعسفيا بين مفهوم الدين ومفهوم الأسطورة، مستخدما الجزء للدلالة على الكل؛ الأمر الذي يزيد الأمور اختلاطا في أذهان الناس.
ليست الأسطورة من الكلمات المستحدثة في اللغة العربية، والمضامين التي استوعبتها هذه الكلمة في الاستخدامات الحديثة تستند إلى مضامينها القديمة. تفيدنا المعاجم العربية بأن كلمة أساطير قد جاءت من السطر، وهو الخط أو الكتابة، وجمعه أسطار كما هو الحال في سبب وأسباب ، وجمع الجمع أساطير. ونعثر على أول استخدام للكلمة في القرآن الكريم، حيث جاء في سورة الفرقان: 5، قوله تعالى:
وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا . وهنا إشارة إلى اتهام المشركين للنبي باستلهامه قصص الأولين المكتوبة. وهذا الاشتقاق لكلمة أسطورة في العربية يقارب اشتقاقاتها في اللغة الأوروبية؛ فكلمة
Myth
في الإنكليزية والفرنسية وغيرها، مشتقة من الأصل اليوناني
Muthas ، وتعني قصة أو حكاية. وكان أفلاطون أول من استعمل تعبير
Muthologia
ناپیژندل شوی مخ