انسان دین
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرونه
إن من يحقق للنفس هذا النوع من الانعتاق النهائي، هو كدحها في سبيل معرفة الحق، وانكشاف البصيرة الداخلية على حقيقة أن هذا العالم المتكثر هو واحد في جوهره، وإن كل ما في الوجود هو براهمن، وذلك على حد التعبير الإسلامي المعروف: لا موجود إلا الله. وهو قول يردده أهل الظاهر ولا يعلمه حق علمه سوى أهل الباطن. فعندما يعلن الحكيم الهندوسي أنا براهمن، أو يشطح الحلاج صارخا أنا الحق، وأبو يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني، فإن هذه الكلمات تبدو آخر ما تلعثم به اللسان قبل أن يصمت أمام الكشف، وقبل أن تنتشر الاستنارة في كل زاوية من زوايا النفس. هنا تنقشع غشاوة المايا عن البصيرة، ولكن لا لكي يرى العارف أن الوجود بحد ذاته وهم وسراب، وإنما ليرى الحدود وقد انمحت بين الأجزاء، وزالت التقسيمات وذابت الثنائيات.
فالمايا بالأصل اللغوي لها هي التقسيم والتحديد والقياس، وجذرها السنسكريتي هو
Matr ؛ أي يقيس أو يكيل أو يقولب شكلا ما أو يضع مخططا. ومن الجذر ذاته تأتي الكلمات اللاتينية
metre ؛ أي المتر، و
matrix ،
matter ؛ بمعنى المادة.
3
إن عملية القياس هي بحد ذاتها تقسيم ، سواء برسم خطوط محددة أم بكيل كميات متساوية، وعليه فإن قولنا بأن عالم الظواهر والأحداث هو مايا، يعني أن الأحداث والظواهر هي في الحقيقة مفردات للقياس أكثر منها دلائل على الحقيقة، وأنها لا تختلف في جوهرها عن خطوط التحديد أو مكاييل الأطوال والحجوم. هذه الرؤية قد تبدو عصية على فهم من تعود النظر إلى الأحداث والوقائع والأشياء باعتبارها الوحدات التي تؤلف العالم المحيط بنا، غير منتبه إلى الحقيقة البسيطة، وهي أن الكل هو الأصل، وليست الأجزاء إلا من خلق الإدراك التجزيئي الذي لا يدرك ما حوله إلا كقطع مستقلة وكيانات متباعدة. أما من أفلح في قهر سلطان المايا، فيتابع رؤيته للعالم من حوله كما يراه الآخرون، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أن الأجزاء التي يراها ويتعامل معها لا تمتلك طبيعة خاصة بها، بل إنها تقوم في علاقة بعضها ببعض وفي علاقتها بالكل الذي يملك وحده الوجود الحق.
لم تكتف الحكمة الهندية بصياغة هذا النوع من المفاهيم المجردة لتوضيح المعتقد الهندوسي، وإنما لجأت أيضا إلى الأسطورة التي توضح بالصورة والحركة ما قد تقصر عنه الصيغ الفلسفية الذهنية. وقد اخترت من أساطير الهند الكبرى التي جمعتها لنا الأسفار المعروفة
أسطورتين سوف أعرض لهما ببعض التفصيل فيما يلي؛ الأولى معروفة بعنوان إندارا وموكب النمل،
ناپیژندل شوی مخ