وحجاب النساء يضعف مع الزمن، والسافرات فيهن قليلات إلى اليوم، وما سفر منهن إلا المتعلمات من أهل الطبقة العليا والوسطى على الأكثر.
وعلى ذكر الأزياء لا بد من الإشارة إلى أن الدمشقيين اقتبسوا الزي الغربي جميعا، والطربوش لباس الرأس عندهم كالمصريين، والقبعة مستعملة على قلة، ويقل لبس العمامة والعقال والكوفية سنة عن سنة في دمشق وغوطتها، وقد قلدت الغربيين في معظم مرافق حياتها وفرش بيوتها، وتلقفت مصطلحات أهل الحضارة.
أما عادات الدمشقيين فهي خليط من العادات العربية القديمة والغربية الحديثة، ويدخلها التعديل على مر السنين، ولكثرة اختلاط الدمشقيين بالأمم الأخرى، ومن عاداتهم - كسائر بلاد الشرق - الجيد النافع ومنها القبيح الضار، والقبيح يزول بالتدريج.
والاحتفال بالأفراح والأتراح صائر حتما إلى الاقتصاد، وقد كانت من قبل إلى الإسراف والبذخ، ويراعي الدمشقي الحالة الاقتصادية على كل حال، ينام إذا أكسدت سوقه، وينتبه إذا نفقت.
الحياة الأدبية والفنية والصناعية
العلم والأدب في دمشق
ليس في الإمكان استقصاء أسماء جميع من نبغوا في دمشق قبل الإسلام بالعلوم والفنون، وقد عرفنا منهم بولودرا المهندس الدمشقي الذي أقام عمود تراجان في رومية، وبني جسرا على نهر الدانوب «الطونة».
ومنهم بوسانياس عالم المؤرخين في عصره، والقديس يوحنا فم الذهب الدمشقي رجل البلاغة والوعظ، وإليه نسبت الكنيسة العظمى التي أصبحت في الإسلام الجامع الأموي فيما روى بعضهم.
ويقول سينيوبوس في تاريخ الحضارة: «حفظت في مدارس الروم في دمشق والإسكندرية علوم اليونان من فلك وجغرافيا ورياضيات وطب»، أما نحن فمن المتعذر علينا أن نشير فقط إلى النوابغ منهم في هذه الفنون، فمن الأخبار ما لم يدون، ومنها ما دون وضاع، وتاريخ هذه الديار قبل الإسلام يصعب تمحيصه، ولم يكن السريان أصحاب البلاد دون الرومان واليونان في الرغبة في العلم، وكانوا منذ انتشرت النصرانية يجعلون من أديارهم بيوت علم وحكمة، وكانت آداب السريانية تدرس بعناية منذ القرن الخامس.
واشتهر اليعاقبة والنساطرة بالعلم، وكان علماء النساطرة أكثر عددا، واليعاقبة أكثر رسوخا وتبحرا، وجميع الشعوب التي تداولت حكم هذه المدينة كانت لها يد باسطة في العلوم المعروفة لعهدها، وفي الجاهلية - أي قبيل الإسلام - كان يختلف إلى دمشق رجال من شعراء العرب، فينزلون على الرحب والسعة على أمراء الغساسنة وغيرهم من العرب، ومنهم حسان بن ثابت شاعر الرسول، نزل في الجاهلية على جبلة بن الأيهم ملك غسان فأكرم وفادته؛ ذلك لأن جبلة كان أيضا شاعرا مجيدا وكذلك بعض أهل بيته، ومنهم امرؤ القيس والمتلمس، ونزل في الإسلام بعض الصحابة والتابعين وآل البيت في دمشق وتديروها، وشغلت طائفة منهم بهداية الخلق والقضاء بينهم، وهم الذين وضعوا أساس العلم العربي في هذه الأرض، وكثر العلم في زمان أمير المؤمنين معاوية فأصبحت دار قرآن وحديث وفقه، كان يأتي بالعلماء من القاصية فينزلون دمشق، وممن دعاهم إليها أمد بن أبد وعبيد بن شرية الجرهمي، وطلب إليهما أن يحدثاه بأخبار القدماء، وأمر بعض كتابه أن يدونوا كلامهما، فكان أول تاريخ وضع في الإسلام.
ناپیژندل شوی مخ