دماء على بوابات العالم السفلي
دماء على بوابات العالم السفلي: دراسة أثرية حضارية
ژانرونه
شكل 2-11: تفاصيل من الجزء العلوي لصلاية الملك نعرمر.
وأخيرا يمكن القول إن فكرة ممارسة المصريين القدماء لعادة التضحية البشرية من الأفكار التي تؤدي إلى مزيد من الخلافات العلمية؛ فهناك أدلة تجعلنا نميل إلى الاعتراف بوجود تلك العادة في مصر، وهناك أدلة أخرى شائكة لا تؤكد وجود تلك العادة في مصر لا سيما أن أغلب ما عثر عليه من دفنات آدمية فرعية ملحقة بمقابر ملوك عصر بداية الأسرات؛ كانت مزودة ببعض المتاع الجنائزي، وكانت قد دفنت بنفس تقاليد الدفن المتبعة في مصر القديمة، أي لا ينطبق عليها سمات التضحية البشرية، فكيف يضحى بإنسان ثم يزود بالمتاع الجنائزي؟
وجدلا إن افترضنا أنها دفنات لأضاحي بشرية، فلا بد أنها كانت قد تمت بمرضاة صاحب الدفنة؛ ليصحب الملك في العالم الآخر وربما كان هذا التبرير يوضح سبب وجود المتاع الجنائزي المصاحب للمتوفى، وعدم وجود أي من آثار الدفاع عن النفس من قبل المتوفى في تلك الدفنات.
والأمر الثاني لا بد أن نسأل أنفسنا: هل كل ما صوره المصري القديم كان لا بد لأمور واقعية، أم ربما كان يعبر بفنه عن أحداث بها كثير من المبالغة ربما رغبة في التخويف، وربما بهدف إرساء قواعد الحكم وإرهاب الخارجين عن الملك، أيا ما كانت الأسباب فإننا بصدد فترة غابت فيها الكتابة، ونعتمد فيها على استقراء الأحداث، وعلى دراسة ما بين أيدينا من أدلة ملموسة لدفنات آدمية غلفتها الغرابة وأحاط بها الغموض. (3) فكرة وجود التضحية البشرية في مصر في العصور التاريخية القديمة
فسر بعض الباحثين لا سيما المستشرقين وجود المقابر الفرعية حول الأهرامات في الجيزة وسقارة وأبي صير وغيرها - التي كانت تضم دفنات للعديد من المقربين للملك - بأنهم جميعا تم قتلهم عنوة حتى يرافقوه ويعيشوا معه في الحياة الأخرى تماما كما كانوا يشاركونه الحياة الدنيا؛ وفي هذا المضمار يوضح عبد الحميد عزب نقلا عن رشيد الناضوري أن هناك حالات دفن نادرة يمكن تفسيرها بالقتل عنوة لمرافقة الملك في حياته الأبدية (منها حالة واحدة عثر عليها فيما تم اكتشافه من مقابر حول هرم خوفو بالجيزة) وأشار الناضوري أن هذه الظاهرة أفريقية زنجية خالصة جاءت لمصر وليست متأصلة بها.
ويواصل «عزب» موضحا رأي «الناضوري» أنه ربما ارتبط موضوع التضحية البشرية بعيد «سد»، أو «اليوبيل الثلاثيني»؛ حيث كان ولا بد أن يؤدي الملك طقوسا توضح مدى تمتعه بالصحة والعافية والقوة البدنية، وكان الملك في هذا العيد، كما هو واضح من مجموعة الملك «زوسر» بسقارة من الأسرة الثالثة، يقوم حقيقة فيه بالهرولة والجري الطقسي لمدة كبيرة، ويذبح بنفسه الثيران الشديدة القوة مما يتطلب شابا قويا وليس شخصا معتل الصحة، كما كان عليه أن يصعد درجات منصة اليوبيل الخاصة بالتتويج والتي توضح بقاياها أنها شديدة الارتفاع، ويوضح «عزب» وجهة نظر رشيد الناضوري مشيرا إلى احتمالية الأصل الأفريقي لهذا العيد؛ حيث اعتادت القبائل أن تقيم حفلا كبيرا تحضره القبيلة وكهنتها ويقوم فيه الملك بإثبات مدى شبابه وقوته وعندما لا يتمكن يقومون بقتله، وإلا فلن تمطر السماء، ولن تنبت الزروع، ولن تنجب النساء، اعتمادا على عقيدة الأفارقة بأن الكون يرتبط بصحة الحاكم، وفي حال عدم قدرة الحاكم على عمل كل هذا يتم قتله وتنصيب أي شخص أي شخص آخر مكانه.
37
ويؤكد عزب أن التوابيت الحجرية التي عثر عليها في جبانة الجيزة والتي امتلأت بعدد من الهياكل العظمية الآدمية ليس لها علاقة بموضوع التضحية البشرية - حيث يذكر البعض أنهم قتلوا عنوة وتم إغلاق التابوت الحجري عليهم أحياء - ويفسر عزب الأمر بأن التابوت استخدم كمعظمة (مكان لتجميع رفات عظام بعض الجثث)، أو ربما دفن عظام أسرة أراد الكهنة لهم أن يكونوا معا في العالم الآخر ويتشاركوا في البعث معا مرة أخرى.
38
ومن هنا ينفي «عزب» فكرة ممارسة المصري القديم لعادة التضحية البشرية موضحا أن المصري القديم كان إنسانا وفنانا، وكان محبا للناس والطبيعة من حوله؛ ولذا يصعب معرفته للتضحية البشرية أو القتل عنوة إلا في حالة الحرب.
ناپیژندل شوی مخ