Difficult Hadiths in the Interpretation of the Holy Quran
الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم
خپرندوی
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٣٠ هـ
د خپرونکي ځای
المملكة العربية السعودية
ژانرونه
ـ[الأحاديْثُ المُشْكِلَةُ الواردةُ في تفسير القرآنِ الكريم (عَرْضٌ وَدِراسَةٌ)]ـ
المؤلف: د. أحمد بن عبد العزيز بن مُقْرِن القُصَيِّر
الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤٣٠ هـ
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(وقد أهداه مؤلفه - جزاه الله خيرا - للمكتبة الشاملة)
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أصل هذا الكتاب
اطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، في كلية الدعوة وأصول الدين، قسم الكتاب والسنة.
وقد نوقشت من قبل اللجنة العلمية المكونة من أصحاب الفضيلة:
الدكتور: سليمان الصادق البيرة، الأستاذ المشارك في قسم الكتاب والسنة، في جامعة أم القرى، مشرفًا.
والدكتور: نايف بن قبلان العتيبي، الأستاذ في قسم الكتاب والسنة، في جامعة أم القرى، عضوًا.
والدكتور: عادل بن علي الشدي، الأستاذ المشارك في كلية التربية، في جامعة الملك سعود، عضوًا.
وأجيزت بتقدير ممتاز، مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بالطبع والتبادل مع الجامعات.
وتمت المناقشة مساء يوم الأربعاء الموافق: ٢٠/ ٥/١٤٢٨هـ.
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفوتُه من خلقه، بلّغ الرسالةَ، وأدّى الأمانةَ، ونصح الأمّةَ، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنَّ المولى سبحانه أنزل كتابه (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) [آل عمران: ٧]، وَوَكَلَ سبحانه بيان كتابه لنبيه ﷺ، فجاءت السُّنةُ شارحةً للقرآن ومبيِّنةً له، تُفَسِّرُ مُبهَمه، وتُفَصِّلُ مُجْمَلَه، وتُقَيّد مُطْلَقه، وهي محكمةٌ في ذلك كله، إلا أنه رُبما وقع فيها ما يدخل في حكم المتشابه، فربما رُويَ عنه ﷺ حديثًا يُوهِمُ معارضة آية قرآنية، وربما رُويَ عنه تفسير آيةٍ ما، وفي هذا التفسير ما يُوهِمُ معنىً مشكلًا.
ولما كانت نصوص الوحيين فيها محكم ومتشابه فقد نَفِذَ من تلك النصوص المتشابهة أعداءُ الإسلام؛ ليثيروا الشبهاتِ حولَ القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ المطهرة، تارةً بالطعن فيهما، وتارةً بالتشكيك وإثارةِ الشبهِ حولهما، يريدون بذلك تضليلَ الأمة، وصدِّها عن دينها القويم، كما أخبر سبحانه عنهم بقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) [آل عمران: ٧].
إلا أنَّ الله رَدَّ كيدَهم في نحورهم؛ فهيأ لكتابه وسنةَ نبيه ﷺ رجالًا
1 / 5
أفذاذًا من علماء المسلمين، ينفون عنهما انتحال المبطلين وتحريف الغالين، فكشفوا زيفَ تلك الشبه والأكاذيب، وأزاحوا الستار عن خطرها وكيدها، ثم نظروا بعد ذلك في الصحيحِ من سُنَّةِ النبي ﷺ، فيما يقع فيها من وهْمٍ وغَفْلةٍ، من رواةٍ ثقاتٍ عدول، فأبانوا عِللَها، وقَيَّدوا مُهْمَلَها، وأقاموا مُحرّفَها، وعانَوا سقيمها، وصححوا مُصحّفها (١)، وبيَّنوا أنَّ نصوص الوحيين حقٌّ وصدقٌ، لا تتعارض ولا تتناقض، وقد ألّفوا في ذلك تصانيف عِدَّة، اتخذها من جاء بعدهم قُدْوَة، فجزاهم الله عنا وعن سعيهم الحميدِ خير الجزاء، وجعلنا وإياهم عند لقائه من السعداء.
إلا أنَّ الأحاديثَ المُشْكِلَة - التي تتعلق بالتفسير - لا تزال تحتاجُ إلى مزيدٍ من الدراسةِ والتحقيق؛ إذ إنَّ علماءَنا ﵏ لم يفردوها بالدراسةِ على حِدة، وإنما كانت مبثوثةً في ثنايا كُتُبِهم؛ وقد يجد من يقفُ على بعضٍ من هذه الأحاديثِ صعوبةً في تحريرها، وجمعِ شتاتِ أقوالِ العلماء فيها، فتبقى الشبهةُ عالقةً في ذهنه دون جواب، ومن هذا المنطلقِ أحببتُ إفراد هذا الموضوعِ بالتصنيف، وعرضَ مسائِله بالدراسة والتحقيق، على منهجِ سلفِنا الصالحِ - رضوانُ الله عليهم - مُدعِّمًا ذلك بأقوالهم وآرائِهم.
ويمكنُ إجمالُ أهميةِ الموضوعِ، وسببِ اختيارهِ في النقاط الآتية:
١ - أنه قد أُلّفَ في مشكلِ القرآنِ (٢)، ومشكلِ الحديثِ (٣)، على حين لم يُفردْ بالتصنيفِ الأحاديثُ التي تردُ في التفسير، وتُعدُّ: مشكلةً في ذاتها، أو يُوهِمُ ظاهرُها التعارضُ مع القرآنِ الكريم (٤)، أو يُوهِمُ ظاهرُها التعارضُ فيما بينها.
_________
(١) انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (١/ ٢).
(٢) الكتب المؤلفة في مشكل القرآن أغلبها يتناول الآيات التي يوهم ظاهرها التعارض فيما بينها، ككتاب: «مشكل القرآن»، لابن قتيبة، وكتاب «دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب»، للشنقيطي.
(٣) الكتب المؤلفة في مشكل الحديث أغلبها يتناول الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض فيما بينها، أو الأحاديث المشكلة في ذاتها، ككتاب: «تأويل مختلف الحديث»، لابن قتيبة، وكتاب «مشكل الحديث وبيانه»، لابن فورك، وكتاب «مشكل الآثار»، للطحاوي.
(٤) للإمام نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي المقدسي، المتوفى سنة (٧١٠هـ) كتاب بعنوان «دفع التعارض عما يُوهِمُ التناقض في الكتاب والسنة»، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (١/ ٧٥٦)، ولم أقف عليه مطبوعًا أو مخطوطًا.
1 / 6
٢ - الرَّدُ على مطاعنِ أعداءِ الإسلام، والتصدي لكل ما يُثار حول القرآن الكريم والسنة النبوية.
٣ - إبرازُ عظمةِ الوحيين، وخلوِهِما من التناقض.
٤ - بيانُ عنايةِ علماءِ الأمةِ بهذا الموضوع.
1 / 7
خطة البحث
يتكونُ البحثُ من مقدمةٍ، وقسمين، وخاتمة.
المقدمة: وفيها بيانُ أهميةِ الموضوع، وسببِ اختياره، وخطةِ البحث، والمنهجِ المتبعِ فيه.
القسم الأول: دراسةٌ نظريةٌ في الأحاديثِ المُشْكِلَةِ الواردةِ في تفسير القرآن الكريم، وفيه فصول:
الفصلُ الأول: تعريفُ المشكل، وبيانُ الفرقِ بينه وبين التعارضِ والمختلف، وفيه مباحث:
الأول: تعريفُ المشكل في اللغة والاصطلاح.
الثاني: تعريف التعارض في اللغة والاصطلاح.
الثالث: تعريف المختلف في اللغة والاصطلاح.
الرابع: الفرق بين المشكل والتعارض والمختلف.
الفصل الثاني: أسباب التعارض، وشروطه، ومسالك العلماء في دفعه، وفيه مباحث:
الأول: أسباب وقوع التعارض بين النصوص الشرعية.
الثاني: شروط التعارض بين النصوص الشرعية.
الثالث: مسالك العلماء في دفع التعارض بين النصوص الشرعية.
الفصل الثالث: المراد بالأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم، وبيان الفرق بينها وبين مشكل القرآن، ومشكل الحديث، وفيه مباحث:
الأول: المراد بالأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم.
الثاني: الفرق بين الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم، ومشكل القرآن.
1 / 9
الثالث: الفرق بين الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم، ومشكل الحديث.
الفصل الرابع: عناية العلماء بالأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم، وفيه أربعة مباحث:
الأول: أحاديث التفسير المشكلة في كتب «التفسير وعلوم القرآن».
الثاني: أحاديث التفسير المشكلة في كتب «مشكل الحديث».
الثالث: أحاديث التفسير المشكلة في كتب «الحديث وشروحه».
الرابع: أحاديث التفسير المشكلة في كتبٍ أخرى متفرقة.
القسم الثاني: دراسة تطبيقية للأحاديث المُشْكِلَة الواردة في تفسير القرآن الكريم، وفيه فصول:
الفصل الأول: الأحاديث التي يُوهِمُ ظاهرها التعارض مع القرآن الكريم.
الفصل الثاني: الأحاديث التي ترد في تفسير آيةٍ ما، ويُوهِمُ ظاهرها التعارض فيما بينها.
الفصل الثالث: الأحاديث التي ترد في تفسير آيةٍ ما، ويُوهِمُ ظاهرها معنىً مشكلًا.
1 / 10
منهج البحث
اصطنعت منهجًا في البحث يقوم على الخطوات الآتية:
١ - جمعُ الأحاديثِ المشكلة - الواردة في تفسير القرآن الكريم - من كتب: الحديث، والتفسير، ومشكل الحديث، وشروح الحديث، وغيرها من مظان مشكل الحديث.
٢ - اقتصرتُ على دراسةِ الأحاديث المشكلة الواردة في الكتب التسعة، وهي: صحيحا البخاري ومسلم، وسننُ أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابنُ ماجة، والدارمي، وموطأ مالك، ومسندُ الإمام أحمد. (١)
٣ - قمتُ بدراسة جميع الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير جميع سور القرآن.
٤ - جعلتُ البحث في مسائل، وقسَّمتُ المسائل على ثلاثة فصول، ورتبتها في كل فصل حسب ترتيب سور وآيات القرآن الكريم.
٥ - في كل مسألة أذكر المباحث الآتية:
الأول: ذكرُ الآيةِ، أو الآيات الواردة في المسألة، وإذا كان في المسألة أكثرُ من آية فإني أذكر بعضها وأحيل في الحاشية على المتبقي منها.
الثاني: ذكرُ الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير الآية أو الآيات، وقد جعلتُ للأحاديث رقمًا متسلسلًا في البحث كله، وعددها [٧٦] حديثًا،
وجعلتُ لكل حديثٍ رقمين: الأول ويعني التسلسل العام للأحاديث في البحث كله،
_________
(١) جميع الأحاديث المشكلة الواردة في هذا البحث لم تخرج عن هذا الشرط؛ ما عدا قصة الغرانيق، فإنها لم تروَ في شيء من الكتب التسعة، وقد عمدتُ إلى دراستها نظرًا لأهميتها، واتكاء عدد من المستشرقين عليها، واتخاذها أداة للطعن في نبينا الكريم ﷺ.
1 / 11
والثاني ويعني تسلسل الأحاديث ذات المعنى المختلف؛ فإذا كان الحديث - في المسألة الواحدة - شاهدًا للذي قبله، وفي معناه، وليس فيه معنىً زائدًا؛ جعلتُ رقمه الثاني خاليًا من الترقيم هكذا: (..)؛ للدلالة على أنه بمعنى الذي قبله، وإذا كان يحمل معنى زائدًا جعلتُ له رقمًا خاصًا، وهكذا.
وقد بلغ مجموع الأحاديث التي تمت دراستها بجميع الروايات [٨٩] حديثًا، وبلغ مجموع الأحاديث ذات المعنى المختلف [٧٦] حديثًا.
الثالث: بيان وجه الإشكال في الأحاديث.
الرابع: ذكر مسالك العلماء في توجيه الإشكال، مع بيان أدلتهم إن وجدت.
الخامس: بيان القول الراجح في كل مسألة، مع ذكر حجة الترجيح.
٦ - اقتصرتُ على دراسة الصحيح، أو المختلف في تصحيحه، من الأحاديث المشكلة في التفسير، دون المتفق على تضعيفه، إلا أنْ يرد في المسألة الواحدة أكثر من حديث فإني أذكرها جميعًا وإن كان بعضها متفقًا على ضعفه، بشرط أنْ لا تخرج عن الكتب التسعة.
٧ - ضابط الأحاديث المشكلة في هذا البحث: ما نص عالم أو أكثر على وجود الإشكال أو نفيه (١)، مع مراعاة اصطلاح المحدِّثين دون الأصوليين في ضابط المشكل. (٢)
٨ - لم أدخل في هذا البحث أحاديث الصفات، والتي يعدها البعض من المشكل. (٣)
٩ - خرّجتُ الأحاديث الواردة في ثنايا البحث من الكتب المعتمدة في ذلك، فإن كانت في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بهما لصحتهما، وإذا لم تكن فيهما فإني أخرجها من مظانها في كتب الحديث الأخرى، وأذكر كلام أهل العلم فيها؛ فإن لم أجد اجتهدتُ رأيي في الحكم على الحديث حسب الصناعة الحديثية.
_________
(١) ويدخل في هذا الضابط: ما نص عالم أو أكثر على وجود التعارض أو نفيه.
(٢) لمعرفة الفرق بين اصطلاح المحدِّثين والأصوليين في تعريف المشكل انظر: ص (١٠) وما بعدها.
(٣) أحاديث الصفات يعدها بعض الأشاعرة من الأحاديث المشكلة، ومن الذين قالوا بإشكالها:
ابن فورك، والسيوطي.
1 / 12
وقد توسعت في تخريج الأحاديث المشكلة - الواردة في كل مسألة - فبينت طرقها ومخارجها وما فيها من علل إن وجدت، وذلك لما في التوسع من فائدة لمعرفة منشأ الإشكال، والذي غالبًا ما يكون بسبب وهم أو اضطراب من بعض الرواة، وأما إذا كان الحديث ليس هو في صلب المسألة؛ فإني اختصر في تخريجه وبيان حكمه، إلا أن يكون معلولًا وهو محل استدلال فإني ربما توسعت في تخريجه لبيان علله.
١٠ - خرّجتُ الآثار من الكتب المعتمدة في ذلك قدر جهدي واستطاعتي.
١١ - تركتُ الآثار المروية عن الصحابة والتابعين دون حكم على أسانيدها؛ إلا ما كان له أثر على الخلاف في المسألة، أو كان له حكم الرفع؛ فإني أبين حكمه حسب ما ورد في الفقرة التاسعة.
١٢ - وثّقتُ القراءات من مصادرها الأصلية.
١٣ - بيَّنْتُ معاني الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى بيان عند أول ورودها، وذلك بالرجوع إلى مصادرها المختصة.
١٤ - خرّجتُ الأبيات الشعرية من دواوين قائليها إن وجدت، وإلا فمن المعاجم التي تذكر الأبيات، مع عزو البيت لقائله.
١٥ - ترجمتُ للأعلام غير المشهورين الذين يردون في البحث.
١٦ - عند إيراد إسنادِ حديثٍ ما فإني لا أترجم لرجال إسناده؛ إلا إذا تطلب الأمر ذلك؛ لفائدة تتعلق بالراوي أو السند.
١٧ - أشرتُ إلى مواضع الآيات، بذكر أسماء السور وأرقام الآيات.
١٨ - عرّفتُ بالأماكن المبهمة - التي تُذكر في البحث - عند أول ورودها، وذلك بالرجوع إلى المعاجم المختصة.
الخاتمة: وذكرتُ فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.
شكر وتقدير
وفي ختام هذه المقدمة أرى لزامًا علي أن أُزجي الشكر والثناء لكل من أعانني على إتمام هذا البحث، فبعد شكر الله تعالى الذي له الحمد أولًا وآخرًا أتوجه بالشكر الجزيل لوالدي الكريمين، فقد كان فضلهما علي عظيمًا، وهما اللذان غرسا في نفسي حب الخير والعلم وأهله، وقد كان لتشجيعهما ووقوفهما معي الأثر البالغ في مواصلة مسيرتي العلمية، فلا أملك في هذا المقام إلا أن أرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى بأن يرحمهما كما ربياني
1 / 13
صغيرًا، وأن يرزقني برهما والقيام بحقهما على الوجه الذي يُرضيه عني.
كما أتقدم بالشكر لفضيلة شيخي وأستاذي سعادة الدكتور سليمان الصادق البيرة، حفظه الله ورعاه، الذي تفضل بقبول الإشراف على هذه الرسالة، وقد أعطاني من وقته - مع كثرة أعماله وأشغاله - الشيء الكثير، وكان لآرائه وتوجيهاته الأثر الكبير في تقويم هذا البحث، وإخراجه بهذه الحلة، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأجزل له المثوبة والعطاء.
كما أتوجه بالشكر لجامعة أم القرى ممثلة في كلية الدعوة وأصول الدين، قسم الكتاب والسنة، التي منحتني الفرصة لمواصلة تعليمي العالي، والتزود من معين العلم الشرعي، وأخص بالشكر سعادة عميد الكلية الدكتور عبد الله بن محمد الرميان، حفظه الله ورعاه، فقد كان معروفه علي وارفًا، وله وقفات، ستبقى خالدةً لا تُنسى.
وبعد: فقد بذلت قصارى جهدي في إخراج هذا البحث على أحسن ما يكون، متحريًا فيه الدقة والأمانة العلمية، فما كان من صواب فمن الله وحده، وله الشكر على ذلك، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله من ذلك.
وفي الختام: أسأل الله العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به دنيًا وأخرى، وأن يكلل جميع أعمالي بالتوفيق والنجاح، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
٢٠/ ٥/١٤٢٨ هـ
*****
1 / 14
القسم الأول
دراسة نظرية في الأحاديث المُشْكِلَة الواردة في تفسير القرآن الكريم
1 / 15
الفصل الأول
تعريف المشكل، وبيان الفرق بينه وبين التعارض والمختلف
وفيه مباحث:
1 / 17
الفصل الأول: تعريف المشكل، وبيان الفرق بينه وبين التعارض والاختلاف.
المبحث الأول: تعريف المُشْكِل في اللغة والاصطلاح:
المطلب الأول: تعريف المُشْكِل في اللغة:
المُشْكِل: اسم فاعل، مِنْ أشْكَلَ يُشْكِلُ إشْكالًا؛ فهو مُشْكِلٌ.
واسم الفاعل من غير الثُلاثي يأتي على زِنَةِ مُضارِعه، بإبدال حرف المضارعة ميمًا مضمومة، وكسر ما قبل الآخر. (١)
والمعنى اللغوي للمُشْكِل يدور حول: الاختلاط، والالتباس، والاشتباه، والمماثلة. (٢)
تقول: أشكل عليَّ الأمر، أي: اختلط بغيره. (٣)
ويُقال: حرف مُشْكِلٌ، أي: مُشْتَبِهٌ مُلتبسٌ، وأمورٌ أشكال، أي: ملتبسة، وبينهم أشكلة، أي: لبس. (٤)
والشَّكْلُ: الشَّبَهُ والمِثْلُ، والجمع أشْكَالٌ، وشُكُولٌ، يُقال: هذا أشْكَلُ بكذا، أي:
أشْبَه. (٥)
_________
(١) انظر: شذا العرف في فن الصرف، لأحمد بن محمد الحملاوي، ص (٩٧).
(٢) انظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٤٦).
(٣) انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس، لابن الأنباري (٢/ ١٥١)، وتهذيب اللغة، للأزهري
(١٠/ ٢٥).
(٤) انظر: تهذيب اللغة، للأزهري (١٠/ ٢٥)، ولسان العرب، لابن منظور (١١/ ٣٥٧)، والمصباح المنير، للفيومي، ص (٣٢١).
(٥) انظر: مختار الصحاح، لأبي بكر بن عبد القادر الرازي (١/ ١٤٥)، والقاموس المحيط، للفيروز آبادي، ص (١٣١٧).
1 / 18
قال ابن فارس (١):
«الشين والكاف واللام، مُعظمُ بابِهِ المُماثَلة، تقول: هذا شَِكْل هذا، أي: مِثْلُه، ومن ذلك يُقال: أمرٌ مُشْكِل، كما يُقال: أمرٌ مُشْتبِه». اهـ (٢)
المطلب الثاني: تعريف المُشْكِل في الاصطلاح:
تباينت آراء العلماء في تعريف المُشْكِل، فتعريفه عند الأصوليين يختلف عن تعريفه عند المُحَدِّثين والمفسرين، وسأذكر أولًا تعريفه عند أهل كلِّ فن، ثم أُبَيّن أوجه الفرق بين هذه التعريفات، ثم بعد هذا سأذكر تعريفًا جامعًا مانعًا يضبط معناه في اصطلاح المحدثين؛ لأن ما يعنينا في هذا البحث هو معناه في اصطلاح المحدثين دون الأصوليين، ثم أُتْبِع ذلك كله بتعريفٍ عامٍ للمشكل، يشمل معناه في اصطلاح الأصوليين، والمحدثين، والمفسرين.
أولًا: تعريف المُشْكِل في اصطلاح الأصوليين:
أكثر من تناول تعريف المُشْكِل في اصطلاح الأصوليين هم علماء الحنفية، وقد عرَّفه السرخسي (٣)، بقوله: «هو اسم لما يشتبه المراد منه، بدخوله في أشكاله على وجهٍ لا يُعرف المُراد إلا بدليل يتميز به من بين سائر الأشكال». اهـ (٤)
وقد أوضح السرخسي مراده بهذا التعريف عند بيانه للفرق بين المُشْكِل والمجمل، فقال: «والمُشْكِل قريب من المجمل، ولهذا خفي على بعضهم فقالوا: المُشْكِل والمجمل سواء، ولكن بينهما فرق، فالتمييز بين الإشكال - ليوقف على المراد - قد يكون بدليل آخر، وقد يكون بالمبالغة في التأمل حتى يظهر به الراجح، فيتبين به المراد، فهو من هذا الوجه قريب من الخفي، ولكنه فوقه، فهناك الحاجة إلى التأمل في الصيغة وفي أشكالها، وحكمه
_________
(١) هو: أحمد بن فارس بن زكريا، القزويني الرازي، أبو الحسين: من أئمة اللغة والأدب، من تصانيفه (مقاييس اللغة)، و(المجمل)، و(الصاحبي) في علم العربية، ألفه لخزانة الصاحب بن عباد، و(جامع التأويل) في تفسير القرآن، وغيرها، توفي سنة (٣٩٥هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي
(١٧/ ١٠٣)، والأعلام، للزركلي (١/ ١٩٣).
(٢) معجم مقاييس اللّغة، لابن فارس (٣/ ٢٠٤).
(٣) هو: محمد بن أحمد بن سهل، أبو بكر، السرخسي، شمس الأئمة: قاضٍ، من كبار الأحناف، مجتهد، من أهل سرخس (في خراسان). أشهر كتبه (المبسوط) في الفقه والتشريع، ثلاثون جزءًا، أملاه وهو سجين بالجب في أوزجند (بفرغانة) وله (شرح الجامع الكبير للإمام محمد) و(الأصول) في أصول الفقه، وغيرها. وكان سبب سجنه كلمة نصح بها الخاقان، ولما أُطلق سكن فرغانة إلى أن توفي بها سنة
(٤٨٣هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٥/ ٣١٥).
(٤) أصول السرخسي (١/ ١٦٨).
1 / 19
اعتقاد الحقيقة فيما هو المراد، ثم الإقبال على الطلب والتأمل فيه إلى أنْ يتبين المراد فيعمل به.
وأما المجمل فهو ضد المُفَسَّر، مأخوذ من الجملة، وهو لفظ لا يُفهم المراد منه إلا باستفسار من المُجْمِلِ، وبيان من جهته يُعرف به المراد.
وبهذا يتبين أنَّ المجمل فوق المُشْكِل؛ فإنَّ المراد في المُشْكِل قائم، والحاجة إلى تمييزه من أشكاله، والمراد في المجمل غير قائم، ولكن فيه توهم معرفة المراد بالبيان
والتفسير». اهـ (١)
وعرَّفه الشاشي (٢) فقال: «هو ما ازداد خفاءً على الخفي، كأنه بعدما خفي على السامع حقيقة دخل في أشكاله وأمثاله، حتى لا يُنال المراد إلا بالطلب ثم بالتأمل، حتى يتميز عن أمثاله». اهـ (٣)
وعرَّفه أبو زيد الدَّبُوسي (٤)، فقال: «هو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعنى الذي وضعه له واضع اللغة، أو أراده المستعير». اهـ (٥)
وعرَّفه الجُرْجَاني (٦)، فقال: «المُشْكِل: هو ما لا يُنال المراد منه إلا بتأملٍ بعد الطلب، وهو الداخل في أشكاله، أي: في أمثاله وأشباهه، مأخوذ من قولهم: أشكل، أي: صار ذا شَكْلٍ، كما يُقال: أحرم، إذا دخل في الحرم، وصار ذا حُرْمَةٍ». اهـ (٧)
وجمع بين هذه التعريفات الأستاذ عبد الوهاب خلاف؛ فقال: «المراد بالمُشْكِل في اصطلاح الأصوليين: اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المراد منه، بل لا بُدَّ من قرينة خارجية تُبيّن ما يُراد منه». اهـ (٨)
ويلاحظ من مجموع هذه التعريفات أنَّ معنى المُشْكِل عند الأصوليين:
_________
(١) المصدر السابق.
(٢) هو: إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب الخراساني، الشاشي: فقيه الحنفية في زمانه. نسبته إلى الشاش (مدينة وراء نهر سيحون) انتقل منها إلى مصر، وولي القضاء في بعض أعمالها، وتوفي بها. له كتاب (أصول الفقه)، يُعرف بأصول الشاشي، توفي سنة (٣٢٥هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (١/ ٢٩٣).
(٣) نقله عنه: الدكتور رفيق العجم في «موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين»، ص (١٤٢٨)، وانظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٠).
(٤) هو: عبد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدبوسي: أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود. كان فقيهًا باحثًا، نسبته إلى دبوسية (بين بخارى وسمرقند) ووفاته في بخارى، عن ٦٣ سنة. له (تأسيس النظر) في ما اختلف به الفقهاء أبو حنيفة وصاحباه ومالك، و(الأسرار)، في الأصول والفروع، عند الحنفية، وغيرها، توفي سنة (٤٣٠هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٤/ ١٠٩).
(٥) نقله عنه: الدكتور محمد أديب الصالح في «تفسير النصوص» (١/ ٢٥٣)، وانظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٠).
(٦) هو: علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف. من كبار العلماء بالعربية. ولد في تاكو (قرب استراباد) ودرس في شيراز. ولما دخلها تيمور سنة ٧٨٩ هــ فر الجرجاني إلى سمرقند ثم عاد إلى شيراز بعد موت تيمور، فأقام إلى أن توفي. له نحو خمسين مصنفًا، منها (التعريفات)، و(شرح مواقف الإيجي)، وغيرهما، توفي سنة (٨١٦هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٥/ ٧).
(٧) التعريفات، للجرجاني، ص (٢٧٦).
(٨) علم أصول الفقه، لعبد الوهاب خلاف، ص (١٧١).
1 / 20
هو اللفظ الذي استغلق وخفي معناه على السامع، ولم يتبين إلا بعد طلبٍ وتأمل، فقد يظهر معناه من قرينةٍ في النص، أو من دليلٍ آخر منفصلٍ عن النص، أو بتأمل ونظر، وقد لا يظهر.
ويقابل المُشْكِل عند الأصوليين: المتشابه، فقد يُعَبِّرُ بعضهم عن المُشْكِل بالمُتَشَابِه، كما إنَّ تعريفهم للمتشابه هو بعينه تعريف المُشْكِل، وقد عرَّفه أبو الوليد الباجي فقال: «المتشابه: هو المُشْكِل الذي يُحتاج في فهم المراد به إلى تفكرٍ وتأمل». اهـ (١)
وعرَّفه الشاطبي فقال: «ومعنى المتشابه: ما أشكل معناه، ولم يتبين مغزاه». اهـ (٢)
وقد أشار إلى هذا التداخل بين اللفظين شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: «ولهذا كان السلف ﵃ يُسَمُّون ما أشكل على بعض الناس حتى فُهِمَ منه غير المراد:
مُتشابهًا». اهـ (٣)
وهذا المصطلح للمُشكل استعمله بعض المفسرين والمحدثين، فقد يُطلقون الإشكال ويريدون به الخفاء وعدم وضوح المعنى، وقد ألَّفَ مكي بن أبي طالب كتابًا في غريب القرآن سمَّاه: «تفسير المُشْكِل من غريب القرآن»، حيث سمَّى الغريبَ مُشْكِلًا. (٤)
وألَّف ابن الجوزي كتابًا سمَّاه: «كشف المُشْكِل من حديث الصحيحين»، ومراده: شرح الألفاظ التي يراها غريبة، أو بحاجة إلى توضيح وبيان. (٥)
ثانيًا: تعريف المُشْكِل في اصطلاح المحدثين:
لم يتطرق الأوائل - ممن ألف في مشكل الحديث - لتعريفِ المُشْكِلِ
_________
(١) إحكام الفصول في أحكام الأصول، للباجي (١/ ١٧٦)، وانظر: التعاريف، للمناوي، ص (٦٣٣).
(٢) الاعتصام، للشاطبي (٢/ ٧٣٦).
(٣) نقض أساس التقديس، لابن تيمية، مخطوط (٢/ ٤٩٥).
(٤) انظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٥).
(٥) انظر: مقدمة تحقيق الكتاب، للدكتور علي حسين البواب (١/ ١٦).
1 / 21
بمعناه في اصطلاح المحدثين - إلا ما ذكره أبو جعفر الطحاوي في كتابه «مشكل الآثار»، حيث أشار في مقدمة كتابه لمعنى المُشْكِل فقال: «وإني نظرت في الآثار المروية عنه ﷺ، بالأسانيد المقبولة، التي نقلها ذوو التثبت فيها والأمانة عليها، وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما يسقط معرفتها، والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن استخراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها». اهـ (١)
وهذا الذي ذكره الطحاوي يُعد وصفًا لمعنى المشكل، لا تعريفًا له، وقد استفاد منه من جاء بعده من المتأخرين، حيث نقله الدكتور أسامة خياط، واستخلص منه تعريفًا لمشكل الحديث بأنه: «أحاديثُ مرويةٌ عن رسول الله ﷺ، بأسانيد مقبولة، يُوهِمُ ظاهرها معاني مستحيلة، أو مُعارضة لقواعد شرعية ثابتة». (٢)
وأفاد من هذين التعريفين الدكتور فهد بن سعد الجهني، فإنه نقل كلام الطحاوي ثم قال: «فمن الممكن استخلاص تعريفٍ للمشكل من خلال نص الطحاوي هذا بأنه: الحديث المروي عن رسول الله ﷺ بسند مقبول، وفي ظاهره تعارض يقتضي معنى مستحيلًا، عقلًا أو شرعًا؛ يحتاج في دفعه إلى نظر وتأمل». (٣)
وقد أشار إلى أنه أفاد من تعريف الدكتور أسامة. (٤)
وذكر الأستاذ عبد الله المنصور في كتابه «مشكل القرآن» تعريفًا مقاربًا لما ذُكِرَ، مع إضافة بعض الضوابط التي استخلصها من خلال استقرائه لبعض المؤلفات في مشكل الحديث، وقد خلص إلى أنَّ المراد بمشكل الحديث:
_________
(١) مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٦).
(٢) مختلف الحديث، لأسامة خياط، ص (٣٦).
(٣) قواعد دفع التعارض عند الإمام الشافعي، للدكتور فهد بن سعد الجهني، بحث منشور في مجلة جامعة أم القرى، لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، المجلد (١٧)، العدد (٣٢)، ص (٢٦٢).
(٤) المصدر السابق، ص (٢٩٦)، حاشية رقم (٣٠).
1 / 22
«الآثار المروية عن رسول الله ﷺ، بالأسانيد المقبولة، وجاء ما يُناقضها في الظاهر من آية أو حديث أو غير ذلك، مما هو ظاهر ومعتبر، أو فيها ألفاظ أو معانٍ لا تُعلم عند كثير من الناس». (١)
ويلاحظ من مجموع هذه التعريفات أنها لم تأتِ بتعريف جامعٍ مانعٍ لمشكل الحديث، وإنما ذكرت بعض أنواعه.
كما يُلاحظ أنَّ معنى المُشْكِل عند عامة المحدثين مغاير تمامًا لمعناه عند الأصوليين؛ إلا أنَّ بعضهم ربما أطلق الإشكال وأراد به معناه عند الأصوليين.
وهذه التعريفات التي ذكرناها سابقًا نستطيع أنْ نستخلص منها تعريفًا جامعًا مانعًا شاملًا لكل أنواع مشكل الحديث، مع إضافة بعض الضوابط التي لم تُذكر في تلك التعريفات.
وعليه فإن مشكل الحديث: هو الحديث المروي عن رسول الله ﷺ بسند مقبول، ويُوهِمُ ظاهره مُعارضةَ آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ آخر مثله، أو يُوهِمُ ظاهره مُعارضةَ مُعْتَبَرٍ مِنْ: إجماعٍ، أو قياسٍ، أو قاعدةٍ شرعيةٍ كليةٍ ثابتة، أو أصلٍ لغوي، أو حقيقةٍ علميةٍ،
أو حِسٍ، أو معقولٍ.
ثالثًا: تعريف المُشْكِل عند علماء التفسير وعلوم القرآن:
معرفة المُشْكِل عند علماء التفسير وعلوم القرآن يتطلب النظر في نوعين من المؤلفات:
الأول: الكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم، والثاني: الكتب المؤلفة في علوم القرآن.
ففي الكتب المؤلفة في التفسير نجد أنَّ هناك نوعين من التأليف:
الأول: كتبٌ مفردة في مشكل القرآن، وموهم التعارض بين آياته.
والثاني: كتبٌ عامة، جل اهتمامها هو التفسير؛ إلا أنَّ مؤلفيها ربما تطرقوا لحلِّ بعض مشكلات القرآن.
فمن الأول: كتاب «تأويل مشكل القرآن»، لابن قتيبة، وكتاب «حل
_________
(١) مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٣).
1 / 23
مشكلات القرآن»، لابن فورك، وكتاب «درة التنزيل وغرة التأويل»، للخطيب الإسكافي، وكتاب «دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب»، للشنقيطي. (١)
ومن أشهر الذين اعتنوا بحل بعض مشكلات القرآن في مؤلفاتهم التفسيرية: القاضي ابن عطية، في كتابه «المحرر الوجيز»، وأبو عبد الله القرطبي في كتابه «الجامع لأحكام القرآن»، والخازن في كتابه «لباب التأويل في معاني التنزيل»، والآلوسي في كتابه «روح المعاني».
وفي تلك الكتب لم نجد أحدًا منهم تطرق لتعريف المُشْكِل، إلا أنَّ مقتضى صنيعهم يدلُّ على أنَّ مصطلح المُشْكِل عندهم عامٌ يشمل كل إشكال يطرأ على الآية، سواء كان في اللفظ أم في المعنى، أو كان لتوهم تعارض، أو توهم إشكال في اللغة، أو غير ذلك. (٢)
وأما كتب علوم القرآن فقد أفرد بعض مؤلفيها أبوابًا خاصة لمشكل القرآن، تناولوا فيها تعريف المُشْكِل، وموهم التناقض بين آي القرآن، ومن أبرز من اعتنى بذلك: الزركشي، في كتابه «البرهان في علوم القرآن»، والسيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن»، وابن عقيلة المكي (٣)، في كتابه «الزيادة والإحسان في علوم القرآن».
قال الزركشي في النوع الخامس والثلاثين: «معرفة موهم المُخْتلف»، ثم عرَّف هذا النوع فقال: «وهو ما يُوهِمُ التعارض بين آياته». (٤)
ويلاحظ اقتصار الزركشي على نوع واحد من أنواع مشكل القرآن، وهو ما يُوهِمُ التعارض بين آياته، وقد ذكر نوعًا آخر في فصل مستقل، وهو موهم التعارض بين القرآن والسنة (٥)، وفي النوع السادس والثلاثين جعل خفاء اللفظ من المُشْكِل وأدخله في نوع المتشابه والذي يَعُدُّه من المُشْكِل. (٦)
_________
(١) انظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٣ - ٥٤).
(٢) انظر: مشكل القرآن، للمنصور، ص (٥٣ - ٥٤).
(٣) هو: محمد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكي، شمس الدين، المعروف بابن عقيلة: مؤرخ، من المشتغلين بالحديث، من أهل مكة، مولده ووفاته فيها. من كتبه (لسان الزمان) في التاريخ، رتبه على حوادث السنين إلى سنة ١١٢٣ هـ، و(الفوائد الجليلة) في الحديث، وغيرهما، توفي سنة (١١٥٠). انظر: الرسالة المستطرفة، للكتاني، ص (٨٤)، والأعلام، للزركلي (٦/ ١٣).
(٤) البرهان في علوم القرآن، للزركشي (٢/ ١٧٦).
(٥) المصدر السابق (٢/ ١٩٣).
(٦) انظر: المصدر السابق (٢/ ٢٠٠).
1 / 24