خاتم الأديان، وتعهد الله ﷿ بحفظ شريعته هذه بقوله ﷿: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ونبيه ﷺ قد أخبر أن الأُمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأُمم من قبلهم في مثل قوله ﷺ: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: من هم يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ فقال ﵊ فمنِ الناس؟!» أقول: وإن كان الرسول ﷺ قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف، لكن ﵊ في الوقت نفسه قد بشَّر أتباعه بأنهم سيبقون على خطه الذي رسمه لهم، فقال ﵊ في حديث: التفرقة: «وستفترق أُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة»، قال ﵊: «كلها في النار إلا واحدة»، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: «هي الجماعة» وفي رواية قال: «هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي» .
وأكد ذلك ﵊ في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين: «لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» . فإذن لا تزال في هذه الأُمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة، فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة؛ ولذلك فإن الذي أراه: أن إطلاق الجاهلية على القرن العشرين فيه تسامح، قد يُوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله ﷿ انحرافًا كليًا، فصار هذا القرن - القرن العشرون - كقرن الجاهلية الذي بُعِثَ رسول الله ﷺ إلى إخراجه من الظلمات إلى النور حينئذ، هذا الاستعمال أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفار أولًا، الذين كما قال تعالى في شأنهم: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ