ځو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
ژانرونه
تغير من ركوب البحر أنه أصبح اليوم ضرورة لا محيد عنها، بعد إذ كان مجازفة لا حاجة إليها.
فقد أصبحت قبرص ورودس وجزر الشاطئ القريب ملتقى تتربص فيه الأساطيل المتجمعة من أقطار دولة الروم، وأصبح امتناع السفن المغيرة بها خطرا على الشام وفلسطين ومصر والقيروان، لا يؤمن على غرة، ولا على استعداد وأهبة، ثم كان ما كان من اختيار المسلمين ركوب البحار اضطرارا وتجربتهم للسفن كبارها وصغارها، فذللوا المركب العصي الذي طالما تجنبوه، وتغيرت المشكلة ولم يبق بينها وبين مجازفة البحرين غير شبه قليل.
وعلى هذا الشبه القليل بين الأمس واليوم لم تزل شبهة التغرير بالناس قائمة لا تدفع إذا خيف الضرر ووقع الخطر، وقيل: إن ولاة الأمر لم يحذروا ما كان حذرهم منه عمر وأوجب الحذر منه على أتباعه وتابعيه.
وعسير أن يمنع غزو البحر، وعسير مثله أن يباح، فخرج عثمان من العسرين خير مخرج، وكتب إلى معاوية يأذن له ويشترط عليه «ألا ينتخب الناس ولا يقترع بينهم، وأن يخيرهم فمن اختار الغزو طائعا حمله وأعانه ...»
وعلى هذا الشرط غزا عبد الله بن قيس الجاسي قائد الأسطول خمسين غزاة «بين شاتية وصائفة في البر والبحر ولم يغرق أحد ولم ينكب ...»
واتفقوا مع أهل الجزر على شروط تحميهم الغرة وتبيحهم أن ينزلوا بها؛ ليمنعوا نزول العدو بأرضها واحتماء الأساطيل المغيرة بمرافئها، ورتبوا الحملة عليها من مصر والشام تأمينا للطريق من شرقها وغربها وجنوبها، فأمنوا البحر وأمنوه لمن يسلكونه من المسلمين والمسالمين، ولو أنهم تركوا البحر وشأنه لاستعصى عليهم بعد ذلك أن يدفعوا غارة الروم من قبل البحر كما دفعوها، وأن يسيطروا على سبل الملاحة خلال سنوات معدودات كما سيطروا عليها.
وكانت هذه الهمة من عثمان في علاج الأخطار الخارجية حلا نافعا في شئون الدولة الداخلية إلى حين؛ لأن مدافعة الأخطار من الخارج شغلت الناس زمنا عن شواغل السلم والدعة التي تفرقهم وتفرغ أوقاتهم للنقاش والجدال فيما يعنيهم أو لا يعنيهم، ولكن مواقع الجهاد اختلفت واختلف عدد المجاهدين فيها ونصيب كل مجاهد من غنائمها وأنفالها ومن رواتبها وأعطيتها.
وبدأ ذلك في عهد عمر، كما تبدأ مشكلات الميادين التي لا تستقر على قرار، بين الكر والفر، والإقامة والترحال ، وتعاقب الأمراء والقادة في ميادين القتال، فمما حدث في عهد عمر من ذلك أن أهل البصرة شكوا عجز خراجهم على كثرتهم، وأن أناسا يشاركونهم فيه ممن أقاموا معهم بعد تمام الفتح؛ فاختصم أهل البصرة وأهل الكوفة «وادعى أهل البصرة قرى افتتحها أبو موسى دون أصبهان، أيام أمد به عمر بن الخطاب أهل الكوفة، فقال لهم أهل الكوفة: أتيتمونا مددا وقد افتتحنا البلاد؛ فأنشبناكم في المغانم، والذمة ذمتنا، والأرض أرضنا. قال عمر: صدقوا. فقال أهل الأيام والقادسية ممن سكن البصرة: فلتعطونا نصيبنا مما نحن شركاؤكم فيه من سوادهم وحواشيهم؛ فأعطاهم عمر مائة دينار برضا أهل الكوفة، أخذها من شهد الأيام والقادسية ...»
وقد عزل عمر والي الكوفة عمار بن ياسر واستعمل عليها أبا موسى، وكان أهل الكوفة يشكون عمارا ويقولون لعمر: إنه لا يدري علام استعملته، فسألهم: ومن تريدون؟ قالوا: نريد أبا موسى، فولاه عليهم، فأقام عليهم سنة، ثم باع غلامه العلف فشكوه؛ فعزله وصرفه إلى البصرة.
ولبث عمر مهموما مغمورا بأمر هذه الشكايات، حتى اضطجع يوما بجانب المسجد وهو يفكر فيها واستيقظ وهو مكروب بادي الأسى، فقال له المغيرة بن شعبة: ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين إلا من عظيم، فقال: وأي شيء أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير؟ وأتاه أصحابه وهو بتلك الحال من الغم والأسى فسألوه: ما شأنك؟ فقال: إن أهل الكوفة قد عضلوني. واستشارهم فيمن يوليه، فأشاروا عليه بتولية المغيرة، فولاه، وأقام واليا عليها أكثر من سنتين إلى مقتل عمر، وكان من رأي المغيرة الذي استمع إليه عمر أن الوالي القوي المسدد أصلح من الضعيف التقي «أما الضعيف المسلم فإن إسلامه لنفسه وضعفه عليك وعلى المسلمين، وأما القوي المسدد فإن سداده وقوته لك وللمسلمين.»
ناپیژندل شوی مخ