وكان الدكتور طه يروي لي دائما كيف أنه احتاج يوما لإطارات لسيارته أيام الحرب، وكانت وزارة المواصلات التي كان أبي وزيرا لها هي المختصة بإعطاء الأذون للإطارات، وكان أخو الدكتور طه الشيخ أحمد حسين قد عمل مع أبي في وزارة الأوقاف، فطلب الدكتور طه إلى أخيه أن يرجو أبي ليعطيه الإطارات التي يريدها.
ويذكر الدكتور طه في سرور بالغ أن أبي غضب لهذا الطلب كل الغضب، وطلب من الشيخ أحمد حسين أن يصله بالدكتور طه تليفونيا، وقال له حين سمع صوته: «هل وصل الأمر أن ترسل لي وساطة بيني وبينك؟ لم أكن انتظر منك هذا أبدا.»
وأرسل إليه الإذن الذي يطلبه.
حدث أن تطاول أحدهم على أعلام الأدب، فكتبت مقالة عنيفة أهاجم هذا التطاول، ونشرتها في مجلة الرسالة الجديدة التي يرأس تحريرها الأخ الأعز العظيم يوسف السباعي، وفي نفس الأسبوع كنا في اجتماع كبير بنادي القصة، وحضر الاجتماع رئيس النادي الدكتور طه وأبدى إعجابه بمقالي ففرحت، ولم يكن فرحي بإعجابه قدر فرحي أنه يقرأ لي.
لا أدري لماذا كنت محرجا أن أوثق الصلة بيني وبينه، أو ربما كان ذلك لشعوري أنه عملاق عظيم، ومن حقه ألا يسطو أحد على وقته مهما يكن هذا الأحد معجبا متحمسا غاية التحمس في إعجابه.
وحدث أن كتبت روايتي «هارب من الأيام»، وظهرت في الأسواق أوائل عام 1957م، وكنت وأنا أكتبها يجمح بي الخيال وأسأل: ترى هل يقدر لهذه الرواية أن يقرأها طه حسين؟ وما تلبث نفسي أن تردني في عنف: حنانيك، ومن أنت حتى يقرأ لك طه حسين؟ لم يبق إلا أن يقرأ للبادئين من أمثالك، اعرف قدر نفسك أيها الشاب.
ولكنني مع ذلك لم أتردد أن أذهب بالنسخة الأولى إلى بيت الدكتور طه في الهرم، واترك الرواية مع بطاقة لي دون أن أستأذن في الدخول، ودون أن أسأل عما إذا كان الباشا موجودا أم لا.
ومرت أيام قلائل، وإذا بصديق العمر أخي الذي قل أن أعرف أحدا في وفائه ورحابة قلبه أمين يوسف غراب يأتي إلى البيت، وهو يكاد يطير من الفرح: «الباشا يريدك.» - «حقا!»
قال في فرحته الغامرة: «إنه معجب بهارب من الأيام، وعاتب عليك؛ لأنك لا تزوره.»
فقلت له وقد أصبحت فرحته في نفسي طيورا مجنحة دائمة الدف بجناحيها: «وماذا تنتظر؟ هيا بنا.»
ناپیژندل شوی مخ