وكانت سرعة ميشيل سويرس تشريفاتي رئيس الوزراء لم تتح لأحد منا أن يقف ليرحب به، فكنا جميعا جلوسا وظللنا جلوسا نستوعب المفاجأة إلا أبي الذي مرن على هذه المواقف لطول ممارسته لها؛ فقد قام من فوره وقصد إلى البهو الخارجي، واستقبل حسن باشا صبري، وسمعنا أبي يقول: «أهلا دولة الرئيس.»
وسمعنا أيضا حسن باشا صبري يقول: «أهلا برئيسنا العظيم.»
ودخلا معا إلى حجرة الاستقبال الكبيرة الملاصقة لحجرة المكتب، وفرغنا نحن إلى ميشيل سويرس نرحب به، ولم يكن أحد من الجالسين يعرفه.
كانت هذه الزيارة في الليلة السابقة مباشرة على انتخابات الرئاسة في مجلس النواب، ولكن الأقدار لم تشأ لهذه الانتخابات أن تتم في موعدها؛ لسبب لم يحدث في تاريخ مصر؛ فقد شاء الله في علياء سمائه أن يختار عبده حسن صبري رئيس مجلس وزراء مصر، وهو يلقي خطبة العرش التي تسبق الانتخابات، ويؤلف الوزارة حسين سري، وكان رشوان محفوظ وهو من كبار أعيان الصعيد ومن الوزراء السابقين للأحرار الدستوريين يطمع أن يدخل الوزارة، ولكن حسين سري لم يختره، فإذا به يغضب من الحزب، وينسلخ مع خمسة عشر عضوا عن انتخاب مرشح الحزب في رئاسة المجلس مع حبه الصادق لأبي، وهكذا لا يصل أبي إلى رئاسة مجلس النواب بسبب حسن صبري، وإن كان في هذه المرة سببا صنعته السماء لحكمة يعلمها الواحد العليم، وكان حسن صبري أداة لا اختيار لها.
وفي تعديل وزاري أصبح أبي وزيرا لوزارة الشئون الاجتماعية في وزارة حسين سري، وكان هذا في 26 يوليو عام 1941م.
ومن الطريف الذي أذكره في هذه الأيام أن النادي الأهلي بالزقازيق أعلن أنه سيقيم حفل تكريم لأبي بمناسبة توليه الوزارة، وقبيل اليوم المحدد للتكريم استقالت الوزارة، ولم يكن قد مر على تولي أبي منصبه شهر واحد، ولكن حدث أن سعى الساعون لإعادة التفاهم بين حزب الأحرار الدستوريين والحزب السعدي، ونجح المسعى، وكان لا بد أن يشترك الحزب السعدي في الوزارة. وكان الأحرار الدستوريون ممثلين في الوزارة بسبعة وزراء، كان لا بد أن يصبحوا أربعة ليجد السعديون وزارات لممثليهم في الوزارة، وظلت الوزارة تؤلف إلى اليوم المحدد لإقامة حفلة التكريم في الزقازيق.
ولم يذهب أبي إلى حفلة التكريم، وكيف كان يمكن أن يذهب وهو لا يعرف إن كان سيظل وزيرا أم سيخرج مع الخارجين.
ولم أذهب أنا أيضا إلى الحفلة طبعا، وذهبت إلى كازينو أوبرا، وأذكر أنني طلبت جيلاتي وأصابني بتسمم.
وقبل أن تبدأ بوادر التسمم كان أبي نائما، ودق جرس التليفون بالدور الأعلى من منزلنا وأجبت أنا وطالع أذني صوت حاد: «معالي الوزير موجود؟»
قلت: «هو نائم، من يريده؟»
ناپیژندل شوی مخ