ومرت سنوات، وعين أبي وزيرا، فكتب إليه برقية من بيتين يقول فيهما:
قل للوزير الألمعي مقالة
مشبوبة كذكائه المتوقد
الفأس قد أكلت يدي وأنا امرؤ
للطرس لا للفأس قد خلقت يدي
وأصدر أبي قرارا بتعيينه في وظيفة كتابية بمصلحة الطرق والكباري، وأقمنا احتفالا له بلبسه الحلة لأول مرة، وهكذا تخلى عن العمامة إلى الطربوش.
هذان الشخصان، الحاج أحمد القرعيش، وتوفيق عوضي أباظة، كان لهما أثر ضخم في حياتي؛ فقد بدأت أقرأ معهما الشوقيات منذ الإجازة السنوية الصيفية للسنة الأولى الثانوية، حتى انتهيت من دراسة الحقوق تقريبا بشكل متصل في جميع سنوات الحرب، وبشكل منقطع بعد انتهاء الحرب، وهذه التفرقة ليست بسبب الحرب، ولكنها كانت محكومة بتولي أبي للوزارة من أكتوبر عام 1944م، واضطراره أن يقضي الصيف في الإسكندرية مع الوزارة لمدة خمس سنوات متواصلة، وهي المدة التي بقيها في الوزارة.
كنا بعد أن يصعد أبي إلى الطابق الأعلى من منزلنا في غزالة يجتمع ثلاثتنا حول كلوب، فلم تدخل الكهرباء في بيتنا إلا بعد بداية جلساتنا بسنتين أو ربما ثلاث سنوات، وعكفنا على قراءة شوقي، ولم نقرأ مجتمعين غيره، وكان كل منا يقرأ ما يشاء منفردا. وقد تفضل الشاعران بأن جعلاني أقرأ أنا ويستمعان هما ويعلقان ويتعمقان كل بيت، حتى لا يبقى فيه معنى إلا ويصبح واضحا ظاهرا.
وفي الإجازة التي جاءت بين السنة الثانية الثانوية والثالثة الثانوية، قال الحاج أحمد لي: «أنت تكثر من اللحن بصورة مخيفة.»
فقلت: «لا يهم.»
ناپیژندل شوی مخ