1
في حين أن الفلسفة المعاصرة في الغرب تقول: إن الجسد هو جوهر الإنسان. فعند ميرلو بونتيه الإدراك الحسي في الجسد، والحركة بالجسد، والسير في المكان بالجسد، والحب بالجسد، والحياة بالجسد، والموت بالجسد. وقد نشأت مثاليا، ثم انتهيت وجوديا، بدأت بالعقل، وانتهيت بالجسد.
تناوبت الصحة والمرض علي منذ الشباب وحتى الكهولة، فمنذ الطفولة وأنا ألعب لعبة من يرفع الصفيحة إلى أعلى، ويمسكها بيديه يكون أبوه ملكا. وبطبيعة الحال كنت أريد أن يصبح أبي ملكا؛ فرفعت الصفيحة إلى أعلى وبدلا من أن أمسكها جيدا، وقعت على رقبتي، وكادت أن تشقها بجوار العنق. فأسرعت والدتي بي إلى المستشفى، وعالجتني، وضمتني إلى صدرها، وسألتني: «هل كان من الضروري أن يصير أبوك ملكا؟ وماذا أكسب أنا لو فقدتك وأصبح أبوك ملكا؟»
ومرة ثانية كنت في السطح أقف بجوار طاولة ثقيلة من الخشب ويبدو أنها كانت جزءا من سرير، وقعت على قصبة ساقي فكسرته وحملتني أمي إلى برسوم المجبراتي بميدان محطة مصر، وجبرني، وظللت مدة طويلة لا أستطيع السير على ساقي.
ومرة ثالثة عندما أجروا علي عملية الطهارة، وربطوني بالشاش والقطن، وكان يأتينا زائر، قريب أو صديق لا أذكر، كنت أرفع الجلباب وأقول له «بص اتطهرت.» فتقول لي والدتي: «عيب يا ولد!»
ولما لاحظت أسرتي أن نظري ضعيف، ذهبت إلى عيادة العيون. كشف علي الطبيب، وأعطاني نظارة، فكنت أرى بطريقة أفضل. ولما كنت ألعب في الحارة بالكرة كانت الكرة تقذف في وجهي فكسرت النظارة، وكانت في ذلك الوقت عدساتها من الزجاج، فتتكسر باستمرار لكثرة لعبي في الحارة، ووقوعي على الأرض، وكانت والدتي تقول: «من أين سنأتي لك بالمال في كل مرة تكسر فيها نظارتك؟»
وبعد ذهابي إلى فرنسا، وتناول الطعام مرة واحدة في اليوم، كنت أجهد نفسي بين دراسة الفلسفة في السوربون صباحا، والموسيقى في الكونسرفتوار بعد الظهر، والقراءة وعزف الكمان مساء. تعبت وأحسست بالإرهاق، فذهبت للكشف بعيادة المدينة الجامعية، كانت وجبة الطعام بسبعة فرنكات ونصف، وكنا نستحق وجبتين، وكانت تخفض للطلاب دون منح إلى خمسة فرنكات ونصف، ثم تخفض مرة ثانية للطلاب الأكثر فقرا مثلي إلى ثلاثة فرنكات ونصف، وبما أنني كنت أتناول الطعام مرة واحدة فقط في اليوم، كنت أبيع بطاقة الوجبة الثانية بمبلغ سبعة فرنكات ونصف؛ فكنت أكسب أربعة فرنكات في الوجبة. وفي مرة وجه لي أحد الطلبة الفرنسيين الإهانة لأنه اشترى البطاقة بسبعة فرنكات ونصف؛ فوصفني بأنني تاجر جشع ولكن ماهر؛ حيث أشتري البطاقة بثلاثة فرنكات ونصف وأبيعها بسبعة ونصف. حزنت للإهانة وقلت في نفسي يا ليته كان يعلم السبب. فاكتشف الأطباء أنني مصاب في الرئة اليمنى بمرض الدرن أي السل. حجزوني مدة أربعة أشهر للعلاج بمادة تنقط عن طريق الوريد مرتين يوميا. وطلبوا مني أن أعيش كما يعيش باقي البشر، أن آكل لأعمل، وإلا قضيت على حياتي بنفسي.
وبعد عودتي إلى مصر كنت في منزل أخي. اكتشفت بنت أختي الطبيبة أن لون بشرتي أصفر. وكنت أنهج عند صعودي السلم؛ فأخذتني بالضرورة إلى مستشفى القصر العيني، فوجدوا أن أربعة شرايين في القلب مسدودة، وأنني أعيش بشريان واحد. فأشاروا علي بضرورة إجراء عملية للقلب المفتوح، وعلى يد أفضل جراح، ولكنه يجري العمليات بمستشفى السلام الدولي وليس بالقصر العيني؛ لأنها كانت أفضل. مكثت أسبوعا بالمستشفى، وبعدها خرجت محاولا ألا أجهد نفسي في العمل.
وفى مرة أخرى اكتشف الأطباء وجود حصوات صغيرة بالمرارة؛ فخشوا أن تكبر وتسد قناة المرارة؛ وطلبوا إجراء عملية جراحية لاستخراج الحصوات ولاستئصال المرارة، ثم وجدوا التهابا «بالبروستاتا» فطلبوا استئصالها أيضا.
ولما أصبت بداء السكري وبدأت جروحه تظهر على قدمي، طلب الأطباء مداواة الجروح وهو الأمر الذي استغرق مني عدة سنوات بعد أن عرضت الأمر على أكثر من طبيب، ثم وجدوا السكر قد امتد لقدمي ووصل الالتهاب لقدمي؛ فطلبوا استئصال الإبهام خشية وصول الالتهاب لكل القدم.
ناپیژندل شوی مخ