الجراد يلتهم 600 فدان بخمس محافظات
13
برهن ولي العهد على أنه الطفل المعجزة؛ فلم يكتف باستعادة موهبة البث كاملة، وإنما أداره باللغة الإنجليزية مباشرة. وأيا كان الدور الذي لعبه الطبيب إياه في الوصول إلى هذه النتيجة الباهرة، فإن الفضل الأساسي فيها يعود بالتأكيد إلى الظاهرة المعروفة باسم «النفس».
فبناء على نصيحة الماكينات لذات بالشروع في التخطيط لمستقبله من الآن، وحجز الأماكن الضرورية له، ابتداء من مقعد الدراسة إلى شقة الزوجية، وضعت العمامة التي أضافتها إلى إكسسوارها، واصطحبت سميحة في زيارة استكشافية للمدرسة الحكومية القريبة، التي تجمع بين المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
لم يسبق لها أن اقتربت من إحدى مدارس البنين؛ ولهذا كانت الزيارة مشحونة بالمفاجآت؛ تلاميذ الفترة المسائية (التي تبدأ في منتصف النهار) ينتظرون أمام الباب، المؤلف من قضبان حديدية يغطيها لوح من الصاج الأسود، جالسين على الرصيف، وحقائبهم ملقاة في التراب، بينما اشتبك أربعة منهم في عراك حام وصاخب، ترددت خلاله أقذع الشتائم، وانتحى خامس جانبا ووقف يتبول إلى جوار سور المدرسة؛ التلميذ الذي أخفى نصف سيجارة مشتعلة خلف ظهره، وفتح الباب لسيدة محجبة، مدرسة في الغالب، تحمل سلة من الخضراوات، أرادت الخروج، فمرقت ذات إلى جوارها داخلة ورفيقتها في أعقابها؛ الناظر المترهل الجسم، في بلوزة رخيصة رمادية اللون، وبنطلون من نفس اللون، وصندل مفتوح من الجلد تبدو منه أصابع قدميه العاريتين، والذي انهمك في توجيه الصفعات إلى ثلاثة تلاميذ تبادلوا اللكمات أثناء الدرس، وقذفوا ظهر المدرس بالكتب، ثم أطلق صيحة يائسة: «يخرب بيوتكو يا ولاد الكلاب!» تكررت عندما ولج الغرفة أربعة تلاميذ ومدرستان يحملون مدرسة شابة شاحبة الوجه: «ما لها؟»
أوضحت إحدى المدرستين: «وقعت في الفصل. جاها نفس.»
فقال وقد تضاعف يأسه: «شوفوا لها كلونيا.»
ثم تحول لذات: «أفندم؟»
وعندما عرف مطلبها قال لها في لهجة أشبه بالبكاء: «المبنى التاني.»
هناك تعرفت على ظاهرة النفس، بعد أن عبرت، وسميحة من خلفها، منفذا ضيقا بين مبنى القسم الإعدادي وسور المدرسة، إلى فناء تناثرت في أنحائه علب السجائر الفارغة والأوراق الممزقة وقشور البرتقال، وعطرته الرائحة المنبعثة من بالوعة صرف مفتوحة، ووصلتا إلى مكتب الناظر، الذي فتنته ركبتا سميحة، فصحبهما إلى أحد الفصول التي ستستقبل ولي العهد بعد سنتين (إن شاء الله)، ودفع بابه دون أن يطرقه، فانفرج عدة سنتيمترات، ثم توقف كأن شيئا حجزه، وهبت خلاله رائحة خانقة أجبرتها على التراجع برأسها، بعد أن رأت أكثر من مائة طفل محشورين في مساحة صغيرة لا تزيد عن غرفة نومها، ضمت أربعة صفوف من المكاتب الخشبية، التي خصص الواحد منها في الأصل لتلميذين متجاورين، فاحتله الآن أربعة وأحيانا خمسة، وجلس الباقون على الأرض بين الصفوف، فوق كتبهم وملابسهم.
ناپیژندل شوی مخ