166

تولت ذات الرد على استفسارات ولي عهدها برحابة صدر؛ فلم تلحظ في الوقت المناسب أن السائق، بدلا من أن يتجه إلى ميدان روكسي، قد انحنى يمينا في اتجاه رئاسة الجمهورية ومنطقة الميرغني. توسلت بالصبر بضع لحظات على أمل أنه يقوم بالتفافة قصيرة لسبب ما، وعندما رأته ممعنا في صراط مستقيم تجرأت وسألته في لطف، فقال إنه ذاهب إلى كلية البنات لتوصيل الراكبة الأخرى وولية عهدها. لم تستسلم بسهولة وجادلته في أسس المنطق، ومستشهدة بأقوال من قبيل «ودنك منين يا جحا»، وأولويتها في الركوب وبالتالي في النزول، بينما كان هو مستمرا في طريقه لا يلوي على شيء، حتى تم إيداع الراكبة الممتعضة (بالطبع) وابنتها بسلام في شارع جانبي خلف كلية البنات، وخلال ذلك كانت أجرته المتوقعة قد هبطت من جديد إلى نصف جنيه، ثم ارتفعت إلى الجنيه عندما أسر إليها، وهو يتجه أخيرا إلى الطرف الآخر من مصر الجديدة، أنه يسكن هناك وأنه عائد إلى منزله، وأن خط السير الذي اتبعه هو الخط المنطقي في مثل هذه الظروف. ناولته الجنيه وهي تجذب مصراع الباب، فانخلع في يدها، بينما أمسك هو الورقة البائسة بأطراف أصابعه في استهانة قائلا: «خمسين قرش كمان.»

كانت في مركز ضعيف؛ فهو الذي يملك إطلاق سراحها، وقد فعل بعد أن ناولته الورقة الإضافية التي طلبها، فمال فوق ظهر مقعده وفتح لها الباب من الخارج، دون أن يغفل النظر إلى ساقيها، متلمسا فرصة عند النزول تكشف له عن إحدى عتبات قدس الأقداس المتواري بينهما، ثم أغلق الباب خلفها في عنف، مشيعا إياها بالشتائم الموجهة إلى أبيها وأمها وجنسها كله، بينما اتجهت هي إلى الميكروفون الجهوري الذي كان يدعو إلى الإيمان بالله ونبذ الدنيا، وأضاف الآن، في عويل يقطع نياط القلوب، الاستنكار لأن يكون هناك رئيس يدعى حنا ويحمل إليه كوب الشاي من يدعى محمد. استقبلتها فتاة محجبة لم ترها من قبل، فشرحت لها بغيتها بصوت حرصت على أن يبلغ مسامع الكهل ذي الطاقية البيضاء الذي كان في مكانه المعهود خلف ماكينة التصوير، يتمتم بالآيات والأحاديث المناسبة.

تحولت الفتاة المحجبة إلى الكهل قائلة: «دكتور فتحي، المدام أخذت هذه اللعبة اليوم وفي البيت وجدتها بثلاث عجلات فقط.»

صاح الدكتور فتحي مهتاجا، وقد تخلى نهائيا عن لغة القرآن: «وأنا أعملها إيه؟»

توجهت إليه ذات بالحديث، متوسلة بكل ما تملك من منطق: «المفروض آخذ واحدة تانية بدلها.»

خبط الدكتور فتحي بيده على جهاز التصوير قائلا: «مين قال ده؟ أنا أخدت البضاعة من صاحبها وانتي اشتريتي مني، فأنا مالي؟»

كان قد انتهى من التصوير، فناول الأوراق للزبون وأشار إليه أن يذهب إلى صندوق النقود بجوار المدخل، الذي تجلس خلفه كهلة محجبة، وتبعه متجها إلى الخارج قائلا: «سأذهب للصلاة.»

وقفت ذات حائرة في منتصف الدكان لا تدري ماذا تفعل، بينما اختفت الفتاة المحجبة في الداخل، وانشغلت الكهلة بحساب الزبون، وعندما فرغت منه تحولت إلى فتاة صبوحة الوجه، تغطي رأسها بمنديل أزرق اللون، ولجت الدكان على استحياء واقتربت من الكهلة مستفسرة عن الدكتور فتحي، موضحة بصوت خافت أن زوجها يطالبها بالبقاء في البيت، بينما تريد مواصلة العمل؛ ولهذا تريد أن تعرف حكم الشرع في الأمر.

طمأنتها الكهلة بأن الدكتور سيعود من الصلاة بعد قليل، وتحولت إلى ذات متسائلة في برود: «أي خدمة؟»

فتحت ذات فمها لترد، لكن لسانها امتنع عن الحركة، فاضطرت لإغلاقه بعد لحظة، وانسحبت بهدوء محتفظة بالسيارة ذات العجلات الثلاث، ناهرة ولي العهد في عنف عندما شرع يحرك أصابعه، مما أطلقه في نوبة بكاء حارة من القلب. جرته خلفها إلى السوق الواقع خلف منزلها، فاشترت ليمونا لعبد المجيد، دون أن يخطر لها أنها ستكون المستفيدة الأولى منه؛ لأنها انضمت إلى زوجها في فراش المرض بمجرد دخولها الشقة.

ناپیژندل شوی مخ