مقدمة
تقديم
خواطر في اللذة
الذات واللذات
مقدمة
تقديم
خواطر في اللذة
الذات واللذات
الذات واللذات
الذات واللذات
ناپیژندل شوی مخ
تأليف
أمين سلامة
مقدمة
ما كان ليجول بخاطري أن أتعرض لهذا الموضوع الشائك الشاق، وما كنت أفكر لحظة أن قلمي سيطاوعني ويلعب دوره في إبراز معالم اللذة، وإبانة مواقعها، وتفسير مدلولاتها، واستجلاء كافة معانيها ومراميها، ولكن الله أراد؛ فإذا بي أسطر هذا الكتاب ضمن سلسلة «في مرآتي» ليصبح اسمه «اللذة في مرآتي»، ولكني آثرت - والكتاب تحت الطبع - أن يكون اسمه «الذات واللذات».
واللذة ككلمة لذيذة ذات أثر ممتع على السمع وعلى النفس، كثيرا ما ننطقها وتتردد على ألسنتنا ونحس بطعمها الحلو دون أن نكون قد وضعنا شيئا على الإطلاق بأفواهنا؛ فأحيانا نتذوقها بعقولنا وأفئدتنا؛ إذ يستهوينا الشيء اللذيذ، فنقبل عليه ونتكالب، ونود أن نعب منه عبا، طالما هو لذيذ يفرج عنا الكربة، وينسينا الغمة، ويبعدنا عن هموم الحياة المدلهمة.
قال جورج آرمان: «صيحة نواح تندو من الرجال عندما يتألمون، ومن النساء عندما يشعرن باللذة.» وقال محمد الحارثان: «من انطبع في فص خاتم استعداده نقوش الحقائق، فقد ذاق اللذة القصوى.» وقال أبو حاتم المظفر: «نسبة اللذة الجسمية إلى اللذة العقلية كنسبة المتنسم إلى المتطعم.»
واللذة كلمة مطاطة شاملة غير واضحة المعالم، تقال في حالات متعدد فتعطي طعوما مختلفة؛ فهناك لذات دنيا، كما أن هناك لذات عليا، وهناك لذات شهوانية وأخرى روحية، ولذات معنوية وأخرى حسية؛ فعالم اللذة عالم مترامي الأطراف، لا حدود له ولا آفاق، إنه ملء الأرض والبحر والسماء؛ ففي السماء لذات كما في الأرض لذات، في المثل لذات وفي الشهوات لذات، للإنسان لذات وللحيوان لذات وللنبات لذات، فتنعم جميع الكائنات الحية بشتى اللذات. كذلك للأفعال وللأعمال لذات، وللحركات والخطوات لذات، وللسكون والجمود والثبات والنوم لذات، كما للأكل والشرب لذات. كل منها له لذاته التي تؤثر في الإنسان فيستجيب لها طائعا، كل حسب هواه وعشقه وميوله ونزواته ورغباته ومشتهياته.
قال أبو الفتح بن أبي سعيد: «من طلب لذة عقلية فليس له أن يطلب لذة حسية تمنعه عنها؛ كي لا يكون كمن باع الذهب بالخزف.»
وقال بهمن يار: «اللذات العقلية شفاء لا يعقبه داء، وصحة لا يلزمها سقم.» وقالت العرب: «لا خير في لذة تعقب ندما.»
لذلك أردت في هذا الكتاب المتواضع أن أعالج موضوع اللذة، وألقي الأضواء على مكامنها ومواقعها ومكنوناتها ومدلولاتها. وقد تتفق معي، أيها القارئ العزيز، في كثير مما كتبت، وقد تعارضني في شيء مما كتب، وأنت في كلتا الحالين محق؛ فما أراه أنا لذيذا قد لا تراه أنت كذلك، والعكس صحيح. غير أنه مما لا شك فيه أنك، أيها القارئ، ستتفق معي في كثير مما قلته في مجال اللذة من أقوال أعتبر نفسي أول من تجاسر على الإدلاء بها بكل هذا الكلام، الذي يدخل في باب الحكمة أكثر منه في باب المقال أو القصة، ولكنك لو جمعت سطور هذا الكتاب في حبل واحد، لخرجت بقصة تحكي لك كل شيء عن تلك الكلمة التي تخرج من أفواهنا في أوقات معينة وفي لحظات بعينها وبحساب دقيق؛ فليس كل ما حولنا لذيذا، كما أن اللذة لا تأتينا إلا لماما؛ فالنفس لا تحس باللذة إلا في لحظات قليلة، ولا يمكن أن نستغرق فيها أياما وشهورا، وإن كان هذا جائز الحدوث لمن يعرف طريق اللذة النظيفة الحلال، البعيدة عن غضب الله والناس معا.
ناپیژندل شوی مخ
أستطيع أن أقول لك، بكل ثقة، إنني عشت لحظات سعيدة لذيذة طوال المدة التي كنت أؤلف فيها كلمات هذا الكتاب، وكانت لذتي الكبرى تتضاعف كلما انتهيت من كتابة قول، ثم بعد أن أنتهي من كتابة صفحة كاملة. ولما أوشكت على الانتهاء من هذا الموضوع، اجتاحتني لذة أن أمضي وأسترسل لأستمر في النشوة التي تغمرني وتملؤني، ولكن كان لا بد لي من أن أتوقف حتى لا يتجاوز الكتاب المطبوع حده الجديد المألوف الذي تحتمه ظروف الطباعة وتكاليفها، وحتى لا يتجاوز سعره مقدور القارئ العزيز.
أوحى إلي بفكرة هذا الكتاب صديقي الأستاذ سيد صديق، الذي كان يلح علي في أن أعالج موضوع «الجمال » بقلمي وبأسلوبي المختصر القاطع. ولما سألني عما إذا كنت قد شرعت في الكتابة أفهمته بأنني لم أشرع بعد، وقد لا أشرع فيها، فاقترح علي أن أفكر في موضوع «اللذة»، فأعجبتني هذه الفكرة، كما أعجبتني الكلمة، وظللت متأرجحا بين أن أجعل عنوان الكتاب «الذات واللذات» أو «اللذة في مرآتي». وأخيرا، آثرت أن أجعل كتاب «اللذة» هذا خاتمة السلسلة التي بدأتها بالمرأة في مرآتي، ثم الرجل في مرآتي، ثم الحب في مرآتي، ثم الزواج في مرآتي. هذا، وإن كان الاسم الآخر «الذات واللذات» اسما صالحا تماما لهذا الكتاب، ويمكن أن تطلقه عليه بكل ارتياح، وهذا ما فعلته وأخذت به في آخر لحظة.
أخوف ما أخافه ألا يجد هذا الكتاب طريقه إلى المطبعة ليخرج إلى القارئ الكريم فيستمتع بما جاء فيه، ويستفيد من الصور اللذيذة التي يضمها؛ ذلك لأن خزاناتي غدت تضيق وتضيق بالتراجم والمؤلفات الخطية التي لا تجد لها طريقا إلى النور. وهذه مشكلة قد يدركها بعض القراء، ولكن الكثرة لا يقفون على أسرار هذه المشكلة؛ فما عاد من السهل أو بالإمكان نشر كتاب عن طريق الحكومة أو القطاع العام أو الناشر الخاص، إذن لم يبق سوى النشر على نفقة الكاتب نفسه. وهنا تبرز عدة عقبات، أهمها: ما وصل إليه سعر الورق من أرقام خيالية غير مشجعة، فضلا عن ارتفاع أجور الأيدي العاملة، وغلو أجور الرسامين والزنكوغراف، وطباعة الأغلفة والأحبار، وغير ذلك مما لا يحس به إلا المتصل اتصالا وثيقا بهذه المهنة. والذي أود أن ألفت إليه أنظار القراء الكرام، هو أن صناعة التأليف أصبحت صناعة مخربة قبل أن تكون صناعة مربحة، ومع ذلك فكم أتمنى أن يساعدني المولى فأدفع بهذا الكتاب إلى المطبعة؛ ليخرج كتابا يقرؤه الناس، ويجدون فيه متعة ولذة.
يدخل هذا الكتاب في زمرة المائة الثانية، التي لم يظهر بعد منها غير حفنة تعد على أصابع اليد الواحدة. ولما كان ما بقي من العمر لا يسمح برؤية سوى بضعة أرقام من المائة الثانية، لذا لا يسعني إلا أن أشكر المولى، عز وجل؛ إذ أحياني حتى أبصرت كتبي المائة الأولى، التي حظيت بظهورها كتابا وراء آخر، فأشعرتني بلذة لا يمكن وصفها أو التعبير عنها، حتى ولو منحت فصاحة سحبان، رغم أنني تعرضت لها في سطور هذا الكتاب الذي ينضح لذة من كل لون، ومن كل شكل، ومن كل طعم ومذاق.
وبنفس اللذة التي بدأت بها سطور هذه المقدمة، أضم هنا بعض ما وقع تحت يدي من أقوال وأشعار مشاهير الأدباء في مضمار «اللذة».
قال دي سنانكور: اللذة بداية الاضمحلال، وإنكار الذات اقتصاد في الحياة.
وقال تشترفيلد: اختر لذاتك، ولا تسمح بأن تفرض عليك فرضا. اتبع الطبيعة لا الزمن؛ لأن التمتع باللذات في الوقت الحاضر لا بد أن يتم بموازين نتائجها، وبعد ذلك اترك فصل الخطاب في الاختيار لحاستك الاجتماعية.
وقال أيضا: اللذة هي الصخرة التي تتحطم عليها سفن السواد الأعظم من الشبان؛ فهم يركبون سفنهم ويخرجون بها إلى عباب البحر دون دليل يرشدهم في مسيرهم، وبلا عقل يستطيع قيادة السفينة. وبسبب افتقارهم إلى هذا وذاك يكون العار والألم وليس اللذة؛ نتيجة سفرهم على ظهر بحر الحياة.
وقال هيجر: خلق الله القط لكي يعطي الإنسان لذة في مداعبة النمر وملاطفته في سبيل ترويضه.
وقال بيكنسفيلد: البقاء على قيد الحياة لذة من أعظم اللذات، وإن البشر لأضيق ذرعا من أن يحرمونا إياها. وما دامت الحياة أفضل من الموت، فخير للإنسان أن يعيش في هناء وسرور، لا في حزن ونكد.
ناپیژندل شوی مخ
وقال جوستاف لوبون: لم يعرف الإنسان سوى حقيقتين مطلقتين؛ اللذة والألم، وعليهما تقوم حياته منفردا ومجتمعا.
وقال أيضا: لم تهتد الشرائع الدينية ولا القوانين الاجتماعية إلى أسس تدعم بها تعاليمها إلا رجاء اللذة ورهبة الألم؛ فعقاب أو ثواب، وجنة أو جحيم.
وقال أيضا: أطوار السطور محدودة؛ لذلك لا يلبث الإنسان أن يحصل على غاية اللذة أو منتهى الألم.
وقال وليم هازلت: إذا بعد شيء ما عن أن يكون موضوعا يقبل الجدل، فقد بعدت عنه لذته.
وكان الإمام أبو حنيفة، رحمه الله، إذا أخذته هذه المسائل يقول: أين الملوك من لذة ما نحن فيه؟ فلو فطنوا لقاتلونا عليه.
وقال المأمون: نظرت إلى اللذات فوجدتها كلها مملوكة سوى سبع لذات؛ خبز الحنطة، ولحم الغنم، والماء البارد، والثوب الناعم، والرائحة الطيبة، والفراش الوطيء، والنظر إلى الحسن من كل شيء.
وقال المتنبي:
ضنى في الهوى كالسم في الشهد كامنا
لذذت به جهلا وفي اللذة الحتف
وقال أيضا:
ناپیژندل شوی مخ
سبحان خالق نفسي كيف لذتها
فيما النفوس تراه غاية الألم!
وقال مرة أخرى:
جمع الزمان فلا لذيذ خالص
مما يشوب ولا سرور كامل
وقال الجاحظ: تأملنا شأن الدنيا، فوجدنا أكبر نعيمها وأكمل لذاتها، ظفر المحب بحبيبه، والعاشق بطليبه.
وقال الأحنف بن قيس: لا خير في لذة تعقب ندما رب هزل قد عاد جدا.
وقال مصطفى صادق: ليست اللذة في الراحة ولا الفراغ، ولكنها في النصب والكدح والمشقة؛ حتى تتحول أيامه إلى راحة وفراغ.
وقال دكتور حسين هيكل باشا: الحياة تحركها الشهوة، والشهوة لا تعرف العقل!
وقال قاسم أمين: «اللذة التي تجعل الحياة قيمة، هي أن يكون الإنسان قوة عاملة ذات أثر خالد في العالم.»
ناپیژندل شوی مخ
وقال أيضا: «اللذة الحقيقية التي تجعل للحياة قيمة ليست حيازة الذهب، ولا شرف النسب، ولا علو المنصب، ولا شيئا من الأشياء التي يجري وراءها الناس عادة، وإنما هي أن يكون الإنسان قوة عاملة ذات أثر خالد في العالم.»
وقال لقمان لابنه: «يا بني، لا ينبغي لعاقل أن يخلي نفسه من أربعة أوقات؛ فوقت منها يناجي فيه ربه، ووقت يحاسب فيه نفسه، ووقت يكسب فيه معاشه، ووقت يخلي فيه فيما بين نفسه وبين لذاتها؛ ليستعين بذلك على سائر الأوقات.»
ومن الأقوال الأمريكية، قولهم: «قد تكون لذة الإنسان في جعل الغير سعداء، أوفر من لذته في أن يكون هو نفسه سعيدا.»
وقال بلزاك: اللذة المجردة هي لذة الإخلاص دون غرض؛ لذة المسئولية أمام الضمير.
وقال الفيلسوف شوبنهور: ليس العنصر المهم في الحب هو الحب المتبادل في امتلاك الحبيب، وإنما هو في اللذة الجسدية.
وقال أيضا: تمثل اللذة اللحظة القصيرة بين ضغط الماضي وجاذبية المستقبل.
وقالت مارسيل بروست: اللذة وليدة نظرة عقلية، تقطع من نسيج السعادة خيوطا ضئيلة.
وقال تشارلز لام: أعظم لذة أعرفها هي أن أفعل العمل الطيب خفية، ثم أراه يظهر مصادفة.
وقال حكيم: اللذة سعادة الحمقى، والسعادة لذة العقلاء.
وقال حكيم آخر: «اللذة عبير الألم، ولا يستطيع إنسان أن يعرف مقدار اللذة إلا إذا عرف معنى الألم.»
ناپیژندل شوی مخ
وقال شاعر: لم يبق من ملذات الدنيا إلا ثلاث: ذم البخلاء وأكل القديد وحك الجرب.
ويقال إن امرأة فتح الموصلي تعثرت في الطريق، فقطع ظفرها، فضحكت. فقيل لها: أما تجدين الوجع؟ قالت: إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه.
بعث «الرشيد» وزيره «ثمامة» إلى دار المجانين لتفقد أحوالهم، فرأى بينهم شابا حسن الوجه كأنه صحيح العقل، فأحب أن يكلمه، فقاطعه المجنون بقوله: أريد أن أسألك في مسألة.
فقال الوزير: هات سؤالك.
فقال الشاب: متى يجد النائم لذة النوم؟
فأجاب الوزير: حين يستيقظ.
فقال الشاب: كيف يجد اللذة وقد فارقه النوم، والمعدوم لا توجد له لذة؟
فقال الوزير: بل يجد اللذة قبل النوم.
فاعترضه الشاب بقوله: كيف يتلذذ وهو لم يقارب النوم بعد؟ وهل توجد لذة الشيء قبل الحصول عليه؟
فقال الوزير: بل يجد اللذة حال النوم.
ناپیژندل شوی مخ
فرد عليه الشاب بقوله: إن النائم لا شعور له، فكيف تكون اللذة بلا شعور؟!
فبهت الوزير ولم يستطع جوابا، وانصرف مزمعا ألا يجادل مجنونا أبدا.
وقال الربيع بن زياد: «من أراد النجابة فعليه بالطوال، ومن أراد اللذة فبالقصار؛ فإنهن لذيذات النكاح.»
وقال حكيم: «إن اللذة تجعل للحياة قيمة ليست في الحياة ولا في السلف، ولكنه في العمل الذي يكون له أثر فان.» ويقول آخر: «الشعراء أو الشاعرات هم أناس يشعرون بلذة الحياة أكثر من غيرهم، وكثيرا ما ينقادون للعاطفة تاركين الواقع.»
والآن أتركك، أيها القارئ الكريم، مع سطور هذا الكتاب؛ لتعرف المزيد عما بهذه الدنيا من لذات وملذات؛ لعلك تخرج منها بعظة تنفعك، أو تجد فيه لذات كنت تفرط فيها عن جهل وبلا إدراك لمغبتها ومساوئها عليك في الدنيا وفي الآخرة. وأغلب الظن أنك واجد في هذه اللذات فوائد جمة لذهنك اللهيف إلى كل لذة فكرية نافعة ومجدية ومشبعة.
وإني لأحمد الله الذي أعانني على كتابة سطور هذا الكتاب، وأحمده على أن جعلني أول من تعرض لهذا الموضوع بهذا الإطناب، وبهذه الاستفاضة المحبوبة المرغوبة. والحمد لله الذي ساعدني ومكنني، فكتب لهذا الكتاب اللذيذ أن يرى النور الرباني اللذيذ؛ كي يقع بين أيدي قرائي الأعزاء؛ لتقع على سطوره عيونهم اللذيذة، فتهنأ به أرواحهم اللذيذة، وقلوبهم اللذيذة، التي تسعى وراء كل لذة وجدانية راقية المعنى والمفهوم والمضمون.
وفقني الله دوما إلى ما فيه سعادة القارئ العربي عامة، والمصري خاصة، وإلى ما فيه إثراء للمكتبة العربية بكل مقتنى نفيس.
والله ولي التوفيق.
أمين سلامة
28 / 2 / 1985م
ناپیژندل شوی مخ
تقديم
جاء في المصباح المنير:
1
لذ الشيء «يلذ» من باب تعب، «لذاذا» ولذاذة بالفتح صار شهيا، فهو «لذ» و«لذيذ». و«لذذته» «ألذه» وجدته كذلك، يتعدى ولا يتعدى. و«التذذت» به و«تلذذت» بمعنى. و«استلذذته» عددته «لذيذا». و«اللذة» الاسم، والجمع «لذات».
وجاء في مختار الصحاح:
2
لذذ: «اللذة» واحدة «اللذات». وقد «لذذت» الشيء وجدته «لذيذا»، وبابه سلم، و«لذاذا» أيضا. و«التذ» به و«تلذذ» به بمعنى. وشراب «لذ» و«لذيذ» بمعنى. و«استلذه» عده لذيذا. و«اللذ» النوم. و«اللذ» و«اللذ» بكسر الذال وتسكينها لغة في الذي، والتثنية اللذا بحذف النون، والجمع الذين، وربما قالوا في الرفع اللذون.
3
هذا ما رأيناه بين أيدينا حاليا من معاجم اللغة، وهو يبين أن لفظ اللذة يعنى به أن هذا الشيء اللذيذ «شهي»، وأن هذا اللفظ مفرد اللذات، ويعنى به أيضا النوم.
ولفظ اللذة عند أطباء النساء ينصرف إلى ما يحصل عليه المرء من انبساط وانشراح أثناء وبعد اتصاله جنسيا بامرأة، سواء كانت زوجته أو خليلته أو كان استمناء إلى غير ذلك.
ناپیژندل شوی مخ
وشدة اللذة عند الأطباء أيضا يطلق عليها ذروة الشهوة، وهي المصحوبة بنشاط منعكس معين في الأعضاء الجنسية كنتيجة لإثارتها إثارة مناسبة، وفي الذكر تصاحب ذروة اللذة باندفاع السائل المنوي، وفي الأنثى لا تؤدي قمة اللذة إلى إفراز أية عصارات تناسلية.
4
ويظهر أن لفظ اللذة ينصرف أكثر إلى هذا المعنى، خاصة بين أبناء البلد وأنصاف المثقفين.
وقد أسعفنا المعجم الوسيط
5
بوصف أوسع للذة: «لذ» الشيء لذاذا ولذاذة صار شهيا، فهو لذ ولذيذ. يقال: عيش لذ وشراب لذ، (ج)
6
لذ ولذاذ وهي لذة، وفي التنزيل العزيز:
وأنهار من خمر لذة للشاربين ، والشيء بالشيء؛ لذا وجده لذيذا، «لذذه» جعله ملتذا. «التذ» الشيء وبه وجده لذيذا. «تلاذ» الرجل والمرأة، التذ كل منهما بالآخر. «تلذذ» الشيء وبه وجده لذيذا. «استلذ» الشيء وبه وجده لذيذا. «اللذ»: يقال «رجل لذ» طيب الحديث، والنوم.
أي ومعنى «اللذ» أيضا النوم. «اللذة» إدراك الملائم من حيث إنه ملائم، كطعم الحلو عند حاسة الذوق، والنور عند البصر، وحصول المرجو عند القوة الوهمية.
ناپیژندل شوی مخ
والأمور الماضية عند القوة الحافظة نلتذ بذكرها.
وطيب طعم الشيء. «الملذ» موضع اللذة، (ج) ملاذ. «الملذة» الشهوة، (ج) ملاذ.
ونكتفي بهذا القدر من التعريف باللذة لغويا.
واللذة في نظري نتيجة لعمل يكتسب المرء منه رضا وشهوة في حياتنا تلك المليئة بالمتاعب، وهي لا تعدو لحظات أو دقائق كل حين وحين.
فحين يقرأ الإنسان رواية شائقة جذابة يشعر بلذة في تعقب حوادثها، كما يشعر بلذة غامرة حينما يجد البطل الذي يتابعه قد انتصر في النهاية، وكذلك حين ينتصر المرء على عدو له أو خصم في قضية أو خلاف، فلذته حينئذ في هذا الانتصار.
وحين يجتمع المرء بمن يحب ويعشق، فإنه يجد لذته في النظر إليها ومحادثتها والتنصت إلى حديثها العذب، وتشتد لذته حينما يقبلها أو يحتضنها.
أما اللذة الكبرى فحينما يتصل بها اتصالا جنسيا، وهنا ذروة اللذة وذروة السعادة؛ إذ يذوب الجسم في الجسم، والروح في الروح.
والأمثلة كثيرة لا تدخل تحت حصر.
وقد يقول قائل: إن اللذة متصلة بالسعادة، أو هي السعادة نفسها.
وفي الحقيقة، إن هذا القول قد يكون قريبا من الصحة، ولكن هل اللذة نتيجة للسعادة أم السعادة هي النتيجة المباشرة للذة؟
ناپیژندل شوی مخ
أعتقد أن السعادة هي النتيجة المباشرة للذة.
فالكاتب الذي يجد لذة في الكتاب وإمتاع القراء بما يكتب يكون سعيدا بذلك، والرجل حين ينتهي من ملامسة زوجته فإنه يشعر بالسعادة؛ لأنه أتم عمليته التي أسعدته وأسعدت زوجته، وغمرتهما بلذة عارمة.
وهكذا.
والفرق بين اللذة والسعادة - في اعتقادي - أن اللذة لحظات بسيطة جدا، أما السعادة فقد يطول وقتها أكثر، وقد تنتهي في زمن أقل.
ولا ريب في ارتباط اللذة بالسعادة، والسعادة باللذة، وإلا فما هي النتيجة في لذة لا تجلب سعادة، أو سعادة بغير لذة؟
إنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا.
واللذات تختلف؛ فمن الناس من يجد لذته في جمع المال وتكديسه وتنميته، ولا تعدلها لذة أخرى في نظره.
وفريق آخر يجد لذته الكبرى في الاستزادة من العلم والتعليم.
وفريق يرى اللذة في النساء وجمالهن والاتصال بهن.
وفريق يرى اللذة في الرياضة بأنواعها، كلعب الكرة أو المشي أو الملاكمة أو بنوع واحد منها. وفريق يجد لذته في إدمان المخدرات، وهنا الطامة الكبرى. وفريق يرى لذته في القراءة، والاعتكاف في المكتبة يقرأ أحاديث الأولين وأحاديث الآخرين، أو يقرأ القصص أو الروايات أو الشعر. وفريق يرى لذته في نقد الناس ومعيشتهم وأحوالهم.
ناپیژندل شوی مخ
وهكذا وهكذا.
وإذا أردنا أن نضع اللذة في المرآة، فلا بد لنا من استكمال جوانبها كلها؛ لأن هذا موضوع متشعب.
ولا ريب أن أديبنا الكبير أمين سلامة كفء للقيام بهذه المهمة.
وفقه الله.
أحمد أحمد سلطان
10 / 12 / 1984م
خواطر في اللذة
(على لسان عدة أشخاص)
ألذ الأوقات عندي حينما أتصل بالله اتصالا وثيقا.
لذتي في تلاوة القرآن الكريم.
ناپیژندل شوی مخ
اللذة حلم من أحلام النفس لا تصل إليها إلا إذا شفت.
قد يجد الجاهل اللذة في جهله، وقد يفقدها العالم بعلمه.
لذة الغني التشفي في الفقير.
أدنس اللذات لذة رجل يتصل بامرأة في الحرام، والعكس صحيح.
من يعكف على اللذات فقط خسر دنياه، وخسر آخرته.
لذتي أن أكون رجلا نافعا للمجتمع.
ألذ الرياضة السير بين الحقول الناضرة، والأشجار الزاهرة، وفي الليالي القمراء.
ألذ القراءة قراءة التاريخ واستخلاص عبره.
ألذ الأوقات أروحها.
ألذ الزمن ربيعه، وألذ العمر شبابه.
ناپیژندل شوی مخ
لا خير في سعادة نتيجة للذة محرمة، ولا خير في لذة لا تعقبها سعادة يرى المرء فيها أنه أطاع ربه.
إذا شممت عبير وردة ناضرة فإنك تجد لذة في ذلك العبير.
ما ألذ أن تنظم شعرا يعبر عن نفسك،
أو تكتب خطابا يعبر عن دخيلتك،
أو تقوم بعمل فيه رضاء لك وللناس ولله.
أعطي صديقي لذة العرفان بالجميل الذي أهدانيه في وقت الشدة.
يا صديقي، لذتك في أن تكتب وتؤلف وتنشر.
أ. أ. سلطان
الذات واللذات
من اللذة أن أرى غيري يتلذذ.
ناپیژندل شوی مخ
من اللذة أن يتلذذ عقلي بالقراءة.
من اللذة أن أطلع على كل ما هو جديد في الوجود.
من اللذة أن أغمض عيني لبضع ثوان، فترتاح أعصابي.
من اللذة أن أتطلع فيما حولي، فأرى الدنيا كلها زهورا ورياحين.
من اللذة أن أضع يدي في جيبي فأجده عامرا بالنقود.
من اللذة أن أنام ملء جفوني بلا هموم ولا مشاكل.
من اللذة أن أرى أما ترضع وليدها من ثديها الحلوب.
من اللذة أن أخرج من منزلي بحذاء لامع.
من اللذة أن أشرب، في الصباح، كوبا ساخنا من الشاي، يتصاعد منه البخار، فيتكثف في الجو بلون أبيض جميل.
من اللذة أن أتناول في العاشرة من صباح كل يوم قدحي المعتاد من القهوة التركية.
ناپیژندل شوی مخ
من اللذة أن أقرأ صحف الصباح وأنا أتناول طعام الإفطار.
من اللذة أن يدق جرس التليفون في الصباح وأرفع السماعة، فإذا بصوت أنثوي عذب رقيقي يعاكسني لأمر لا أعرفه.
من اللذة أن أقضي بعض لحظات من يومي بمفردي أتأمل.
من اللذة أن أشعر بالمحبة نحو كل إنسان.
من اللذة أن أجد تاكسيا يرضى سائقه أن يوصلني إلى وجهتي.
من اللذة أن يأتيني مدين بما لي عنده دون أن أطالبه به منه منذ مدة.
من اللذة أن تفتح جارتي الفاتنة نافذتها كل صباح، فأتفاءل برؤية وجهها الصبوح.
من اللذة أن أشتري الخبز دون أن أقف في الطابور.
من اللذة أن أخدم نفسي بنفسي دون حاجة إلى الخدم.
من اللذة أن أشاهد خلق الله وهم يكدحون في هذه الحياة في سبيل لقمة العيش الحلال.
ناپیژندل شوی مخ
من اللذة ألا تزورني حماتي.
من اللذة أن يشبعني طبق اليوم.
من اللذة أن أجد مكانا أجلس فيه في الأوتوبيس.
من اللذة أن أقبض علاوة استثنائية.
من اللذة أن أسبح كل صيف في مياه البحر الملحة الصافية.
من اللذة أن أسمع صوت المؤذن وهو يقول: «الله أكبر.»
من اللذة أن أسمع الأغاني المحببة إلى نفسي تخترق أذني في الصباح.
من اللذة أن أقابل طلبتي وهم ينتظرونني في شوق.
من اللذة أن تنام زوجتي بين ذراعي.
من اللذة أن أنظر إلى السماء، فأجدها تسبح ربها مرتاحة في عليائها.
ناپیژندل شوی مخ
من اللذة أن تداعبني الأمطار فتبلل بعض ملابس في شتاء كل عام.
من اللذة أن أقف تحت المشن (الدش) وأترك العنان لرشاش الماء ينهمر فوق جسمي الهانئ المستلذ.
مما يسعدني وأستلذ به أن أسبح وأكبر باسم الله وأحمده في السراء والضراء.
يسعدني ويشعرني باللذة أن أعطي فقيرا قرشا حتى ولو لم يشكرني.
من اللذة أن أنجز عمل اليوم ولا أؤجله إلى الغد.
من اللذة أن أسرق بعض الوقت أحاسب فيه نفسي على ما قدمت وأخرت.
من اللذة أن يكون بوسعي شراء كيلوجرام واحد من الفاكهة، أتفكه بها.
من اللذة ألا يأتيني بواب العمارة في أول الشهر يطلب الإيجار.
من اللذة أن أراقب وجه القمر وهو في كامل استدارته، فيخيل إلي أنه يبتسم لي.
أحس باللذة عندما أقطف زهرة فل مما ينبت في شرفة بيتي؛ لأنني أنا الذي زرعت هذه الرياحين وقمت برعايتها وإروائها بالماء.
ناپیژندل شوی مخ
من اللذة أن أراقب جارتي وهي تخرج كل يوم، في الصباح وفي المساء، ومعها كلبها الصغير الجميل كي تنزهه وتروح عن نفسه؛ فالعطف على الحيوان كالعطف على الإنسان.
كم تكون سعادتي ولذتي عندما ترسو باخرة من النوع الحديث في النيل أمام داري، وأرى السياح فوق ظهرها يمرحون!
مما يسعدني ويشعرني باللذة أن أنادي عامل البوتاجاز فيلبي طلبي، ويحضر لي أنبوبة من البوتاجاز.
من اللذة العارمة أن أهم باستعمار تليفوني فإذا بي أجده عامرا بالحرارة وليس معطلا.
من اللذة أن يدق جرس تليفوني فأضع السماعة على أذني، فإذا المتكلم غادة حسناء هيفاء عذبة الصوت، تسألني عن صحتي الغالية عندها.
من اللذة الجمة أن تخرج بنات أفكاري يلعبن على الورق كلمات في سطور، فيزدان لونه الأبيض بلون مداد قلمي، وتزينه أزهار أفكاري.
مما يثلج صدري ويبث في نفسي لذة ما بعدها لذة، أن يزورني أحبائي في وقت أكون فيه مشتاقا إليهم.
أحس بالغبطة واللذة معا، وأكاد أطير من شدة الفرح، عندما أسمع صوت محبوبتي يرن في التليفون، وهي لا تقول أكثر من «ألو».
من اللذة أن أسير على طوار الشارع فلا أجده مزدحما بالسيارات.
من اللذة أن أشتري الفاكهة فيزنها لي الفاكهي بالقسطاس، ولا يسرق من الميزان شيئا.
ناپیژندل شوی مخ