فهو كالحمار لا يمكنه أن يتعلم صناعة ضرب العود والطنبور، لتوتد رسغه، واستدارة حافره، ولا له بنان يجس به على دستبان. ولو جاز أن يكون حمار يغني:
ما بال أنجم هذا الليل حائرةً ... أضلت القصد أم ليست على فلك وشبهه، من أجل أن له حنكًا ولسانًا وقصبة رئة، لما جاز أن يوقع بالمضراب على الأوتار، ويتمم بجس الأنامل، ويرخي الوتر في مجرى السبابة والبنصر، فيبلبل بنشيده، ويولول في ضربه على بسيطه.
فهذه حال العصابة من المعلمين: يدركون بالطبيعة، ويقصرون بالآلة. وتقصيرهم بالآلة هو من طريق العلل الداخلة من فساد الآلة القابلة للروحانية، والخادمة لآلات الفهم، الباعثة لرقيق الدم في الشريانات إلى القلب، وزيادة غلظ أعصاب الدماغ ونقصانها عن المقدار الطبيعي. يعين على ذلك بالحدس وطريق الفراسة فساد الآلة الظاهرة، كفرطحة الرأس وتسفيطه، ونتوء القمحدوة، والتواء الشدق، وخزر العين، وغلظ الأنف، وانزواء الأرنبة. فنستعيذ بالله ألا يشوه خلقة قلوبنا، ولا يجسي أجرام أكبادنا، ويضم أوتارنا وأعصابنا، ولا يعظم أنوفنا، ولا يجعلنا مثلةً للعالمين.