وفي سنة 1289، وهي السنة التي فتح فيها ملك مصر طرابلس نزعت من يد أولئك الأمراء إقطاعاتهم، ولم ترد إليهم إلا في أيام الملك الأشرف خليل قلاوون وأخيه الملك الناصر، ففي سنة 1293 كتب الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الأمير سعد الدين خضر بن محمد، فأقطعه عالية وعين اللبانة والدوير والسباحية وبعضا من العمروسية ومن المغيثة، وكتب أيضا إلى الأمير زين الدين بن علي يعيده إلى خدمته.
وفي سنة 1295 مات الأمير زين الدين صالح بن علي بن بحتر في عرمون ودفن فيها، وكان مشهورا، وقد بنى الدار المجاورة للعين ودار الرأس. وفي سنة 1297 مات الأمير جمال الدين الكبير جحى بن محمد بن جحى بن كرامة بن بحتر، وفي سنة 1313 مات الأمير سعد الدين خضر بن محمد بن جحى، وفي هذه السنة نفسها كتب الأمير ناصر الدين الحسين كتابا إلى نائب دمشق أمير الأمراء الأمير تنكز يقول فيه إنه هو وذوو قرباه آخذون على أنفسهم وقاية بيروت وباذلون الجهد في خدمة الدولة، وإن غالب ما في يدهم من الإقطاعات ملك ثابت لهم بحق شرعي، وإنها لهم بعدة واحد وثلاثين فارسا، وكانت لآبائهم بثلاثة رماح. ثم التمس منه الرفق بهم، فكتب أمير الأمراء إلى السلطان في مصر يخبره بذلك، ويذكر له قدم أملاك الأمراء في الغرب؛ فأمر السلطان أن تبقى في أيديهم وأن يزاد لهم من الجند بقدر ما زيد لهم من الإقطاعات، فبلغت الزيادة النصف فضوعف عدد الجند حتى بلغ اثنين وستين فارسا.
وأما تفصيل بيان الإقطاعات للأمراء بحسب اللائحة التي كتبت في ديوان ناظر الجيش؛ فهي أن للأمير ناصر الدين الحسين ابن الأمير سعد الدين خضر أمير الغرب ولعشيرته وذويه عرمون وصير وبشالا وكيفون وبيصور وثلث عين عنوب وثلث عيناب وشمشوم وثلث كفر عميه وثلث بثاثر وبركة شطرا ومرتغون وثلث حصة الملك في خلدة ومغدلا ومن الفريديس فدان، وللأمير عز الدين الحسن بن سعد الدين أمير الغرب ولذويه وخمسة خصيان نصف عاليه ونصف الخريبة وعيثا ونصف الدوير ونصف السباحية ونصف المغيثة وربع قدرون ونصف قطع أرض في قرتيه وربع طردلا وربع رمطون وربع عين كسور، وللأمير عز الدين حسين بن شرف الدين علي ولذويه وعشرة خصيان نصف عيتات ونصف دقون ونصف مجدليا ونصف شملال وثلث عين عنوب ونصف سرحمور ونصف عين درافيل وثلث بثاثر وثلث عيناب وقطع أرض في العمروسية وثلث حصة الملك في خلدة وثلث كفر عميه ومن الفريديس فدان، وللأمير سيف الدين مفرج بن بدر الدين يوسف بن زين الدين صالح ولذويه وعشرة خصيان نصف عيتات ونصف دفون ونصف مجدليا ونصف شملال ونصف عين درافيل وثلث بثاثر ونصف سرحمور وثلث عيناب وقطع أرض في العمروسية وثلث كفر عميه وثلث حصة الملك في خلدة ومن الفريديس فدان، وللأمير علم الدين سليمان بن غلاب ولذويه وخمسة خصيان نصف الخريبة وعيثا ونصف الدوير ونصف السباحية ونصف درب المغيثة وربع قدرون ونصف قطع أرض في قرتيه وربع طردلا وربع رمطون وربع عين كسور، وللأمير سيف الدين إبراهيم بن نجم الدين محمد بن جحى ولذويه وخمسة خصيان ربع بطلون وربع الطفرانية ونصف القبي ونصف محوارة ونصف معيستون وربع الدوير وربع أقطو، وللأمير شمس الدين عبد الله بن جمال الدين جحى ولذويه وأربعة خصيان نصف قدرون ونصف رمطون ونصف طردلا ونصف عين كسور، وللأمير عماد الدين موسى بن مسعود بن أبي الحبيس ولذويه وثلاثة خصيان له نصف دفون ونصف الفساقين ونصف شطرا ونصف دير قوبل ونصف عين حجية.
وقد اجتمع هؤلاء الأمراء فانقسموا في المحافظة على بيروت مناوبة إلى ثلاث فئات لكل فئة منهم نوبتها. وفي سنة 1302 أتى الإفرنج الدامور، وكان بها الأمير شمس الدين عبد الله وأخوه الأمير فخر الدين عبد الحميد ابنا جحى، فقتلوا الأمير فخر الدين وأسروا أخاه الأمير شمس الدين عبد الله، وأسروا خمسة رجال معه، ولبث في أسرهم خمسة أيام، فاستخلصه الأمير ناصر الدين الحسين بثلاثة آلاف دينار صورية. وفي سنة 1323 وقعت في بيروت بين الإفرنج وبين واليها عز الدين البيسري وأمراء عرمون معركة شديدة؛ فجرح بعض الأمراء، وكان الفوز للإفرنج فاستقدم تنكز أمير الأمراء إليه وهو بدمشق الأمراء التنوخيين والتركمان من كسروان، وتسخط عليهم وسجنهم فشفع لديه فيهم الأمير ناصر الدين الحسين؛ فأطلقه ثم أطلق بقية الأمراء لثبوت براءتهم لديه، ثم أمرهم بالإقامة ببيروت، فبنى الأمير ناصر الدين دارا على شاطئ البحر.
وفي سنة 1342 صدرت منشورات إلى جميع الولايات قاضية بتجهيز الجنود وبعثها على الكرك، فجهز الأمير ناصر الدين الحسين أخاه الأمير عز الدين الحسن إلى الكرك في جماعة من قومهما، فلما بلغ هذا الأمير الكرك أمره رئيس العساكر حالا أن يزحف برجاله على القلعة، فزحف بهم وقاتل راجلا قتالا شديدا، فولى أصحابه عنه هاربين فأدركه الأعداء فقتلوه، وكان شجاعا ثابت الجأش وله بعض المباني في عبيه. وفي سنة 1345 أمر الأمير يلبغا الأتابكي نائب دمشق أمراء الغرب أن يسكنوا بيروت، وفي سنة 1350 مات الأمير ناصر الدين الحسين بن خضر بن محمد بن جحى بن كرامة بن بحتر وله من العمر ثمانون سنة، وكان مهيبا شاعرا رقيقا سريع الخاطر وله مبان كثيرة في بيروت والغرب، وقد اشتهر الأمير عز الدين جواد بن علم الدين سليمان الرمطوني بجودة الخط، حتى قيل عنه إنه كتب آية الكرسي الشريفة على حبة الأرز مرات، وقد توفي هذا الأمير في سنة 1356 وله من العمر ثلاث وخمسون سنة.
وحدث في سنة 1373 أن الأمير يلبغا الأتابكي أنفذ إلى بيروت الأمير بيدمر الخوارزمي، فقدم إلى هذا الأمير تركمان كسروان، وأخذوا على أنفسهم أن يسيروا إلى قبرص في ألف رجل طلبا للحرب، وسألوا هذا الأمير أن يزودهم بكتاب إلى يلبغا فيسيروا به إلى مصر ويستحصلوا إقطاعات أمراء الغرب، فلما أحس بذلك الأمير سعد الدين خضر بن الحسن بن خضر والأمير سيف الدين يحيى بن صالح سبقاهم إلى مصر، ثم وصل التركمان فأمر يلبغا أن يكتب لهم لوائح في إقطاعات أمراء الغرب، فكشف الأميران أمرهما للقاضي علاء الدين كاتب سر الأمير يلبغا، فقال القاضي للأمير في حضرتهما أن أمراء الغرب من غرس الملوك الأوائل، فحاشا لسيدي الأمير أن يقطع عنهم في أيامه السعيدة ما أولاهم إياه الملوك الأوائل من النعم فأمر إذ ذلك يلبغا بإبطال تلك اللوائح، وأقر الأمراء في إقطاعاتهم. ولما هم الأميران بالعود إلى بيروت أوعز إليهما القاضي أن عمرا خان الحصيني؛ فأنيط تعميره بالأمير زين الدين صالح، ووقف على ذلك المزرعة المعروفة بجرن الدب غير أن الأمراء أولاد الحمرا اغتصبوها لأنفسهم.
وحدث في سنة 1382 أن قدم الإفرنج بسفنهم إلى بيروت، فخرجوا إلى المدينة، وحدثت فيها موقعة كان النصر فيها لهم، فلما رأى الأمير سيف الدين يحيى شرذمة منهم عند خرائب القلعة القديمة هجم بجماعته عليهم، واندفع على صاحب العمل منهم، فتناولوه برماحهم، فكبا به جواده، ثم نهض وكر على صاحب العلم فأسقط العلم من يده، فلما شهد الإفرنج سقوط علمهم فروا منهزمين إلى البحر يطلبون العود إلى سفنهم، وقد غرق بعضهم في الماء عند الازدحام طلبا للنجاة، وكان السبب في انكسارهم ذلك الأمير سيف الدين.
ثم وصل بيدمر نائب الشام قادما منها، فلما مثل لأمير لديه أغلظ له النائب الكلام لكراهيته له، فقال: أنت مائل بقلبك إلى الإفرنج وموال لهم سرا. فقدم له الأمير فرسه وجوادا آخر فاقتبلهما منه، ولكن لم يزل متغيظا عليه؛ فنزع عنه الإقطاعات، فكتب الأمير إلى صديق له عند الملك الظاهر بمصر يستشفعه في أمره، وسعى هو إلى دمشق يلتمس من كبار القوم فيها شفاعتهم فيه لدى بيدمر فلم يجده ذلك كله نفعا.
وحدث في أثناء ذلك أن قتل بيدمر، فعاد الأمير يلتمس من حاجب الحجاب أن يشفع فيه لدى الملك فكتب إليه كتابا وسيره به إلى مصر، فصدر الأمر أن تعاد إلى الأمير إقطاعاته، ومات هذا الأمير في سنة 1388 وله ولد يسمى الأمير فخر الدين عثمان. وحدث في هذه السنة نفسها أن الملك الظاهر برقوق قدم لحصار دمشق، فبعث إلى الأمراء يستقدمهم إليه، وأمرهم أن يأتوا معهم بنائب بيروت دولة باتر وأن يسوقوهم قسرا إذا امتنع، فأتى دمشق الأمير فخر الدين عثمان بن يحيى، والأمير عماد الدين إسماعيل بن فتح الدين، والأمير عز الدين حسن بن ظهير الدين، والأمير سيف الدين أبو بكر، والأمير ناصر الدين بن جمال الدين. ولما مثلوا لدى الملك الظاهر أمرهم أن يأتوه من بيروت بشيء من الرصاص للمنجنيق، فسيروا في ذلك أحدهم - الأمير عز الدين - فأتى بالمروم، ثم سار الملك الظاهر إلى شقحب لمقاتلة تمريغا، فهزمت ميسرة تمريغا ميمنة الظاهر؛ فانهزم بذلك الأمراء، فضم الملك الظاهر عساكره في الحال واندفع بها على تمريغا فكسره، وأما تمريغا فأنفذ إلى بيروت من لدنه نائبا عليها اسمه أرغون، فانضم إلى أرغون هذا تركمان كسروان مع الأمير علي والأمراء ذوي قرباه من ولد الأعمى، والتحمت معهم جماعة من المنطاشية، وزحفوا جميعا بأقوامهم على الغرب؛ فلقيهم أمراء الغرب برجالهم عند الساحل، واشتبك الفريقان مقتتلين اقتتالا شديدا؛ فكانت الغلبة لأصحاب تمريغا، وقتلوا من أعدائهم تسعين رجلا، وأسروا بعضا منهم - الأمير شرف الدين عيسى بن أحمد، والأمير علاء الدين بن شمس الدين من عرمون - فأرسلوهما إلى زوق ولد الأعمى ونهبوا ما بلت يدهم به من أموال الأمراء ببيروت، أما الأمراء المنهزمون من شقحب فعادوا حينئذ.
وكان قد تحقق انتصار الملك الظاهر وتوجهه إلى الديار المصرية؛ فأطلق المنطاشية الأميرين من الزوق، وقد تبع أولئك الأمراء الملك الظاهر إلى مصر فأجرى عليهم الوظائف كالعساكر؛ إذ حسب أنهم جاءوا مع عساكره إلى مصر، فاغتنم الأمراء ولد الأعمى تلك السانحة، وجمعوا التركمان من كسروان، وزحفوا بهم إلى الغرب، وقاتلوا أهله وهزموهم، وقتلوا منهم أربعين رجلا، ونهبوا عدة من قراه، فهاج ذلك جماعة الملك الظاهر فدهمت العساكر الظاهرية أولئك التركمان تركمان كسروان، وقاتلوهم فقتلوا الأمير عليا من ولد الأعمى، ونهبوا زوق تركمانه، ثم تسنى لهم بعد ذلك أن قبضوا على أخيه الأمير عمر وعذبوه عذابا أليما مات به.
ناپیژندل شوی مخ