وعيَّر رجلٌ ابنَه بأمِّه، فقال الابن: هي والله خيرٌ لي منك، لأنها أحسنت الاختيار فولدتني من حرٍّ، وأنتَ أسأت الاختيارَ فولدتني من أمةٍ. . .
وقال رجل لابنه: ما أطيب الثُّكْلَ يا بنيَّ! فقال الابن: اليُتمُ أطيب منه يا أبت! وقيل لبعضهم: أيُّ ولدك أحبُّ إليك؟ قال: صغيرُهم حتى يَكبرَ، ومريضُهم حتى يبرأ، وغائبُهم حتّى يقدَم. . .
أقولُ: وإنّما قال صغيرهم حتى يكبر، لأنّ كبيرَ الأولادِ في العادة قلّما يَظفرُ من حبّ أبيه بمثل ما يظفر به الصغير، وقد قالوا في ذلك ما يُبين عن السبب، وهو ما روي أن رجلًا من العرب رأى بنيه يَثِبون على الخيل وقد تنادَوا بالغارةِ، فذهب يرومُ ذلك مرةً وثانية فلَمْ يَقْدِرْ، فقال: من سرَّه بنوه ساءته نفسُه. . . وفي ضِدِّ هذا المعنى يقول أكثمُ بنُ صَيفيٍّ حكيمُ العرب:
إنَّ بَنِيَّ صِبْيةٌ صَيْفِيُّونْ ... أفْلَحَ مَن كان له رِبْعِيُّونْ
يقال أصافَ الرجلُ يُصيف إصافةً: إذا لم يُولَدْ له حتّى يُسِنَّ ويَكبر وأولادُه صَيْفيّون، والواحدُ صَيْفيٌّ، والرِّبعِيّون: الذين وُلِدوا في حَداثتِه وأوَّل شبابه، ولمّا حَضرتْ سليمانَ بنَ عبد الملك الوفاةُ تمثّل بهذا البيت لأنّه لم يكنْ في أبنائِه مَنْ يقلِّده العَهْدَ بعده، ومعنى ذلك عندهم: أنّ الأولاد الكبار أفضلُ من الصغارِ لدى الوالدِ، ولاسيّما إذا كَبِر. . . وهذا على
نقيض قولِ القائل: من سرَّه بَنوهُ ساءته نفسُه، وإن كان لكلٍّ وِجهةٌ هو مولّيها.
وناول عمر بن الخطاب رجلًا شيئًا فقال له: خَدمَك بنوك، فقال عمر: بل أغنانا اللهُ عنهم.
1 / 27