Desirable Voluntary Prayers
بغية المتطوع في صلاة التطوع
خپرندوی
دار الهجرة للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م
د خپرونکي ځای
الرياض - المملكة العربية السعودية
ژانرونه
بغية المتطوع
في صلاة التطوع
بقلم
محمد بن عمر بن سالم بازمول
ناپیژندل شوی مخ
مقدمة الكتاب
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإنه لما كانت صلوات التطوع من هدي الرسول ﷺ الذي قال الله ﵎ فيه: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾ [الأحزاب: ٢١]، ولما كان تطلب أحكامها وصفاتها من كتب الحديث وشروحه يحتاج إلى جهد ووقت؛ رأيت أن أجمع في ذلك جملة مما صح، مرتبًا له، مع تعليق وجيز حول فقه الحديث فيما أورده من أجله؛ رغبة في تقريب هدي الرسول ﷺ في صلوات التطوع لي ولعموم المسلمين، وتسهيل وتيسير الوقوف عليه في محل واحد.
وقد راعيت الاختصار غير المخل، وابتعدت عن الإكثار؛ مكتفيًا غالبًا بالإشارة عن طول العبارة، وسميته: " بغية المتطوع في صلاة التطوع ".
1 / 5
وأسأل الله بأن له الحمد لا إله إلا هو الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام: أن يتقبل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن يرزقني القبول في الدنيا والآخرة؛ إنه سميع مجيب.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مكة ٢٢ رمضان ١٤١٣ هـ
محمد بن عمر بازمول
1 / 6
صلوات التطوع
تعريفها، وأنواعها، وفضلها
ويشتمل هذا الباب على الفصول التالية:
(١-١) تعريف صلوات التطوع.
(٢-١) أنواع التطوع.
(٣-١) فضل التطوع.
وإليك البيان:
1 / 7
صلوات التطوع
تعريفها، وأنواعها، وفضلها
(١-١) تعريف صلوات التطوع
(صلوات التطوع): مركب إضافي، والأسماء المركبة يبدأ في تعريف مفرداتها، ثم تعريفها بعد الإضافة.
فـ (الصلوات): جمع، مفردها صلاة.
وهي في اللغة: الدعاء (١)
وفي الشرع: أقوال وأفعال، مفتاحها الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم.
و(التطوع) في اللغة: تكلف الطاعة، أو التبرع بما لا يلزم من الخير، أو الزيادة التي ليست لازمة.
ولا يقال: (تطوع)، إلا في باب الخير والبر (٢) .
وفي الشرع: الزيادة على ما وجب بحق الإسلام، سواء كانت هذه الزيادة واجبة أم لا
_________
(١) "معجم مقاييس اللغة" (٣/٣٠٠)، "مفردات الراغب" (ص٢٨٥) .
(٢) "معجم مقاييس اللغة" (٣/٤٣١)، "مفردات الراغب" (ص٣١٠) .
1 / 9
وبما أن الصلوات الواجبة بحق الإسلام هي: الصلوات الخمس في اليوم والليلة: صلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء.
وبما أن التطوع هو ما زاد على الفرض؛ سواء كان واجبًا أم لم يكن.
فإن صلوات التطوع، هي: الصلوات الزائدة على الفروض الخمسة؛ سواء كانت هذه الصلوات واجبة أم لا.
فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم (صلوات التطوع) .
ولا يخفى عليك إن شاء الله أنه لا تعارض هذا كون بعض الصلوات غير الفروض الخمسة لها حكم الوجوب، مع كونها داخلة في (صلوات التطوع)، على التقرير السابق؛ لأن وجوبها ليس بذاتها؛ إنما لأمر حف بها، ولا يترتب لها من الأحكام ما يترتب للفروض الخمسة؛ من استقرار وجوبها العيني على كل مسلم ومسلمة، حضرًا وسفرًا، لأن وجوب هذه الصلوات الخمس إنما هو بحق الإسلام، أما غيرها من الصلوات – إذا وجبت – فإن وجوبها بأسباب مختلفة؛ كدخول المسجد وإرادة الجلوس فيه، فإنه سبب لوجوب تحية المسجد، ووجوب الوفاء بالنذر سبب لوجوب الصلاة المنذورة، وهكذا (١)
_________
(١) وبهذا التقرير تعلم أن من يستدل بحديث طلحة بن عبيد الله؛ قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله ﷺ: " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال: هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع" ... الحديث. أخرجه البخاري في (كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، حديث رقم ٤٦)، وأطرافه من البخاري تحت الأرقام التالية: (١٨٩١، ٢٦٧٨، ٦٩٥٦) .
أقول: بالتقرير المذكور تعلم أن من يستدل بهذا الحديث على عدم وجوب شيء
ص١١
من الصلوات غير الصلوات الخمس لم يصب، وذلك لأن حديث الأعرابي إنما هو في تقرير الواجب بحق الإسلام، فلا ينفي الواجب بغيره، لأن وجوب غير الصلوات الخمس إنما هو بأسباب خاصة. ويرشح هذا المعنى أمور؛ منها:
-قوله في الحديث: " خمس صلوات في اليوم والليلة"؛ إذ معناه: " المفروض على المسلم في كل يوم وليلة خمس صلوات، لا زائد عليها، وهذا لا ينافي وجوب صلوات أخرى، كصلاة تحية المسجد مثلًا؛ لأنها ليست من صلوات اليوم والليلة، بل هي ذات سبب خاص، وليست عينية أيضًا، وكذلك الصلوات المنذورة؛ فليست مما كتبه الله، بل هي داخلة في التطوع الذي قد يكتبه المرء على نفسه، فيلزمه الله ما التزم" "المختار من كنوز السنة " (ص٣٢٦) .
-ويؤكد هذا قوله في تمام الحديث: " صيام رمضان" قال: هل علي غيره؟ قال: " لا؛ إلا أن تطوع" وذكر له الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا؛ إلا أن تطوع".
ومعلوم اتفاق أهل العلم على وجوب الصوم في الكفارات إذا تعين على المسلم، ومن يدل نسك الحج: ﴿فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم﴾، وصوم النذر، وصوم أولياء الميت: "من مات وعليه صوم؛ صام عنه وليه ... " متفق عليه (انظر جامع الأصول ٦/٤١٧) .
وكذا اتفاقهم على الواجب في مال المسلم لا ينحصر في الزكاة؛ فالنفقة على من تجب نفقته واجبة، وما يجب على العبد بسبب الكفارات، وبسبب الجنايات، وبسبب النذر ... إلخ، وقول من قال من الفقهاء: "ليس في المال حق سوى الزكاة"؛ إنما يعني به: ليس في المال حق واجب بسبب المال سوى الزكاة، وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال؛ كما تقدم، وكوجوب أداء الديون، وحمل العاقلة، ووجوب الإعطاء في النائبة، وغير ذلك. " الإيمان لابن تيمية (ص ٢٩٨ - ٢٩٩) .
-ويزيد هذا المعنى وضوحًا قول الأعرابي في آخر الحديث عند البخاري (١٨٩١): والذي أكرمك بالحق؛ لا أتطوع شيئًا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا. فقال الرسول ﷺ: " أفلح إن صدق (أو: دخل الجنة إن صدق) "، وفي رواية: والله؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال رسول الله ﷺ: " أفلح إن صدق ".
=إذ ظاهره أنه يريد: لا أزيد على ما فرض علي بحق الإسلام، ولا أنقص شيئًا مما فرض علي بحق الإسلام؛ فلا أزيد صلاة في اليوم والليلة على الصلوات الخمس، ولا أصوم شهرًا زيادة على رمضان ... وهكذا.
ويدل على أن المراد ذلك؛ أنه علق فلاحه على صدقه في عدم الزيادة وعدم النقص؛ فكيف يصح أن يشهد له الرسول ﷺ بالفلاح على عدم الزيادة على الخمس إذا كان المراد بالزيادة التي ليست بواجبة؟ ولا يقال: إنه أثبت له فلاحه إذا أتى بما عليه، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحًا. أقول: لا يقال هذا؛ لأنه خلاف ظاهر النص، خاصة مع قوله ﷺ: " إن صدق"، ومع وجود المعنى الذي ذكرته؛ فلا تكون حاجة إلى هذا التكلف.
ثم كيف يقره الرسول ﷺ على الحلف أن لا يستكثر من الخير. فيقول: " والله لا أزيد ... "؟!
ولينظر: " نيل الأوطار" (٣/٨٣-٨٤)، و"كتاب الإيمان" لابن تيمية (ص ٢٩٧-٣٠٠) .
فإن قيل: إن عبادة بن الصامت لما قيل له: إن فلانًا يقول: الوتر واجب؛ أجاب: بأن الله فرض خمس صلوات. وهو جواب يلتقي فيه مع من يستدل بحديث الأعرابي على عدم وجوب شيء من الصلوات غير الخمس.
فالجواب: إن استدلال عبادة لا يخالف التقرير الذي ذكرته؛ لأن عبادة إنما أورده في حق صلاة الوتر، فكأنه قال: الواجب على المسلم في اليوم والليلة بحق الإسلام خمس صلوات، ولو قيل بوجوب الوتر؛ لكان الواجب ست صلوات، وهذا خلاف ما أوجبه الله على العباد من الصلاة في اليوم والليلة. وبالله التوفيق.
فائدة: يستفاد من هذا الحديث أن كلمة (تطوع) استعملت فيه بمعنى الزيادة، سواء كانت واجبة أم مستحبة، ألا تراه قال: " والذي أكرمك بالحق؛ لا أتطوع شيئًا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا، فقابل بين التطوع والنقص، ويفسره مؤكدًا لهذا المعنى الرواية الأخرى: " والله؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص".
وقد استعملت في هذه الرسالة كلمة تطوع بهذا المعنى؛ أعني: الزيادة مطلقًا، سواء كانت واجبة أم لم تكن واجبة.
ومما تقدم في تعلم السر في أن المصنفين في أحاديث الأحكام وغيرهم يبوبون (باب صلاة التطوع)، ثم يقررون وجوب بعض هذه الصلوات، وذلك يدل على أنهم ﵏ فهموا التطوع بمعنى الزيادة، سواء كانت واجبة أم غير واجبة، ولم يفهمون بمعنى الزيادة التي ليست بلازمة؛ كما هو أصل المعنى اللغوي.
وعليه؛ فإن كلمة (التطوع) في الشرع جاءت بأوسع من معناها في اللغة؛ خلافًا لغيرها؛ ككلمة (الحج) و(الصلاة)، والله أعلم.
1 / 10
(٢-١) أنواع صلوات التطوع
التطوع نوعان:
الأول: التطوع المطلق، وهو الذي لم يأت فيه الشارع بحد.
فمثلًا: صدقة التطوع لك أن تتبرع في سبيل الله بما شئت، ولو نصف تمرة، ولك أن تتطوع بالصلاة في الليل والنهار مثنى مثنى.
ولكن في هذا التطوع المطلق ينبغي أن لا يداوم عليه مداومة السنن الراتبة، وأن لا يؤدي إلى بدعة أو مشابهة أهلها.
الثاني: التطوع المقيد، وهو ما جاء له حد في الشرع.
فمثلًا: من أراد أن يأتي بسنة الفجر الراتبة؛ لا يتحقق منه الإتيان بها إلا بركعتين قبل صلاة الفجر بعد دخول وقتها بنية راتبة الفجر، وكذا مثلًا: من أراد أن يصلي صلاة الكسوف؛ لا تتحقق صلاته إلا بالصفة المشروعة، وكذا صلاة العيدين ... وغيرها من السنن التي جاء الشرع لها بوصف معين.
وموضوع هذه الرسالة هو: النوع الثاني من التطوع؛ أعني: التطوع المقيد.
(٣-١) فضل صلوات التطوع
وردت في فضل صلوات التطوع أحاديث كثيرة؛ منها:
أ) عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم (١) الصلاة". قال: " يقول ربنا جل وعز لملائكته - وهو أعلم -: انظروا في صلاة عبدي؛ أتمها أم نقصها (٢)؟
فإن كانت
_________
(١) أي: المتعلقة بحق الله تعالى. " دليل الفالحين" (٣/٥٨٠) .
(٢) قال ابن العربي في " عارضة الأحوذي" (٢/٢٠٧): "يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة واعدادها بفضل التطوع، ويحتمل ما نقصه من الخشوع.
والأول عندي أظهر؛ لقوله: " ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال"، وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل؛ فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها، كذلك الصلاة، وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم وأتم" اهـ
قال العراقي فيما نقله عنه في "تحفة الأحوذي" (١/٣١٨): " يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة، وإن لم يفعله فيها، وإنما فعله في التطوع.
ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضًا من فروضها وشروطها.
ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسًا، فلم يصله، فيعوض عنه من التطوع، والله ﷾ يقبل من التطوعات الصحيحة عوضًا عن الصلوات المفروضة ". اهـ.
1 / 13
تامة؛ كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئًا، قال: انظروا؛ هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع؛ قال: أتمموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم" أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة. (١)
والحديث فيه بيان حكمة من حكم مشروعية صلوات التطوع.
ب) عن ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي؛ قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سل". فقلت: أسألك مرافقتك في
_________
(١) حديث صحيح لغيره.
أخرجه أحمد في "المسند" (٢/٢٩٠)، وابن المبارك في "الزهد" (٩١٥)، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب قول النبي ﷺ: " كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه"، حديث رقم ٨٦٤/١ / ٣٢٢-عون) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الصلاة، باب المحاسبة على الصلاة، (١/٢٣٢)، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، حديث رقم ٤١٣، ١/٣١٨ – تحفة) وقال الترمذي: " حسن غريب من هذا الوجه"، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (١/٢٦٢)، وقال: "صحيح الإسناد".
والحديث حسنه البغوي في " شرح السنة" (٤/١٥٩)، وصححه محقق "شرح السنة" وكذا صححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (١/٢٤٠)، وفي " صحيح سنن الترمذي" (١/١٣٠)، وفي "صحيح سنن النسائي" (١/١٠١)، وفي "صحيح سنن أبي داود" (١/١٦٣) .
1 / 14
الجنة. قال: " أو غير ذلك؟ ". قلت: هو ذاك! قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود". أخرجه مسلم وأصحاب السنن (١) .
ج) عن معدان بن أبي طلحة اليعمري؛ قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله ﷺ، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة (أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله)؟ فسكت، ثم سألته؟ فسكت، ثم سألته الثالثة؟ فقال: سألت عن ذلك رسول الله ﷺ، فقال: " عليك بكثرة السجود لله (٢)؛ فإنك لا
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (١٠٦و ١٢٣٦)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، حديث رقم ٤٨٩) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الإمامة، باب فضل السجود، ٢/٢٢٧)، والترمذي في (أبواب الدعوات، باب منه، ما جاء في الدعاء إذا انتبه من الليل، حديث رقم ٣٤١٦، ٤/٢٣٤- تحفة) مقتصرًا على طرف منه دون محل الشاهد، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي ﷺ من الليل، حديث رقم ١٣٢٠، ١/٥٠٧-عون)، وابن ماجه في (كتاب الدعاء، باب ما يدعو به إذا انتبه من الليل، ٣٨٧٩) أخرج طرفًا منه دون محل الشاهد.
وليس لربيعة بن كعب في الكتب الستة سوى هذا الحديث. انظر: "تحفة الأشراف" (٣/١٦٨) .
(٢) المراد بالسجود هنا: صلوات التطوع؛ لأن السجود بغير صلاة أو لغير سبب، غير مرغب فيه على انفراده. والسجود وإن كان يصدق على الفرض، لكن الإتيان بالفرائض لابد منه لكل مسلم، وإنما أرشده الرسول ﷺ إلى شيء يختص به ينال به ما طلبه.
ولذلك أورد ابن حجر العسقلاني حديث ربيعة بن مالك في باب صلاة التطوع من "بلوغ المرام" (٢/٣-سبل) .
فإن قلت: ما السر في التعبير عن الركعة بالسجود؟
فالجواب: لأن السجود أكثر أعمال الصلاة تحققًا في العبودية لله ﷿؛ فهو كاسر للنفس، ومذل لها، وفيه يتحقق معنى من معاني العبودية؛ وهو: الخضوع، حيث حقيقة العبادة تمام المحبة لله مع تمام الخضوع له، وأي نفس انكسرت وذلت لله ﷿؛ استحقت الرحمة، ولما ورد في السجود عن أبي هريرة: قال رسول الله ﷺ: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛
ص ١٦
فأكثروا الدعاء" أخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث رقم ٤٨٢) .
1 / 15
تسجد لله سجدة؛ إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة". قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء، فسألته؟ فقال لي مثل ما قال لي ثوبان. (١) .
والحديثان يدلان على فضيلة الإكثار من صلوات التطوع.
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، حديث رقم ٤٨٨) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الإمامة، باب ثواب من سجد لله ﷿ سجدة، ٢/٢٢٨)، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في كثرة السجود، حديث رقم ١٤٢٣)، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود، حديث رقم ٣٨٨، ١/٣٠٠ – تحفة) .
تنبيه: هذا الحديث عزاه المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (١/٣٠٠) لأبي داود ولم أجده، ولم يعزه إليه في "تحفة الأشراف" (٢/١٤٠)، وكذا لم يشر في "ذخائر المواريث" إلى أبي داود فيمن أخرجه.
1 / 16
السنن الرواتب
فضلها، ووصفها، وأحكامها
المقصود بالسنن الرواتب: الصلوات التي كان رسول الله ﷺ يصليها أو يرغب في صلاتها مع الصلوات الخمس المفروضة؛ قبلها أو بعدها.
ويشتمل هذا الباب على الفصول التالية:
(١-٢) فضل السنن الرواتب.
(٢-٢) وصفها وأحكامها.
وبيان ذلك فيما يلي:
1 / 17
السنن الرواتب
فضلها، ووصفها، وأحكامها
(١-٢) فضل السنن الرواتب
وردت في فضل السنن الرواتب أحاديث: منها في فضل السنن الرواتب على الإجمال، ومنها في فضل بعض أفرادها؛ من ذلك:
أ) ما جاء عن أم حبيبة زوج النبي ﷺ؛ أنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعًا (١) غير فريضة؛ إلا بنى الله له بيتًا في الجنة (أو: إلا بنى له بيت في الجنة) ". أخرجه مسلم.
وفي رواية للترمذي والنسائي فسر هذه الركعات: " أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر" (٢) .
_________
(١) فسرت هذه الركعات بـ: "أربع ركعات قبل الظهر ... "؛ كما سيأتي في الرواية التي عند النسائي والترمذي.
وقد ذهب بعضهم إلى أن هذا التفسير مدرج في الحديث، وهذه الدعوى لا دليل صحيح عليها، والأصل أن ما روي في الحديث من الحديث، ومجرد الاختلاف لا يدل على دعوى الإدراج، على أن هذا الاختلاف هنا لا يضر، إذ القرائن تساعد على قبول هذه الزيادة فتنبه!
(٢) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، حديث رقم ٧٢٨) واللفظ له، وأخرجه الدارمي في "سننه" (١/٣٣٥)، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، حديث رقم ١٢٥٠، ١/٤٨٦-عون)؛ جميعهم بدون هذه الرواية المفسرة.
وأخرج الحديث بها: النسائي في (قيام الليل، باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة، ٣/٢٦٢)، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة، حديث رقم ٤١٥، ١/٣١٩-تحفة)، والحاكم (١/٣١١) وصححه على شرط مسلم وفي السند من لم يخرج له مسلم! وصححه ابن حبان (٦١٤-موارد) .
تنبيه: جاء في رواية: " وركعتين قبل العصر"؛ مكان قوله: " وركعتين بعد العشاء"، والمحفوظ ما أثبته، والرواية الأخرى - أعني: " وركعتين قبل العصر" - شاذة.
1 / 19
قلت: والحديث يدل على استحباب المثابرة على صلاة ثنتي عشرة ركعة تطوعًا كل يوم.
ومن حافظ على السنن الرواتب؛ دخل في هذا الفضل المذكور في هذا الحديث؛ إذ أنه يصلي قطعًا في كل يوم ثنتي عشرة ركعة وأكثر.
ففي الحديث فضيلة المحافظة على السنن الرواتب عمومًا والمذكورة في الحديث خصوصًا، والله أعلم.
وقد ثبت فعل الرسول ﷺ للسنن الرواتب، فاجتمع لها القول والفعل منه ﵊.
ب) عن ابن عمر ﵄؛ قال: " حفظت من النبي ﷺ عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا يدخل على النبي ﷺ فيها، حدثتني حفصة: أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر؛ صلى ركعتين"
وفي رواية للبخاري ولمسلم نحوها زيادة: " وسجدتين بعد الجمعة".
1 / 20
وفي مسلم: " فأما المغرب والعشاء والجمعة؛ فصليت مع النبي ﷺ في بيته ".
وفي رواية الترمذي: " حفظت عن رسول الله ﷺ عشر ركعات يصليها بالليل والنهار" (١)
(٢-٢) وصف السنن الراتبة وأحكامها
يشتمل هذا الفصل على بيان السنن الراتبة لكل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، من خلال خمسة مباحث، لكل صلاة مفروضة مبحث يتعلق براتبتها، أدرج تحته المسائل المتعلقة به.
وإليك البيان:
(١-٢-٢) راتبة صلاة الفجر:
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية:
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في مواضع في " كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر، حديث رقم ١١٨٠) واللفظ له، وفيه في (باب التطوع بعد المكتوبة، حديث رقم ١١٧٢) والزيادة منه، وفيه في (باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، حديث رقم ١١٦٥) وفي (كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، حديث رقم ٩٣٧)، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، حديث رقم ٧٢٩)، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة باب ما جاء أنه يصليهما في البيت، حديث رقم ٤٣٤، ١/٣٣٠-تحفة)، وأخرجه مالك "موطأ محمد" (٢٩٦)، وزاد: " كان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيسجد سجدتين"، "موطأ الليثي" (١/١٨٠-تنوير)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/٣٣٦)، والدارمي (١/١٢٥٢، ١/٤٨٦-عون)؛ بنحو ما في "موطأ محمد" وأخرجه النسائي في (كتاب الإقامة، باب الصلاة بعد الظهر، ٢/١١٩)، وانظر: " جامع الأصول" (٦/٤) .
1 / 21
أولًا: حكمها.
ثانيًا: وصفها وفضلها.
ثالثًا: تخفيفها.
رابعًا: ما يقرأ فيها.
خامسًا: الاضطجاع بعدها.
سادسًا: من فاتته.
وتفصيل القول في هذه المسائل كما يلي:
أولًا: حكمها:
راتبة الفجر من آكد السنن الراتبة، وكان ﷺ يتعاهدها ولا يدعها في حضر ولا سفر.
ولم يصح عنه ﷺ ما يدل على وجوبها. (١)
والدليل على صلاة الرسول ﷺ لركعتي الفجر في السفر: ما ثبت عن أبي مريم؛ قال: " كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح؛ نزل رسول الله ﷺ فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله ﷺ المؤذن فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة" (٢) .
_________
(١) أما حديث أبي هريرة مرفوعًا: " لا تدعوها وإن طردتكم الخيل" (يعني: سنة الفجر)؛ فإنه حديث ضعيف.
أخرجه أبو داود (١/٤٨٧-عون)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/٢٩٩)، وفي سنده عندهما عبد الرحمن بن إسحاق المدني؛ ضعيف، وابن سيلان؛ مجهول الحال. وبالله التوفيق.
(٢) حديث صحيح لغيره.
أخرجه النسائي في (كتاب المواقيت، باب كيف يقضي الفائت من الصلاة، صحيح سنن النسائي باختصار السند حديث رقم ٦٠٥، ١/١٣٣) .
والحديث ورد بمعناه عند مسلم في "صحيحه" (حديث رقم ٦٨٠) عن أبي هريرة، وله شواهد كثيرة عند أبي داود في (كتاب الصلاة، باب في من نام عن الصلاة أو نسيها، صحيح سنن أبي داود باختصار السند، ١/٨٨-٩٠) .
وقد قال ابن قيم الجوزية: وكان من هديه ﷺ في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه ﷺ أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها؛ إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر؛ فإنه لم يكن ليدعهما حضرًا ولا سفرًا " أهـ. " زاد المعاد" (١/٤٧٣) .
1 / 22
والحديث يدل على أنه ﷺ كان يصلي صلاة راتبة الفجر مع صلاة الفجر في السفر.
كما يدل على مشروعية صلاتها عند فوات صلاة الفجر عن وقتها، فإنه يشرع في صلاة راتبة الفجر ثم صلاة الفجر كما فعل رسول الله ﷺ.
ثانيًا: وصفها وفضلها:
راتبة الفجر ركعتان، تصليان قبل صلاة الفجر، وقد ورد في فضلها أحاديث منها:
أ) عن عائشة عن النبي ﷺ؛ قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [لهما أحب إلي من الدنيا جميعًا] ". أخرجه مسلم. (١)
والحديث يدل على استحباب ركعتي الفجر والترغيب فيهما.
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم ٧٢٥) والزيادة له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل، حديث رقم ٤١٦، ١/٣٢٠- تحفة)، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، ٣/٢٥٢)، والحاكم (١/٣٠٧) .
1 / 23
ب) عن عائشة ﵂؛ قالت: " لم يكن النبي ﷺ على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر". أخرجه الشيخان (١) . والحديث يدل على تأكيد المحافظة على ركعتي الفجر.
وقد اجتمع في هذه الراتبة: القول منه ﷺ في الترغيب فيها، والفعل منه ﷺ في المحافظة عليها.
ج) وعنها ﵂؛ قالت: " إن النبي ﷺ كان لا يدع أربعًا قبل الظهر، وركعتين قبل [الصبح] الغداة". أخرجه البخاري والنسائي (٢)
وهذه الأحاديث تدل على فضل ركعتي الفجر، وأنها من أوكد الرواتب.
ثالثًا: تخفيفهما:
كان من هديه ﷺ أن يخفف ركعتي الفجر، فلا يطيل القراءة فيهما، ومن الأحاديث الدالة على ذلك:
أ) ما جاء عن أم المؤمنين حفصة؛ قالت: " إن رسول الله ﷺ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح؛ ركع ركعتين خفيفتين قبل
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماها تطوعًا، حديث رقم ١١٦٩)، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم ٧٢٤) .
(٢) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر، حديث رقم ١١٨٢) واللفظ له، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب المحافظة على الركعتين قبل الفجر، ٣/٢٥٢) والزيادة له، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، حديث رقم ١٢٥٣)، والدارمي (١/٣٣٥) .
1 / 24
أن تقام الصلاة". أخرجه الشيخان (١)
ب) عن عائشة؛ قالت: " كان النبي ﷺ يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إنّي لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟ ". أخرجه الشيخان (٢) .
والحديثان يدلان على مشروعية تخفيف ركعتي الفجر.
واستدل بعض أهل العلم بحديث عائشة على مشروعية الاقتصار في سنة الفجر على قراءة فاتحة الكتاب، ولا دلالة في الحديث على ذلك، وغاية ما فيه الإشعار بأنه ﵊ كان يخفف فيهما القراءة، ويؤكد هذا ما يأتي في المسألة التالية.
رابعًا: ما يقرأ فيهما:
أ) عن أبي هريرة ﵁: " أن رسول الله ﷺ قرأ في ركعتي الفجر: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾، و﴿قل هو الله أحد﴾ " (٣) .
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب الأذان، باب الأذان بعد الفجر، حديث رقم ٦١٨) ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم ٧٢٣) واللفظ له.
(٢) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب ما يقرأ في ركعتي الفجر، حديث رقم ١١٧١)، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم ٧٢٤) واللفظ للبخاري.
(٣) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم ٧٢٦) .
1 / 25
ب) عن ابن عباس ﵄: " أن رسول الله ﷺ كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ...﴾ الآية التي في البقرة [١٣٦]، وفي الآخرة منهما: ﴿آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون﴾ [آل عمران:٥٢] ".
وفي رواية: " كان رسول الله ﷺ يقرأ في ركعتي الفجر: ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا﴾ [البقرة: ١٣٦]، والتي في آل عمران: ﴿تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم﴾ [آل عمران: ٦٤] " (١)
والحديثان يدلان على استحباب قراءة سورة الإخلاص في الركعة الأولى وسورة ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ في الركعة الثانية من ركعتي الفجر، كما يدل على استحباب قراءة الآية من سورة البقرة وسورة آل عمران، فيقرأ المسلم أحيانًا بهذا وأحيانًا بهذا؛ تطبيقًا للسنة. (٢)
خامسًا: الاضطجاع بعدهما:
يستحب المسلم إذا صلى راتبة الفجر في البيت أن يضطجع على شقه الأيمن، وذلك لما ورد:
أ) عن أبي هريرة؛ قال رسول الله ﷺ: " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع على شقه الأيمن". أخرجه الترمذي. (٣)
_________
(١) حديث صحيح.
أخرجه مسلم في الموضع السابق (حديث رقم ٧٢٧) .
=فائدة: في حديث ابن عباس: جواز الاكتفاء بالآية في الركعة، وجواز القراءة من وسط السورة، وجواز أن تسمى السورة دون ذكر لفظ (سورة)، فيقال: الآية التي في البقرة، أو التي في النساء ... وهكذا.
(٢) لابن القيم في "زاد المعاد" (١/٣١٦- ٣١٨) تقرير بديع في حكمة قراءة سورتي الإخلاص في راتبة الفجر؛ فانظره.
(٣) حديث صحيح.
أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، حديث رقم ٤٢٠)، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب الاضطجاع بعدها، حديث رقم ١٢٦١)، وصححه ابن خزيمة (١١٢٠)، وابن حبان (٦١٢-موارد، ٦/٢٢٠، حديث رقم ٢٤٦٨- الإحسان)، وصححه النووي في "شرح مسلم" (٦/١٩) وفي "رياض الصالحين"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، والأرنؤوط في تحقيقه لـ "الإحسان".
1 / 26
والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وفيه دلالة على الوجوب؛ إذ هذا مقتضى الأمر (١)، لكن صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب الحديث التالي:
ب) عن عائشة: " أن النبي ﷺ كان إذا صلى سنة الفجر، فإن كنت مستيقظة؛ حدثني، وإلا؛ اضطجع حتى يؤذن بالصلاة". أخرجه البخاري (٢) .
فهذا الحديث فيه أن الرسول ﷺ كان يترك أحيانًا الاضطجاع على شقه الأيمن بعد صلاة راتبة الفجر، ولو كان واجبًا؛ ما تركه.
ودعوى الخصوصية وغيرها لا تثبت إلا بدليل، والأصل العموم، والعمل بجميع ما ورد عنه ﵊ أولى من العمل ببعض دون بعض.
والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع على الجانب الأيمن.
وهل يكون هذا في البيت أو في المسجد؟
حديث أبي هريرة مطلق: فإن صلى راتبة الفجر في المسجد؛ اضطجع في المسجد، وإن صلاها في البيت؛ اضطجع في البيت، لكن لم ينقل عن
_________
(١) وقال به: ابن حزم في "المحلى" (٣/١٩٦)، والشوكاني في "نيل الأوطار" (٣/٢٩) .
(٢) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع، حديث رقم ١١٦١) .
1 / 27