منْفذ الشيطان ومركز تسلُّطِه لا يعني التخلُّصَ من قرينه، ولا انتفاء الوسوسة؛ فالوسوسة باقيةٌ بعد استخراج حظ الشيطان منه ﷺ، والإغواءُ مُنتَفٍ؛ إلى أنْ أعانَه اللهُ عليه فأَسْلَمَ.
وهذا المعنى: - وهو: إسلامُ شيطان النبي ﷺ محْمُولٌ على روايةِ جمهور الرواة أنّ " أسلمَ " بفتح الميم؛ أي: صار الشيطانُ مسلمًا (^١)
وقد ذهب سفيان بن عيينة ﵀ إلى أن (فأسلمُ) هي بضم الواو لا بفتحها؛ فيكون المعنى = (فأسلمُ أنا من شرِّه) وذلك بناءً على أن الشيطان لا يُسلِم.
وما ذهب إليه الجمهورُ قوي؛ لأمرين:
الأول: أنه ﷺ قال: (فلا يأمرُني إلاّ بخير)، فما تحاشى منه ابن عيينة من "إسلام الشيطان" يلزمه في قوله: (فلا يأمرني إلا بخير) فأمرُ الشيطان له ﵊ بالخير يزول به اسم " الشيطان " عنه؛ لكونه أسلم، كما أخبر به ﷺ.
الثاني: أنّ مما يدفع اختيار ابن عيينة ﵀: ما جاء في حديث عائشة< السَّالف، وفيه أن رسول الله ﷺ قال: (نعم، ولكن ربّي أعانني عليه حتى أسلمَ) (^٢)
فقوله ﷺ: (حتى أسلم) نفهم منه أن الإعانة ما زالت من الله لنبيه ﷺ؛ لغاية إسلام شيطانه.
وهذا مُستفادٌ من جهتين:
الأولى: قرينة السياق؛ فالسياق يُفهَم منه ما سبق توضيحُه.
(^١) انظر: المُفهِم (٦/ ٤٠٢)
(^٢) سبق تخريجه في المطلب الأَوَّل.