وفي مراسم الحج في السنة التالية التقى النبي صلى الله عليه وآله في عقبة منى باثني عشر رجلا من رجال يثرب، عشرة منهم من الخزرج واثنان من الأوس، فبايعوه على أن لا يشركوا بالله ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يعبدوا صنما ولا يعصوه في معروف، وسميت هذه البيعة « بيعة العقبة الأولى » أو « بيعة النساء »(45) وطلب رجال يثرب من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يرسل معهم رجلا لدعوة أهل يثرب إلى كتاب الله تعالى، فأرسل معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف، فورد مصعب يثرب وحط الرحال في بيت أسعد بن زرارة (46)، وكان يتردد على محلات الأوس والخزرج نهارا فيدعوهم إلى الإسلام، وكان ذلك سببا في انتشار الإسلام في يثرب، حتى لم يكن فيها بيت ليس فيه رجل مسلم أو امرأة مسلمة(47).
وقد أثمرت جهود مصعب في دعوة أهل يثرب للإسلام، فاستجاب له عدد كبير منهم، حتى إذا كان موسم الحج للسنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية عاد مصعب إلى مكة ومعه طائفة من مسلمي يثرب، فلما انتهت مراسم الحج التقى 73 رجلا وامرأتان ( 11 نفرا منهم من الأوس و64 نفرا من الخزرج ) برسول الله صلى الله عليه وآله عند عقبة منى، فبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم، وعاهدوه على الدفاع عنه.
وبهذا تهيأت ببيعتي العقبة الأولى والثانية مقدمات هجرة النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين إلى يثرب. وكانت الهجرة فصلا جديدا في تثبيت الإسلام وانتشاره وسببا في دوامه من خلال تشكيل الحكومة.
وقد أبدل رسول الله صلى الله عليه وآله سياسته الداخلية في مرحلة التبليغ والدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة إلى مرحلة جديدة هي مرحلة إرساء دعائم الحكم الإسلامي وتحويل النظام القبلي السائد في يثرب من قبل إلى نظام الدولة وتشريع الأحكام(48).
مخ ۱۷