فأمرت أن تدخل، وقالت لنفسها: ما وراء هذه الداهية من خبر شؤم.
ودخلت أوجستينا وانحنت، فتصنعت الملكة الابتسام وقالت: هل اقتلعت ولو حصاة من مخ ذلك الشاب الهرم الذي يدعي أن له حبيبة لاجئة إلى بنطس؟ - ليس في ذلك المخ المائع إلا صلصال لا يصلح للبناء. - أما عرفت من أي طينة ذلك الصلصال؟ - لا أرى إلا أنه من طينة الأكواخ. - مهما كانت طينته قذرة، فلا بد أن تكون ذات سلالة، أما تفل اسما له؟ - بل تفل اسم سدرون، وهم اسم أفرغ من عقم أمله بالعثور على حبيبته اللاجئة إلى بنطس. - ألا يمكن أن يكون هو القمر الساطع المقصود بنطق الهيكل؟
فقالت أوجستينا كاظمة ضحكتها: مولاتي، لم يكن جو بنطس مظلما في زمن من الأزمان كما هو مظلم منذ طلع هذا القمر الأسود. - لا يعني نطق الهيكل سواه، فيجب عصره في التحقيق إلى أن يتضح كل ما في صدره من أسرار. - مولاتي ، يستحيل أن يكون هو المقصود بنطق الهيكل، وإلا لقبضت عليه الشرطيات. إن نطق الهيكل أصدق على الفتى ذي العذار منه على ذلك الشاب الدميم، فإن كان ممكنا نحت تمثال لمكيدة من هذا الشخص الدميم فمن ذي العذار ينحت برج مكايد.
فامتعضت الملكة وقالت متجهمة: لقد أفرغت جعبة الحيل في استخراج أسرار ذي العذار، فوجدت مخه رقا منفوخا خاليا إلا من الطيش والحمق والرعونة.
فهزت أوجستينا رأسها هازئة وقالت: طبعا لا تصدقين جلالتك تظاهره بالنبالة، فإن وراء الأكمة ما وراءها.
ثم قدمت لها رقا وقالت: تفضلي يا مولاتي، شرفي وثيقة الحكم بإعدامه بإمضائك الشريف.
فذعرت الملكة من هذه المفاجأة، وقالت: ويك، لماذا هذا التعجل، وإلى الآن لم يثبت الجرم على الفتى؟ - ذلك أمر جلالتك وقد تسجل الحكم.
كادت الملكة تتفتت من شدة الغيظ، وبذلت مجهودا عصبيا عظيما في كظم غيظها. وفكرت في إبان يأسها، ثم قالت مرتبكة: لم يزل عندنا متسع من الوقت للتحقيق معه عسى أن نبلغ إلى ضميره. - لقد نفد كل أسلوب للتحقيق يا مولاتي، ولم يبق إلا أحد أمرين: إما تشريف الحكم بإمضائك إن كان مستطاعا، أو إصدار العفو عنه إن كان مرغوبا.
قالت هذا القول وهي تبتسم ابتسامة لؤم، كأنها شاعرة بموقف الملكة الحرج.
فسخطت الملكة وقالت: يستحيل أن يعدم قبل أن يبوح باسم المرأة الشريكة له في جرمه، ولكن هل تجدين مبررا للعفو؟ - ربما كان المبرر ممكنا يا مولاتي قبل أن صارت العاصمة تغلي بثرثرة الأمة كالقدر على وطيس حام، أصبحت العاصمة الآن كالمسرح الذي يتوقع المشاهدون فيه ظهور الأبطال بذاهب الصبر. الأمة تلح بإصدار بيان عن أسرار هذا الاعتقال.
ناپیژندل شوی مخ