كنت أحتال لحمله على الارتداد إلى أن اقترب إلى الجسر. - إذن لماذا فضولك في الدخول إلى المدينة؟ - لأني لم أتأكد إن كان قد اعتقل حتى ولا إن كان قد عبر. - كيف كانت صلتك إذن ناقصة؟ - لم تكن ناقصة بل كانت متقنة جدا . رشوت سيدونا حارسة قصر الصيد بسهم من سهام كيوبد، وأوعزت إليها أن تدع أفروديت المزيفة تفهم أن الملكة لا تنتظر أن تأتي للصيد؛ لأنه يقال إن مشكلة سياسية نشأت حديثا فأشغلتها، فعاد المتنكر باسم الوصيفة أفروديت مدعيا أنه سيمضي نهاره في الصيد، وسيعود حتما في المساء، وكنت أسبقه وأنا أزرع أمامه في مراحل طريقه مثل ذلك القول الكاذب الذي يفهم منه أن الملكة عدلت عن الصيد لمشاغل سياسية طرأت عليها، إلى أن رأيته في أول غلس الليل على ظهر جواده يجوس القرية التي قبل الجسر، وبعد ذلك ضيعته، ولم أعد أدري هل عبر الجسر أم لم يعبره، ثم عدت إلى قصر الحدود، فما وجدت له أثرا، فرجعت أمس الأمس، ودخلت المدينة في الغسق، ونزلت في فندق التاجرات لكي أتجسس عسى أن أظفر بخبر عن اعتقال فأطمئن.
فقالت الرئيسة هازئة: مرحى مرحى، لقد ظفرت بأغلال اعتقاله هذه.
وأمسكت سلسلة يديه وهزتها لكي تجلجل.
فقال جيهول: كنت قلق النفس يا مولاتي، ولا أطمئن إلا بالعلم باعتقاله. - أتكون بكرا لرئيس كهنة، ولا تطمئن نفسك لنبوءة الهيكل؟ أم تظن أن هيكل بنطس أقل علما بالغيب من هيكل جاريجاريا؟ - عفوا يا مولاتي، إن جهادي في سبيل اقتناص عرش جاريجاريا من وراثة الطائش الأهوج طوح بي إلى هذا المصير. - هذا جزاء شكك بقدرة هيكل بنطس على معاقبة الحمق والطيش، وعلى وضع الحق في نصابه الذي يحتفظ به. إن هذه الأغلال جزاء ضعف إيمانك بوعد هيكلي أن يؤيد هيكلك في إحباط مكيدة ضم العرشين وتمزيق الدستورين! ستبقى هذه الأغلال في يديك وعنقك إلى أن تحبط المكيدة، وينقلب الأحمقان. - قد ينفذ في حكم القضاء قبل الحبوط المرجو، أفليس في وسعك يا مغيثتي أن تخلقي لي عاشقة من اللاجئات إلى هيكلك لكي تؤيد دعواي، وتسوغ عذري في دخولي إلى المدينة متنكرا؟
فأجابت الرئيسة بأنفة وسخرية: إن اللسان الذي ينطق بالنبوءات ينعقد عن النطق بالأكاذيب يا ذا القداسة الكهنوتية.
فقال جيهول وهو يحني هامته ذلا وانكسارا: إن حكمك يا سيدتي أشد وقرا من حكم القضاء، وأنا الآن في حاجة شديدة لنصحك في ورطتي هذه لا إلى قضائك الصارم. - ليس عندي نصيحة مقدسة، فما لك إلا أن تستصبح إله الشرع عسى أن يلهمك الإصرار على كذبك إلى أن ينسج لك القدر مخرجا من هذا المأزق.
ثم ردت اللثام على وجهه وصفقت فدخلت ملفينا وأمرتها أن ترد المعتقلة (جيهول) إلى الشرطيتين اللتين جاءتا به ثم أن تعود إليها، وألا تفتح لهن باب الخروج إلا متى أمرت بهذا. ولما عادت أمرتها أن تستدعي اللاجئة ذات العصابة السوداء، ولما مثلت ذات العصابة السوداء بين يهديها قالت لها: لست أحتم عليك أن تعترفي بهويتك إذا كنت تأبين الاعتراف بها، وإنما أسألك سؤالا ربما كان من صالحك الصدق في الجواب عليه.
فانحنت الفتاة وقالت متذللة: لا بأس يا مولاتي إذا كان الجواب لا يقتضي أن أطلعك على بغيتي من الالتجاء إلى هيكلك فأصدقك فيه. - هل كنت مضطهدة لأجل حبيب، فلجأت إلى هيكلنا محتمية من الاضطهاد؟
فأجابت الفتاة متنفسة الصعداء: نعم. - هنا شاب متنكر معتقل فادعى أن له حبيبة لجأت إلى بنطس من جراء الاضطهاد لأجله فهل تؤيدين دعواه لكي تنقذيه.
فأجابت الفتاة بلهفة: أحقيقي؟ أظنه حبيبي، أؤيد دعواه. أين هو؟
ناپیژندل شوی مخ