فدخل إلى مخدعه، وهي بقيت تغازل نفسها، يا للهوى يا لشعلة الغرام في الفؤاد! كلما نفخها جبروت الملك لكي يطفئها صب عنفوان الشباب زيتا عليها ليزيدها ضراما ... ا ... آه ... طلبت السعادة في انتصارات الحروب فوجدتها لا تزيد على نبضة واحدة ضعيفة بين نبضات الغارات العنيفة في المعارك . توسلت إليها في مطاردات الصيد فما أصبت منها إلا علفة من قلب غزال تتخم معدة الجسد. وأما معدة النفس فبقيت جائعة، فتطلبت السعادة في سلطة الملك، فما وجدت إلا سلسلة مشاكل ومشاغل لا تنتهي. عبثا بحثت عن سعادة في أي ناحية من نواحي الحياة ... آه. فما وجدتها إلا في الحب، تبا لدستور بنطس الذي يجعل الحب جريمة، فكأنه يحرم الحياة. إذا قتل الحب، فماذا يبقى من هدف للحياة ... آه ... الحب. الحب الحب، هو إله الطبيعة الذي لا يجحد، هلم إلي يا كيوبد إله الحب، إني ملكة عبادك بل أنا خادمة هيكلك.
عند ذاك جفلها قرع على البار الخارجي. ففتحته وإذا أمها الشمطاء العمياء تبدو منه فقالت مبغوتة: ماذا دعاك إلى هذه المفاجأة يا أماه؟
فقالت أمها: صه، لا تدعي أفريدوس يأتي إلى هنا قبل أن أملي عليك نصيحتي. - نصيحتك؟ بأي شأن يا أماه؟ - بشأن المجلس الذي ارفض منذ برهة، فإن أذني العمياء مرهفتان - استوعبتا كل حوار جرى بينكن من وراء الباب. - كانت جلسة سرية يا أماه. - أتودين أن تكتم أسرارك عن أخلص الناس لك؟ عن أمك؟ عن والدتك الساهرة على سلامتك وسلامة عرشك؟
فقالت الملكة خافقة الفؤاد متلعثمة: أجل أنت أم، بل أنت الملكة الأولى، وستبقين الأم التي لا غنى عن نصائحها. - فاجأتك قبل أن ترسمي أية خطة بشأن أفريدوس، فماذا نويت أن تفعلي؟ - نويت أن أحتم عليه الاعتكاف في القصر لا يخرج منه كعادته للصيد إلى أن ينقضي موعد إنذار الهيكل. - أي سبب تنتحلين لهذا التحتيم؟ - لم أفكر بعد بتلفيق سبب له.
مهما لفقت من أسباب فلا يطمئن، وإذا اشتد قلقه أفضى إلى فضح سره، فما هو بالأبله لكي يطاوع طاعة عمياء، إن الاحتفاظ به هنا في القصر غير مأمون العاقبة. - إن تنكره متقن جدا يا أماه، فهو يحلق عارضيه وشاربيه كل يوم مرتين، وإلى الآن لم يكتشف أحد سره.
منذ اليوم ستكون العيون محملقة جدا يا بنتي. - لا يتسنى لأحد أن يتدخل بشئون قصري. - لا تدرين ماذا تكون عاقبة التدقيق في التحقيق الذي قررتنه، فإذا وقعت الشبهة على أفروديت تتبعت الجاسوسات أفريدوس إلى أعماق قصرك.
فقالت الملكة مضطربة: ورأيك الحكيم يا أماه. - رأيي أن يخرج أفريدوس حالا من القصر بأية حجة من غير أن يرتاب بسبب، دعيه يسبقك إلى قصر الصيد على الحدود حيث ابتدأ تعارفكما، حتى متى صار هناك توعزين إليه أن يتريث موعودا بأن تستدعيه بعد حين إذا لم تلحقي به. - أماه، ويلاه، لا أطيق فراقه يوما واحدا. - أشعر بحسرتك، فقد نكبت بها في شبابي أحيانا، ولكن أتطيقين ضياع عرشك إذن؟ - ويحي، كلاهما متعادلان في الميزان. - وكليهما تخسرين. - يمكن أن يسلما كلاهما إذا منحتني دهاءك.
تحتاجين إلى دهاء عظيم يا بنتي؛ لأني أحس أن مكيدة هائلة مدبرة ضدك، فحاذري. - ويحي، أي مكيدة تحسين؟
عجبا، ألا تشعرين أن نطق الهيكل مبني على تسرب أسرار القصر إليه؛ لأن جواسيس الهيكل يجسن أعماق الزوايا والكهوف، ولعل رئيسة الكاهنات علمت بأمر أفريدوس فنطقت بنبوءة الهيكل بناء على هذا العلم.
فقالت الملكة متفجعة: ويلاه. إذن. دبري تدبيرا ينقذني من هذه المكيدة الهائلة يا أماه من غير أن يفقدني التدبير أفريدوس. هو قمري الذي لا أحتمل غيابه يوما واحدا. - العروش يا بنتي، لا تثبت على أساس العواطف الرملي، يجب أن تكون لك إرادة أصلب من الجلمد، يجب أن تقصي أفريدوس عنك إلى آخر الشهر؛ أي إلى ما بعد حدوث الخسوف والكسوف، وثم نرى ماذا يكون بعد إخفاق نبوءة الهيكل.
ناپیژندل شوی مخ