دولت اسلامي او ژر تباهي
الدولة الإسلامية والخراب العاجل
ژانرونه
وحتى لو قررنا التدبير كما يريد الدكتور فإننا سنعجز عن الوصول به إلى صلاح الدنيا وصالح الآخرة، لعدم أخذ الدكتور في الاعتبار بما وصلت إليه علوم السياسة وهي تخصصه الدقيق، وفق عمليات وآليات للتفكير والتعليم. ولأن صلاح الدنيا شأن مدني محض خالص لا دخل للدين فيه، وحتى إعمار المسجد الحرام والمسجد النبوي لم يقم على تدبير وتفكير عميق، بل قام على علوم الهندسة الحديثة وفنون قام بها متخصصون. ولو كان التدبير هو منشئ الصلاح في الدنيا، لكان مسجد النبي هو أفخم بناء أنشئ على الأرض لأن مدبره نبي وصحابه، بينما كان في واقعه بناء شديد التواضع إذا قيس ببيت ريفي في كفر من كفورنا. فالتفكير المؤدي للصلاح لا علاقة له بالدين أو بالإسلام أو بمصطلحاتهم السلفية؛ فالمصطلحات ليست أدوات سحرية تفعل بمجرد النطق بها. أما التفكير العلمي فقام خارج النبع الإسلامي، وقام بجهود أبناء الحضارات السابقة على الإسلام، فتنوعت هندساتها بتنوع أصولها الحضارية؛ فالمساجد في مصر غير المساجد في الشام غيرها في إسبانيا غيرها في جزيرة العرب، فشأن تدبير الدنيا شأن إنساني أرضي بحت. أما شأن الآخرة فهو ما ليس بيدنا إنما هو بيد رب الدين؛ لأن الآخرة ترتبط بالدين والعبادات وأصول التوحيد ... إلخ، ولا دخل بتدبيرنا فيها، فلا نحن نستطيع زيادة ركعات العشاء ولا الصيام في يناير ولا الحج في أمشير. هذه شئون الآخرة، وهكذا لا تجد بين يديك لا صالح الدنيا ولا صالح الآخرة.
ويدهشك ما يرطنون به هذه الأيام حول أخذهم بالحداثة وإيمانهم بالديمقراطية كسبيل للتداول السلمي للسلطة، واكتشافهم أسلوبا جديدا يتناول المستحدثات بحسبانها كانت موجودة في صلب الإسلام، فأصبحوا يفعلون في علوم السياسة ما يفعله مصطفى محمود وزغلول النجار في العلوم الفيزيائية.
ورغم كل هذه المشقة التي يبذلونها، تبدر منهم فلتات لسانية تشير إلى المرجع والمصدر الأصيل الذي لا يحيدون عنه، أنظره يدعم ما يقول عن صنع قرار سياسي بلغة تبدو حداثية، بقول الإمام الشافعي: «إن التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.»
القوم ما زالوا يعيشون زمن كان هناك من يتصرف على الرعية، وأن عليه عندما يتصرف أن يرعى مصالح رعيته. وبدون وعي يلقي الرجل بشهادة يراها لصالح حداثته، فإذ به ينتكس انتكاسة عنيفة إلى زمنه الذهبي السالف، زمن كان الخليفة هو المتصرف على الرعية. ولا تعلم هل فيما درس من علوم سياسية أن التصرف على الرعية هو شأن من شئون الرعية، وأنها هي التي ترعى شئون نفسها، وأنها ليست قاصرة، وليست مستعبدة لسيد فاتح كما كان زمن الخلافة، حتى نقيم لها سادة أوصياء مرة أخرى تكون مهمتهم تدبير شئون مصلحتها.
إن عبارة التصرف على الرعية تعني أن الرعية ليس لها حق التصرف، هي الصورة التي تقبع في خلفيتها صورة الزمن الغابر عندما كنا عبيدا وعلوجا وأنباطا وأهل ذمة وأقنانا وجواري وإماء وغوغاء وعوام، لا يرون الدنيا حولهم وقد أصبح رجال الدين والعبيد والجواري والعوام كلهم سواء لأنهم كلهم شركاء في وطن واحد، ومن أجله يصنعون قرارا يعود على المجتمع بالمصلحة، أصبح الموالي وأهل الذمة يشاركون بالتفكير العميق لصنع القرار السياسي رغم أنف الإمام جلال الدين السيوطي.
المدهش في أمر سدنة الفكر الإسلامي اليوم في قولهم بالحداثة، هو تبنيهم لمبادئها من عدالة وحقوق إنسان ومساواة وديمقراطية ... إلخ، وتبنيهم في الوقت ذاته لمتصرف على الرعية منوط تصرفه بالمصلحة، وهو أمر يجد حل دهشته في ثقتهم أنهم قد تمكنوا من التحول بالمجتمع كله بعد تهيئته عبر وسائل الإعلام والتعليم والمساجد لقبول نظام المتصرفين على الرعية.
أما ما يدهش المتخصص في الدراسات الإسلامية، فهو من أين جاء الشافعي نفسه بهذه القاعدة الشرعية ومن أي حدث زمن الدعوة، أو من أي آية أو حديث خرج بها وجعلها أصلا إسلاميا للسياسة الشرعية عند الدكتور فوزي؟
إن إناطة مصلحة المجتمع بالتصرف على الرعية لم يكن واضحا عند المسلمين الأوائل، بل كان هو الغائب الأمثل بلا نظير، وكانت مصلحة المجموع هي آخر ما يعني المتصرف على الرعية، وإذا كان المفروض أن تكون المصالح واحدة غير متغيرة، فإن تاريخنا يقول إن كل خليفة من الخلفاء الراشدين قد تصرف على الرعية بطريقة غير التي تصرف بها الثلاثة الآخرون.
وإذا كانت مصلحة الناس هي المنوط بقرارات المتصرف عليهم حقا، فهل كان من المصلحة تغيير لغة مصر إلى العربية، فكان أن فقد المصريون والعالم كله وعاء حضاراتهم القديمة وهي خسارة حضارية فادحة ليس لمصر فقط ولكن للعالم والإنسانية أجمع، حتى تحولت آثار تلك الحضارة في نظر المصري المسلم اليوم إلى مجرد مساخيط. ولمصلحة من كان قرار إلغاء المصرية القديمة؟ مصلحة الحاكمين أم مصلحة المحكومين؟
لا يبقى من مفهوم المصلحة فيما تم طرحه حتى الآن، سوى عملية إشراك وهمي للناس لم تتحقق حتى في أفضل قرون التاريخ الإسلامي، هي ذريعة لإشراك الناس في استصدار تشريعات تجور على الناس، حتى إن تذمر الناس قالوا له بمنطق الدنيا إنها المصلحة العامة، وبمنطق الدين إنها إرادة الشريعة.
ناپیژندل شوی مخ